خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
مقدمة:
يزخر الكون الذي نعيش فيه بالأسرار التي يحاول الإنسان منذ وجد على هذه الأرض أن يكتشفها، ولكن أقربها إليه سر اللغة، وأهم مظهر من مظاهر سلوكه، والأكثر من غيرها بل وقبل غيرها جديرة بالدراسة والبحث ما دامت مرتبطة بالإنسان إلى هذا الحد. ورغم مصاحبة الإنسان لها منذ تعلم الكلام إلا أنها عصية في تعريفها ومعرفتها، لأنه لا يحتاج إلى تعريف ما هو أوضح من أن يُعرف فقد صارت اللغة متداولة على لسان الإنسان على نطاق واسع للإشارة إلى عدد كبير من وسائل الاتصال . فنحن نسمع بلغة النمل ولغة النحل ولغة الطيور ولغة الحيوان ولغة الأسماك ولغة الإشارة ولغة الكمبيوتر وحتى لغة العيون التي يتغنى بها الشعراء ولكن تبقى اللغة خاصية نوعية ليس لها شبيها ذو أهمية في أمكنة أخرى، وسؤال الكيفية التي يكتسب بها الإنسان اللغة، هو سؤال الإنسان لنفسه باللغة التي يؤمن يقينا أنه يكتسبها ويستعملها، لمعرفة كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات مُتَصوَّرة ومُتخيَّلة في اكتساب اللغة والإجابة عن سؤاله لنفسه ليست ترفا علميا، إنما هو سعي الإنسان للوصول لمعرفة ذاته، ويريد الباحث أن يعرض من بين تصورات عدة أدارها الفكر البشري في ذهنه، تصورا يرى أنه الأنسب والأحدث في تفسير اكتساب اللغة هو
"النظرية الفطرية".اللغة خصائص وأسئلة
هناك مواصفات كثيرة تتميز بها لغة البشر، منها أن لغة الإنسان تستطيع أن تشير إلى أشياء محسوسة في عالم الواقع، كما يمكنها أن تشير إلى الافعال التي يؤديها الإنسان أو غيره من المخلوقات، وبإمكانها أيضا أن تعبر عن الأفكار الذهنية المجردة، كما تتميز أيضا بخاصية التعميم، قاسم ، 2016 ، ص. (32) مع هذه الخصائص التي نعرفها عن لغتنا وتميزنا عن الكائنات الأخرى ماتزال اللغة غامضة وتطرح أسئلة - على امتداد العصور - شغلت بال المفكرين من فلاسفة وعلماء نفس وعلماء لغة ورجال دين وعلماء اجتماع وسواهم. ولم يستطع الإنسان حتى الآن أن يتوصل إلى الإجابة عليها كلها، تعليمها، ترجمتها اكتسابها . الخ لا نريد أن
نستطرد فنذهب في مثل هذه الأسئلة النظري نهايتها ، فقد لا توجد نهاية فعلية لها . .
- اللغة وعلم النفس
لقد بدأت نشأة اللسانيات النفسية صيف عام 1951 ، في اجتماع المجلس بحوث العلوم الاجتماعية في جامعة كورنيل، إذ تم تشكيل لجنة للسانيات وعلم النفس، برئاسة "تشارلز أو سغورد" ثم عقدت بعد ذلك حلقة دراسية في جامعة "أنديانا" بالتعاون مع المجمع اللساني، في صيف عام 1953 وقد شكلت هذه الحلقة الأساس لأول كتاب يحمل مصطلح "اللسانيات النفسية" في عنوانه: "اللسانيات النفسية : استعراض للمسائل النظرية والبحثية" وقد كان التركيز عند اللسانيين و علماء النفس على الجوانب القابلة للملاحظة من اللغة واستبعاد العمليات العقلية أيا كان نوعها، والاحتفاظ بالسلوك كميدان لعلم النفس، فقد كان الاعتقاد السائد وقتها أن الكلام ليس إلا نوعا من أنواع ما يبديه البشر من سلوك حركي ، واكتساب اللغة عبارة عن عملية تقوم على تزايد سلوكيات الكلام المترابطة بشكل صائب عن طريق مكافأة ما هو مرغوب فيه، وعدم مكافأة ما هو غير مرغوب فيه ونظام التعلم بالاشتراط مشترك بين جميع الكائنات الحية وتعلمها يتم بالطريقة نفسها. وكان الرابط بين اللسانيات وعلم النفس هو النظرة التي ترى أن كل ما هو مثير للاهتمام حيال اللغة قابل للملاحظة المباشرة في إشارة الكلام الفيزيائية، لكن هذه النظرة إلى اللغة وجدت عند ادوارد سابير" معارضة في ورقته البحثية الموسومة "الواقعة النفسية للصواتم" التي نبه فيها إلى ضرورة تجاوز التمثيل الفيزيائي والاهتمام بالتمثيل العقلي
عن
واعتبر أن موضوعها هو مجموعة القواعد الموجودة في الذهن، فهي السبب في انشاء الكلام الذي هو نتيجة قابلة للملاحظة وقد لاقت فكرة تشومسكي إقبالا وقناعة من اللسانيين وعلماء النفس وتمكن "جورج مولر" إدراك الآثار المترتبة على أفكار تشومسكي بالنسبة إلى الدراسة النفسية للغة واكتسابها، كما قام اللساني سول سابورتا" في عام 1961 . كتابه " اللسانيات النفسية قراءات مختارة بدعم من لجنة اللسانيات وعلم النفس في مع
بحوث العلوم الاجتماعية (إيفام ، هيلين ، 2018، ص ص 44 ،42،43)
وهكذا استغل علم النفس النظريات اللسانية في مجال البحث النفسي و أولى علماء النفس اهتمامهم بالظواهر اللسانية، و عدوها مصادر موثوقا بها للمعلومات في موضوعات متنوعة ذات أهمية بالغة للدراسات النفسية. فتبلور هذا العلم واستقل وأصبح له أدواته العلمية وإجراءاته التطبيقية، واستطاع أن ينقل البحث من الاقتصار على الوصف والتحليل دون التفسير إلى دراسة العقل البشري ودوره في العملية اللغوية المحاولة تفسير الظواهر اللغوية وحالات الإنسان أثناء عملية التواصل، ومن ثم يكون اهتمامه المباشر ينصب على الظواهر العضوية والنفسانية لإنتاج الكلام وإدراكه، والمواقف العاطفية والذهنية تجاه حدث بعينه من
أحداث التواصل، والخلفية الثقافية والاجتماعية التي تشكلت فيها نفسية الفرد في مواجهتها. والوقوف على المهارات العقلية والعلاقة بين اللغة والفكر، وعوامل صعوبة الفهم، وتركيب الذاكرة من الناحية اللغوية وطبيعة التذكر، وأسلوب استدعاء المخزون اللغوي من الذاكرة؛ أي العمليات العقلية عند المتحدث قبل صدور اللغة، وعند صدورها من قبل المتكلم. ويهتم بدراسة أمراض الكلام. وقد أكد علماء هذا العلم على أن
الدراسة النفسية يجب أن تستعين أيضا بمعطيات علم اللسان. (عزيز ، 2021 ، ص 459)
إن اكتساب اللغة لا يتم بطريقة مفاجئة، وإنما يتم بطريقة ترتبط بجانب بيولوجي، تؤدي
فيه العوامل البيئية والعوامل الاجتماعية دورها عبر مراحل مختلفة، بدءا من مرحلة ما قبل
الكلام خلال الأشهر الأولى بعد الولادة التي يسود فيها الصراخ المعبر عن الألم والجوع.بعض الأصوات وتمييزها، وإنتاج أصوات عديمة المعنى. وعند نهاية السنة الأولى من العمر حتى
الشهر الثامن عشر تبدأ مرحلة الكلمة الواحدة بنطق كلمات على نحو منفصل، وترتبط بالحاجات الأساسية وبالدلالة على الأشياء التي يتفاعل معها وتعد ذات أهمية بالنسبة له، كما يحدث في كلماته استبدال بعض الحروف مكان بعض. لأنها تمتاز بالابتكار والإيجاز وتعكس معاني كبيرة، وتكون أكثر انتقائية، وتزداد قدرته على إنتاج الجمل المعقدة؛ نظرا لعاملي الخبرة والنضج وبعد عامه الرابع تصير جمله المنتجة أكثر تعقيدا وطولا، وبإمكانه التواصل مع الآخرين لفترة أطول للتعبير عن ذاته واهتمامه وحاجاته ووصف الأشياء والإجابة عن بعض التساؤلات والإدلاء
بالمعلومات (رافع، ص ص 42،46).إذا تأملنا علاقة الطفل باللغة في مرحلة اكتسابه لها خرجنا بانطباع، هو أن ذهن الطفل مهيئ بشكل من الأشكال لإتمام عمليه التكلم في عائلته وفي بيئته ويقوم بتحويلها إلى كلام هو في الواقع مختلف عن كلام الكبار من حيث مظاهره فالطفل يسمع من غير وعي التفاصيل الصوتية الدقيقة التي ستصبح جزءا من معرفته اللغوية، والدقة التي يقلد بها كلام من حوله من غير اهتمام منهم تتجاوز دقة التفاصيل الصوتية؛ لذلك لا يمكن أن تكون هذه الدقة لدى الطفل
(44)
كان الاتجاه السلوكي البنيوي هو المسيطر على الدراسات اللغوية التطبيقية في الخمسينيات من القرن العشرين، وكان يُنظر إلى اكتساب اللغة بوصفه عاده سلوكيه يسهل السيطرة عليها، الذي تشكله البيئة المحيطة بالطفل كالوالدين والاقران والمعلمين، (عبد العزيز ، 1999، ص. (197) فاكتساب اللغة عند السلوكيين شكل من أشكال السلوك الإنساني
ومسار تعلمها لا يختلف عن مسار تعلم أية مهارة سلوكية أخرى.فالأصوات العفوية التي تصدر عن الطفل تتحول إلى فونيمات عن طريق تدعيمها أو تعزيزها باتجاه الأنماط الصوتية عند الكبار والاستجابات اللفظية تتولد عبر المثير أو الحافز الفيزيائي، فيكتسبها الطفل عبر مسار تشريطي بقدر ما يكتشف الأشياء التي تشير إليها الكلمات عبر اقترانها بالكلمة التي يتلفظ بها، فيتعلم معنى كلمة (ماما) ومن ثم ماذا تعني كلمة ( حليب) وبعدها ماذا تعني كلمة (لعبة)، وهكذا إلى أن يتم تعلم معنى الكلمات المبهمة، ككلمة (فكر) وكلمة (فرح)، ومن هنا نرى أنفسنا نميل إلى زيادة جملة.52). وكنتيجة لنظره السلوكيين البنيويين للغة بأنها تراكيب سطحية، منتقدا النظرة السلوكية البنيوية للغة بأنها تراكيب سطحية، وأشكال مجردة من المعنى، وكذا تفسير اكتساب اللغة القائم على أساس المثير والاستجابة والتعزيز والمحاكاة وغيرها من المصطلحات التي تنظر إلى السلوك الإنساني نظرة شكلية، أو حيوانية في أحسن الأحوال، 1999،لقد تجاوز تشومسكي الأطروحات التقليدية وقوّض التصور الكلاسيكي للغة وللمعنى، فلم تعد اللغة مجرد مدونة من الكلمات تدل على أشياء تقابلها في الواقع وتَبَنّى الفلسفة العقلانية بوصفها أساس التفكير اللساني الجديد انطلاقا من طبيعة اللغة الإنسانية ذاتها وواقعها الذهني ففي مؤلفه اللسانيات الديكارتية فصل في تاريخ الفكر العقلاني (1966) " بين المصادر التاريخية والأصول الفكرية لنظريته العائدة إلى الفكر العقلاني الذي ساد أوربا ابتداء من القرن السابع عشر وخاصة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596) - 1650) الذي رفض الوصف المحض للغة، و ربط بين اللغة والعقل، 1986 ، ص ،آلة، ويمكن تفسير ما يصدر عنه تفسيرا آليا، فالحيوان جسم مادي؛ لأنه لا عقل له، مثله مثل الأجسام المادية، ولا يوجد حيوان مهما يكن كاملا أن يفعل ذلك (عبده ، 1979 ، ص. (121 ، 120 ، 119) وهو ما يؤكد عليه تشومسكي في قوله :" ليس من سبب جوهري اليوم للاعتراض على وجهة النظر الديكارتية التي ترى أن القدرة على استخدام الإشارات اللغوية للتعبير عن الأفكار التي تكون بصورة حرة هي ما يرسم الفارق الحقيقي بين
البشر والحيوان والآلة ( تشومسكي ، 2005 ،)1835-1767( Humboldt " وتأثرا بفكرة ربط اللغة بالعقل عند المفكر الألماني "همبولدت
الذي يرى أن اللغة عمل العقل؛ ولأنها كذلك فإن هناك عوامل تكمن تحتها وهي ليست على
وهو ما سماه "شكل اللغة ويتمظهر في شكلين خارجي (آلي) وداخلي (عضوي). والشكل الأخير هو الأهم؛ لأنه الأساس في كل شيء، أو هو البنية العميقة لما يحدث بعد ذلك على السطح. (مصطفى 2017 ص.41). وأشار في مؤلفاته الأخيرة إلى أن علم اللغة فرع من علم آخر أطلق عليه علم النفس الإدراكي، وكان ذلك : في ثلاث مؤلفات من مؤلفاته وهي: "مظاهر النظرية النحوية"، "علم اللغة الديكارتي" ، 1985 ، (207).لقد وجد تشومسكي في الفلسفة العقلية ونحو بورويال وعلم النفس الإدراكي الحجج والدعامة الفكرية لرفض الطروحات البنيوية ذات المنحى التجريبي المتبنية لتصورات علم النفس السلوكي في مجال تعليم اللغة واكتسابها. ومع التحول في مركز الاهتمام من اللغة المجسدة إلى اللغة المبنية داخليا رفض تشومسكي
كثيرا من الأسس التي ارتضتها المدرسة البنيوية من النواحي التالية: - فمن حيث الموضوع، كانت المدرسة البنيوية تتخذ من النصوص اللغوية موضوعا لدراستها، على حين اتخذت المدرسة التحويلية من قدرة المتكلم على إنشاء الجمل التي لم يكن سمعها من قبل
موضوعا لها.ومن حيث أسلوب الدراسة والتحليل، كانت المدرسة البنيوية تعتمد على وسائل الاستكشاف على حين يؤمن تشومسكي بضرورة الحدس والتخمين، ثم إجراء الاختبار لتقويم الفروض المتضاربة.ومن حيث الهدف، وهذا يعني الكشف عن وجود عدد غير متناه من الجمل في أية لغة، وأيها لا يشكل جملا. وكذلك وصف البنية النحوية لكل جملة. وعلى حين كان البنيويون يرون لكل لغة بنيتها التي تتفرد بها ، ويحاولون الكشف عن هذه التشابهات الكلية. 1997، ص
وقد تناول تشومسكي في نظريته هذه عددا من القضايا اللغوية النفسية التي اعتبرها تشومسكي ضرورية وأساسية لفهم طبيعة اللغة وأساليب تحليلها وعملية اكتسابها ومظاهر أدائها
ومن أهم القضايا التي تناولها:
البنية السطحية والعميقة
من المآخذ التي أخذها تشومسكي في التحليل اللغوي وبدأ بها هجومه على منهج السلوكيين في وقت مبكر الاهتمام بسطح اللغة دون عمقها؛ ولا يُعد علما ؛ لأنه لا يُفسر شيئا، فالأهم هو أن نصل إلى البنية التحتية أو العميقة التي من خلالها نصل إلى قوانين الطبيعة البشرية وهي بنية تجريدية معنوية للتمثيل النحوي للجملة، وتنظيم بنائي يحدد جميع العوامل التي تتحكم في ترجمة الجملة وفهم معناها بناها، وتحليله
يقدم لنا معلومات تساعدنا على فهم المعنى الحقيقي للجملة ( عبد العزيز ، 1998 ، ص. (345).الابداعية
وعلى تفهم تعابير فكرية أيضا متجدّدة في لغته وإنتاجه والحكم عليها من حيث الصحة والخطأ ولو لم يستعملها من قبل أو يتدرب على استعمالها.31( .ميشال ،الإبداعية تسقط عن الإنسان صفة الآلية، ولا تعني التقليد السلبي لقواعد اللغة، إنما هي توظيف تلك القواعد توظيفا خلاقا وابتكاريا، فبواسطة هذا الخلق يبتكر متكلم اللغة جملا لم ينطق بها من قبل، فضلا عن فهمها ولو لم يسمع بها من قبل، فالنظرية التوليدية التحويلية تنبني على ما يمكن تسميته بلا نهائية اللغة، فاللغة تتكون من مجموعة أصوات، ومع ذلك فهي تنتج وتولد جملا لانهائية لها وهذا ما يبين طبيعة اللغة الخلاقة فعملية التوليد عملية إبداعية تميز الإنسان عن الحيوان والإبداعية نوعان
- إبداعية تغيّر نظام اللغة، ومحلها التأدية، فكل الانحرافات الاجتماعية والنفسية (ضعف
الذاكرة، التعب الثقافة. التي تتباين من فرد لآخر، قد تؤدي إلى تغيير في ملكة هذا المتكلم. - الإبداعية التي تحكمها القواعد وتوجهها ومجالها الملكة. وهي التي تسمح لنا بتوليد اللانهائي من
النهائي بفضل الطاقة الترددية لقواعدها (شفيقة ، 2004، ص ص 48 ، 47).يمكن اعتبار مسالة الإبداعية في اللغة نقطة افتراق بين المدرسة العقلانية المعرفية والسلوكية الحسية وإيذانا ببدء الصراع بين علم النفس السلوكي وعلم النفس المعرفي في ما يتعلق باللغة، وقد بدأ هذا الصراع واضحا في نقد تشومسكي لكتاب سكينير "السلوك اللغوي" وهجومه العنيد على النظرة السلوكية لاكتساب اللغة، تلك النظرة التي وصفها بأنها عاجزة عن تفسير كثير من الظواهر اللغوية والمشكلات التي تبرز أثناء تعلم اللغة وتقديم حلول لها (عبد العزيز 1998
313)ص(
يستطيع متكلم اللغة أن يفهم لغته ويدلي أيضا بمعلومات على الجمل الجديدة، وبدلاً منها نلجأ إلى الحدس اللغوي في الأحكام اللغوية التي باستطاعة متكلم اللغة أن يقرها. وهي التي تقود الباحث الألسني إلى وضع قواعد اللغة (خليل، 1984، وذلك لأن عملية مساءلة الحدس اللغوي الخاص بالمتكلم تتيح ملاحظة القضايا اللغوية واستنباط قواعد اللغة من خلالها ميشال ، 1986
الفطرة اللغوية
النقطة الرئيسة في نظرية تشومسكي، والتي قادت تفكيره إلى ما تبعتها من أفكار هي فكرة الفطرة اللغوية في ذهن الإنسان، فهو يرى أن العقل / الدماغ الإنساني نظام معقد يدخل في تركيبه أجزاء متفاعلة متعددة، (تشومسكي ، (61) والذي جعل (شومسكي) يزداد تمسكاً بهذه الفكرة ما يراه في تدرج الطفل الصغير في الكلام وفي انتقاله إلى تعلم اللغة وما يميز هذه الفطرية هو شموليتها على عدد هائل من القواعد الكلية التي تولد بالفطرة في ذهن كل إنسان وتنتظم فيه فيصير قادرا على توليد الجمل وبنائها بناء مضبوطا، استنادا إلى ما يسمى بقواعد التوليد، وتتحكم في نمو هذه القواعد عوامل
بيئية واجتماعية وعقلية ووراثية. (خليل (1984 ، ص.هي قواعد نظرية ذهنية كلية عالمية، وليست كما يرى السلوكيون أنها اكتساب يتم بالتقليد والمحاكاة والخزن. تقوم القواعد الكلية بضبط الجمل المنتجة وتنظيمها بقواعد وقوانين لغوية عامة، تخضع لها الجمل التي يُنتجها المتكلم ويختار ما يتصل بلغته من قوالب وقواعد من بين الأطر الكلية العامة في ذهنه. وهذه القواعد الكلية موجودة في بنية الكلام العميقة، وهي الأساس الذي تتفرع عنه اللغات الخاصة، وهي تحتوي على شروط صياغة قواعد اللغات، أن أي لغة تعبر عن معان وأفكار وعواطف وهي أجزاء مشتركة بين بني البشر على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، فالتركيب الباطني لأية لغة لابد أن يحتوي على عناصر مشتركة بين كل اللغات وهنا يبرز دور اللغوي في استنباط ذلك التركيب الباطني الذي يحتوي على العناصر المشتركة بين اللغات. وأما الحجة الثانية فإنها متأتية من أن كل إنسان سوي يولد ولديه الاستعداد ليتكلم أو يفهم أي لغة ما، وما أن يتعرض للغة ما مدة من الزمن حتى يصير أحد الناطقين بها، بل وبإمكانه تكوين جملا خاصة به، وفقا لقوانين يستنتجها بنفسه ليسيطر على اللغة، وهذا ما يدعم وجود عناصر مشتركة بين جميع لغات بني الإنسان. أما الدليل الثالث فتبرزه إمكانية ترجمة أي لغة في العالم إلى أية لغة أخرى، وهذا يدل على وجود نقاط رابطة وأوجه تشابه عديدة بين اللغات من حيث المعاني والمباني على السواء
1314( الخولي ، 1999 ص
اكتساب اللغة من المباحث المهمة . في اللسانيات - التي أثارت جدلا لدى الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس، وقد انقسمت آراؤهم إلى مجموعتين: الأولى تفسر اكتساب اللغة من حيث اعتبارها قدرة فطرية موروثة، والثانية تفسر اكتساب اللغة من خلال الخبرة البيئة، وبين الأولى والثانية تقع وجهة نظر وسطى معتدلة في تفسير اكتساب اللغة تسمى "التفاعلية". ولا نريد هنا التفصيل في هذه النظريات فهي أكبر من أن تسعها صفحات هذه المقالة ولكننا سنقتصر على نظرية تشومسكي لحداثتها وارتباطها بالموضوع. ص (30) فما يؤمن به تشومسكي أن اللغة تنظيم معقد وعبر دراستها نكتشف المبادئ المجردة التي تقود طرق استعمالها، وتتحكم ببنيتها ؛ ولهذا يحتل اكتساب اللغة عنده مكانا بارزا في اهتماماته، تبرزها
تساؤلاته عن طبيعة هذا الاكتساب وعن إمكانية وضع نظرية تسمى "اكتساب اللغة". ينتقد تشومسكي السلوكيين في عملية اكتساب اللغة ويرى أنها قائمة على اعتقادات أولية
ومسبقة سائدة عند السلوكيين والتجريبيين ويعتقد أن دراسة الفرضيات التجريبية التي سيطرت على دراسة اكتساب المعرفة خلال سنين عديدة قد تبناها السلوكيون من دون أي تبرير ، ميشال ، 1986 ، ولهذا يرفض تشومسكي الاقتناع بأن الطفل ينمي بذاته القواعد التي تنتج الجمل المحتملة والتي تندرج ضمنها تراكيب كلامية لم يسمعها من قبل ، والتي لا يمكن التكهن باحتمال ورودها في الكلام، ويُصر على أن بنية التنظيم المعرفي الذي من خلاله يكتسب الطفل اللغة معطاة سلفا إلى الطفل وبالتالي، لا يتم الاكتساب اللغوي متتاليا كما يزعم السلوكيون، أو من خلال دماغ فارغ و بواسطة الاستقراء والتعميم ومن دون أية ضوابط بيولوجية. ميشال ، 1986 ، وما شابه.يبدأ اكتساب اللغة في نظرية تشومسكي اللغوية، ببناء التنظيم الفونولوجي بصورة نشطة وفعالة، فالتنظيم اللغوي يبدو في كل مرحلة تنظيما تاما، فكلما تحسس الطفل بوجود الفونيمات المميزة تغيرت العلاقات بين العناصر وتغير التنظيم ككل، ويستمر هذا الوضع إلى أن يمتلك الطفل التنظيم الفونولوجي ويبدأ الطفل بإدراك الاختلافات القائمة بين الفونيمات في لغة والتفاعل مع الكبار وبتمييزها في وقت لاحق في وقت لا يكون فيه قد أصبح قادرا على إنتاج الفونيمات
ص
أما ما يخص التراكيب اللغوية فقد أثبتت الملاحظات أن أول ما يبدأ الطفل به في عملية اكتسابه استعمال كلمة، ثم الجملة المكونة من كلمتين عبر استخدامه المنظم لفئتين مميزتين من الكلمات الفئة الأولى ويكون عدد عناصرها قليلا، وتسمى (الكلمات المحورية) وترد بصوره متواصلة في كلام الطفل، حيث يبني على عنصر منها كلمة من فئة الكلمات المفردات في سياق محاولاته
الكلامية.
مقدمة:
يزخر الكون الذي نعيش فيه بالأسرار التي يحاول الإنسان منذ وجد على هذه الأرض أن يكتشفها، ويسعى للوصول لمعرفتها، ولكن أقربها إليه سر اللغة، فهي أكثر ملكات النوع الإنساني إنسانية على وجه الخصوص، وأهم مظهر من مظاهر سلوكه، والأكثر من غيرها بل وقبل غيرها جديرة بالدراسة والبحث ما دامت مرتبطة بالإنسان إلى هذا الحد. ورغم مصاحبة الإنسان لها منذ تعلم الكلام إلا أنها عصية في تعريفها ومعرفتها، لأنه لا يحتاج إلى تعريف ما هو أوضح من أن يُعرف فقد صارت اللغة متداولة على لسان الإنسان على نطاق واسع للإشارة إلى عدد كبير من وسائل الاتصال . فنحن نسمع بلغة النمل ولغة النحل ولغة الطيور ولغة الحيوان ولغة الأسماك ولغة الإشارة ولغة الكمبيوتر وحتى لغة العيون التي يتغنى بها الشعراء ولكن تبقى اللغة خاصية نوعية ليس لها شبيها ذو أهمية في أمكنة أخرى، وسؤال الكيفية التي يكتسب بها الإنسان اللغة، هو سؤال الإنسان لنفسه باللغة التي يؤمن يقينا أنه يكتسبها ويستعملها، لمعرفة كيفية مخصوصة تخرجه من متاهات كيفيات مُتَصوَّرة ومُتخيَّلة في اكتساب اللغة والإجابة عن سؤاله لنفسه ليست ترفا علميا، إنما هو سعي الإنسان للوصول لمعرفة ذاته، ويريد الباحث أن يعرض من بين تصورات عدة أدارها الفكر البشري في ذهنه، تصورا يرى أنه الأنسب والأحدث في تفسير اكتساب اللغة هو
"النظرية الفطرية".
اللغة خصائص وأسئلة
هناك مواصفات كثيرة تتميز بها لغة البشر، منها أن لغة الإنسان تستطيع أن تشير إلى أشياء محسوسة في عالم الواقع، كما يمكنها أن تشير إلى الافعال التي يؤديها الإنسان أو غيره من المخلوقات، وبإمكانها أيضا أن تعبر عن الأفكار الذهنية المجردة، كما تتميز أيضا بخاصية التعميم، كما يمكنها أن تشير إلى أشياء وأحداث بعيدة عن المتحدث زمانا ومكانا . ولعل الخاصية الأكثر أهمية التي تتميز بها لغة البشر عن لغات المخلوقات الأخرى هي الصفة التي أشار إليها تشومسكي في نظرياته اللغوية وهي قدرة متكلم اللغة البشرية على الخلق والابتكار حسب الموقف والظروف التي تتطلب الكلام . كما أن باستطاعته أن يفهم عددا لا حصر له من الجمل وأشباهها عندما يسمعها. قاسم ، 2016 ، ص. (32) مع هذه الخصائص التي نعرفها عن لغتنا وتميزنا عن الكائنات الأخرى ماتزال اللغة غامضة وتطرح أسئلة - على امتداد العصور - شغلت بال المفكرين من فلاسفة وعلماء نفس وعلماء لغة ورجال دين وعلماء اجتماع وسواهم. ولم يستطع الإنسان حتى الآن أن يتوصل إلى الإجابة عليها كلها، وإذا اعتقدنا جازمين أننا بعدد محدود من الحروف ننجز عددا لا نهائي من الجمل، يمكن أن نسحب هذا الاعتقاد على أسئلة اللغة الكثيرة التي لا نهاية لها. ومن هذه التساؤلات ما يتعلق بأصل اللغات ، بدايتها، انتشارها، تغيرها انتماؤها، عددها أصواتها، قواعدها، علاقاتها ، لهجاتها ، تعليمها، تعلمها، ترجمتها اكتسابها ... الخ لا نريد أن
نستطرد فنذهب في مثل هذه الأسئلة النظري نهايتها ، فقد لا توجد نهاية فعلية لها . .
لقد بدأت نشأة اللسانيات النفسية صيف عام 1951 ، في اجتماع المجلس بحوث العلوم الاجتماعية في جامعة كورنيل، إذ تم تشكيل لجنة للسانيات وعلم النفس، برئاسة "تشارلز أو سغورد" ثم عقدت بعد ذلك حلقة دراسية في جامعة "أنديانا" بالتعاون مع المجمع اللساني، في صيف عام 1953 وقد شكلت هذه الحلقة الأساس لأول كتاب يحمل مصطلح "اللسانيات النفسية" في عنوانه: "اللسانيات النفسية : استعراض للمسائل النظرية والبحثية" وقد كان التركيز عند اللسانيين و علماء النفس على الجوانب القابلة للملاحظة من اللغة واستبعاد العمليات العقلية أيا كان نوعها، والاحتفاظ بالسلوك كميدان لعلم النفس، فقد كان الاعتقاد السائد وقتها أن الكلام ليس إلا نوعا من أنواع ما يبديه البشر من سلوك حركي ، واكتساب اللغة عبارة عن عملية تقوم على تزايد سلوكيات الكلام المترابطة بشكل صائب عن طريق مكافأة ما هو مرغوب فيه، وعدم مكافأة ما هو غير مرغوب فيه ونظام التعلم بالاشتراط مشترك بين جميع الكائنات الحية وتعلمها يتم بالطريقة نفسها. وكان الرابط بين اللسانيات وعلم النفس هو النظرة التي ترى أن كل ما هو مثير للاهتمام حيال اللغة قابل للملاحظة المباشرة في إشارة الكلام الفيزيائية، لكن هذه النظرة إلى اللغة وجدت عند ادوارد سابير" معارضة في ورقته البحثية الموسومة "الواقعة النفسية للصواتم" التي نبه فيها إلى ضرورة تجاوز التمثيل الفيزيائي والاهتمام بالتمثيل العقلي
للغة.
وفي أواخر الخمسينيات قام " نعوم تشومسكي " بالتصدي لهذه الرؤية السلوكية للغة، عن
طريق طرح طرق جديدة تماما في النظر للغة معتبرا أن الكلام لا يمكنه أن يكون موضوع دراسة إلى من يريد فهم اللغة البشرية، واعتبر أن موضوعها هو مجموعة القواعد الموجودة في الذهن، فهي السبب في انشاء الكلام الذي هو نتيجة قابلة للملاحظة وقد لاقت فكرة تشومسكي إقبالا وقناعة من اللسانيين وعلماء النفس وتمكن "جورج مولر" إدراك الآثار المترتبة على أفكار تشومسكي بالنسبة إلى الدراسة النفسية للغة واكتسابها، كما قام اللساني سول سابورتا" في عام 1961 . كتابه " اللسانيات النفسية قراءات مختارة بدعم من لجنة اللسانيات وعلم النفس في مع
بحوث العلوم الاجتماعية (إيفام ، هيلين ، 2018، ص ص 44 ،42،43)
وهكذا استغل علم النفس النظريات اللسانية في مجال البحث النفسي و أولى علماء النفس اهتمامهم بالظواهر اللسانية، و عدوها مصادر موثوقا بها للمعلومات في موضوعات متنوعة ذات أهمية بالغة للدراسات النفسية. فتبلور هذا العلم واستقل وأصبح له أدواته العلمية وإجراءاته التطبيقية، واستطاع أن ينقل البحث من الاقتصار على الوصف والتحليل دون التفسير إلى دراسة العقل البشري ودوره في العملية اللغوية المحاولة تفسير الظواهر اللغوية وحالات الإنسان أثناء عملية التواصل، ومن ثم يكون اهتمامه المباشر ينصب على الظواهر العضوية والنفسانية لإنتاج الكلام وإدراكه، والمواقف العاطفية والذهنية تجاه حدث بعينه من
أحداث التواصل، والخلفية الثقافية والاجتماعية التي تشكلت فيها نفسية الفرد في مواجهتها. من أهم مجالات البحث لهذا العلم دراسة طرائق وأساليب اكتساب الطفل لغته الأم.
والمؤثرات النفسية التي تعصف بهذا الاكتساب سلبا وإيجابا، والوقوف على المهارات العقلية والعلاقة بين اللغة والفكر، وعوامل صعوبة الفهم، وتركيب الذاكرة من الناحية اللغوية وطبيعة التذكر، وأسلوب استدعاء المخزون اللغوي من الذاكرة؛ أي العمليات العقلية عند المتحدث قبل صدور اللغة، وعند صدورها من قبل المتكلم. ويدرس الاكتساب والإدراك وفق المستويات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية. ويهتم بدراسة أمراض الكلام. وقد أكد علماء هذا العلم على أن
الدراسة النفسية يجب أن تستعين أيضا بمعطيات علم اللسان. (عزيز ، 2021 ، ص 459)
إن اكتساب اللغة لا يتم بطريقة مفاجئة، وإنما يتم بطريقة ترتبط بجانب بيولوجي، تؤدي
فيه العوامل البيئية والعوامل الاجتماعية دورها عبر مراحل مختلفة، بدءا من مرحلة ما قبل
الكلام خلال الأشهر الأولى بعد الولادة التي يسود فيها الصراخ المعبر عن الألم والجوع. ثم تليها
مرحلة إدراك الأصوات وإصدارها خلال السنة الأولى من العمر، ويبدأ الطفل فيها بالانتباه إلى
بعض الأصوات وتمييزها، وإنتاج أصوات عديمة المعنى. وعند نهاية السنة الأولى من العمر حتى
الشهر الثامن عشر تبدأ مرحلة الكلمة الواحدة بنطق كلمات على نحو منفصل، تمتاز بالتعميم
اللغوي تفهم معانيها من خلال السياق، وترتبط بالحاجات الأساسية وبالدلالة على الأشياء التي يتفاعل معها وتعد ذات أهمية بالنسبة له، كما يحدث في كلماته استبدال بعض الحروف مكان بعض. وفي بداية الشهر التاسع عشر إلى نهاية العام الثاني تبدأ مرحلة الكلمتين وتسمى بلغة التلغراف؛ لأنها تمتاز بالابتكار والإيجاز وتعكس معاني كبيرة، وتكون أكثر انتقائية، وأقل تعقيدا من لغة الراشدين، وتستخدم فيها الأسماء والصفات والأدوات والضمائر. وفي بداية العام الثالث تبدأ لغته في الزيادة وهي مرحلة شبه الجملة والجملة التامة يبدأ فيها باستخدام الجمل التي تتألف من ثلاث أو أربع كلمات، وتزداد قدرته على إنتاج الجمل المعقدة؛ نظرا لعاملي الخبرة والنضج وبعد عامه الرابع تصير جمله المنتجة أكثر تعقيدا وطولا، وبإمكانه التواصل مع الآخرين لفترة أطول للتعبير عن ذاته واهتمامه وحاجاته ووصف الأشياء والإجابة عن بعض التساؤلات والإدلاء
بالمعلومات (رافع، عماد، ص ص 42،46).
إذا تأملنا علاقة الطفل باللغة في مرحلة اكتسابه لها خرجنا بانطباع، هو أن ذهن الطفل مهيئ بشكل من الأشكال لإتمام عمليه التكلم في عائلته وفي بيئته ويقوم بتحويلها إلى كلام هو في الواقع مختلف عن كلام الكبار من حيث مظاهره فالطفل يسمع من غير وعي التفاصيل الصوتية الدقيقة التي ستصبح جزءا من معرفته اللغوية، والدقة التي يقلد بها كلام من حوله من غير اهتمام منهم تتجاوز دقة التفاصيل الصوتية؛ لذلك لا يمكن أن تكون هذه الدقة لدى الطفل
نتيجة لأي نوع من التمرين (تشومسكي ، 1990 ، ص. (44)
تجاوز السلوك اللغة والعقل
كان الاتجاه السلوكي البنيوي هو المسيطر على الدراسات اللغوية التطبيقية في الخمسينيات من القرن العشرين، وكان يُنظر إلى اكتساب اللغة بوصفه عاده سلوكيه يسهل السيطرة عليها، وجزء من السلوك الإنساني العام، الذي تشكله البيئة المحيطة بالطفل كالوالدين والاقران والمعلمين، ويخضع لقانون المثير والاستجابة والتعزيز دون ارتباطه بالتفكير العقلي أو الاعتماد على الفطرة اللغوية التي هي من سمات الإنسان بعد العقل، (عبد العزيز ، 1999، ص. (197) فاكتساب اللغة عند السلوكيين شكل من أشكال السلوك الإنساني
ومسار تعلمها لا يختلف عن مسار تعلم أية مهارة سلوكية أخرى.
فالأصوات العفوية التي تصدر عن الطفل تتحول إلى فونيمات عن طريق تدعيمها أو تعزيزها باتجاه الأنماط الصوتية عند الكبار والاستجابات اللفظية تتولد عبر المثير أو الحافز الفيزيائي، وتقدم عملية اكتساب اللغة الصحيحة خلال محاولات الطفل التلفظ بها، عن طريق
الإشراط الذي يتطور من سلسلة الاستثارة والاستجابة والتعزيز. أما معني الكلمة، فيكتسبها الطفل عبر مسار تشريطي بقدر ما يكتشف الأشياء التي تشير إليها الكلمات عبر اقترانها بالكلمة التي يتلفظ بها، فيتعلم معنى كلمة (ماما) ومن ثم ماذا تعني كلمة ( حليب) وبعدها ماذا تعني كلمة (لعبة)، وهكذا إلى أن يتم تعلم معنى الكلمات المبهمة، ككلمة (فكر) وكلمة (فرح)، ومن هنا نرى أنفسنا نميل إلى زيادة جملة. أما القواعد النحوية فيتم اكتس عندما يتعلم ترتيب الكلمات الترتيب الصحيح في الجمل ميشال ، 1986 ، ص ص 51،52). وكنتيجة لنظره السلوكيين البنيويين للغة بأنها تراكيب سطحية، وأشكال مجردة من المعنى، عاد علم النفس في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين إلى الاهتمام بالنواحي المعرفية والعقلانية، بعد أن انصرف عنها فترة من الزمن إلى النواحي الحسية السلوكية عند ظهور اتجاه لغوي نفسي عرف بالاتجاه المعرفي. تزعمه "تشومسكي"، منتقدا النظرة السلوكية البنيوية للغة بأنها تراكيب سطحية، وأشكال مجردة من المعنى، وكذا تفسير اكتساب اللغة القائم على أساس المثير والاستجابة والتعزيز والمحاكاة وغيرها من المصطلحات التي تنظر إلى السلوك الإنساني نظرة شكلية، أو حيوانية في أحسن الأحوال، وقد دعا في مقابل ذلك إلى البحث في التفسير والمعنى؛ لأن اللغة عمل عقلي يتميز به الإنسان عن الحيوان، ومن ثم فان الهدف الأساس للنظرية اللغوية في نظره هو دراسة الجانب العقلي من الإنسان، والكشف عن قدراته اللغوية التي تتحكم في اكتسابه اللغة. (عبد العزيز ، 1999، ص. (214).
لقد تجاوز تشومسكي الأطروحات التقليدية وقوّض التصور الكلاسيكي للغة وللمعنى، فلم تعد اللغة مجرد مدونة من الكلمات تدل على أشياء تقابلها في الواقع وتَبَنّى الفلسفة العقلانية بوصفها أساس التفكير اللساني الجديد انطلاقا من طبيعة اللغة الإنسانية ذاتها وواقعها الذهني ففي مؤلفه اللسانيات الديكارتية فصل في تاريخ الفكر العقلاني (1966) " بين المصادر التاريخية والأصول الفكرية لنظريته العائدة إلى الفكر العقلاني الذي ساد أوربا ابتداء من القرن السابع عشر وخاصة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596) - 1650) الذي رفض الوصف المحض للغة، و ربط بين اللغة والعقل، فهو يرى أن اللغة ميزة من ميزات الجنس البشري، وتعلمها لا يرتبط بذكاء الإنسان ميشال ، 1986 ، ص ، ص: 27 ، 26) كما يرى أن الحيوان ،آلة، ويمكن تفسير ما يصدر عنه تفسيرا آليا، فالحيوان جسم مادي؛ لأنه لا عقل له، ولا يتصرف واعيا، مثله مثل الأجسام المادية، وتركيب أعضائه شبيه بالساعة التي هي مجموع من القطع المعدنية، لكنها تحسب الوقت بأدق وأصدق مما نستطيعه نحن ويركز ديكارت أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو اللغة، فلا يوجد إنسان مهما يكن غبيا يمكنه أن ينقل أفكاره، ولا يوجد حيوان مهما يكن كاملا أن يفعل ذلك (عبده ، 1979 ، ص ، ص. (121 ، 120 ، 119) وهو ما يؤكد عليه تشومسكي في قوله :" ليس من سبب جوهري اليوم للاعتراض على وجهة النظر الديكارتية التي ترى أن القدرة على استخدام الإشارات اللغوية للتعبير عن الأفكار التي تكون بصورة حرة هي ما يرسم الفارق الحقيقي بين
البشر والحيوان والآلة ( تشومسكي ، 2005 ، ص 85).
)1835-1767( Humboldt " وتأثرا بفكرة ربط اللغة بالعقل عند المفكر الألماني "همبولدت
الذي يرى أن اللغة عمل العقل؛ ولأنها كذلك فإن هناك عوامل تكمن تحتها وهي ليست على
السطح، وهو ما سماه "شكل اللغة ويتمظهر في شكلين خارجي (آلي) وداخلي (عضوي). والشكل الأخير هو الأهم؛ لأنه الأساس في كل شيء، أو هو البنية العميقة لما يحدث بعد ذلك على السطح.
فقد رفض" همبولدت " تلك الفكرة التي كانت تحصر حقيقة اللغات في كونها وسيلة لإعطاء أسماء
مختلفة صوتيا لعالم من الأشياء والتصورات الموجودة مسبقا. (مصطفى 2017 ص.(41). فالاعتقاد عند الديكارتيين وعند همبولد وتشومسكي أن لغات العالم رغم اختلافها وتنوعها تمتاز بنظام مشترك يحكم بنياتها المنطقية والعقلية
وتأثر تشومسكي كذلك بعلم النفس، وأشار في مؤلفاته الأخيرة إلى أن علم اللغة فرع من علم آخر أطلق عليه علم النفس الإدراكي، وكان ذلك : في ثلاث مؤلفات من مؤلفاته وهي: "مظاهر النظرية النحوية"، "علم اللغة الديكارتي" ، "اللغة والعقل". وأخذ يكرر أهمية القواعد التحويلية في
اكتشاف ودراسة تراكيب ونوازع العقل البشري (جون يونز ، 1985 ، ص. (207).
لقد وجد تشومسكي في الفلسفة العقلية ونحو بورويال وعلم النفس الإدراكي الحجج والدعامة الفكرية لرفض الطروحات البنيوية ذات المنحى التجريبي المتبنية لتصورات علم النفس السلوكي في مجال تعليم اللغة واكتسابها. فالمعروف أن ما كان سائدا هو الموقف السلوكي التجريبي
الرافض للمفاهيم الذهنية في تحليل السلوك النفسي عند الإنسان، واكتساب اللغة. ومع التحول في مركز الاهتمام من اللغة المجسدة إلى اللغة المبنية داخليا رفض تشومسكي
كثيرا من الأسس التي ارتضتها المدرسة البنيوية من النواحي التالية: - فمن حيث الموضوع، كانت المدرسة البنيوية تتخذ من النصوص اللغوية موضوعا لدراستها، على حين اتخذت المدرسة التحويلية من قدرة المتكلم على إنشاء الجمل التي لم يكن سمعها من قبل
موضوعا لها.
ومن حيث أسلوب الدراسة والتحليل، كانت المدرسة البنيوية تعتمد على وسائل الاستكشاف على حين يؤمن تشومسكي بضرورة الحدس والتخمين، ثم إجراء الاختبار لتقويم الفروض المتضاربة.
ومن حيث الهدف، كان البنيويون يحاولون بدراساتهم القيام بتصنيف عناصر اللغات المدروسة على حين جعل تشومسكي تعيين القواعد النحوية الكامنة وراء بناء الجملة هدفا له . وهذا يعني الكشف عن وجود عدد غير متناه من الجمل في أية لغة، وتوضيح أي نوع من سلاسل الكلمات
تشكل جملا، وأيها لا يشكل جملا. وكذلك وصف البنية النحوية لكل جملة. وعلى حين كان البنيويون يرون لكل لغة بنيتها التي تتفرد بها ، يرى تشومسكي أن اللغات تتشابه على مستوى المقصود "العميق" من المعاني، ويحاولون الكشف عن هذه التشابهات الكلية.
)190رمضان ، 1997، ص
وقد تناول تشومسكي في نظريته هذه عددا من القضايا اللغوية النفسية التي اعتبرها تشومسكي ضرورية وأساسية لفهم طبيعة اللغة وأساليب تحليلها وعملية اكتسابها ومظاهر أدائها
ومن أهم القضايا التي تناولها:
البنية السطحية والعميقة
من المآخذ التي أخذها تشومسكي في التحليل اللغوي وبدأ بها هجومه على منهج السلوكيين في وقت مبكر الاهتمام بسطح اللغة دون عمقها؛ لأن التعامل مع البنية السطحية للغة لا يقدم شيئا في نظره، ولا يُعد علما ؛ لأنه لا يُفسر شيئا، فالأهم هو أن نصل إلى البنية التحتية أو العميقة التي من خلالها نصل إلى قوانين الطبيعة البشرية وهي بنية تجريدية معنوية للتمثيل النحوي للجملة، وتنظيم بنائي يحدد جميع العوامل التي تتحكم في ترجمة الجملة وفهم معناها بناها، وتحليله
يقدم لنا معلومات تساعدنا على فهم المعنى الحقيقي للجملة ( عبد العزيز ، 1998 ، ص. (345).
الابداعية
من أهم القضايا في النظرية التوليدية التحويلية التأكيد على صفه الإبداعية في اللغة كإحدى الصفات الأساسية التي تتصف بها اللغات الإنسانية بصورة مشتركة، والتي تميزها عن غيرها من اللغات المصطنعة، وتتجلى اللغة الإنسانية عبر مظهر استعمالها الإبداعي في القدرة الخاصة على التعبير عن أفكار متجدّدة، وعلى تفهم تعابير فكرية أيضا متجدّدة في لغته وإنتاجه والحكم عليها من حيث الصحة والخطأ ولو لم يستعملها من قبل أو يتدرب على استعمالها.
)31( .ميشال ، 1986، ص
الإبداعية تسقط عن الإنسان صفة الآلية، ولا تعني التقليد السلبي لقواعد اللغة، إنما هي توظيف تلك القواعد توظيفا خلاقا وابتكاريا، فبواسطة هذا الخلق يبتكر متكلم اللغة جملا لم ينطق بها من قبل، فضلا عن فهمها ولو لم يسمع بها من قبل، كما تمثل القدرة على الإنتاج اللانهائي من الجمل انطلاقا من العدد المحصور من القواعد الثابتة في ذهن المتكلم. فالنظرية التوليدية التحويلية تنبني على ما يمكن تسميته بلا نهائية اللغة، فاللغة تتكون من مجموعة أصوات، ومع ذلك فهي تنتج وتولد جملا لانهائية لها وهذا ما يبين طبيعة اللغة الخلاقة فعملية التوليد عملية إبداعية تميز الإنسان عن الحيوان والإبداعية نوعان
الذاكرة، التعب الثقافة...) التي تتباين من فرد لآخر، قد تؤدي إلى تغيير في ملكة هذا المتكلم. - الإبداعية التي تحكمها القواعد وتوجهها ومجالها الملكة. وهي التي تسمح لنا بتوليد اللانهائي من
النهائي بفضل الطاقة الترددية لقواعدها (شفيقة ، 2004، ص ص 48 ، 47).
يمكن اعتبار مسالة الإبداعية في اللغة نقطة افتراق بين المدرسة العقلانية المعرفية والسلوكية الحسية وإيذانا ببدء الصراع بين علم النفس السلوكي وعلم النفس المعرفي في ما يتعلق باللغة، وقد بدأ هذا الصراع واضحا في نقد تشومسكي لكتاب سكينير "السلوك اللغوي" وهجومه العنيد على النظرة السلوكية لاكتساب اللغة، تلك النظرة التي وصفها بأنها عاجزة عن تفسير كثير من الظواهر اللغوية والمشكلات التي تبرز أثناء تعلم اللغة وتقديم حلول لها (عبد العزيز 1998
313)ص(
الحدس
يستطيع متكلم اللغة أن يفهم لغته ويدلي أيضا بمعلومات على الجمل الجديدة، هل هي صحيحة في اللغة أو جملة منحرفة عن قواعد اللغة ؟ فالمدونة الكلامية لا يمكن أن تتضمن أمثلة جمل اللغة المتنوعة، وبدلاً منها نلجأ إلى الحدس اللغوي في الأحكام اللغوية التي باستطاعة متكلم اللغة أن يقرها. وهي التي تقود الباحث الألسني إلى وضع قواعد اللغة (خليل، 1984، ص 97) تسمي مقدرة متكلم اللغة على إعطاء المعلومات حول مجموعة من الكلمات المتلاحقة من حيث أنها تؤلف جملة صحيحة أو جملة منحرفة عن قواعد اللغة بالحدس الخاص بمتكلم اللغة، وهذا الأحكام اللغوية التي باستطاعة متكلم اللغة إقرارها فيما يختص بجمل لغته، هي التي توفر بالذات المادة اللغوية التي تضع من خلالها القواعد، وذلك لأن عملية مساءلة الحدس اللغوي الخاص بالمتكلم تتيح ملاحظة القضايا اللغوية واستنباط قواعد اللغة من خلالها ميشال ، 1986
الفطرة اللغوية
النقطة الرئيسة في نظرية تشومسكي، والتي قادت تفكيره إلى ما تبعتها من أفكار هي فكرة الفطرة اللغوية في ذهن الإنسان، متخذاً من المقابلة بين الإنسان وغيره من الحيوانات ميداناً للتطبيق، فهو يرى أن العقل / الدماغ الإنساني نظام معقد يدخل في تركيبه أجزاء متفاعلة متعددة، أحدها الجزء المسمى بالملكة اللغوية، وهذا النظام الفريد مقصور على النوع الإنساني وإذا ما قدمت إلى هذه الملكة اللغوية المادة الأولية فستُحدد اللغة التي ستكتسب". (تشومسكي ، 1990 ، ص. (61) والذي جعل (شومسكي) يزداد تمسكاً بهذه الفكرة ما يراه في تدرج الطفل الصغير في الكلام وفي انتقاله إلى تعلم اللغة وما يميز هذه الفطرية هو شموليتها على عدد هائل من القواعد الكلية التي تولد بالفطرة في ذهن كل إنسان وتنتظم فيه فيصير قادرا على توليد الجمل وبنائها بناء مضبوطا، استنادا إلى ما يسمى بقواعد التوليد، وتتحكم في نمو هذه القواعد عوامل
بيئية واجتماعية وعقلية ووراثية. (خليل (1984 ، ص. (55)
القواعد الكلية
هي قواعد نظرية ذهنية كلية عالمية، وليست كما يرى السلوكيون أنها اكتساب يتم بالتقليد والمحاكاة والخزن. تقوم القواعد الكلية بضبط الجمل المنتجة وتنظيمها بقواعد وقوانين لغوية عامة، تخضع لها الجمل التي يُنتجها المتكلم ويختار ما يتصل بلغته من قوالب وقواعد من بين الأطر الكلية العامة في ذهنه. وهذه القواعد الكلية موجودة في بنية الكلام العميقة، وهي الأساس الذي تتفرع عنه اللغات الخاصة، وهي تحتوي على شروط صياغة قواعد اللغات، وعلى المبادئ التي تحدد تفسير قوانين هذه القواعد والسبب الكامن وراء هذه القواعد الكلية، هو الافتراض بأن هناك لغة إنسانية واحدة والدليل الأول على ذلك، أن أي لغة تعبر عن معان وأفكار وعواطف وهي أجزاء مشتركة بين بني البشر على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، فالتركيب الباطني لأية لغة لابد أن يحتوي على عناصر مشتركة بين كل اللغات وهنا يبرز دور اللغوي في استنباط ذلك التركيب الباطني الذي يحتوي على العناصر المشتركة بين اللغات. وأما الحجة الثانية فإنها متأتية من أن كل إنسان سوي يولد ولديه الاستعداد ليتكلم أو يفهم أي لغة ما، وما أن يتعرض للغة ما مدة من الزمن حتى يصير أحد الناطقين بها، بل وبإمكانه تكوين جملا خاصة به، وفقا لقوانين يستنتجها بنفسه ليسيطر على اللغة، وهذا ما يدعم وجود عناصر مشتركة بين جميع لغات بني الإنسان. أما الدليل الثالث فتبرزه إمكانية ترجمة أي لغة في العالم إلى أية لغة أخرى، وهذا يدل على وجود نقاط رابطة وأوجه تشابه عديدة بين اللغات من حيث المعاني والمباني على السواء
)1314( الخولي ، 1999 ص
اكتساب اللغة في النظرية الفطرية
اكتساب اللغة من المباحث المهمة . في اللسانيات - التي أثارت جدلا لدى الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس، وقد انقسمت آراؤهم إلى مجموعتين: الأولى تفسر اكتساب اللغة من حيث اعتبارها قدرة فطرية موروثة، والثانية تفسر اكتساب اللغة من خلال الخبرة البيئة، وبين الأولى والثانية تقع وجهة نظر وسطى معتدلة في تفسير اكتساب اللغة تسمى "التفاعلية". ولا نريد هنا التفصيل في هذه النظريات فهي أكبر من أن تسعها صفحات هذه المقالة ولكننا سنقتصر على نظرية تشومسكي لحداثتها وارتباطها بالموضوع. فالتحول التدريجي في الدرس اللساني من لسانيات اللغة المجسدة إلى لسانيات اللغة المبنية داخليا انتقل فيه الدرس اللغوي من دراسة السلوك اللغوي الفعلي إلى دراسة نظام المعرفة الذي يتأسس عليه استخدام اللغة وفهمها، ومن هذا إلى دراسة الموهبة الداخلية في الدماغ البشري (مرتضى، 2002، ص (30) فما يؤمن به تشومسكي أن اللغة تنظيم معقد وعبر دراستها نكتشف المبادئ المجردة التي تقود طرق استعمالها، وتتحكم ببنيتها ؛ ولهذا يحتل اكتساب اللغة عنده مكانا بارزا في اهتماماته، تبرزها
تساؤلاته عن طبيعة هذا الاكتساب وعن إمكانية وضع نظرية تسمى "اكتساب اللغة". ينتقد تشومسكي السلوكيين في عملية اكتساب اللغة ويرى أنها قائمة على اعتقادات أولية
ومسبقة سائدة عند السلوكيين والتجريبيين ويعتقد أن دراسة الفرضيات التجريبية التي سيطرت على دراسة اكتساب المعرفة خلال سنين عديدة قد تبناها السلوكيون من دون أي تبرير ، ميشال ، 1986 ، ص ص (52،53) وأنه لا مبرر لها ضمن الاحتمالات المتعددة التي يمكن تصورها في ما يختص بكيفية عمل الفكر؛ ولهذا يرفض تشومسكي الاقتناع بأن الطفل ينمي بذاته القواعد التي تنتج الجمل المحتملة والتي تندرج ضمنها تراكيب كلامية لم يسمعها من قبل ، والتي لا يمكن التكهن باحتمال ورودها في الكلام، ويُصر على أن بنية التنظيم المعرفي الذي من خلاله يكتسب الطفل اللغة معطاة سلفا إلى الطفل وبالتالي، لا يتم الاكتساب اللغوي متتاليا كما يزعم السلوكيون، من خلال لا شيء، أو من خلال دماغ فارغ و بواسطة الاستقراء والتعميم ومن دون أية ضوابط بيولوجية. ميشال ، 1986 ، ص ص 52 (53) ويدحض هذا الإصرار الزعم المتتالي للاكتساب اللغوي - عند السلوكين - إذ لا يمكن أن تنشأ المعرفة باللغة عبر تطبيق عمليات استقرائية بصورة تدريجية التجزئة إلى العناصر المؤلفة التصنيف الاساليب الاستبدالية
القياس، الإقران التشريط، وما شابه.
يبدأ اكتساب اللغة في نظرية تشومسكي اللغوية، ببناء التنظيم الفونولوجي بصورة نشطة وفعالة، فالطفل عند التفوه بكلمه (بابا) و بكلمه (ماما) يمتلك في البدء تنظيما فنولوجيا مكونا من ثلاثة فونيمات، فالتنظيم اللغوي يبدو في كل مرحلة تنظيما تاما، فكلما تحسس الطفل بوجود الفونيمات المميزة تغيرت العلاقات بين العناصر وتغير التنظيم ككل، ويستمر هذا الوضع إلى أن يمتلك الطفل التنظيم الفونولوجي ويبدأ الطفل بإدراك الاختلافات القائمة بين الفونيمات في لغة والتفاعل مع الكبار وبتمييزها في وقت لاحق في وقت لا يكون فيه قد أصبح قادرا على إنتاج الفونيمات
)56( ميشال ، 1986، ص
أما ما يخص التراكيب اللغوية فقد أثبتت الملاحظات أن أول ما يبدأ الطفل به في عملية اكتسابه استعمال كلمة، ثم الجملة المكونة من كلمتين عبر استخدامه المنظم لفئتين مميزتين من الكلمات الفئة الأولى ويكون عدد عناصرها قليلا، وتسمى (الكلمات المحورية) وترد بصوره متواصلة في كلام الطفل، حيث يبني على عنصر منها كلمة من فئة الكلمات المفردات في سياق محاولاته
الكلامية. والفئة الثانية تسمى ( الكلمات المفردة ويكون عدد عناصرها كثيرا. والطفل في هذه المرحلة اللغوية يمتلك تنظيما تركيبيا خاصا به يختلف عن التنظيم التركيبي الذي يمتلكه الكبار، إنه يحاول من خلال هذا التنظيم أن ينتج الجمل التي تتكون من كلمتين أولا ومن ثم تُزاد إليها كلمة إلى أن يتوصل الطفل إلى استعمال الأدوات والحروف اللغوية فتقترب جملة من جمل لغة الكبار ميشال، 1986 ، ص. (56) والملفت هنا هو ظهور مفهوم الجملة عند الطفل في عملية الاكتساب الأولى للغة ، وهذا المفهوم لا يتمرس الطفل به عبر تعليم طويل الأمد، بل هذا المفهوم ينظم ضمن بنية موحدة. فترتد الكلمات إلى فئات نحوية يرتبط بعضها ببعض بواسطة موقعها في الكلام موقع الفاعل موقع المفعول به ويظهر مفهوم الجملة عند الطفل بصورة مبكرة؛ لأنه يعكس الاستعدادات اللغوية المحددة والتي يتزود الطفل ببعضها بصورة فطرية، ويؤلف الكلام الذي يصنعه الطفل في محيطه، مدونة كلامية تمثل لغة البيئة التي يترعرع فيها. وهذه المدونة عبارة عن عينة تندرج فيها الجمل التي ينطق بها أفراد هذه البيئة وتختلف هذه المدونة عن المدونة التي غالبا ما يعتمدها الباحث اللغوي في دراسته اللغوية، فهي تتكون من مجموعة الجمل التي يسمعها الطفل والتي ليست جملا مصححة وبليغة؛ لأن الأداء الكلامي ينحرف عن الكفاية اللغوية فهذه المدونة لا تساعد الطفل لكي يكتشف قواعد لغته الصحيحة، بل تقتضي مجهودا إضافيا يقوم به لكي يقدر أن يميز بين المعطيات اللغوية الصحيحة وبين المعطيات اللغوية المنحرفة عن قواعد اللغة (ميشال ، 1986 ، ص : 57) إن الطفل يكتشف بقدراته الخاصة تنظيم القواعد الضمني الكامل في كفايته اللغوية والذي يتيح له تكلم لغته وهذا العمل الذي يقوم به لاكتساب اللغة ليس سهلا ؛ لأنه يتم في مدة زمنية قصيرة نسبيا وبسهولة ملحوظة يقوم الطفل فيها بأداء عمليات بالغة التعقيد والصعوبة؛ لكي يتوصل اكتشاف قواعد لغته بصورة لا شعورية، فالطفل مجهز في الواقع وبصورة فطرية، بمجموعة فئا مجردة يطبقها على المعطيات اللغوية التي سوف يستنبطها بمقدار ما يستوعب معطيات لغته.
ويركز تشومسكي على أهمية هذه المبادئ المجردة والفطرية عند الطفل. (ميشال، 1986، ص
59.60 ص
يسمع الطفل مقاطع اللغة التي سوف يكتسبها ويكتشف تدريجيا أن بعض الفرضيات التي سمعها لا تتوافق ومعطيات اللغة وبعضها الآخر يتوافق، فمن المتوقع أنه سيتوصل إلى أن يقبل وبصورة لا شعورية فقط الفرضيات التي تتيح له اعتماد التفسيرات الصحيحة حول جمل لغته وفي هذه المرحلة بالذات يكون قد امتلك قواعد لغته. ومن أهم الحقائق التي تلفت النظر في اكتساب اللغة عند الطفل الدقة الفائقة التي يقلد بها كلام من حوله أعضاء أسرته والأطفال الآخرين، وسواهم فتتجاوز دقة التفاصيل الصوتية هذه ما يستطيع البالغون إدراكه إن لم يمروا بتمرين خاص؛ لذلك لا يمكن أن تكون هذه الدقة لدى الطفل نتيجة لأي نوع من التمرين ويتخذ اكتساب اللغة مساره من غير أدنى اهتمام من الذين يحيطون بالطفل، ومن المحتمل أن يكون ذلك باستقلال عن هذا الاهتمام، ولو أن هناك بعض الاستثناءات الجانبية فمن الواضح أن الطفل يسمع من غير وعي بالطبع، التفاصيل الصوتية الدقيقة التي ستصبح جزءا من معرفته اللغوية، وهي التفاصيل التي لن يكون باستطاعته الإحساس بها عندما يكبر"
)44( .تشومسكي ، 1990 ، ص
يشرح تشومسكي نموذج هذ الاكتساب اللغوي من خلال شرحه لمفهومي اللغة المجسدة واللغة المبنية داخليا فيرى أن الحالة الأولية لملكة اللغة - الحالة ) وهي حالة يشترك فيها جميع البشر العمليات الأولية، وشكل أنظمة القواعد المتاحة ومعيار التقويم مبادئ النحو الكلي) فإذا ما توافرت التجربة بما يقدمه المحيط الاجتماعي والبيئة المحيطة تفحص ملكة اللغة التي تتضمنها الحالة طائفة اللغات الممكنة مختارة اللغة المتسقة مع المادة اللغوية المحددة لها القيمة العليا ومتحولة إلى الحالة التي تتضمن قواعد هذه اللغة، فاذا ما توافرت مواد لغوية جديدة تحول النظام إلى الحالة S، وهكذا إلى أن يدخل إلى الحالة ، التي ينتهي الإجراء عندها، إما بسبب خاصة ما للحالة 5 أو بسبب أن النظام قد بلغ مرحلة من النضج لا تسمح له أن يتقدم أبعد من ذلك، ويختار عقل المتعلم في كل خطوة اللغة التي حددت لها القيمة العليا (أي اللغة الأبسط المتسقة مع ما يعرض من أدلة جديدة وحالة العقل الراهنة. وبهذه الطريقة يتم اكتساب اللغة. (تشومسكي ، 1993، ص. (120) ويسلم تشومسكي بوجود ثلاثة عوامل مسؤولة عن عملية الاكتساب أولها - الملكة الفطرية التي يولد الأطفال مزودين بها، ومشكلة المعرفة الجوهرية التي تبحث فيها وعنها النظرية الفطرية لا تخص التسليم بالافتراض الفطري الذي هو من بدعها، إنما في معرفة ماهية بنيته وخصائصه. أما الثاني - فيتمثل في عمليات التعلم، وصعوبتها في أن كيفيةحدوثها لا تزال غامضة وآخرها - التجربة اللغوية التي يقدمها المجتمع لهذه الملكة (أسماء 2018
رغم الإنجازات التي تحققت في الدرس اللغوي من الهنود إلى يومنا هذا إلا أنها لم تستطع أن
تصل إلى نتائج حاسمة ودقيقة، ومازالت اللغة تمارس فتنتها وستبقى. ما حققه المشروع التشومسكي منذ أكثر من خمسين سنة تم فيه إعادة بناء انتاج الماضي
الديكارتي والغاليلي والبورويالي و .... الخ). وكان مادة مستقبله. استطاعت النظرية الفطرية تجاوز السطحية الواصفة للغة في الطرح السلوكي والغوص في
العمق الذي يخص الجهاز الذهني للمتكلم باللغة تميز النظرية الفطرية في اكتساب اللغة كان وجهة نظر أخرى إلى اللغة، تضاف إلى سابقاتها
وتعبد الطريق لآراء أخرى تفسر اكتساب اللغة من زاوية مختلفة.
تسعى النظرية الفطرية لاحتواء كل اللغات في نظام نحوي منظم في إطار علم النفس الإدراكي
طالما أنه يعالج الشروط النفسية لوجود أنظمه معرفية. المعرفة الجوهرية التي تبحث فيها وعنها النظرية الفطرية لا تخص التسليم بالافتراض الفطري
الذي هو من بدعها، إنما في معرفة ماهية بنيته وخصائصه.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...
Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...
يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...
نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...
نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...
العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...
آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...
Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...
السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...
حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...
رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...