لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (20%)

الحديث عن تأخر الأمة الإسلامية وانحطاطها في القرون الأخيرة طويل ومتشعب، ولكن السمة البارزة في ذلك التأخر تلك التي تجعله يتدنى عن مستوى فترات الانحطاط السابقة هي الانحراف عن فهم الإسلام نفسه، وانحسار مفهوماته التصورية في معانٍ ضيقة ومدلولات محدودة، وهذا الانحراف هو نتيجة وسبب في آن واحد.نتيجة للوهن الذي أصاب الأمة الإسلامية ((حب الدنيا وكراهية الموت)) والذل الذي ابتليت به عقوبة على ترك الجهاد بالمفهوم الواسع للكلمة، ومعلوم من فقه التربية الإيمانية أن الله يعاقب على الذنب بالذنب، وهي أقسى صنوف العقوبات. وهكذا عوقبت الأمة الإسلامية على انحرافها العملي والسلوكي بانحراف أشد منه في العقيدة والتصور.وهو سبب لما تلاه من أحداث جسام ومخاطر جمة اجتاحت الرقعة الإسلامية من أقصاها إلى أدناها، نذكر منها على سبيل التمثيل: والضعف المادي والمعنوي الذي جعل البلاد الإسلامية لقمة سائغة للكفار، حتى كادت تسيطر على الحرمين الشريفين! ولقد كانت هزيمة العثمانيين في (سان جونار)، وتقهقر المماليك السريع أمام نابليون مؤشراً واضحاً على هذين -أي: الركود العلمي والضعف المادي والمعنوي- وبداية خطرة لنهاية الزعامة الإسلامية ليس على العالم بل على أرض الإسلام! وحين نقول: إن هذا الانحراف هو سبب التدهور والانحطاط، فإننا لا ننسى العوامل الخارجية المتمثلة في تفوق الكفار علمياً وعسكرياً والحقد الصليبي الأعمى الذي بث سراياه الفكرية المضللة جنباً إلى جنب مع السرايا الاستعمارية، لكن المنطق الإسلامي الثابت يؤكد أنه مهما بلغت القوة الخارجية، فإن المسلمين لن يؤتوا إلا من قبل أنفسهم، حسب القاعدة المطردة التي سنها الله تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) [الأنفال:٣٥]، وأوضحها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ودعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة، فيستبيح بيضتهم حتى يقاتل بعضهم بعضاً}.ولذلك من الطبيعي أن يكون حديثنا عن أثر هذا الانحراف في انتشار العلمانية في العالم الإسلامي أسبق وأولى من الحديث عن التخطيط -اليهودي- النصراني الذي لا ننكر دوره في نشرها، والذي لا يصح أن نغفل عنه أو نقلل قيمته.وعلى سبيل الإجمال نستطيع أن نقول: كما أن العلمانية ظهرت في أوروبا نتيجة لتحريف الدين النصراني، فقد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة انحراف المسلمين. ١ - الانحراف في مفهوم الألوهية:
لن نتحدث -الآن- عن التضاد التام بين عقيدة لا إله إلا الله وبين العلمانية، فلذلك الحديث موضع آخر، لكننا سنتناول بإيجاز الحالة الواقعة تاريخياً في العصور الأخيرة الإسلامية:
إن بعض علماء السلف يقسمون توحيد الألوهية قسمين متلازمين:
أ) توحيد الطاعة والاتباع (الحاكمية).ب) توحيد الإرادة والقصد (العبادة).وجرياً على هذا التقسيم سنجد أن حالة الأمة الإسلامية كان كما يلي:
أ) في الطاعة والاتباع (الحاكمية):
وغفلوا عن قوله تعالى: ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)) [الأعراف:٣]، وبذلك صرفوا هذا النوع من العبادة أو جزءاً منه إلى الحكام والولاة وعلماء المذاهب المتعصبين ومشايخ الطرق الصوفية، وقد كانت الدول التي تتقاسم العالم الإسلامي ثلاث دول: الدولة المغولية في الهند، ثم الدولة العثمانية في حوض البحر الأبيض المتوسط.وبالنسبة للدولة الصفوية يمكن القول بأنها كانت منحرفة انحرافاً يجعل انتسابها للإسلام اسمياً فقط، وكان الحكم فيها يجري على آراء وأهواء علماء الشيعة المتعصبين، وكان الشغل الشاغل لملوكها مهاجمة الدولة العثمانية لا لشيء إلا لأنها سنية، وكان العوام يقدسون الملوك والعلماء جرياً على المذهب الرافضي الذي يجيز العصمة لغير الأنبياء (١)
وكان فهمها له مختلطاً بكثير من الخرافات والتصورات الخاطئة، ولا غرابة في ذلك فإن المغول لم يعتنقوا الإسلام الصافي، بل دخلوا فيه على الصورة التي وجدوا الأمة الإسلامية تعيشها في أواخر العصر العباسي الثاني، حيث كانت الصراعات المذهبية والفكرية والطوائف الباطنية قد نخرت جسم الأمة مما هيأ لهم اكتساح العالم الإسلامي، وبعدها دخلوا في دين الأمة المغلوبة لا في صورته المثلى،هذا الجهل بالإضافة إلى كون المسلمين أقلية بين الهندوس جعل إلغاء الشريعة الإسلامية من قبل الإنجليز لا يقابل بكبير معارضة، أما الدولة العثمانية: فعلى الرغم من كونها أصلح الدول الثلاث عقيدة وسلوكاً، فإنها كانت بعيدة عن منهج الخلافة الراشدة بعداً يزداد أو يقل حسب نوعية خلفائها. فهي التي جعلت المد الإسلامي في أوروبا الشرقية يبلغ مداه بعد أن فقد المسلمون بلادهم في أوروبا الغربية بسقوط الأندلس، وهي التي كسرت الكماشة الأوروبية التي كادت تطبق فكيها على العالم الإسلامي، ولم تتمكن من ذلك إلا بعد انهيار الدولة العثمانية. كما أن روح الحماس للدعوة الإسلامية، ونشر الدين الإسلامي في أوربا إحدى مآثرهم التي خلدها التاريخ (١) غير أن هذه المآثر لم تجنب الدولة العثمانية الاستمرار في خط الانحراف الذي ورثته عن أسلافها، ومن مظاهر ذلك فيما يتعلق بأصول الحكم ومنهجه أن الدولة العثمانية كانت تطبق عملياً المذهب الحنفي بتعصب، وعارض علماؤها شيوخ الإسلام فتح باب الاجتهاد، ذلك الذي أغلق منذ القرن الرابع لأسباب ليس هذا مجالها، وتتمثل هذه المعارضة في العداء الذي واجهت به الدولة الحركات والأفكار التجديدية التي كانت تنبذ الجمود، وتدعو إلى الانطلاق الفكري المستمد مباشرة من الكتاب والسنة، كدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ١٢٠٦، والإمام الشوكاني ١٢٥٠هوالشيخ الألوسي (٢) وغيرهم، وكان من النتائج السيئة لذلك ما يلي:
وقد يقال: إن هذا الأمر أقره العرف، وله إيجابياته لا سيما في أسرة مجاهدة كآل عثمان، ثم إن واقع الظروف العالمية كان يحتم ذلك، فكان على الدولة العثمانية أن تتعظ بذلك، وتقطع الطريق على دعاة التغريب بالعودة إلى الأصول الإسلامية الراشدة، بل كانت في الواقع بضغط من دعاة التغريب أنفسهم،٢ - قصور الاستنباط الفقهي عن مجاراة الوقائع المحدثة: إن كون الشريعة الإسلامية منهجاً كاملاً شاملاً للحياة البشرية منذ نزولها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها -لا يخرج شيء من أحداثها ووقائعها مهما استجد، ومهما تغيرت الظروف والأحوال عن دائرتها الرحبة- لهو أمر بدهي في التصور الإسلامي، والشك فيه يعني بداهةً اتهام الباري -جل شأنه- بالنقص والبداء،وكون الحياة البشرية عرضة لتغيرات لا يدرك مداها أو وقائع حادثة لا يستطيع العقل البشري على الإطلاق أن يتصور أبعادها بحكم حجبه عن علم الغيب، يجعل المجتهد في الشريعة مهما كانت سعة أفقه ودقة نظره يظل محصوراً بواقع بيئته، وواقفاً عند النقطة التي وصلت إليها البشرية على خط سيرها الطويل.ومن هذا البعض كان خلفاء وعلماء الدولة العثمانية الذين عارضوا فتح باب الاجتهاد أو قيدوه في دائرة التراث المأثور عن فقهاء الحنفية السابقين، وفي الوقت الذي كان الفقه فيها جامداً كانت الحياة حسب سنة الله جارية متطورة، وبذلك حدث لأول مرة في تاريخ المسلمين أن ضاقت دائرة الفقه الواقعي، بل والافتراضي (١) عن الإحاطة بأحداث الحياة كلها، وكان الذي ضاق -بطبيعة الحال- هو فقه المتون والحواشي، يقول الشيخ محمد الغزالي:
ومع أنه تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور، ومع أن الجماعة الإنسانية تدخل في أطوار متباينة من ناحية العلاقات الدولية والأوضاع الإدارية والاقتصادية والسياسية، ومع ضرورة بقاء الدين مهيمناً على توجيه القافلة السائرة، مع هذا كله فإن التفكير الإسلامي الفقهي توقف في أغلب ميادين المعاملات إن لم يكن جمد فيها كلها، وأغلقت أبواب الاجتهاد بضعة قرون حتى انكسرت -أخيراً- تحت ضغط الحاجات الملحة، وصحب انكسارها فوضى منكرة في الفهم والتطبيق " (٢).لكن الطريق الملتوية البطيئة التي سلكتها عملية الاستيراد، والتي كان حسن النية أحد أسباب تقبلها، لم تلفت الأنظار إلى خطورتها، فقد بدأت هذه الطريق باسم الإصلاح والتنظيم الذي تقتضيه الظروف الواقعية.الجيش العثماني لم يعد يصلح أن يبقي مجموعات من المتطوعين يحملون السيوف ويمتطون الخيول، فالظروف العسكرية الدولية تقتضي وجود جيش منظم مدرب، لأنه كان بعيداً عن مثل هذه الشئون التي يراها شكلية لا تستحق الاهتمام، كما أنه لم يك في مقدور قادة الجيش نفسه، لأن الجمود العلمي والذهني الذي ليس من الإسلام في شيء قد كاد يقضي على كل فرصة للتطور والإبداع، إذن ما الحل؟
لجأت الدولة العثمانية إلى ملوك أوروبا الذين كانوا لا يزالون في نظر العثمانيين حتى ذلك الحين خنازير حقيرة، وجاء المدربون من ألمانيا وفرنسا والسويد، ولأول مرة في التاريخ الإسلامي يتولى تدريب وتنظيم الجيش الإسلامي خبراء كفرة
وكانت هذه هي البداية،عندما أريد إصلاح الجهاز الإداري استوردت -أيضاً- الطرائق الغربية في تقسيم الولايات وتنظيم وتحديد مسئوليات الولاة والقضاة، وعندما أريد إصلاح الجهاز التعليمي بنيت المدارس ووضعت المناهج على نمط، يحاكي النمط الأوروبي ويقتبس منه.وعندما أريد إصلاح منهج الحكم أصر دعاة التغريب على أن تكون مجالس نيابية على الطريقة الغربية، وأن يوضع دستور مكتوب ذو قواعد وبنود على النمط الأوروبي،وليس غرضنا -الآن- تفصيل هذه الأمور، ولكن القصد هو إيضاح أن توحيد الطاعة والاتباع انتقص من حقه بطريق غير واعية ولا مقصودة، لقد نتج عن ضيق الدائرة الفقهية وعن استيعاب الحياة أن ظلت القوانين المستوردة تحتل رويداً رويداً مواقع جديدة من الحياة الإسلامية دون أن تلفت النظر إلى خطورتها إلى أن جاء الوقت الذي أصبح اقتباس هذه القوانين أمراً مقرراً ومنهجاً لا غبار عليه.ومن الإنصاف والحق أن نقول: إن تلك الاقتباسات كانت تأخذ صفة تنظيمية لا تشريعية، وهكذا كان يسميها العثمانيون تنظيمات، لكنها على أية حال مهدت الطريق إلى استيراد التشريعات -لا سيما- بعد تكوين (مجلس المبعوثان) (١)
وبذلك نصل إلى الغرض الأساسي، وهو أن انحراف المسلمين بجهلهم بحقيقة دينهم وسنة الله في الحياة وعجزهم عن مسايرة الأحداث كانت المنفذ الرئيسي لتسرب العلمانية إلى الشرق المسلم.ب) الانحراف في توحيد الإرادة والقصد (العبادة):
ظهرت الصوفية في العصر العباسي لأسباب تاريخية، منها ضعف الخلافة المركزية أو انحرافها،وكان من الأخطاء الأساسية في الفكر الصوفي النظرة العدائية إلى الحياة الدنيا، تلك التي يبدو أنها متأثرة بالفكر البوذي والفلسفة الإشراقية، وحدث أن أقبل العامة -بقيادة المتصوفين- على الطقوس والأوراد، وأقبل الحكام ومن في حواشيهم وركابهم على الشهوات والملذات! وهذا الخلط الصوفي الأحمق يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه، بل أول تصدع أصاب كيان الأمة الإسلامية -فيما بعد- بالانهيار، بل في الحقيقة كان الالتزام بتلك النظرة يعني تعذر القيام ببعض أركان الإسلام لا سيما الزكاة. وغاية الوجود الإنساني على الأرض التي أوضحها القرآن الكريم تفصيلاً. وحتى وهو يجوب الأرض في طلب الرزق أو التعرف على المعمورة بلا انفصام أو ازدواجية، أصبح المريد -وقد انحصر مفهوم العبادة لديه في الصلوات والأذكار- يجد مساحة كبيرة من حياته فارغة، فيكلف المريد بحفظ المتون الطويلة من الأوراد لترديدها، وأحياناً يكلفه بالسياحة في الأرض بلا زاد، ويصدق في توكله!! وبذلك أدى انحسار مفهوم العبادة إلى انحراف العبادة نفسها واستقائها من غير معين الكتاب والسنة. كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة والألم، وهو يرى الناس فئتين: فئة صالحة تعمل للآخرة وتتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات لكنها لا حظ لها من الدنيا، وأخرى فاسقة عاصية مقصرة في حق الله تعالى تتمتع بملاذ الحياة ونعيمها، أيكون مع الأولى فيقضي على نفسه بالحرمان والفاقة، أو ينضم إلى الثانية فيقع في المحارم؟!
ومعظم الأمة بطبيعة الحال لم ينقطعوا عن الدنيا، لأنهم يرون أنهم لا يعبدون الله حين يقومون بذلك، وغاب عنهم أن ذلك جزء من الغاية العظمى التي خلقوا لأجلها!
وكل هذه الانحرافات وقعت قبل احتكاك الغرب اللاديني بالشرق، بل قبل قيام الدولة العثمانية
وعندما سيطر العثمانيون ازداد الأمر سوءاً، حتى توهم الناس أن العبادة نفسها هي بالدرجة الأولى ما يأمر به المشايخ والأولياء من البدع، ووقعت الأمة في شرك حقيقي بما كان السذج والجهلة -بل وبعض العلماء- يمارسونه من بدع الأضرحة والمشاهد والمزارات وتقديس الموتى والاعتماد عليهم في جلب النفع ودفع الضرر، ووصل الأمر إلى حالة مزرية جداً، والمسلمون يستصرخون السيد أو الولي الذي كان قد مضى على وفاته مئات السنين! (١).وامتد البلاء إلى الأربطة والثغور التي بنيت أساساً للجهاد ومقارعة الكفار، إذ تحولت إلى زوايا وتكايا للصوفية، وفي أحسن الأحوال أصبحت مدارس علمية صرفة لا أثر للتربية الجهادية فيها، وفي الآخر الأحكام التعبدية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي وما شاكلها، لم يقولوا ولم يعتقدوا أن القسم الثاني ليس عبادياً، ولا أدل على ذلك من أن الكتب الفقهية المؤلفة في القرنين الأول والثاني، وكذلك كتب السنة -بصفة عامة- تخلوان من هذه القسمة، غير أن هذا التقسيم أصبح -بعد ظهور وانتشار الصوفية وحدوث الانفصام العملي في الحياة الإسلامية- أصبح من دعائم هذا الانفصام، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "إن تقسيم النشاط الإنساني إلى عبادات ومعاملات مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة الفقه، ومع أنه كان المقصود به في أول الأمر مجرد التقسيم الفني، إلا أنه -مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثاراً سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة العبادة إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله فقه العبادات، فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي " (١).٢ - الانحراف في مفهوم الإيمان بالقدر:
لقد كتب أحد المستشرقين الألمان، وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم الأخيرة يقول: "طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله وطواه عن تيارات الأحداث العالمية" (٢). حقيقة الفرق بين الإيمان بالقدر كما فهمه السلف، وبين الإيمان الذي ابتدعه الخلف متأثرين بالمتصوفة،


النص الأصلي

الحديث عن تأخر الأمة الإسلامية وانحطاطها في القرون الأخيرة طويل ومتشعب، ولكن السمة البارزة في ذلك التأخر تلك التي تجعله يتدنى عن مستوى فترات الانحطاط السابقة هي الانحراف عن فهم الإسلام نفسه، وانحسار مفهوماته التصورية في معانٍ ضيقة ومدلولات محدودة، وهذا الانحراف هو نتيجة وسبب في آن واحد.نتيجة للوهن الذي أصاب الأمة الإسلامية ((حب الدنيا وكراهية الموت)) والذل الذي ابتليت به عقوبة على ترك الجهاد بالمفهوم الواسع للكلمة، ومعلوم من فقه التربية الإيمانية أن الله يعاقب على الذنب بالذنب، وهي أقسى صنوف العقوبات. وهكذا عوقبت الأمة الإسلامية على انحرافها العملي والسلوكي بانحراف أشد منه في العقيدة والتصور.وهو سبب لما تلاه من أحداث جسام ومخاطر جمة اجتاحت الرقعة الإسلامية من أقصاها إلى أدناها، نذكر منها على سبيل التمثيل: والضعف المادي والمعنوي الذي جعل البلاد الإسلامية لقمة سائغة للكفار، حتى كادت تسيطر على الحرمين الشريفين! ولقد كانت هزيمة العثمانيين في (سان جونار)، وتقهقر المماليك السريع أمام نابليون مؤشراً واضحاً على هذين -أي: الركود العلمي والضعف المادي والمعنوي- وبداية خطرة لنهاية الزعامة الإسلامية ليس على العالم بل على أرض الإسلام! وحين نقول: إن هذا الانحراف هو سبب التدهور والانحطاط، فإننا لا ننسى العوامل الخارجية المتمثلة في تفوق الكفار علمياً وعسكرياً والحقد الصليبي الأعمى الذي بث سراياه الفكرية المضللة جنباً إلى جنب مع السرايا الاستعمارية، لكن المنطق الإسلامي الثابت يؤكد أنه مهما بلغت القوة الخارجية، فإن المسلمين لن يؤتوا إلا من قبل أنفسهم، حسب القاعدة المطردة التي سنها الله تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) [الأنفال:٣٥]، وأوضحها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ودعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة، فيستبيح بيضتهم حتى يقاتل بعضهم بعضاً}.ولذلك من الطبيعي أن يكون حديثنا عن أثر هذا الانحراف في انتشار العلمانية في العالم الإسلامي أسبق وأولى من الحديث عن التخطيط -اليهودي- النصراني الذي لا ننكر دوره في نشرها، والذي لا يصح أن نغفل عنه أو نقلل قيمته.وعلى سبيل الإجمال نستطيع أن نقول: كما أن العلمانية ظهرت في أوروبا نتيجة لتحريف الدين النصراني، فقد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة انحراف المسلمين. ١ - الانحراف في مفهوم الألوهية:
لن نتحدث -الآن- عن التضاد التام بين عقيدة لا إله إلا الله وبين العلمانية، فلذلك الحديث موضع آخر، لكننا سنتناول بإيجاز الحالة الواقعة تاريخياً في العصور الأخيرة الإسلامية:
إن بعض علماء السلف يقسمون توحيد الألوهية قسمين متلازمين:
أ) توحيد الطاعة والاتباع (الحاكمية).ب) توحيد الإرادة والقصد (العبادة).وجرياً على هذا التقسيم سنجد أن حالة الأمة الإسلامية كان كما يلي:
أ) في الطاعة والاتباع (الحاكمية):
وغفلوا عن قوله تعالى: ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)) [الأعراف:٣]، وبذلك صرفوا هذا النوع من العبادة أو جزءاً منه إلى الحكام والولاة وعلماء المذاهب المتعصبين ومشايخ الطرق الصوفية، وقد كانت الدول التي تتقاسم العالم الإسلامي ثلاث دول: الدولة المغولية في الهند، والدولة الصفوية في فارس، ثم الدولة العثمانية في حوض البحر الأبيض المتوسط.وبالنسبة للدولة الصفوية يمكن القول بأنها كانت منحرفة انحرافاً يجعل انتسابها للإسلام اسمياً فقط، فقد كانت شيعية رافضية، وكان الحكم فيها يجري على آراء وأهواء علماء الشيعة المتعصبين، وكان الشغل الشاغل لملوكها مهاجمة الدولة العثمانية لا لشيء إلا لأنها سنية، وكان العوام يقدسون الملوك والعلماء جرياً على المذهب الرافضي الذي يجيز العصمة لغير الأنبياء (١)
وكان فهمها له مختلطاً بكثير من الخرافات والتصورات الخاطئة، ولا غرابة في ذلك فإن المغول لم يعتنقوا الإسلام الصافي، بل دخلوا فيه على الصورة التي وجدوا الأمة الإسلامية تعيشها في أواخر العصر العباسي الثاني، حيث كانت الصراعات المذهبية والفكرية والطوائف الباطنية قد نخرت جسم الأمة مما هيأ لهم اكتساح العالم الإسلامي، وبعدها دخلوا في دين الأمة المغلوبة لا في صورته المثلى، بل في صورته القائمة يومئذ.هذا الجهل بالإضافة إلى كون المسلمين أقلية بين الهندوس جعل إلغاء الشريعة الإسلامية من قبل الإنجليز لا يقابل بكبير معارضة، أما الدولة العثمانية: فعلى الرغم من كونها أصلح الدول الثلاث عقيدة وسلوكاً، فإنها كانت بعيدة عن منهج الخلافة الراشدة بعداً يزداد أو يقل حسب نوعية خلفائها. فهي التي جعلت المد الإسلامي في أوروبا الشرقية يبلغ مداه بعد أن فقد المسلمون بلادهم في أوروبا الغربية بسقوط الأندلس، وهي التي كسرت الكماشة الأوروبية التي كادت تطبق فكيها على العالم الإسلامي، ولم تتمكن من ذلك إلا بعد انهيار الدولة العثمانية. كما أن روح الحماس للدعوة الإسلامية، ونشر الدين الإسلامي في أوربا إحدى مآثرهم التي خلدها التاريخ (١) غير أن هذه المآثر لم تجنب الدولة العثمانية الاستمرار في خط الانحراف الذي ورثته عن أسلافها، ثم الزيادة فيه بحسن نية ودون وعي، ومن مظاهر ذلك فيما يتعلق بأصول الحكم ومنهجه أن الدولة العثمانية كانت تطبق عملياً المذهب الحنفي بتعصب، وعارض علماؤها شيوخ الإسلام فتح باب الاجتهاد، ذلك الذي أغلق منذ القرن الرابع لأسباب ليس هذا مجالها، وتتمثل هذه المعارضة في العداء الذي واجهت به الدولة الحركات والأفكار التجديدية التي كانت تنبذ الجمود، وتدعو إلى الانطلاق الفكري المستمد مباشرة من الكتاب والسنة، كدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ١٢٠٦، والإمام الشوكاني ١٢٥٠هوالشيخ الألوسي (٢) وغيرهم، وكان من النتائج السيئة لذلك ما يلي:
وقد يقال: إن هذا الأمر أقره العرف، وله إيجابياته لا سيما في أسرة مجاهدة كآل عثمان، ثم إن واقع الظروف العالمية كان يحتم ذلك، إلخ، فكان على الدولة العثمانية أن تتعظ بذلك، وتقطع الطريق على دعاة التغريب بالعودة إلى الأصول الإسلامية الراشدة، لكنها محاولة جاءت متأخرة، بل كانت في الواقع بضغط من دعاة التغريب أنفسهم، ولم تكن عملاً ذاتياً واعياً.٢ - قصور الاستنباط الفقهي عن مجاراة الوقائع المحدثة: إن كون الشريعة الإسلامية منهجاً كاملاً شاملاً للحياة البشرية منذ نزولها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها -لا يخرج شيء من أحداثها ووقائعها مهما استجد، ومهما تغيرت الظروف والأحوال عن دائرتها الرحبة- لهو أمر بدهي في التصور الإسلامي، والشك فيه يعني بداهةً اتهام الباري -جل شأنه- بالنقص والبداء، ومن ثم فهو الكفر المحض.وكون الحياة البشرية عرضة لتغيرات لا يدرك مداها أو وقائع حادثة لا يستطيع العقل البشري على الإطلاق أن يتصور أبعادها بحكم حجبه عن علم الغيب، يجعل المجتهد في الشريعة مهما كانت سعة أفقه ودقة نظره يظل محصوراً بواقع بيئته، وواقفاً عند النقطة التي وصلت إليها البشرية على خط سيرها الطويل.ومن هذا البعض كان خلفاء وعلماء الدولة العثمانية الذين عارضوا فتح باب الاجتهاد أو قيدوه في دائرة التراث المأثور عن فقهاء الحنفية السابقين، وفي الوقت الذي كان الفقه فيها جامداً كانت الحياة حسب سنة الله جارية متطورة، وبذلك حدث لأول مرة في تاريخ المسلمين أن ضاقت دائرة الفقه الواقعي، بل والافتراضي (١) عن الإحاطة بأحداث الحياة كلها، وكان الذي ضاق -بطبيعة الحال- هو فقه المتون والحواشي، ولم تضق الشريعة نفسها، وما كان لها أن تضيق، يقول الشيخ محمد الغزالي:
ومع أنه تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور، ومع أن الجماعة الإنسانية تدخل في أطوار متباينة من ناحية العلاقات الدولية والأوضاع الإدارية والاقتصادية والسياسية، ومع ضرورة بقاء الدين مهيمناً على توجيه القافلة السائرة، مع هذا كله فإن التفكير الإسلامي الفقهي توقف في أغلب ميادين المعاملات إن لم يكن جمد فيها كلها، وأغلقت أبواب الاجتهاد بضعة قرون حتى انكسرت -أخيراً- تحت ضغط الحاجات الملحة، وصحب انكسارها فوضى منكرة في الفهم والتطبيق " (٢).لكن الطريق الملتوية البطيئة التي سلكتها عملية الاستيراد، والتي كان حسن النية أحد أسباب تقبلها، لم تلفت الأنظار إلى خطورتها، فقد بدأت هذه الطريق باسم الإصلاح والتنظيم الذي تقتضيه الظروف الواقعية.الجيش العثماني لم يعد يصلح أن يبقي مجموعات من المتطوعين يحملون السيوف ويمتطون الخيول، فالظروف العسكرية الدولية تقتضي وجود جيش منظم مدرب، يستخدم الوسائل الحديثة، ويفرغ نفسه لمهمة الجهاد. لأنه كان بعيداً عن مثل هذه الشئون التي يراها شكلية لا تستحق الاهتمام، كما أنه لم يك في مقدور قادة الجيش نفسه، لأن الجمود العلمي والذهني الذي ليس من الإسلام في شيء قد كاد يقضي على كل فرصة للتطور والإبداع، إذن ما الحل؟
لجأت الدولة العثمانية إلى ملوك أوروبا الذين كانوا لا يزالون في نظر العثمانيين حتى ذلك الحين خنازير حقيرة، وجاء المدربون من ألمانيا وفرنسا والسويد، ولأول مرة في التاريخ الإسلامي يتولى تدريب وتنظيم الجيش الإسلامي خبراء كفرة
وكانت هذه هي البداية، ثم تلاها بعد ذلك ما تلاها.عندما أريد إصلاح الجهاز الإداري استوردت -أيضاً- الطرائق الغربية في تقسيم الولايات وتنظيم وتحديد مسئوليات الولاة والقضاة، وعندما أريد إصلاح الجهاز التعليمي بنيت المدارس ووضعت المناهج على نمط، يحاكي النمط الأوروبي ويقتبس منه.وعندما أريد إصلاح منهج الحكم أصر دعاة التغريب على أن تكون مجالس نيابية على الطريقة الغربية، وأن يوضع دستور مكتوب ذو قواعد وبنود على النمط الأوروبي، وكان لهم ما أرادوا.وليس غرضنا -الآن- تفصيل هذه الأمور، ولكن القصد هو إيضاح أن توحيد الطاعة والاتباع انتقص من حقه بطريق غير واعية ولا مقصودة، لقد نتج عن ضيق الدائرة الفقهية وعن استيعاب الحياة أن ظلت القوانين المستوردة تحتل رويداً رويداً مواقع جديدة من الحياة الإسلامية دون أن تلفت النظر إلى خطورتها إلى أن جاء الوقت الذي أصبح اقتباس هذه القوانين أمراً مقرراً ومنهجاً لا غبار عليه.ومن الإنصاف والحق أن نقول: إن تلك الاقتباسات كانت تأخذ صفة تنظيمية لا تشريعية، وهكذا كان يسميها العثمانيون تنظيمات، لكنها على أية حال مهدت الطريق إلى استيراد التشريعات -لا سيما- بعد تكوين (مجلس المبعوثان) (١)
وبذلك نصل إلى الغرض الأساسي، وهو أن انحراف المسلمين بجهلهم بحقيقة دينهم وسنة الله في الحياة وعجزهم عن مسايرة الأحداث كانت المنفذ الرئيسي لتسرب العلمانية إلى الشرق المسلم.ب) الانحراف في توحيد الإرادة والقصد (العبادة):
ظهرت الصوفية في العصر العباسي لأسباب تاريخية، منها ضعف الخلافة المركزية أو انحرافها،وكان من الأخطاء الأساسية في الفكر الصوفي النظرة العدائية إلى الحياة الدنيا، تلك التي يبدو أنها متأثرة بالفكر البوذي والفلسفة الإشراقية، وحدث أن أقبل العامة -بقيادة المتصوفين- على الطقوس والأوراد، وأقبل الحكام ومن في حواشيهم وركابهم على الشهوات والملذات! وهذا الخلط الصوفي الأحمق يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه، بل أول تصدع أصاب كيان الأمة الإسلامية -فيما بعد- بالانهيار، بل في الحقيقة كان الالتزام بتلك النظرة يعني تعذر القيام ببعض أركان الإسلام لا سيما الزكاة. وغاية الوجود الإنساني على الأرض التي أوضحها القرآن الكريم تفصيلاً. حتى وهو يكدح على عياله، وحتى وهو يطلب العلم أو يعلمه، وحتى وهو يجوب الأرض في طلب الرزق أو التعرف على المعمورة بلا انفصام أو ازدواجية، أصبح المريد -وقد انحصر مفهوم العبادة لديه في الصلوات والأذكار- يجد مساحة كبيرة من حياته فارغة، فيكلف المريد بحفظ المتون الطويلة من الأوراد لترديدها، بآلاف التسبيحات، وأحياناً يكلفه بالسياحة في الأرض بلا زاد، ليقوي يقينه، ويصدق في توكله!! وبذلك أدى انحسار مفهوم العبادة إلى انحراف العبادة نفسها واستقائها من غير معين الكتاب والسنة.ولندع الصوفية أنفسهم، كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة والألم، وهو يرى الناس فئتين: فئة صالحة تعمل للآخرة وتتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات لكنها لا حظ لها من الدنيا، وأخرى فاسقة عاصية مقصرة في حق الله تعالى تتمتع بملاذ الحياة ونعيمها، ولا يكاد يرى لهاتين ثالثة، ويبدو الخيار أمامه صعباً، أيكون مع الأولى فيقضي على نفسه بالحرمان والفاقة، أو ينضم إلى الثانية فيقع في المحارم؟!
ومعظم الأمة بطبيعة الحال لم ينقطعوا عن الدنيا، لأنهم يرون أنهم لا يعبدون الله حين يقومون بذلك، وغاب عنهم أن ذلك جزء من الغاية العظمى التي خلقوا لأجلها!
وكل هذه الانحرافات وقعت قبل احتكاك الغرب اللاديني بالشرق، بل قبل قيام الدولة العثمانية
وعندما سيطر العثمانيون ازداد الأمر سوءاً، وتطورت الانحرافات، حتى توهم الناس أن العبادة نفسها هي بالدرجة الأولى ما يأمر به المشايخ والأولياء من البدع، ووقعت الأمة في شرك حقيقي بما كان السذج والجهلة -بل وبعض العلماء- يمارسونه من بدع الأضرحة والمشاهد والمزارات وتقديس الموتى والاعتماد عليهم في جلب النفع ودفع الضرر، ووصل الأمر إلى حالة مزرية جداً، والمسلمون يستصرخون السيد أو الولي الذي كان قد مضى على وفاته مئات السنين! (١).وامتد البلاء إلى الأربطة والثغور التي بنيت أساساً للجهاد ومقارعة الكفار، إذ تحولت إلى زوايا وتكايا للصوفية، وفي أحسن الأحوال أصبحت مدارس علمية صرفة لا أثر للتربية الجهادية فيها، وحتى مناهجها التعليمية كانت متخلفة ومحدودة (١). وفي الآخر الأحكام التعبدية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي وما شاكلها، لم يقولوا ولم يعتقدوا أن القسم الثاني ليس عبادياً، ولا أدل على ذلك من أن الكتب الفقهية المؤلفة في القرنين الأول والثاني، وكذلك كتب السنة -بصفة عامة- تخلوان من هذه القسمة، غير أن هذا التقسيم أصبح -بعد ظهور وانتشار الصوفية وحدوث الانفصام العملي في الحياة الإسلامية- أصبح من دعائم هذا الانفصام، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "إن تقسيم النشاط الإنساني إلى عبادات ومعاملات مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة الفقه، ومع أنه كان المقصود به في أول الأمر مجرد التقسيم الفني، الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه -مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثاراً سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة العبادة إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله فقه العبادات، فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي " (١).وانبثق من هذا الانحراف،٢ - الانحراف في مفهوم الإيمان بالقدر:
لقد كتب أحد المستشرقين الألمان، وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم الأخيرة يقول: "طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله وطواه عن تيارات الأحداث العالمية" (٢). حقيقة الفرق بين الإيمان بالقدر كما فهمه السلف، وبين الإيمان الذي ابتدعه الخلف متأثرين بالمتصوفة،وقد صاغ ذلك شاعر الإسلام محمد إقبال شعراً فقال:
من القرآن قد تركوا المساعي وبالقرآن قد ملكوا الثريا
تبدلت الضمائر في إسار فما كرهوه صار لهم رضيا (٣


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يعتبر فريدريك ف...

يعتبر فريدريك فروبل Froebel F (۱۷۸۲ - ١٨٥٢) المتحدث الأول باسم المبادئ التربوية والاتجاهات التقدمية ...

Ashanti and Nel...

Ashanti and Nelly are engaged and expecting a baby.The reunited couple have gone public with both a ...

This project in...

This project involves creating a simple calculator in which the user selects a mathematical operatio...

كل ما يتناقض مع...

كل ما يتناقض مع القائمة أعلاه. التمرّد على النظام والمجتمع. اللجوء إلى العنف في حلّ المشكلات. التمرّ...

تأثير الأنظمة ا...

تأثير الأنظمة البيئية المختلفة التي وصفتها نظرية النظام البيئي لبرونفنبر على تعلم الأطفال في دولة ال...

Sverige har en ...

Sverige har en yta på cirka 450 000 kvadratkilometer, vilket gör landet till det fjärde största i Eu...

إن الأصل فى شعي...

إن الأصل فى شعيرة تقديس المكان هو عبادة الله سبحانه وتعالى بطاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأن ...

اتفاقية مناهضة ...

اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة لعام 1984...

Internet of Thi...

Internet of Things (IoT), Industrie 4.0: The Internet of Things (IoT) refers to the interconnectedne...

This seems like...

This seems like a good solution, but we don't know enough yet. There are many questions. For instanc...

1- من خلال تقني...

1- من خلال تقنية السرد قدم (دوغلاس هوم وزير الخارجية وشؤون الكومون ويلث) قدم سمات القيادة والحكمة لل...

Climate change ...

Climate change is our planet’s greatest existential threat. If we don’t limit greenhouse gas emissio...