لخّصلي

في شفق يوم رماديّ بارد من أيّام شهر كانون الأوّل، عاد ماثيو إلى البيت ولم يكن منتبها لوجود رفيقات آن .ز كانت الفتيات يتدربن معا على حواريّة ملكة الجنيّات.. انتبا ماثيو إحساس مفاجئ بأنّ آن كانت تبدو مختلفة عن قريناتها بشكل ما، وأصابه الانزعاج ..
لقد شعر ماثيو أنّ ملبس آن لم يكن يشبه ملبس بقيّة البنات، وقرّر شراء فستان جديد لآن كذلك الّذي تلبسه ديانا باري دائما. ووجد لنفسه ذريعة بالعيد الّذي سيحلّ بعد أسبوعين ، واعتبره مناسبة لائقة للهديّة.
توجّه ماريو في مساء البوم التّالي إلى بلدة كارمودي ليشتري الفستان، وبعد تردّد طويل توجّه إلى مخزن لوسون، الّذي وظّف بائعة جديدة ذات ملابس أنيقة وابتسامة ساحرة وعنينين بنيّتين، ولمّا رأها ماثيو تراجع عن جرأته ،وعاد إلى عادته الخجولة، قالت الآنسة لوسيلا هاريس: " بم يمكنني مساعدتك يا سيّد كثبيرت؟

• أيوجد لديك أي.. أي.. أعني .. أقصد.. مجرافا لأعشاب الحديقة؟
  بدت الآنسة مستغربة لطلبه، أظنّ أنّه يوجد لدينا مجراف أو اثنان متبقيان" أجابته الآنسة هاريس، سأصعد وأرى" ثمّ إنّه اشترى منها عشرين رطلا من السّكر البنيّ!
  حاول ماثيو لملمة شجاعته من جديد وعنتدما عادت قال لها: أظنّني أرغب في الحصول .. أعني .. أسأل عن سأشتري بعضا من البذور"
  وعندما عاد ماثيو من تلك التّجربة الشّنيعة بالنّسبة له، أسرع ليخفي المجراف.. وحمل السّكر إلى ماريلّا الّتي استنكرت فعله وسألته عن سبب إحضار تلك الكميّة من السّكّر البنيّ الّذي لا تستعمله فهو خشن وغامق اللون..
  تخلّص ماثيو من الموقف المحرج الّذي وضع نفسه فيه ، وعاد يفكّر مليّا .. وارتأى أنّه لا بدّ من وجود امرأة تتولّى مهمّة شراء ثوب لآن ، ولكنّه استبعد أن تكون ماريلّا ، وخطر له اللجوء إلى السّيّدة ليند الّتي سرعان ما استجابت لطلبه فقد قررت شراء قماش من الحرير الصّوفيّ الجميل وتفصيله على قياس ابنة أختها جيني غيليز؛ فحجمها مماثل لحجم آن.
  وأوصاها ماثيو أن تصمّم الأكمام منفوخة وفق الزّيّ الدّارج.. ثمّ إنها صارت تحدّث نفسها بعد مغادرة ماثيو: " ساشعر بالرّضا إذا رأيت تلك الفتاة المسكينة تلبس شيئا أنيقا ولو لمرّة واحدة ، ولطالما وخزنيلساني لأفاتح ماريلّا بأمر ملابسها البسيطة فالطّريقة الّتي تكسوها بها سخيفة، ولكنّ ماريلّا ترفض الأخذ بنصيحة أحد وتظنّ أنّ معرفتها بأسليب تنشئة الأطفال تفوق معرفتي بكثير.. أظنّها تحاول خلق روح متواضعة عند آن بهندمتها بتلك الطّرقة، غافلة عمّا يمكن أن يخلقه ذلك من غيرة وعدم رضا..
  ولم تستطع ماريلّا اكتشاف السّر إلّا عشيّة العيد عندما أحضرت السّيّدة ليند الفستان الجديد، وقد أخبرتها السيّدة ليند بلباقة أنّ سبب إخفاء الأمر عنها هو خشية ماثيو من أن تطّلع آن على المفاجأة..
  ابتسمت ماريلّا ابتسامة متسامحة ، رغم أنّها اعتبرت هذا التّصرّف تبذيرا لا ضرورة له..
  أطلّ صباح العيد على عالم كلّله البياض الجميل ، وكانت آن تنظر بحبور من نافذتها إلى البياض الّذي ملأ الحقول وإلى جمال الطّبيعة الخلّابة وهبطت الدّرج بسعادة ، حتّى تردّدت أأصداء صوتها في أرجاء المرتفعات الخضراء.
  عيد سعيد يا ماريلّا ! عيد سعيد يا ماثيو! أليس هذا العيد جميلا؟أنا سعيدة جدّا لأنّه عيد أبيض.
  كان ماثيو قد فرد الفستان بارتباك، بعد أن أخرجه من لفافته الورقيّة وهو يوجّه نظره متردّدا نحو ماريلّا..


• يا الله.. يا الله.. ما هذا يا ماثيو أهذا لي أوه يا ماثيو"
  أخذت آن الفستان وتأمّلته بصمت خاشع.. كان الفستان بنيّ اللون من الحرير الصّوفيّ النّاعم، له كشاكش أنيقة ودرزات.. وأمّا أكمامه فهي منفوخة موشّاة بصفوف من الدّرزات وعقد من الشّرائط البنيّة الحريريّة.
  كانت سعادة آن لا توصف وبدا لها وكأنّها تعيش في حلم جميل.. وظلّت مستغرقة في أحلامها، وفضّلت إشباع ناظريها من الفستان على تناول طعام الفطور ؛ فالإفطار بالنّسبة لها شيء عاديّ بالنّسبة لمثل هذه اللحظة المثيرة!

عندما انتهت وجبة الإفطار لاحت ديانا ، وسرعان ما طارت آن للقائها..لتخبرها بالهديّة الجميلة.. ولقد زادت ديانا من بهجة آن عندما قدّمت لها طردا كان قد وصل باسمها من العمّة جوزفين.. وجدت عليه بطاقة كتب عليها:" إلى الصّغيرة آن، مع أمنياتي بعيد سعيد. ثمّ رأت خُفّا من أجمل الخفاف الخاصّة بالأطفال، مزيّنا بالخرز مع عقد من السّتان وإبزيم برّاق.
لقد كان جميع تلامذة مدرسة أفونليا يزيّنون الصّالة استعدادا للحفل..
وأخيرا أقيم الحفل الموسيقيّ وأسفر عن نجاح باهر، وأحسن الجميع أداء أدوارهم.. وكانت آن نجمة المناسبة بلا منازع.
ولقد سار كلّ شيء على ما يرام واستطاع التّلاميذ جمع عشرة دولارات.. كانت مناسبة لا يمكن لآن أن تنساها فقد ألقت قصيدتها بكلّ براعة ، حتّى إنّ السّيّدة سلون جفّفت دموعها عندما توقّفت آن عن الإلقاء.. وأمّ لديانا فقد طلبت الجمهور منها إعادة اغناء مرّة أخرى.. وأمّا ـأداء الصّبية فقد كان رائعاوكان غيلبرت عظيما .. قالت ديانا لآن:" رأيت غليبرت يلتقط واحدة من الورود الّتي سقطت من شعرك ويضعها في جيبه.. وعليك ألّا تكوني لئيمة في التّعامل معه.." ولكنّ آن ردّت:" ما يفعله ذلك الشّخص لا يهمّني ..
جلس ماثيو وماريلّا يسترجعان أحداث الحفل بإعجاب.. قالت ماريلّا:" .. على كلّ حال كنت فخورة بآن الليلة، رغم أنّي لن أخبرها بهذا.... أمّا ماثيو الّذي كان لديه نفس الشّعور قال لماريلّا:" هه، لقد كنت فخورا بها أيضا ولكنني أخبرتها بذك قبل أن تصعد إلى غرفتها..