خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
يتناول هذا النص تاريخ علم الإجرام، بدءاً من تصورات مبكرة غير علمية اعتبرت المجرم مسحورا أو شاذاً، إلى ظهور المدرسة الجغرافية (Guerry وQuetelet) التي ركزت على العوامل الاجتماعية، ثم المدرسة الاشتراكية (ماركس وأنجلز) التي ربطت الإجرام بالنظام الرأسمالي. انتقل علم الإجرام لمرحلة علمية مع المدرسة الوضعية الإيطالية (لمبروزو) التي قدمت تفسيراً بيولوجياً، متبوعاً باهتمام متزايد بعلم الاجتماع الجنائي ودوره في فهم البيئة الإجرامية. يتطلب البحث العلمي في علم الإجرام دراسة الجاني وبيئته، وكيف يمكن للسياسات الاجتماعية الوقاية من الجريمة. تطوّر العلم عبر جمعية دولية ومؤتمرات، وأصبح الاهتمام بالجاني ورفاهيته أمراً أساسياً.
يتضمن النص صعوبة تحديد تعريف موحد لعلم الإجرام، حيث تتنوع التعاريف بحسب منظور الباحثين. يُعرّف البعض علم الإجرام بأنه دراسة الجريمة كظاهرة، بينما يراه آخرون دراسة أسبابها ونتائجها. كما يبرز النص فروع علم الإجرام: علم طبائع المجرم (البيولوجيا الجنائية)، علم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي، مع شرح موجز لكل فرع.
يركز موضوع علم الإجرام على الجريمة والمجرم، مع اختلاف في تصورهما بين القانون الجنائي وعلم الإجرام. يعرّف القانون الجريمة قانونياً، بينما يراها علم الإجرام من منظور اجتماعي أوسع، شاملاً الأفعال الضارة بمصالح الجماعة. يُناقش النص مفهوم "الجريمة الطبيعية" مقابل "الجريمة الاصطناعية"، مع إبراز حدود كل مفهوم. أما المجرم، فيُعرّف قانونياً بأنه من أُدين قضائياً، بينما يشمل تعريفه في علم الإجرام من ارتكب سلوكاً مجرماً، بغض النظر عن الحكم القضائي.
أخيراً، يتناول النص مكانة علم الإجرام ضمن العلوم الجنائية، مُبرزاً اختلاف وجهات النظر بين تصنيفات متطرفة (إما إدراج كل العلوم الجنائية ضمن علم الإجرام أو العكس) وتصنيفات ضيقة. يُناقش النص علاقة علم الإجرام بعلم التحقيق وعلم العقاب، مُبيّناً أوجه التمييز والتشابه بينها، بالإضافة إلى دور السياسة الجنائية في معالجة الإجرام.
فصل تمهيدي
التأريخ لعلم الإجرام
ليست الجريمة مظهراً فردياً في المجتمع، بل هي ظاهرة اجتماعية كما وصفها المختصون في علم الاجتماع تتعلق بحياة الإنسان وسلوكه وبيئته وأخلاقه والظروف المحيطة به، وهي أمر واقع حتما كلما توفرت شروطها، حيث لا نكاد نجد مجتمعا خاليا من الإجرام مهما ارتقى في سلم الحضارة والمدنية، وفي هذا الصدد صاغ العالم الإيطالي إنريكو" فيري" Enrico ferri 1929-1856) نظراً لتأثره بالقوانين الطبيعية قانوناً أطلق عليه اسم الكثافة الإجرامية يتعين وفقا له ارتكاب جرائم لا تزيد ولا تنقص فاندفاع الإنسان وراء ارتكاب جريمة أو أكثر يدل على أن هناك مؤشرات ودوافع تكمن وراء فعله الإجرامي مما يقتضي البحث واستكشاف الدوافع والأسباب، ووصف الجريمة بأنها ظاهرة اجتماعية طبيعية أمر يدعو إلى الاستغراب لأن الجريمة مهما ارتفعت معدلاتها تظل ظاهرة استثنائية في حياة المجتمع، ولعل حالة الرفض وردود الفعل المتجسدة في استنكار الضمير الجماعي والعقوبات المقررة لها لخير دليل على ذلك.
أولاً . بوادر ظهور علم الإجرام
كان للملائكة علم مسبق بالطبيعة الإجرامية للإنسان التي حيرت البشرية منذ القدم وشغلت بال الفلاسفة والمفكرين وحديثاً شغلت بال علماء الإجرام الذين حاولوا كشف بعض أسرار البعد الإجرامي عند الإنسان.
واتخذت الآراء والأفكار في البداية طابعاً غير علمي لتفسير الظاهرة الإجرامية، وساد الاعتقاد بأن المجرم إنسان مسه الشيطان أو الشيطان بعينه، وأن الأرواح الشريرة تتقمص جسده، أو أنه إنسان مصاب بشذوذ في التكوين أو مخلوق غريب أو شبح أو روح ميت، كمصاص الدماء أو دراكولا Dracula الذين حفلت بسيرهم الأساطير، وظلت تتردد هذه الأفكار في أعمال عدداً كبيراً الفلاسفة والعلماء والمفكرين ، أمثال ديلابورتا ((1586 Dellaporta الذي اعتبر أن المجرم إنساناً شاذ التكوين ذو ملامح تميزه عن الإنسان العادي، والعالم الإنجليزي شارل داروين Darwin (1809 – 1882) الذي زعم أن المجرم حيوان تخلف في مرحلة من المراحل عن مسايرة ركب التطور.
وفي سنة 1764، أصدر الفقيه الإيطالي "سيزاري بيكاريا cesare beccaria" مؤسس المدرسة التقليدية كتابه الشهير "الجرائم والعقوبات"، ضمنه المبادئ الأساسية للتشريع العقابي، وبعدها أسس الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانت Kant 1724 – 1804) المدرسة التقليدية الجديدة وجعل العدالة المطلقة أساسا للتشريع العقابي، إذ يعتبر هدف العقاب ووظيفته هي إرضاء شعور العدالة لذاتها بعيداً عن فكرة المنفعة.
ويمكن القول إن دراسة الظاهرة الإجرامية ومحاولة تنظير علم الإجرام لم تأخذ طابعها العلمي إلا مع ظهور المدرسة الجغرافية أو مدرسة الخرائط سنة 1830 بفضل جهود رائديها العالمان الفرنسي "جيري Guerry والبلجيكي "كتيلي Quetelet"، حيث أصدر جيرى مؤلفين، الأول عام 1833 حلل فيه إحصاءات الجرائم في فرنسا وركز فيه على أهمية العوامل الفردية، كالجنس والسن والعوامل الاجتماعية، كالحالة الثقافية والاقتصادية والأحوال المناخية، والثاني أصدره عام 1864 تعرض فيه للعلاقة بين الفقر والجهل من ناحية، والإجرام من ناحية أخرى.
أما العالم البلجيكي كتيلي، فقد أصدر مؤلفه سنة 1935 حول الطبيعة الاجتماعية وترجيح دور العوامل الاجتماعية في ارتكاب الجريمة، وذلك من خلال دراسة الإحصاءات حول ظاهرة الإجرام في عدة مناطق، وبعد ذلك ظهرت المدرسة الاشتراكية لعلم الإجرام سنة 1850 على يد زعيميها " كارل ماركس Karl Marx وأنجلز Engels" حيث بينا كيف يمكن للنظام الرأسمالي والصراع الطبقي أن يؤثرا في التشجيع على ارتكاب الجرائم وأن النظام الاشتراكي كفيل بالقضاء على المشكلات الاجتماعية بوجه عام وعلى مشكلة الجريمة بوجه خاص.
غير أن نقل هذا العلم من مرحلة التأمل المجرد والافتراضي النظري البحت إلى مرحلة الدراسة العلمية الصحيحة وذلك باستخدام المنهج التجريبي ودراسة المجرم ذاته بعد أن كان الاهتمام منصبا على الجريمة، بدأ مع المدرسة الوضعية الإيطالية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي مع "سيزار لمبروزو Lambroso Cesare " الذي قدم تفسيراً بيولوجياً للإجرام ووضع ونظم أسس هذا العلم عندما نشر سنة 1876 كتابه: "الإنسان المجرم". وقد اهتمت الدراسات الإجرامية بعلم الاجتماع الجنائي اهتماماً كبيراً في المرحلة التالية لظهور المدرسة الوضعية، حيث تركزت الدراسات حول دور البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد التي دفعته لإرتكاب الجريمة.
وعليه، يتعين أن يكون البحث العلمي منطلقا لدراسة الظاهرة الإجرامية وأسبابها والتي تتشعب نتيجة لعوامل ترتبط بشخص الجاني أو بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وقد تكون نتيجة تفاعل لعدة عوامل والتي يشكل بعضها عاملا رئيسيا لها والبعض الآخر ثانويا لارتكابها ومهما يكن فإن السلوك الإنساني الاجتماعي يجب أن ينحو في الاتجاه المخالف للانحراف عن طريق دعمه بالمقومات الحضارية والفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية البناءة، ويؤدي البحث في أسباب الإجرام إلى البحث في أساليب مكافحته أو الوقاية منه، إذ الغاية الأساسية في مجال دراسة الظاهرة الإجرامية هو التوصل بطريقة علمية إلى الكشف عن مجمل الأسباب والعوامل التي تدفع في النهاية بعض الأفراد إلى ارتكاب سلوك عدواني ضد مصالح المجتمع. والملاحظ أن تقدم الأبحاث المتعلقة بعلم الإجرام ارتبطت اساسا بتقدم العديد من العلوم، كعلم الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع والتي ساهمت في تقديم المادة العلمية الأساسية لمعرفة شخصية المجرم وتكوينه وتأثره بالبيئة المحيطة به وبفضلها تقدمت البحوث الإجرامية ونشأت علوم متفرعة عن علم الإجرام مثل علم البيولوجيا الجنائية، ثم علم النفس الجنائي وعلمالاجتماع الجنائي.
وتوالت بعد ذلك جهود العلماء بوسائل متطورة غيرت من المفهوم البدائي لعلم الإجرام وبدأ العلماء يتجهون نحو توحيد جهودهم العلمية وذلك من خلال "الجمعية الدولية لعلم الإجرام Société internationale de « criminologie (
منظمة غير حكومية التي أسست سنة 1934 ويوجد مقرها بباريس، ثم بعد ذلك انعقد أول مؤتمر لعلم الإجرام سنة 1938 ، وتوالت بعد ذلك المؤتمرات بعد الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا وأنشأت معاهد ومراصد
لعلم الإجرام في كثير من الدول الغربية والعربية مؤخراً، ويوجد في طليعة هذه المعاهد "المركز الدولي لعلم الإجرام المقارن
Centre international de criminologie comparée"
الذي تأسس سنة1969 ويوجد مقره بمونريال بكندا
وقد أكدت جميع المؤتمرات الدولية للقانون الجنائي والتصدي للجريمة والعدالة الجنائية إلى أهمية علم الإجرام وتطور هذا الأخير في هذه الفترة دفع إلى الاهتمام بالجاني، حيث أصبحت مصلحته مسألة حتمية وشعارا للسياسة الجنائية وظهرت معايير للتمييز بين خطورة الجرائم وبين الأسباب الدافعة لارتكابها، وكذا لوائح علمية لتحديد شخصية الجاني وفضح ما يختفي وراء هذا المصطلح من حقائق مختلفة لا يفي وحده بالتعبير عنها. وتجدر الإشارة إلى التوصية 92 من الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والتي نصت على إنشاء المرصد الوطني للإجرام والذي سيشكل آلية وطنية مهمة للتصدي للجريمة ورسم معالم السياسة الجنائية بالمغرب.
ثانياً . تعريف علم الإجرام
ليس من السهل العثور في كتابات علم الإجرام على تعريف واحد وموحد وعلى إجماع حول حدود موضوع هذا العلم، ولهذا قيل إنه توجد تعريفات لعلم الإجرام بقدر ما يوجد من علمائه ويعود السبب في ذلك إلى انتماء باحثي علم الإجرام إلى العديد من التخصصات العلمية وإلى اعتباره ملتقى لجميع العلوم الإنسانية التي لها علاقة بالإنسان وسلوكه، الشيء الذي يمكن معه وصف علم الإجرام بأنه علم تركيبي تكاملي، وهذا ما يتجلى بوضوح إذا ما أردنا فحص بعض التعاريف، ف "إير نيست سيلين Ernst Sellin 11(1867 – 1946) يعرف علم الإجرام بأنه علم الجريمة أو علم الظاهرة الإجرامية. أما الفقيهان الفرنسيين" ستيفاني ولو فاسور" Levasseur et Stefani فيجعلان من علم الإجرام تلك المجموعة التي تدرس الإجرام لمعرفة أسبابه وأسسه ووسائله ونتائجه، في حين يعرف ستدرلاند بأنه دراسة الجريمة بوصفها ظاهرة اجتماعية أو هو العلم الذي يدرس الجريمة من الوجهة الواقعية دراسة علمية كظاهرة فردية واجتماعية قصد الكشف عن العوامل التي تسبب تلك الظاهرة.
وهذه التعاريف المنتقاة تبين لنا الصعوبة المنهجية الناتجة عن التعريف والتي تعود إلى حداثة هذا العلم من ناحية، وإلى اتساع نطاقه وتشعب مباحثه واختلاف مشارب علماء علم الإجرام واهتماماتهم من ناحية أخرى، الشيء الذي يسفر عن رؤى متعددة حسب الانتماءات المختلفة.
وإذا كان علم الإجرام يهتم بدراسة الظاهرة الإجرامية، فإن هناك مواداً كثيرة تشاركه هذا الاهتمام ولكن من منظورها الخاص وفي مقدمتها القانون الجنائي، وهنا تبرز صعوبة أخرى وهي تحديد مجال اختصاص علم الإجرام، سواء بالنسبة للقانون الجنائي، أو بالنسبة للعلوم الأخرى التي تهتم بالإجرام من زاويتها الخاصة.
ثالثاً . فروع علم الإجرام
يعنى علم الإجرام بدراسة الجريمة كظاهرة في حياة الفرد والمجتمع من أجل الكشف عن أسبابها وسبل علاجها، وباعتباره علم تركيبي تكاملي فإنه يشمل مجموعة من العلوم التي يعتمد عليها في أبحاثه ودراساته، وتمثل فروعاً لعلم الإجرام، وهي علم طبائع المجرم، وعلم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي" ونبين فيما يلي بإيجاز مضمون كل منهم:
علم الإنسان الجنائي يطلق عليه أيضا علم البيولوجيا الجنائية أو علم الطبائع الإجرامية،
ويرجع الفضل في نشأته إلى العالم الإيطالي لمبروزو مؤسس المدرسة الوضعية الإيطالية، والذي أشار في أبحاثه إلى أن هناك علاقة ثابتة بين التكوين العضوي للمجرم وبين الجريمة.
ويهتم هذا العلم بدراسة الخصائص والصفات العضوية للمجرم، وذلك من ناحية التكوين البدني الخارجي أو من حيث أجهزة الجسم الداخلية، إذ يعنى بالمجرم بوصفه إنساناً معقد التركيب والكيان بدل الاهتمام بالجريمة بوصفها واقعة فردية مجردة، الأمر الذي يستوجب دراسة ذات المجرم من مختلف جوانبها العضوية والعقلية والنفسية، ثم القيام بتفسير السلوك الإجرامي لدى المجرم من خلال الربط بين العوامل الذاتية والعوامل الخارجية التي تحيط به.
علم النفس الجنائي
يعالج علم النفس الجنائي الجريمة بوصفها ظاهرة نفسية، فتنصب الدراسة في هذا العلم على التكوين النفسي للمجرم لتحديد أوجه الخلل التي قد تكون وراء سلوكه الإجرامي، وبما أن الإنسان كيان بدني ونفسي يتأثر بالتكوين البدني ويؤثر فيه، فإن لأبحاث علم النفس الجنائي أهمية كبيرة في تفسير أسباب
الظاهرة الإجرامية وتساعد على تحديد جوانب الخلل في التكوين النفسي للمجرم، وتعتمد الوقاية من الجريمة ومعالجتها للوصول إلى وسائل ناجعة لمعاملة الجانحين في المؤسسات الإصلاحية والتي تستخدم وسائل العلاج والإرشاد النفسي الفردي والجماعي.
علم الاجتماع الجنائي
يسمى أيضاً بعلم دراسة البيئة الإجرامية ويهتم بدراسة الجريمة كظاهرة في حياة الجماعة والظروف المحيطة بها، سواء كانت ظروفاً طبيعية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، وقد ظهرت أهمية هذا العلم عندما أدرك الباحثون أن أسباب الإجرام لا يمكن أن تنحصر في الخصائص البيولوجية والنفسية للمجرم، بل إن للبيئة التي يعيش فيها الأفراد دوراً هاماً لتنشيط هذه العوامل الداخلية والتفاعل معها في إنتاج الجريمة.
رابعاً : موضوع علم الإجرام
يرتكز موضوع علم الإجرام على موضوعين رئيسيين: الجريمة والمجرم، والغاية من البحث فيهما هي التعرف على أسباب الظاهرة الإجرامية، وللوصول إلى هذه الغاية يتعين دراسة الجريمة من خلال فاعلها أي المجرم.
. مفهوم الجريمة في الدراسات الإجرامية
إذا كان من السهل تعريف المجرم باعتباره كائن بشري الذي ارتكب الجريمة، فإنه يكون من الصعب تعريف الجريمة كجوهر أو كحقيقة تصورية، إذ توجد مفاهيم متعددة ومتباينة، منها المفهوم القانوني والاجتماعي والأخلاقي
والطبيعي، ويرجع هذا التعدد إلى الطبيعة المركبة لعلم الإجرام.
.أ. المفهوم القانوني للجريمة
تعرف الجريمة بأنها الفعل أو الإمتناع المخالف لأحكام القانون الجنائي والمعاقب عليه بمقتضاه ومن هذا التعريف يتبين أن الأفعال ذات الخطورة الاجتماعية لا تنطوي تحت هذا المدلول وعليه، فإن المدلول القانوني للجريمة يُضَيِّقُ من مجال أبحاث علم الإجرام وذلك باستبعاده الأفعال ذات الخطورة الاجتماعية غير المنصوص عليها في القانون الجنائي، لأن هذا الأخير عبارة عن نصوص لغوية معبرة عن إرادة المشرع تحكم وقائع معينة من الجرائم وأشخاصاً معينين هم المجرمون، حيث يتناول الجريمة كحقيقة قانونية محدداً صورتها المستوجبة للمسؤولية والجزاء المتعلق على اقترافها والفقه الجنائي يهتم بالدراسة الاستيعابية لمضمون تلك النصوص من حيث كونها تعبيراً عن إرادة شرعية ملزمة، في حين أن علم الإجرام لا يهتم بفحص النصوص وإنما بالأشخاص ويتناول الجريمة كحقيقة واقعية من زاوية علم الطبيعة الكونية، ويترتب على المفهوم القانوني للجريمة مجموعة من الآثار منها ما يتعلق بمعايير التجريم وكذلك مايخص طبيعة ردود الفعل التي يحدثها السلوك الإجرامي لدى المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن تطور علم الإجرام في هذه الفترة كان له أثر إيجابي في تغيير وجهة النظر السائدة حول الجريمة والمجرم، وظهور معايير للتمييز بين خطورة الجرائم وبين الأسباب الدافعة لارتكابها وكذا لوائح علمية لتحديد شخصية الجاني وفضح ما يختفي وراء هذا المصطلح من حقائق مختلفة لا يفي وحده بالتعبير عنها. كما انصب اهتمام علماء الإجرام على دراسة العقوبات وتقييم فعاليتها، وتحديد نظامها. وهكذا أصبح الاهتمام بالجاني ضرورة ثابتة قبل نهاية القرن التاسع عشر ؛ لم يزدها مرور الزمن إلا حتمية واستعجالا.
والمدلول القانوني للجريمة يجعل منها فكرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومؤدى ذلك إنكار وصف العلم عن علم الإجرام لأنه لن يقدم نتائج مؤكدة طالما أن موضوعه لا يتميز بالتجانس والثبات.
ب المفهوم الاجتماعي للجريمة
كان لأنصار المدرسة الوضعية السبق في صياغة وبلورة المفهوم الاجتماعي للجريمة، وبالتالي ليست الجريمة هي كل فعل أو امتناع يقع بالمخالفة لنص تشريعي جنائي، وإنما هي كل فعل ضار بمصالح الجماعة الأساسية، فمناط تكييف الفعل بأنه إجرامي من عدمه ليس النص التشريعي وإنما مبادئ الأخلاق
والقيم الاجتماعية التي تسود المجتمع، وعليه فالمضمون الاجتماعي للفعل هو المعول عليه في تحديد الصفة الإجرامية من عدمها ومن هنا تظهر الإشكالية الأساسية المتعلقة بالتعريف العلمي للجريمة وطبيعتها: هل تعتبر شر في ذاتها،سابقة على التصور الشخصي للإنسان؟ أم هي شر من صنع المجتمع نفسه؟
وفي هذا الصدد، يرى علماء الاجتماع أن المجتمع هو الذي يخلق الجريمة، وانطلاقاً من الغموض والتضارب الذي يكتنف تعريف الجريمة استبدل الفقيه جاروفالو فكرة الجريمة القانونية بفكرة "الجريمة الطبيعية"، وهي تُعنى بانتهاك مشاعر الشفقة والرحمة والأمانة السائدة في المجتمع، ومن الجرائم الطبيعية نجد جرائم القتل والسرقة وتتميز الجريمة الطبيعية بالعمومية والثبات، حيث إن مضمونها لا يتغير باختلاف الزمان والمكان.
أمثلة تقابل الجرائم الطبيعية ما يطلق عليه "الجرائم الاصطناعية أو الجرائم الاتفاقية"، وهي مجموعة من الأفعال والتصرفات يلجأ المشرع إلى تجريمها لمصلحة اجتماعية أو اقتصادية أو مالية أو سياسية أو غير ذلك، وهي متغيرة متجددة نتيجة تغير وتجدد الظروف والمعطيات التي فرضتها باختلاف الزمان والمكان، ومن أمثلتها الجرائم الاقتصادية.
يلاحظ على المدلول الاجتماعي للجريمة أنه يتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ذلك المبدأ الذي يمثل ضمانة هامة لحماية الحريات الفردية، وبالإضافة إلى ذلك، لا يجرم المشرع الجنائي سلوكاً ما لأنه مخالف للأخلاق، وإنما لأنه يمثل اعتداء على مصلحة جوهرية للمجتمع، وهذا لأن الصلة وثيقة بين القانون الجنائي والأخلاق وإن كان للأخيرة نطاق أوسع من الأول.
وفكرة الجريمة الطبيعية التي قال بها "جارو فالو" هي فكرة غير واقعية، لأن طبيعة المجتمعات تختلف من مكان لآخر، ويختلف المجتمع الواحد من زمان لآخر، وبناءً عليه فمن المتصور أن ما يعد جريمة في مجتمع ما أو في زمان ما لا يعتبر كذلك في مجتمع آخر أو في زمان آخر. رغم الانتقادات التي وجهت للتعريف القانوني للجريمة، والذي لم يحظ بموافقة علماء الإجرام الذين يعتبرونه تعريفاً ضيقاً، حيث يأخذون مفهوم الجريمة ببعده السوسيولوجي الموسع الذي يمكن أن يشمل كل الظواهر الانحرافية، فإن علم الإجرام لا يسعه الاستغناء عن مفاهيم القانون الجنائي وعن إطاره الشرعي والدستوري، ويترتب على الأخذ بالمدلول القانوني أنه يعطي لمفهوم الجريمة قدراً من التحديد والثبات النسبي يكفي لأن يؤسس عليه علم الإجرام أبحاثه، كما ليس هناك ما يمنع من أن تمتد دراساته وأبحاثه إلى الأفعال التي تكشف عن خطورة اجتماعية رغم عدم خضوعها لنصوص التجريم طالما أفصحت هذه الأفعال أو المظاهر الاجتماعية عن تكوين شخصية لدى مرتكبيها تنذر بارتكابهم فيما بعد جريمة بالمعنى القانوني، ومن شأن هذا إثراء الأبحاث الإجرامية، ويساعد في وضع أنسب الوسائل للوقاية من الجريمة ومكافحتها. مفهوم المجرم في الدراسات الإجرامية لم يسلم مفهوم المجرم بدوره من الخلاف القائم بين القانون الجنائي وعلم الإجرام، لأن القانون لم يحدد متى تبدأ الحالة التي يوصف فيها الشخص بأنه مجرم، كما لا يحدد نهايتها، وفي نفس الوقت فإن اعتبار الشخص مجرماً من عدمه تحكمه اعتبارات ومعتقدات اجتماعية راسخة وأفكار مسبقة، كل ذلك يعطي مدلولاً نسبياً لمفهوم المجرم.
فالمجرم في القانون الجنائي هو كل شخص يرتكب جريمة بمفهومها القانوني، وهذا التعريف يؤكد الترابط الوثيق بين الجريمة والمجرم وعدم وجود أحدهما دون الآخر، وعليه فإذا كان القانون هو المعيار في تحديد السلوك المجرم وفاعله فإن صفة المجرم في لغة القانون لا تطلق إلا على الشخص الذي أُدين بحكم قضائي نهائي.
وفيما يخص المتهم في مرحلة التحقيق وأثناء فترة المحاكمة، فلا يعد شخصاً مجرماً وهذا الحكم ليس قاعدة قانونية فحسب، بل أصبح قاعدة دستورية.
أما بالنسبة لمفهوم المجرم في نطاق الدراسات الإجرامية، فهو كل شخص ارتكب سلوكاً ينص القانون على تجريمه، سواء تم القبض عليه أو كان في مرحلة التحقيق أو مرحلة المحاكمة ولم يصدر من القضاء حكم بإدانته بعد، وبالتالي فإن مدلول المجرم في علم الإجرام يتسع ليشمل أولئك الذين قضى القضاء ببراءتهم، ذلك أن البراءة ليست دائماً دليلاً على عدم ارتكاب الجريمة.
والمجرمون موضوع دراسة علم الإجرام ليسوا على نوع واحد، بل ينقسمون إلى مجموعات متباينة ولكل مجموعة خصائص تميزها عن غيرها، سواء من حيث التكوين أو من حيث صفات أخرى.
وعليه، يعنى علم الإجرام بدراسة المجرم بمفهومه الواسع، أي الشخص الذي أتى سلوكاً يعد جريمة في نظر القانون الجنائي، سواء كان سوياً مكتمل الادراك والاختيار أو غير سوي، به بعض الاختلالات العقلية أو النفسية تعدم أو تنقص مسؤوليته الجنائية.
في والغاية من إخضاع الممجرمين غير الأسوياء للدراسات الإجرامية تكمن أن هذه الدراسة قد تفيد في تحديد الأسباب التي أدت بمريض ما إلى ارتكاب الجريمة رغم أن غيره من المصابين بنفس المرض لم يقدموا على ارتكابها، وهذا قد يفيد فى معرفة العوامل التي ساهمت إلى جانب المرض أو الخلل في الدفع إلى ارتكاب الجريمة وهذه المعرفة تفيد في الوقاية من الجريمة وحماية المجتمع من خطورة هؤلاء المجرمين، كما تفيد في منع هؤلاء من العودة إلى ارتكاب الجريمة بعد علاجهم من المرض العقلي أو الخلل النفسي الذي يعانون منه.
وخلاصة ما تقدم، يتبين أن علم الإجرام يفتقد إلى تعريف موحد للجريمة من جهة، وإلى مفهوم موحد للمجرم من جهة أخرى، الشيء الذي جعل الدراسات في حقل علم الإجرام لا تتسم بالتقدم والارتقاء.
خامساً : مكانة علم الإجرام داخل العلوم الجنائية لتحديد وضعية علم الإجرام داخل مجموعة العلوم الجنائية، تعترض الباحث إشكالية التصنيف ذلك، فمكانة علم الإجرام داخل العلوم الإنسانية وتحديد حقله تجاه الفروع الأخرى تختلف كثيراً من مدرسة لأخرى حيث لا نجد تصنيفا موحداً وإنها تصانيف متعددة يمكن أن نجملها في ثلاثة أنواع:
التصنيف المتطرف تمخض عن هذا التصنيف اتجاهين إما أن يدخل كل مواد العلوم الجنائية في حقل علم الإجرام، وإما أن يدخل هذه المواد كلها بما فيها علم الإجرام داخل مجال القانون الجنائي.
فالاتجاه الأول وسع كثيرًا من حدود علم الإجرام، حيث جعله يضم جميع فروع العلوم الجنائية.
أما الاتجاه الثاني، فيناصر القانون الجنائي ويحاول رد الاعتبار إليه وذلك بطبيعة الحال على حساب علم الإجرام، فهو أعطى استقلالاً كبيراً للقانون الجنائي واعتبره المادة الأساسية في مجموعة العلوم الجنائية، في حين اعتبر علم الإجرام والفروع الأخرى بمثابة علوم قد وضعت لمساعدة القانون الجنائي.
التصنيف الضيق يضع هذا النوع علم الإجرام داخل حدود ضيقة ويجعله لا يتجاوز دراسة السببية الإجرامية وذلك بعد تمييزه عن القانون الجنائي وعن علم العقاب.
أ). علاقة علم الإجرام بعلم التحقيق إن أنصار التعريف الموسع لعلم الإجرام يجعلون علم التحقيق أو علم الكشف عن الجريمة وعلم العقاب من موضوعات علم الإجرام، إلا أن علم التحقيق الجنائي لا يندرج بأي حال في علم الإجرام لاختلاف غاية كل منهما، فهو بعكس علم الإجرام لا يبحث في السببية الإجرامية، وإنما يهتم بالبحث عن الأدلة والقرائن التي تثبت مادية الفعل الإجرامي وتنسب هذا الفعل إلى المجرم الذي اقترفه.
فالعدالة الجنائية تستعين بأساليب علم التحقيق الجنائي في اكتشاف المجرم الحقيقي ونوعية الجريمة، ويضم هذا الأخير بين دفتيه فروع متعددة أهمها الطب الشرعي الشرطة العلمية الشرطة التقنية، الطب العقلي الجنائي) ورغم تميز علم التحقيق الجنائي عن علم الإجرام، فإن العلمين معاً تربطهما صلات عديدة من التعاون في ميدان الإجرام.
ب). علاقة علم الإجرام بعلم العقاب
يتناول علم العقاب بالدراسة والبحث المبادئ والأساليب التي يمكن من خلالها مواجهة الظاهرة الإجرامية، سواء من حيث اختيار الجزاء المناسب أو من حيث اقتراح أفضل الطرق لتنفيذ هذا الجزاء، وبعبارة أدق فهو يهتم بالدراسة العلمية للجزاء الجنائي في نوعيته وأهدافه وفعاليته وفي مدى إمكانية المجرم من الاستفادة منه، كما يتناول دراسة المؤسسات العقابية وتطوير أساليب المعاملة المتبعة فيها وأنواع هذه المؤسسات وطرق تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، ولم يتخذ هذا العلم ذاتيته المستقلة إلا بعد تطور الفلسفة الإنسانية اتجاه التركيز على شخصية الجاني والأخذ بالاعتبار هدف تأهيله ونزع بذور الجريمة نفسه، وعلى هذا الأساس أخذ مفهوم العقوبة يبتعد عن غايتها التقليدية في الردع والإيلام والألم وتنحو نحو معالم الوقاية والعلاج، وكل جزاء بطبيعة الحال يعكس فلسفة جنائية معينة يتبناها المشرع الجنائي.
من وعليه، فعلم العقاب بصفة عامة يقيم الجزاء ومدى جدواه وانعكاساته على الظاهرة الإجرامية، الأمر الذي لا يدخل في اهتمام علم الإجرام الذي يسعى إلى فهم السلوك الإجرامي وإدراك دوافعه وأسبابه وبالتالي يعد من العلوم السببية التفسيرية، إلا أنه في ظل التوسع لتحديد مفهوم علم الإجرام ملائمة لتحقيق أهداف القانون الجنائي ويصفها الفقيه الفرنسي "مارك أنسل
Marc Ancel" بأنها علم وفن معاً، هدفها الوصول في ضوء معطيات علم الإجرام إلى أفضل الصيغ لقواعد القانون الوضعي، كما أن الرأي الغالب في الفقه الإيطالي يرى بأنها علم يتضمن دراسة وتقدير المصالح الاجتماعية التي تبدو جديرة بالحماية الجنائية.
وبناءً على ما سبق، فالسياسة الجنائية ما هي سوى تلك السياسة التي تنهجها الدولة في ميدان محاربة الإجرام، حيث تقترح على المشرع حلولاً معينة في التعامل مع مشكل إجرامي معين عليه أن يختار حلاً من هذه الحلول والتي تأخذ في الحسبان القيم والظروف والإمكانيات الاجتماعية.
وعلى هذا الأساس، نلاحظ أن السياسيات الجنائية تتأثر بصورة واضحة بالنظام السياسي والاقتصادي والعقائد الاجتماعية السائدة في المجتمع، وهي تتطور تبعا لتطور تلك الأنظمة وتلك الاعتبارات التي ترتكز عليها بذلك علم
قانوني قاعدي ينطلق من القاعدة القانونية الوضعية ونهاية مطافه القانونية المفترضة.
هي القاعدة وكنتيجة لذلك، فإن علم الإجرام وعلم السياسة الجنائية علمين متميزين طبيعة وموضوعاً وهدفاً، لكن رغم هذا الاختلاف الواضح
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
لا يمكن تحديد مفهوم واضح ودقيق للأزمة ولا سيم بعد اتساع حدود انطباقه بمختلف العلاقات الإنسانية في كا...
لم أستطع أن أُكمل دراستي في تبوك لأني من الرياض، ولما بدأ الفصل الثاني دخلتُ فلم أجد خانة إدخال الطل...
إنجازات قسم بحوث أمراض الذرة والمحاصيل السكرية لقد حقق قسم بحوث أمراض الذرة والمحاصيل السكرية، منذ إ...
الآليات التربوية أولا: الآليات القانونية القانون الإداري يعد القانون الإداري المغربي من الأدوات الرئ...
الموافقة على مخاطر تكنولوجيا المعلومات. بناءً على حدود تحمل المخاطر الخاصة بتكنولوجيا المعلومات الم...
تقدر مصادر سياسية إسرائيلية وجود مؤشرات على اختراق كبير قد يؤدي إلى تجديد المحادثات بين إسرائيل و"حم...
يتطلب تحليل عوامل الخطر التي تؤثر على صحة الأطفال في مختلف مراحل نموهم فهمًا لكيفية تفاعل النمو البد...
قال الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي ان الحديث عن التعافي الاقتصادي وعمليات الإصلاح لا ي...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
The only comment is that the time of the doctor's availability is up to 430, 5 o'clock only However...
They are serving a very dry steamed chicken breast and not tasty and the fish the should provide th...
A loop of wire that forms a circuit crosses a magnetic field. When the wire is stationary or moved p...