لخّصلي

ت الدولة الحديثة
إن الدولة الحديثة لا تقوم إلا على أسس و مبادئ كرسها الفكر الإنساني منذ القديم ،
وتتمثل أساسا في وجود وثيقة دستورية قائمة على مبدأ الفصل بين السلطات و استقلالية القضاء.
وعلى أساس ما سبق فإن الوثيقة الدستورية تضطلع بتحديد شكل الدولة و نظام الحكم و تنظيم السلطات و إختصاصاتها و العلاقة فيما بينهما، إلى جانب تحديد حقوق وواجبات افراد المجتمع. أما مبدأ الفصل بين السلطات فيمثل إنتقالا من سلطة الحكم المطلق إلى سلطة قائمة على أساس التكامل والإنسجام أما مبدأ استقلالية القضاء فيعد دعامة أساسية لقيام الدولة باعتبار أن العدل أساس الملك. أنواع السلطات في الدولة الحديثة :
إن تنظيم السلطات في الدولة يعد أمرا غائرا في التاريخ ، حيث كان محل اهتمام
المفكرين فقد عالجه الفلاسفة الإغريق بالدراسة مثل افلاطون و ارسطو حيث حصرها هذا الأخير في ثلاث هيئات ممثلة فيما يلي : أ) هيئة تنفيذية : تتولى تنفيذ القوانين تتألف من أشخاص تعينهم جمعية الشعب . ب) هيئة قضائية : وهي مجموعة المحاكم والقضاة حيث يعهد إليهم تطبيق القانون.
و قد تعرض لتنظيم سلطات الدولة عديد المفكرين ولاسيما بأروبا ومن هؤلاء الفيلسوف و المفكر الإنجليزي جون لوك (1704.1632) في كتابه الحكومة المدنية ، والذي نادى بضرورة استقلال الهيئة التشريعية عن التنفيذية ، والتي أضاف لها هيئة ثالثة اسماها الهيئة الفيدرالية حيث تضطلع بإدارة الشؤون الخارجية و شؤون الحرب و السلم.
أما الفقية الفرنسي مونتسكيو (1755.1689) فقد عرض في كتابه روح القوانين ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و سلطة الحكم لأجل بناء الدولة الحديثة حيث اعتبرت أفكاره مصدر الهام للثورة الفرنسية عام 1789 حيث تجسد في صلب
المقدمة :
اعلان حقوق الانسان والمواطن المتزامن ودستور عام 1791 الذي اخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وعلى أساسها أيضا تأسس النظام الفيدرالي في أمريكا.
لقد اعتبر مونتسكيو مبدع مبدأ الفصل بين السلطات متكامل حيث كان أساسه مبدأ التخصص و مبدا الاستقلالية ، فالأول يدعي فصل الوظائف او الفصل الوظيفي ،فالوظائف الكبرى الثلاث للدولة التشريعية و التنفيذية والقضائية تمارس من قبل ثلاث سلطات او اجهزة متميزة ، اما المبدأ الثاني فهو فصل الأجهزة او الفصل العضوي فيما بينهما بحيث يجب على الأعضاء الذين يؤلفونها أو يعينون من سلطة أخرى.
والغاية المرجوة من وراء عدم تركيز وظائف الدولة في مجالات التشريع و التنفيذ و القضاء في يد سلطة واحدة ، وانما توزيعها عل سلطات متعددة ومتخصصة هي بالدرجة الأولى منع الاستبداد و الطغيان ،والتكفل باحترام القوانين وحماية وصون الحقوق و الحريات ، الفردية و الجماعية .
السلطة التنفيذية :
يقصد بالسلطة التنفيذية جميع الموظفين الذين يشاركون في تنفيذ القوانين بدءا من رئيس الدولة حتى آخر موظف في السلم الإداري للدولة والاختصاص المعهود لها. والاختصاصات التي تضطلع بها السلطة التنفيذية تختلف باختلاف الأنظمة السياسية، ففي الأنظمة غي البرلمانية تختلف بدورها حسب أسلوب الحكم ، ففي النظام الملكي المطلق تكون سلطة الحكم محتكرة من طرف الملك بدون منازع ، على عكس النظام الدستوري الملكي فالسلطة يمارسها الشعب بواسطة منتخبيه. فيما يخص الأنظمة ذات الاختيار الرئاسي فإنها تتميز بإستحواذ الرئيس على السلطة التنفيذية التي يعبر عنها بسلطة وحيدة الرأس Monosépal حيث ليس هنالك رئيس وزراء ورئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في نفس الوقت ، أما الوزراء فلا يشكلون هيئة مستقلة بل هم معاونون للرئيس لا غير. تندرج سلطة الرئيس المطلقة حين يتم الأخذ بالنظام الشبه رئاسي ، والذي رغم بقاء هيمنة الرئيس فإن الوزارة تشاركه في أداء السلطة التنفيذية ، غير أنها تكون مسؤولة أمام البرلمان.
أما السلطة التنفيذية في الأنظمة البرلمانية فإنها على أساس الثنائية التي يمثلها الرئيس ملكا أو منتخبا كان والوزارة. ويتمثل دور الرئيس والملك في مثل هذا النظام بالحفاظ وصيانة الاستقرار السياسي، وإصداره للقوانين تماشيا الدستور، والتي يصوت عليها البرلمان، وكذا إبرام المعاهدات وإعلان الحرب والسلم والعفو العام الى جانب صلاحية حل البرلمان ودعوة انعقاده، والوزارة في النظام البرلماني تتشكل فيمايلي :
أ- الوزير الأول أو رئيس الوزراء : وعادة ما يعين من حزب الأغلبية البرلمانية وهو المهيمن على السلطة التنفيذية ، يعهد إليه ضبط وتوحيد عمل الوزراء وتحديد رسم السياسة العامة للوزارة.
ب-الوزارة : وهي مشكلة من الوزير الأول والوزراء الذين بدورهم ينقسمون الى فئتين - فئة أولى : وهي تتولى مسؤوليات وزارية تعمل على إدارة شؤونها - فئة ثانية : وتضم أعضاء يعملون كأعضاء لدى الفئة الأولى يتجلى دورهم في
مساعدة الوزير الأول أو الوزراء في أداء مهامهم - وتضطلع الوزارة في النظام البرلماني بممارسة السلطة التنفيذية من خلال تنفيذ
القوانين، ورسم السياسة العامة للدولة وتقديم مشاريع قوانين للبرلمان.
-السلطة التشريعية :
هي هيئة مستقلة يتولى الشعب اختيار أعضائها وتتولى سن القوانين الى جانب صلاحيات أخرى تتباين حسب دساتير الدولة. وقديما احتكر الملوك صلاحية التشريع باعتبارهم أعلى سلطة حاكمة تتولى إدارة كافة دواليب الحكم دون منازع، بل إعتبر بعض ملوك مصر القديمة كالملك مينا وعند البابليين الملك حمورابي أن القوانين مصدرها إلهي. وكما سبق ذكره فإن الفقيه الفرنسي مونتيسكيو يعد من أوائل الفقهاء الذين اعتبروا هذه الهيئة إحدى ركائز الحكم في ظل الفصل بين السلطات التي تفوز عليها الدولة الحديثة.
والسلطة التشريعية الممثلة في هيئات تختلف تسميتها وتشكيلتها من دولة الى أخرى ، فقد يستند التشريع الى مجلس واحد والذي عرفته الجزائر في دستورعام 1963 باسم المجلس الوطني ، و في دستور عام 1976 بإسم المجلس الشعبي الوطني حيث واحتفظ بنفس
التسمية في دستورعام 1989. ويتولى انتخاب أعضاء هذه الهيئة من طرف الشعب غي أنه يمكن إستثناءا تعيين عدد قليل منهم ، وقد تتولى السلطة التشريعية هيئتين يقوم عليهم برلمان الدولة مثل ما أقره دستور الجزائر منذ عام 1996 ، حيث عهد ممارسة السلطة التشريعية لبرلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. وبنفس التكوين القائم على مجلسين يقود يتكون النظام البرلماني في فرنسا، حيث هنالك الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وببريطانيا هنالك مجلس العموم بجوار مجلس اللوردات.
إن الأخذ بنظام المجلسين أضحى لدى أنصاره ضرورة تدعمها عدة مبررات ولعل
أهمها :

• يعد هذا النظام بمثابة ضرورة أساسية في الدول الاتحادية حيث المجلس الأعلى يمثل النزعة الاستقلالية للولايات المنضوية في إطار الدولة الاتحادية، بينما المجلس الثاني الاتحادي يتجلى دوره في حماية الاتحاد.


• إن بنظام المجلسين يمنع استبداد السلطة التشريعية فوجود مجلسين يمثل حاجزا ومانعا لاستبداد سلطة معينة بالتشريع، ويعد عامل توازن بين المجلسين.


• منع التسرع في التشريع ويظهر ذلك من خلال تولي مجلسين مراقبة وتدقيق المشاريع القانونية مما يحقق الاستقرار القانوني دون الحاجة الى التعديل بعد فترة وجيزة.


• يساهم نظام المجلسين في تدعيم هذا التنظيم بالعناصر ذات الكفاءة التي عزفت عن دخول الانتخابات أو حتى التي لم تتمكن من النجاح في الاستحقاقات الانتخابية.
  السلطة القضائية :
  تتولى السلطة القضائية تطبيق القوانين على المنازعات التي تعرض عليها سواء كانت بين اشخاص القانون الخاص، أو كانت بين اشخاص القانون العام من جهة أخرى او كانت بين اشخاص القانون العام فقط إلى جانب اضطلاعها بمراقبة اعمال السلطة التنفيذية و
  التشريعية ومدى تماشيها مع الدستور. والسلطة القضائية تضطلع باحترام القواعد القانونية و التنظيمية التي تتولى وضعها المؤسسة التشريعية و التنفيذية من خلال اصدار الاحكام الفاصلة في النزاع و تنفيذها على الغير مهما كان فردا أو سلطة عامة .
  ممارسة السلطة القضائية : يتولى ممارسة السلطة القضائية موظفين تعينهم الدولة وفق أحكام الدستور حيث يمارسون حيث يمارسون عملهم في نطاق مكاني رسمي هو المحكمة والتي تتباين تشكيلتها منت دولة الى إلى أخرى فهنالك محاكم تتشكل من قاضي فرد Juge unique ويكون عادة في المحاكم ذات الدرجات الدنيا أما ذات الشكل الجماعي
  Collégiale أي ذات عدة قضاة فهي محاكم ذات الدرجات العليا.
  ولأجل اختيار القضاة فإنة يتم الإعتماد على نظامين هما كمايلي :
  -أ) نظام المهنة : تأخذ بهذا النظام اغلبية الدول حيث يتم اختيار القضاة تماشيا و شروط محددة مسبقا ، وعادة ما يكون وفق مسابقة يتقدم لها المترشحون المتوفر فيهم عدة شروط وذلك تحت اشراف أساتذة جامعيون بمعية متخصصين من هيئة القضاء من ذوي الكفاءات و
  الخبرة حيث يتم اختيار الفائزين وفق نتائجهم.
  -ب) نظام الإنتخاب أو الإختيار بالقرعة : ويكون ذلك بإنتهاج بعض الأنظمة إنتخاب القضاة إو ممثلي الشعب القرعة كمستشارين في المحاكم العادية عن طريق . ويكون إنتخاب القاضي عن طريق سكان منطقة معينة كما هو الحال في بعض مناطق الولايات المتحدة الامريكية و سويسرا. و تعد مثل هذه الطريقة في إختيار القضاة متناسبة و المبدأ الديمقراطي القاضي بممارسة السلطة من طرف الشعب غير أن مثل هذا النظام يجعل
  من القاضي خاضع في أغلب الأحيان لضغوط و تأثير الجهة التي إختارته