لخّصلي

نجاح قطر في استضافة كأس العالم 2022، كأول دولة عربية وإسلامية، جاء تتويجًا لجهودها في تنظيم فعاليات رياضية عالمية، بدءًا من الألعاب الآسيوية 2006، وصولًا إلى تنظيم العديد من البطولات الدولية كالغولف والتنس والاسكواش. وقد مهدت قطر لهذا النجاح ببناء بنية تحتية رياضية متطورة، أبرزها أكاديمية أسباير، واستحواذها على حقوق بث مباريات كأس العالم عبر شبكة الجزيرة، مما زاد من وعي العالم بقطر. ركز ملف ترشح قطر على إبراز "السمة الوطنية"، متغلبًا على تحديات المناخ الحار عبر التركيز على عناصر القوة في المواد البصرية، كالبحر والشاطئ والمنشآت المكيفة. كما أبرز الملف حسن الضيافة العربية وحب الشعب القطري لكرة القدم. إلى جانب ذلك، شهدت قطر توسعًا في استثماراتها الرياضية العالمية، من شراكتها مع "بي إن سبورتس" لبث الدوري الفرنسي، إلى امتلاك حصة كبيرة في نادي باريس سان جرمان، ورعاية نادي برشلونة، سعيًا لتعزيز مكانتها الدولية ونقل الخبرات، كما يرى مراقبون أن هذا يدعم الدبلوماسية القطرية ويعزز صورتها كدولة متكاملة، لا تقتصر على كونها مصدرًا للنفط والغاز.

الواجهة الرياضية

توجت هذه الواجهة بالنصر الذي حققه الملف القطري لاستضافة بطولة كأس العالم 2022. ولكن قبل الخوض في نيل شرف تنظيم كأس العالم، كأول بلد عربي وإسلامي، لا بد من الإشارة السريعة إلى أن قطر مهدت لملف كأس العالم بعدة إنجازات على مستوى تنظيم التظاهرات الرياضية العالمية. ومن ذلك نجاحها في استضافة دورة الألعاب الأولمبية الآسيوية ال "15 في العام 2006، وكانت الدوحة أول مدينة في المنطقة والثانية في غرب آسيا التي تحظى باستضافة دورة الألعاب الآسيوية.
كما نظمت قطر العديد من الفعاليات الرياضية العالمية، مثل
"جائزة قطر الكبرى للغولف"، و"بطولة قطر المفتوحة للتنس" وبطولة قطر للأسكواش". وكذلك سبق تقديم ملف استضافة كأس العالم تنفيذ قطر لعدد من مشاريع البنية التحتية الرياضية والمرافق الرياضية، ومن أهمها: تدشين أكاديمية التفوق الرياضي "أسباير" التي تؤهل مواهب رياضية بمستوى عالمي وعلى أيدي مدربين وخبراء من كل أنحاء العالم. كما دعمت قطر ملف كأس العالم باستحواذها على لحقوق الرياضية من أكبر شبكة تلفزيون مدفوع في المنطقة العربية (إيه آر تي) التي كانت تمتلك الحقوق الحصرية لبث مباريات بطولتي كأس العالم للعام 2010 والعام 2014 في المشرق العربي وشمال أفريقيا. وبعد هذه الصفقة التاريخية على مستوى الإعلام العربي، باتت شبكة الجزيرة تمتلك حقوق بث مباريات كأس العالم، ومعظم
البطولات والدوريات الأوروبية، مما يوفر لها ملايين المشاهدين عبر العالم العربي.
أما ملف كأس العالم، فقد كان الأبرز على الواجهة الرياضية، لأنه نقل المجهود القطري في هذا المجال إلى العالمية، ووفر ل "السمة الوطنية" القطرية مساحة غير مسبوقة. والمدهش في ملف ترشح قطر لاستضافة كأس العالم 2022، أنه جاء من وحي الاستراتيجية القطرية لتكوين "سمة وطنية" واعتمد على عناصر القوة في هذه "السمة الوطنية"، ونجح في التغلب على عناصر الضعف التي تمثلت هذه المرة ر"، وصياغة صورة ذهنية "باردة" لقطر، من
ب "المناخ أو الطقس الحار"
خلال تركيز المواد البصرية المرفقة بالملف على لقطات ومشاهد تظهر البحر، والشاطئ، والأنشطة الرياضية المائية، والأشجار والرايات وهي تتطاير في الهواء على طول كورنيش الدوحة. كما وظفت الألوان الزاهية والباردة في المواد الإعلامية والتوضحية المرفقة بالملف. والأهم من ذلك أن قطر قدمت ملفا لمنشآت رياضية عصرية مجهزة بمكيفات هواء قادرة على تلطيف درجة حرارة الملاعب والمدرجات.
ولأن كرة القدم هي رياضة شعبية، ركز الملف القطري على إبراز "السمة الوطنية" للشعب القطري، فتضمنت المواد المصورة المرافقة للملف مشاهد تظهر حب الشعب القطري لكرة القدم وتوقه لاستضافة كأس العالم، مع إبراز شمائل حسن الضيافة وإكرام الضيف، المتأصلة في الشخصية العربية. وهكذا جاء الملف ليقدم قطر وجهة سياحية "باردة الطقس ساخنة المشاعر".
كما تضمن الملف نواحي أخرى تتعلق بالمنشآت والمرافق الصحية، والوجهات السياحية والمرافق الفندقية، والبنى التحيتة التي تزخر بها دولة قطر .
وفي الآونة الأخيرة، توسعت الاستثمارات القطرية في القطاع الرياضي، لتشمل صفقة الشراكة بين قناة "الجزيرة الرياضية" و"قناة بلوس" في بث مباريات الدوري الفرنسي لكرة القدم في السوق المحلية بين الأعوام 2012 و2016 مقابل 510 ملايين يورو نصيب القناة القطرية منها 90 مليونا، علما بأنها حصلت مؤخرا أيضا على حقوق النقل خارجيا اعتبار من 2012.-2013 كما تملكت شركة الاستثمارات الرياضية الحكومية، التي أسسها عام 2005 نجل أمير قطر وولي عهده تميم بن حمد آل ثاني، ما نسبته 70% من نادي باريس سان جرمان، مع احتفاظ شركة "كولوني كابيتال" الأمريكية المالك السابق للنادي بحصة 30%. ولم تكن صفقة سان جرمان هي الأولى في سلسلة صفقات قطر، بل سبقتها سيطرة قطر على نسادي ملقة الإسباني عبر الشيخ عبد اللّٰه آل ثاني أحد أفراد العائلة الحاكمة.
كما قامت مؤسسة قطر غير الربحية بتوقيع عقد رعاية ضخم مع نادي برشلونة الإسباني، حيث دخلت شركة "قطر للاستثمارات الرياضية" و"مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع" بعقد شراكة
عالمية جديدة مع نادي برشلونة الإسباني تستمر حتى سنة 2016 وبقيمة تبلغ 166 مليون يورو.
ويرى مراقبون أن هدف قطر عبر شركاتها الرياضية الحكومية أو الأهلية، يتمثل في تعزيز وجودها على الخريطة الدولية العالمية، خصوصا بعد نيلها شرف استضافة مونديال 2022 للمرة الأولى في تاريخ المنطقة، إلى جانب نقل الخبرات والقدرات العالمية للجانب
القطري.
ويحلل الفرنسي باسكال بونيفاس المتخصص في العلوم الجيوسياسية في صحيفة "ليكيب" دور الرياضة في إطار الدبلوماسية العامة القطرية بقوله: "اختارت قطر الدبلوماسية الرياضية حتى تتواجد على الخريطة.. وفي منطقة جيوسياسية مضطربة فإن "القوة الناعمة" والصورة والجاذبية باتت عوامل رئيسية.. واليوم، من الصعب على أي دولة قد تكون لها شهية نحو قطر أن تقدم على أي محاولة طالما أن قطر باتت تملك هذه الرؤية والوضوح.. صارت قوة عظمى صغيرة لأنها تلعب دورا دبلوماسيا يفوق ثقلها السكاني"..
وأن تصبح عاملا رئيسيا في الرياضة العالمية يعود إلى أن تصبح عاملاً رئيسياً في الدبلوماسية العالمية". وتنقل صحيفة "ليكيب" الفرنسية عن الشيخ خالد آل ثاني قوله "قطر تبدي اهتماما بالرياضات المعترف بها من اللجنة الأولبية الدولية، أما الهدف فهو أن يتم الاعتراف بها كبلد متكامل وليس فقط كبلد مصدر للغاز والنفط.. نحن في حاجة لثقة العالم، وهذا ما يمكن أن يتحقق عبر التنظيم الجيد للأحداث الرياضية
العالمية"