لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (10%)

أو النسبة إلى الثنائية هي جد طرق فكل ما يعلم فهو موجود ، ولو أننا سنرى فيها بعد أن القول بالوجود الواحد لا يقال على إطلاقه ، فيما يتعلق بالموجود ، فنحن نرى أفلاطون أولاً ينكر ألا يكون الموجود صفة عامة تجمع الأشياء كلها ، بل يجب أن يفرق بين نوعين من الوجود : وجود وبهذا قال أفلاطون بما قال به برمنيدس من الوحدة ، ولو أنه حدد هذه الوحدة وبين أنها لا تقال على وجه الإطلاق كما ان تلك الأهمية تنحصر أيضاً في أنه استطاع أن يضيف كل الأبحاث التي قال بها الفلاسفة المتقدمون إلى نظرية سقراط، لم يقل بالماهيات على أساس إمكان استخلاصها من المحسوسات ، وإنما قال بأن لهذه الماهيات استقلالاً ووجوداً ذاتياً تستقل به عن وجود غيرها من الأشياء التي تشارك فيها . فهو يقول بنفس هذه النظرية في صورة أخرى ، ثم نجد في ه بر منيدس : ( ۱۳۲) حـ ( أن الكلي والموجود شيء واحد وهنا يجب أن تشاءل عن الصلة بين هذا الكلي وبين الأشياء التي هو كلي بالنسبة إليها . فنجد أولاً أن هذا الكلي لما كان وجوده وجوداً ذاتياً ثابتاً ، ولهذا فإن للصور وجوداً في عالم معين مختلف عن عالم الجزئيات المشاركة للصور في ماهياتها وقد اختلف المؤرخون في طبيعة هذه الصور نفسها . وأرسطو نفسه الذي نقد نظرية الصور نقداً عنيفاً ( و ما بعد الطبيعة : م ا ف ۹ ص ۹۹۰ وما يليها ) ، وإذا قبل رداً على الاعتبار الأول إن الصور موجودة منذ الأزل بمثابة أفكار الله ، فإن هذا النقد يتجه في الأصل إلى فكرة وجود الماهيات في ذاتها منفصلة عن الموجودات فإننا لا تستطيع الحكم لأن كل حمل يقتضي وجود شيئين . فإن هذا القول نفسه غير ممكن إذا حسبنا الوجود وحدة لأننا قلنا هنا بصفتين ، وهذا الرأي غير صحيح ، فلا يمكن أن يضاف إلى الوجود غير الوجود وسقراط كان يجعل من الكلي ماهية ، ويقسم الوجود على هذا الأساس إلى ماهيات مختلفة بحسب اتفاق كل مجموعة من مجموعات الوجود في ماهية بالذات . لبقية الصور التي تأتي تحتها في سلم التصاعد. فإننا نجده في ، وإما أن تكون الصور نفسها أعداداً . فأفلاطون قد اضطر من ناحية إلى القول بأن الوجود ثابت تبعاً لنظريته في العلم ، كما أننا من ناحيتنا حين تعلمها نحن نفعل ؟ فالفعل إذن موجود . أي نسب إليه التغير والحركة . أن يقول بأن الصور ذات وجود ثابت ولكنه مضطر من ناحية أخرى أن يقول بأن الصور فاعلة وقابلة بالتالي للتغير فما وجه الاضطرار في هذا ؟ ولماذا اختلف أفلاطون في تفسيره عن الميغاريين والإيليين ؟ العلة في هذا أن الميغاريين والإيليين قد نظروا إلى الوجود في ذاته وبصرف النظر عن الأشياء المتحققة بالوجود : بينما أفلاطون ، وكان عليه أن ينظر إلى الصور بهاتين النظرتين المتعارضتين : النظرة الثابتة ، ويذكر عن اللا محدود أنه المادة لأنها قابلة لكل شيء . والنتيجة الأخيرة التي يمكن أن تستخلص من هذا كله هي أن الصور على كذلك فكيف نفسر هذا التناقض ؟ هنا يمكن أن تفسير ذلك أولاً بأن نقول - كما قال تسلر - إن فكرة العلة الفاعلية والعلة الصورية لم تكن واضحة عند أفلاطون كما هي واضحة عند عالم الصور : إذا كان أفلاطون قد أقام نظريته في الصور على أساس أنها الكليات التي تجمع بين الأشياء المختلفة من حيث إن هذه الأشياء تنصف بصفات مشتركة ، بل لكل شيء مهما كان شراً أو فيحاً أو باطلاً ، وإنما يتعداه أيضاً إلى النسب والإضافات . وبعد أن كان أفلاطون يقول إنه حتى الشعر أو القذارة نفسها لها صور ، أو لم يوضح بالفعل المقولات التي تحمل على الوجود كله، وإليها يرجع كل حمل على الوجود. فيقول: كما أن الشمس هي مصدر الضوء والحياة في هذا الوجود، كذلك الحال في عالم المثل : صورة الخير هي مصدر النور ومصدر الحياة بالنسبة إلى بقية الصور، فجميع الصور محلولة الصورة الخير، وهنا تعترضنا مسألة خطيرة كل الخطورة، ومعنى هذا أن علة العالم هي صورة الخير فكيف إذن نتصور الصلة بينها وبين الله ؟ هنا نجد أيضاً موقفين متعارضين الأفلاطون: فهو في محاورة مثل فيلابوس) (۲۲) حـ) أو السياسة (٥١٧) (ب) يجعل صورة الخير والله شيئاً واحداً. ولكننا نجده مرة أخرى في طماوس (۳۷) حـ ) يقول إن هناك من ناحية : الصانع ومن ناحية أخرى الصور والصانع يخلق العالم بأن يتأمل الصور فالصور إذن موجودة إلى جانب الصانع أو الله . بينما نجد فكرة صورة الخير بوصفها علة الوجود فكرة واضحة في السياسة كل الوضوح، ولكننا نستطيع أن ترجع هذا الاختلاف في موقف أفلاطون فيها يتصل بالصلة بين صورة الخير وبين الله إلى نفس المنهج الأفلاطوني،


النص الأصلي

نظرية الصور
سل بعملية أو أجناس سمة في هذه تها ستكون هذه الحالة شتركة أو نائية ، أو النسبة إلى الثنائية هي جد طرق
إذا كان العلم هو العلم بالماهيات ، فيجب إذن أن يبدأ البحث بها ، ولهذا وجه أفلاطون عنايته الأولى إلى البحث في الماهيات ، ليستطيع من بعد أن يقيم على هذا الأساس مذهبه : سواء مذهبه الطبيعي والأخلاقي . ونظريته في الصور تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول : أساس الصور ، والثاني : ماهية الصور ، والثالث : عالم الصور .
أساس الصور : يبدأ أفلاطون بحثه في الصور ببيان الأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية ، والأساس ذو وجهين ، فهو خاص أولاً بنظرية المعرفة ، وهو خاص ثانياً بنظرية الوجود. ففيها يتصل بالمعرفة نجد أن المعرفة تنقسم إلى قسمين رئيسيين التصور الصحيح، والعلم الحقيقي
والتصور الصحيح هو خطوة وسط بين العلم الحقيقي وبين اللاوجود ، فكل ما يعلم فهو موجود ، وكل ما لا يعلم
فهو غير موجود، والوجود الخالص معلوم واللا وجود غير معلوم ، وبين الأثنين وجود يجمع بين الحالتين ويكون مقابلا للتصور، وهذا النوع الوسط هو الوجود المتغير أو الصيرورة فالنقطة التي يتقاطع فيها الوجود مع اللا وجود هي النقطة التي تظهر فيها ضرورة وجود الصور. ذلك لأن العلم الحقيقي هو العلم بالماهيات ، فإذا كان التصور الصحيح لا يتناول الماهيات وإنما يتناول الوجود المتغير، فلا بد من وجود موضوع للعلم الصحيح يكون ثابتاً غير متغير ، وهذا الوجود هو وجود الصور أو وجود الماهيات. ونحن نرى في هذا كله أثر سقراط من حيث نظرية المعرفة. إذ تقوم المعرفة عند سقراط على أساس الماهيات ، والماهيات ثابتة، فلابد من افتراض وجود ماهیات ثابتة ، وإلا لما أمكن العلم . فإذا نظرنا إلى المسألة من ناحية الوجود، وجدنا أولاً أن في الوجود تغيراً مستمراً وأن في الوجود كثرة . إلا أن كل تغير غايته الثبات ، وكل تعدد غايته الوحدة. فلا يمكن إذن أن تقنع بالقول بوجود التغير أو التعدد ، بل لا بد من القول بالوجود الواحد الثابت ، وهذا الوجود الواحد الثابت هو وجود الماهيات ؛ ولو أننا سنرى فيها بعد أن القول بالوجود الواحد لا يقال على إطلاقه ، بل لا بد بعد ذلك من القول بالكثرة في هذه الماهيات الثابتة نفسها . فالنظرة في الطبيعة تؤدي بنا إلى اعتبار الغائية ، والغائية إذا قلنا بها في الطبيعة فقد فينا على التغير أن فيه غاية ، وهذه هي الثبات ، فإذا فرضنا على الكثرة أن تكون فيها غاية ، فتلك الغاية هي الوحدة ، وعن هذا الطريق نستطيع أن نثبت وجوداً ثابتاً واحداً هو وجود الماهيات أو الصور. ويتصل بهذا تلك الأبحاث التي قام بها أفلاطون في . السوفسطائي ، وفي ه برمنيدس » : في . السوفسطائي ، فيما يتعلق بالموجود ، وفي ه برمنيدس ، فيما يتعلق بالوحدة . فنحن نرى أفلاطون أولاً ينكر ألا يكون الموجود صفة عامة تجمع الأشياء كلها ، لأن كل الأشياء مهما اختلفت فهي على الأقل تتحد في صفة واحدة ، هي الوجود ؛ وثانياً يحمل على القائلين بالوحدة المطلقة ، لأنه يرى أن هذه الوحدة المطلقة لا يمكن أن تفسر الوجود الحقيقي تفسير كاملاً : فإذا كانت الكثرة تقتضي الوحدة ، فالوحدة بدورها تقتضي الكثرة، لأننا إذا قلنا عن الماهيات إنها وحدة ثابتة ، ولم نضف إليها شيئاً من الكثرة أو التغير فإنا حينئذ نسلبها الحياة والحركة ؛ كما أننا إذا قلنا بالحياة والحركة ، أو التغير والكثرة ، فقد سلبنا الوجود أساسه وجوهره ، وسلينا العلم الحقيقي موضوعه. ولهذا يجب ألا تطلق الكثرة إطلاقاً كلياً ، بل يجب أن يفرق بين نوعين من الوجود : وجود
المحسوسات ، ووجود الماهيات. أما وجود المحسوسات فلها كان وجود حركة وحياة ، فهو وجود كثرة وتعدد ؛ ولما كان وجود الماهيات وجود علم حقيقي فلا بد أن يكون وجوداً ثابتاً واحداً . ثم يبحث أفلاطون في و برمنيدس : ( ۱۳۷ حـ -١٦٦ حـ ) هذه المسائل بحثاً دقيقاً ، وخصوصا المسألة الرئيسية في هذا الباب وهي : الواحد موجود والواحد لا موجود ، ويستخلص من كل قضية من هاتين القضيتين نتائج متناقضة ، مما يؤذن ببطلان هاتين القضيتين أو المقدمتين . وحينئذ يقول إن هذا التناقض لا يمكن أن يرتفع إلا عن طريق نظرية الصور . غير أنه في : برمنيدس ، لا يبين لنا كيف تستطيع نظرية الصور أن تمحو هذا التناقض ، بل نجده في محاورات أخرى يحاول ذلك
والخلاصة التي تستخلصها من هذا كله هي أن نظرية الصور تقوم على أساسين : الأساس الأول هو العلم الحقيقي ، والأساس الثاني هو الوجود الحقيقي. وكلا الأساسين يمتزج بالآخر تمام الامتزاج : لأن العلم الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا إذا كان موضوعه الوجود الثابت وهو الوجود الحقيقي ، كما أن الوجود الحقيقي لا بد أن يكون معلوماً علما حقيقيا ومعنى هذا كله أن الوجود الحقيقي والعلم الحقيقي يقوم الواحد منهما على الآخر.
فإذا نظرنا الآن في العوامل التاريخية التي حدت بأفلاطون إلى القول بنظرية الصور ، وجدنا أرسطو يبين هذه العوامل بياناً واضحاً في ما بعد الطبيعة ، ، فيقول أولا إن أفلاطون تأثر في هذه النظرية بهرقليطس وبرمنيدس ، ثم بالفيثاغوريين ، ثم بسقراط . فقد تأثر أولاً بهرقليطس لأنه قد درس وهو في صغره على يد أقراطيلوس ، أحد أنصار المذهب الهرقليطي . وقد ظل مخلصاً طوال حياته في نواح كثيرة لهذا المذهب ، لأن هذا المذهب أولاً يقول بالتغير الدائم للأشياء فلا بد أن يكون من وراء التغير شيء ثابت لا يقبل التغير. وأخذ عن هرقليطس ثانياً القول بأن المعرفة الحسية معرفة باطلة وأن المعرفة الحقيقية هي المعرفة العقلية. وكل معرفة عقلية تفترض الوجود الثابت موضوعاً لها . وبهذا يكون أفلاطون قد تأثر بهرقليطس في إقامته النظرية الصور ، كما تأثر ببرمنيدس حين رأى أن التغير المطلق لا يمكن إلا أن يكون وهما ، وأنه لا بد من الوحدة إلى جانب هذه الكثرة ، لأن الكثرة المتحققة في الوجود تفترض لها غاية هي الوحدة . وبهذا قال أفلاطون بما قال به برمنيدس من الوحدة ، ولو أنه حدد هذه الوحدة وبين أنها لا تقال على وجه الإطلاق
ولكن الأثر الأكبر في تكوين نظرية الصور هذه إنما يرجع إلى سقراط ، لأن سقراط هو الذي قال بأن المعرفة أو العلم الصحيح يجب أن يقوم على الماهيات ، فلا بد ، في البحث في الوجود ، من أن يرتفع الإنسان من الوجود المحسوس إلى وجود آخر غير محسوس ، ومن الوجود المتغير إلى وجود آخر ثابت . وهذا ما فعله افلاطون. وقد رأى أن سقراط قد طبق هذا القول سواء في نظرية المعرفة وفي الأخلاق ، فتوسع أكثر وأكثر في هذا المبدأ ، وقال إن كل شيء في الوجود ، من أية ناحية ينظر إليه ، لا بد أن يفترض وجود صورة له ، وهذه الصورة هي الماهية الثابتة. إلا أن الأهمية الكبرى لأفلاطون هي في أنه استطاع أن يوجه همه إلى الفلسفة الطبيعية وأن يطبق فيها هذا المذهب الذي طبقه سقراط في الفلسفة الأخلاقية وفي نظرية المعرفة فحسب . كما ان تلك الأهمية تنحصر أيضاً في أنه استطاع أن يضيف كل الأبحاث التي قال بها الفلاسفة المتقدمون إلى نظرية سقراط، وأن يجعل من هذه المبادئ كلها وحدة واحدة ، هي نظرية الصور. لكن يلاحظ إلى جانب هذا أن أفلاطون لم يقنع بالماهيات التجريدية بل أراد أن يصور هذه الماهيات تصويراً تجسيمياً ؛ لم يقل بالماهيات على أساس إمكان استخلاصها من المحسوسات ، وإنما قال بأن لهذه الماهيات استقلالاً ووجوداً ذاتياً تستقل به عن وجود غيرها من الأشياء التي تشارك فيها . وفي هذا تظهر الخاصية الرئيسية للروحاليونانية ، خاصية تصوير الأشياء تصويراً تجسيمياً لا يقنع بالتجريد بل يحاول دائماً أن يعطي للأشياء وجوداً ذاتياً مجسماً . وقد دفع هذا التصوير التجسيمي أرسططاليس إلى نقد هذه النظرية نقداً يقوم في الواقع على أساس الشكل لا الجوهر ، فهو يقول بنفس هذه النظرية في صورة أخرى ، فبدلا من أن يضيف إلى الماهيات وجوداً مستقلاً ذاتياً ، لا يفصل مطلقاً بين الماهيات وبين الأشياء التي تتحقق فيها هذه الماهيات . وهذا هو الفارق الأساسي الوحيد بين أرسطو وأفلاطون . ومصدر هذا كما قلنا ما لجأ إليه أفلاطون من تصوير تجسيمي لهذه الماهيات ماهية الصور : من هذا الذي وصلنا إليه حتى الآن نستطيع أن نستخلص أن الصور لا بد من القول بها بوصفها الأشياء الثابتة في مقابل المحسوسات المتغيرة على أساس أنها الماهيات الكلية في مقابل المحسوسات الكثيرة ، ولذلك فإن الصيغة الأولى التي يجب أن تعرف بها الصور أو الماهيات ، هي أن الماهيات أو الصور كليات. والكلي هو ما يقال على كثيرين مختلفين في العدد، متفقين في الماهية . وهذا التعريف نجده في والسياسة (٥٩٦) (أ)، كما نجد في تاثيتاتوس
( ١٨٥ ب ) أن الكلي هو موضوع العلم . ثم نجد في ه بر منيدس : ( ۱۳۲) حـ ( أن الكلي والموجود شيء واحد وهنا يجب أن تشاءل عن الصلة بين هذا الكلي وبين الأشياء التي هو كلي بالنسبة إليها . فنجد أولاً أن هذا الكلي لما كان وجوده وجوداً ذاتياً ثابتاً ، فمعنى هذا أنه لا بد أن يوجد مستقلاً عن الأشياء ، ولهذا فإن للصور وجوداً في عالم معين مختلف عن عالم الجزئيات المشاركة للصور في ماهياتها وقد اختلف المؤرخون في طبيعة هذه الصور نفسها .
أمي صور لها وجود حسي ، أم إن هذه الصور لها وجود غير حسي ؟ قال البعض إن لها وجوداً حياً ، ولكن هذا القول يتنافى تمام المنافاة مع أقوال أفلاطون نفسه ، وأرسطو نفسه الذي نقد نظرية الصور نقداً عنيفاً ( و ما بعد الطبيعة : م ا ف ۹ ص ۹۹۰ وما يليها ) ، إنما يقوم كل نقده على أن هذه الصور ليست محسوسات ، وإنما هي ماهيات منفصلة تمام الانفصال عن الأشياء المشاركة فيها .
وقال آخرون إن للصور وجوداً غير محسوس . وهذا الوجود غير المحسوس انقسم القائلون به إلى قسمين : فبعضهم يقول إن الصور أفكار في عقل الإنسان . أو هي أفكار في عقل الله . وهذا القول هو الآخر ليس أقل تهافتاً من الرأي السابق ، وذلك لأن أول خاصية من خصائص الصور أنها أزلية أبدية ، وإذا كانت كذلك فلا يمكن أن تكون مخلوقة سواء بالنسبة لعقل الله أو بالنسبة لعقل الانسان. وقد يقال إن أفلاطون يذكر في أحد المواضع أن زيوس يفكر عن طريق الصور ، ولكن هذا القول لا يختص بزيوس وحده، بل بأي إله آخر من الآلهة ولا يمكن أن يقال إن الصور هي الأفكار التي على أساسها يخلق الله الأشياء ، كما سنرى هذا الرأي من بعد في المسيحية خصوصاً عند القديس أوغسطين ؛ ولعل الأصل فيه أيضاً مذهب الأفلاطونية المحدثة
هذا ويلاحظ أنه إذا كانت الصور أفكاراً في عقل الإنسان أو حتى في عقل الله ، فسيكون لها حينئذ وجود كوجود المحسوسات ، بمعنى أنه لكي يدركها العقل أو لكي يدركها عقل الله لا بد أن تكون موجودة من قبل ، ثم يتأملها العقل الإنساني أو العقل الإلهي على النحو الذي يفعله الحسن . فإنه لا يدرك الأشياء إلا بوصفها موجودة من قبل ، ليتأملها فيما بعد . ومعنى هذا كله أن الصور لا يمكن أن تكون أفكاراً في عقل الله أو في عقل الإنسان. وإذا قبل رداً على الاعتبار الأول إن الصور موجودة منذ الأزل بمثابة أفكار الله ، فإننا نجد
أفلاطون ينكر بصراحة أن تكون الصور مخلوقة ، على أي نحو كان هذا الخلق : سواء أكان منذ الأزل ، أم كان خلقاً في الزمان، وإنما الصور ماهيات منعزلة مستقلة قائمة بذاتها في عالم علوي، وليس للأشياء أو للكائنات بوجه عام من صلة بها غير صلة المشاركة ، ولا يستطيع الإنسان أن يصل إلى إدراك هذه الصور إلا عن طريق التفكير العقلي ؛ أما عن طريق الحس فلا يستطيع أن يصل إلى شيء . فهناك صورة للجمال في ذاته ، وهناك صورة للخير في ذاته ، وهاتان الصورتان تختلفان تمام الاختلاف، سواء من حيث الماهية ومن حيث الوجود . عن الأشياء الجميلة أو الأشياء الخيرة ، وهذا واضح خصوصاً إذا لاحظنا النقد الذي وجهه أرسطو لنظرية الصور ، فإن هذا النقد يتجه في الأصل إلى فكرة وجود الماهيات في ذاتها منفصلة عن الموجودات
كما أننا لا تستطيع أيضاً أن نفهم ماهية الصور على النحو الذي فعله لوتسه، فإن لوتسه في كتاب المنطق حاول أن يفسر وجود الصور بذاتها ، على أساس أن هذا الوجود وجود ثابت مهما كان من شأن الأشياء المشاركة للصور ، أو حتى لو افترضنا أن شيئاً ما من الأشياء لم يشارك الصور في ماهياتها . فإن كان معنى هذا التفسير أن الماهيات ثابتة دائما ولا تتغير ، فمن الممكن أن يعترف به : أما إذا كان المقصود بهذا أن وجود الصور هو هذا الوجود المنطقي القائم على الذاتية ، بمعنى أن الصور تظل كما هي مهما كان من شأن الأشياء التي تكونها ، فإن هذا التفسير لا يمكن أن يقبل تفسيراً صحيحاً لرأي أفلاطون .
قلنا عن الصور إنها كليات ، ولكن هل معنى هذا أن هذه الكليات وحدة ؟ هنا نجد أفلاطون يبحث بحثاً عميقاً عن فكرة الواحد والموجود، أولاً في و الوسطائي ، ثم في ه برمنيدس ، فيحاول أولاً في السوفسطائي ، أن يبين خطأ القول بأن الموجود وحدة ، لأننا إذا قلنا بالوحدة المطلقة ، فإننا لا تستطيع الحكم لأن كل حمل يقتضي وجود شيئين . بل وإذا قلنا مثلا إن الوجود واحد ، فإن هذا القول نفسه غير ممكن إذا حسبنا الوجود وحدة لأننا قلنا هنا بصفتين ، هما أولا الوجود وثانياً الوحدة. وإذا قلنا بهذا لم يمكن العلم ، مع أن العلم يقوم كله على إضافة الصفات إلى الموضوعات ، وفي هذه الحالة الصفة غير الموضوع ؛ إذن لا بد من القول بالكثرة . وإذا كان الإيليون يقولون بأن الوحدة لا يمكن أن يضاف إليها غير الوحدة، أو ان الوجود لا يمكن أن يحمل عليه غير الوجود . فإننا حينئذ لن تستطيع العلم بحال من الأحوال . وهذا الرأي غير صحيح ، لأنه يقوم أولاً على فكرة أن العدم مستحيل ، فلا يمكن أن يضاف إلى الوجود غير الوجود
ولكن أفلاطون يرد على هذا بأن يقول إن العدم موجود بمعنى من المعاني أجل إن العدم المطلق مستحيل ، ولكن العدم بمعنى السلب والنفي ممكن ؛ هو وجود منظوراً إليه من ناحية أخرى . فإذا قلنا لا أبيض مثلاً فإن هذا القول ليس معناه العدم والاستحالة ، وإنما معناه وجود آخر غير الأبيض فاللا وجود بهذا المعنى هو وجود الغير. وعن هذا الطريق تستطيع أن نتبين كيف أن الحمل مكن بين الصفات المختلفة عن الموضوعات بعضها وبعض ، فالشيء الواحد يمكن أن تحمل عليه صفات عديدة ، وقد تكون هذه الصفات نفسها متناقضة فيها بينها وبين بعض . فالوجود مثلا يمكن أن تطلق عليه الحركة والسكون ، والسكون والحركة متضادان ، وكل ما يطلب في الحمل أن تكون الصفة المحمولة غير متناقضة تناقضاً ذاتياً مع الشيء المحمول. ولهذا كله تستطيع أن نقول عن الوجود إنه يقبل التنافي ، يعني أنه يقبل صفات غير صفاته هو ، أي بمعنى أنه يحوي الكثرة .
والخلاصة التي تستخلصها من هذا البحث في ماهية الحمل هي أن الحمل يمكن دائماً ، وذلك لأن الوجود وحدة تتضمن الكثرة أو هو كثرة تتضمن الوحدة . وليس كثرة مطلقة ، وإلا لما أمكن العلم ؛ كما أنه ليس وحدة مطلقة ، وإلا لما أمكن الحمل كما رأينا . وليست مسألة الكثرة خاصة بالمحسوسات أو الوجود الحسي فحسب ، بل هي أيضاً تتعلق بالوجود غير المحسوس أو وجود الماهيات . فإن الماهيات أو الصور عند أفلاطون ليست وحدة بأي معنى من المعاني ، وإنما كل صورة مستقلة عن الأخرى تمام الاستقلال ، لأنها ماهية أو صورة لشيء معين متمايز عن بقية الأشياء . وقد كان هذا أيضاً مما دعا أرسطو إلى نقد أفلاطون ومن الطبيعي أن يقول افلاطون بالكثرة إذا ما نظرنا إلى المصدر الذي صدرت عنه نظرية الصور عنده ، فإن هذا المصدر هو سقراط ، وسقراط كان يجعل من الكلي ماهية ، وكان يجعل للأشياء المتفقة ماهية واحدة ، ويقسم الوجود على هذا الأساس إلى ماهيات مختلفة بحسب اتفاق كل مجموعة من مجموعات الوجود في ماهية بالذات . ولهذا يمكن أن يقال عن الماهيات إنها الأجناس والأنواع. وإذا كنا سنرى فيها بعد أن أفلاطون قد حاول أن يجعل بين الماهيات وحدة، بترتيبها بعضها بالنسبة إلى بعض ترتيبا تصاعدياً في عالم المثل ، فالواقع أن هذه الوحدة هي وحدة في الترتيب لا وحدة في ماهية الصور. وقد يقصد بها في بعض الأحيان العلية بمعنى أن أعلى الصور تكون علة ، بعض الشيء ، وبمعنى ستحدده فيها بعد ، لبقية الصور التي تأتي تحتها في سلم التصاعد. وينضح هذا أكثر حينها نتناول الآن مسألة الصور بوصفها أعداداً .
ومذهب أفلاطون في الصور بحسبانها أعداداً مذهب متأخر لا نجده في مؤلفاته الأولى ، وإنما نجده خصوصاً فيها بورده أرسطو عن أفلاطون. ولعل السبب في ميل أفلاطون هذا الميل في أواخر حياته ، أنه قد شغل بالفلسفة الفيثاغورية في أواخر أيامه إلى حد كبير، فأراد أن يوفق بين مذهب الفيثاغوريين في الوجود بحسبانه أعداداً ، وبين مذهبه في الوجود بوصف أنه مشاركة في الصور . ولكن أفلاطون لم يكن في هذا منطقياً مع المبادى، والمقدمات التي ابتدأ منها ، ولهذا نجد تصویر رأيه في الصور بوصفها أعداداً ، يختلف . ولعل مرجع هذا في بعض الأحيان إلى أن أرسطو نفسه - وهو الذي قدم لنا رأي أفلاطون في الصور بحسبانها أعداداً وشرحه شرحاً وافياً - نقول لعل مرجع ذلك أن أرسطو حينها نقد نظرية الصور بحياتها أعداداً لم يكن يفرق بين ما هو لأفلاطون وحده وما هو من صنع تلاميذه . خصوصاً ونحن نشاهد أن الأكاديمية بعد موت افلاطون قد اتجهت اتجاهاً رياضياً فيثاغورياً واضحاً ، خصوصاً عند اسبوسيبوس وإكسينوقراط . ومن هنا ينقسم البحث في هذه المسألة إلى قسمين : القسم الأول : الصور بحسبانها هي نفسها أعداداً ، والثاني : البحث في الصور على أساس أن لها وجوداً فوق الوجود الرياضي ، وذلك بالتفرقة بين نوعين من الأعداد : الأعدا الحسابية ، والأعداد المثالية
يفرق أفلاطون بين نوعين من الأعداد : الأعداد الرياضية والأعداد المثالية . فهو يقول إن الأعداد بوصفها وحدات مقابلة للأشياء الحسية هي الأعداد الرياضية ؛ أما الأعداد بحسيانها مبادىء الأشياء ، وعن طريقها نستطيع أن نستخلص بقية الوجود فيمكن أن تسمى باسم الأعداد المثالية أو الاعتداد كصور . فالوحدة والاثنان إلى العشرة ، هي أعداد مثالية لأننا نستطيع من هذه الأعداد وبحسب ترتيبها واستخلاص الواحد من الآخر ثم استخلاص بقية الموجودات من هذه العشرة اعداد الأولى، أن نفسر الوجود ونفسر الأشياء من حيث و ها الحسي يضاف إلى نظرية الأعداد بوصفها صوراً ، القول بأن
الصور علل.
ولكن هذا الرأي أيضاً ليس راباً شائعاً في مؤلفات أفلاطون وإنما هو رأي يمكن أن يستخلص من بعض الأقوال التي أدلى بها في محاوراته ، فلنأخذ الآن في الكلام عن الصور بحسباتها أعداداً بوجه عام .
رأينا عند الفيثاغوريين أن العدد ، خصوصاً الوحدة والاثنان أو المحدود واللا محدود ، هما أصل الوجود . وبالطريقة عينها بحاول أفلاطون أن يوفق بين نظريته في المثل وبين نظرية الأعداد عند الفيثاغوريين ؛ ويطبق بعد هذا الصفات التي أضافها الفيثاغوريون إلى الأعداد على الصور نفسها ، فينب للصور أنها أصل الأشياء كما أن الأعداد أصل الأشياء عند الفيثاغوريين .
ذلك أنا نرى أفلاطون في مؤلفاته يفرق تفرقة كبيرة بين الأعداد الرياضية وبين الصور ، ولكننا نجد مع ذلك في بعض المؤلفات الأخيرة بذوراً لنظرية الصور بوصفها أعداداً . فإن كان قد قال ، في كل المحاورات تقريباً ، إن للأعداد صورا كما ان البقية الأشياء صوراً ؛ فإننا نجده في ، فيلابوس : يقول إن من الممكن أن نطبق على الصور صفات العدد كما هي عند الفيثاغوريين، ويحاول أن يقرب قدر الإمكان بين الأعداد الرياضية وبين الصور بأن يقول إن وجود الأعداد هو وجود متوسط بين وجود الأشياء المشاركة في الصور وبين وجود الصور نفسها . ولكننا نجد أرسطو يعرض هذا الرأي وهو أن أفلاطون رأى أن الصور أعداد ، عرضا واضحا ومن هذا العرض نستنتج أولاً انه إما أن تكون الأعداد أعداداً مثالية ، وإما أن تكون الصور نفسها أعداداً . والأرجح في عرض أرسطو لرأي أفلاطون هو القول الثاني. أما القول الأول فإن لدى أفلاطون كثيراً من الأقوال التي تؤيده ، إذ هو يفرق تفرقة واضحة بين الأعداد المثالية وبين الأعداد الرياضية، وتقوم هذه التفرقة على أساسين رئيسيين : الأساس الأول أن الصور العددية أو الأعداد المثالية لا تختلف فيها بينها وبين بعض من حيث الكم بل من حيث الكيف. والحال على العكس من هذا فيما يتعلق بالأعداد الرياضية ، فإنها تختلف من ناحية الكم لا من ناحية الكيف. وعن هذه الخاصية الأولى تنتج الخاصية الثانية وهي أنه بإضافة الأعداد المثالية بعضها إلى بعض لا ينتج شيء ، بينما نحن إذا أضفنا الأعداد الرياضية بعضها إلى بعض نتجت لنا أعداد جديدة والاتجاه الذي أخذته الأكاديمية بعد ذلك لا يدلنا على أن أفلاطون قد كان يميل في آخر حياته ميلا ناماً إلى القول بهذا الرأي. ولهذا فإننا نستطيع أن نفهم هذه الإشارة من جواب أفلاطون في مؤلفاته ومن عرض أرسطو المذهب أفلاطون في الصور بوصفها أعداداً ، نقول نستطيع أن نفهم ذلك على أساس أن أفلاطون قد قال إن الصور أعداد أو شبيهة بالأعداد إذ إن الصور يمكن أن تحتوي على أكثر من واحد ، أو بتعبير فيثاغوري، أن تحتوي على المحدود واللا محدود ، وهذا ما أنكره الإيليون في نظريتهم في الوجود، فهو هنا في الواقع محاول أن يرد على الإيليين في قولهم بوحدة الوجود المطلقة ، وهو يرد عليهم ثانية حينها يرى الإيليين - ويتبعهم الميغاريون - ينكرون الحركة والتغير ؛ فالإيليون والميغاريون قد أنكروا التغير والحركة على أساس أن الوجود الحقيقي يجب أن يكون وجوداً ثابتاً . وافلاطون نفسه لم يستطع أن يتخلص من هذه النتيجة ، ولكنه حاول من بعد أن يجعل للوجود علية، وهذه العلية اقتضت منه ان يقول عن الصور إنها علل ، والنتيجة لهذا أن يقول بالتغير والحركة . فأفلاطون قد اضطر من ناحية إلى القول بأن الوجود ثابت تبعاً لنظريته في العلم ، لأن العلم عنده لا يمكن أن يقوم إلا إذا كان موضوعه ماهيات ثابتة ، ولكنه من ناحية أخرى قال إننا إذا قلنا عن الصور إنها ماهيات ثابتة على وجه الإطلاق فقد سلبنا الفعل وسلبنا الحياة. والواقع أن أفلاطون يضيف إلى الصور أولا الفعل والانفعال : فيقول إن مجرد علمنا بالصور يؤذن بأن الصور نفسها تنفعل بأن تصبح معلومة ، فالانفعال إذن موجود . كما أننا من ناحيتنا حين تعلمها نحن نفعل ؟ فالفعل إذن موجود . كما أن هذا الوجود لا بد أن تنسب إليه الحياة ، وإذا نسبت إليه الحياة فقد نسب إليه الفعل ، أي نسب إليه التغير والحركة . كما أن الحياة لا تقوم بغير العقل ، فإذا سلبنا عن الوجود الحياة فقد سلبنا عن الوجود أيضاً العقل، والعكس بالعكس
وهنا نرى أفلاطون قد وقف موقفين متعارضين : فهو مضطر ، من ناحية الأساس الذي أقام عليه نظريته في العلم . ثم نظريته في الصور، أن يقول بأن الصور ذات وجود ثابت ولكنه مضطر من ناحية أخرى أن يقول بأن الصور فاعلة وقابلة بالتالي للتغير فما وجه الاضطرار في هذا ؟ ولماذا اختلف أفلاطون في تفسيره عن الميغاريين والإيليين ؟ العلة في هذا أن الميغاريين والإيليين قد نظروا إلى الوجود في ذاته وبصرف النظر عن الأشياء المتحققة بالوجود : بينما أفلاطون ، على العكس من هذا ، قد استخلص نظرته في الصور على أساس تأمله في الموجودات والأشياء الحسية، فكان لا بد له إذن ، وهو ينظر في الوجود، أن ينظر في الصلة بين الموجودات المحسوسة وبين
الموجودات الثابتة وهي الصور. وكان عليه أن ينظر إلى الصور بهاتين النظرتين المتعارضتين : النظرة الثابتة ، والنظرة الحركية أو الديناميكية. ومن هنا تستطيع أن نفهم لماذا قال بأن الصور علل كذلك. ثم إن فكرة المشاركة ، وهي الصلة بين الموجودات المحسوسة وبين الموجودات المعقولة أو الصور ، تؤذن بضرورة وجود صلة العلية بين هذه وتلك . لكن أفلاطون لا يقف عند هذا الحد، بل يحاول أن يرجع العلل المختلفة ، التي هي الصور ، إلى علة واحدة تسودها جميعاً ، وتلك هي الصورة الأولى أو الصورة العليا ، ألا وهي صورة الخير، وهذا الرأي ، وهو أن الصور علل ، يؤيده ما هو مذكور في محاورة فيلابوس) (۲۳) جـ وما يليها، فإنه فيها يقسم الوجود كله قسمة حصر إلى أربعة أقسام : اللا محدود ، والمحدود، والمركب من الاثنين ، وعلة التركيب . أما علة التركيب فيذكر عنها صراحة في هذا الموضع أنها هي العقل أو الحكمة ، ويذكر عن اللا محدود أنه المادة لأنها قابلة لكل شيء . وسنرى هذا فيها بعد عند كلامنا عن المادة عند أفلاطون . فهل نقول إذن - ما دام أفلاطون لم يذكر في أي قسم من الأقسام توجد الصور ، ولا بد أن توجد في واحد من هذه الأقسام ما دامت هذه القسمة للموجود قسمة حصر - تقول هل معنى هذا أن الصور تدخل تحت المحدود ؟ هنا ترى أفلاطون يقول عن المحدود إنه الأعداد والمقادير ، ويقول أيضاً كما رأينا منذ حين قليل إن الصور لا يمكن أن تكون أعداداً ( على الأقل كما ورد في مؤلفات أفلاطون من حيث إن للأعداد أيضاً صوراً ) . فعلينا إذن أن نبحث عن شيء آخر ندخل تحته الصور .
يقول أفلاطون في أحد المواضع إن العقل والحكمة شبيهان بالصور تمام المشابهة. فإذا كانت الحكمة والعقل داخلين إذن في باب علل التركيب ، فمعنى هذا أنه لا بد أن ينطبق على ما يشابههما وهو الصور ، هذا القول أيضاً ، فتكون الصور داخلة تحت باب العلل. هذا ويلاحظ من ناحية أخرى أن أفلاطون يذكر بصراحة في فيدون، أن الصور علل . والنتيجة الأخيرة التي يمكن أن تستخلص من هذا كله هي أن الصور على كذلك
نحن إذن أمام تصورين لماهية الصور : أحدهما الذي يجعل للصور وجوداً ثابتاً ، والآخر الذي يجعل الصور عللا فاعلة . فكيف نفسر هذا التناقض ؟ هنا يمكن أن تفسير ذلك أولاً بأن نقول - كما قال تسلر - إن فكرة العلة الفاعلية والعلة الصورية لم تكن واضحة عند أفلاطون كما هي واضحة عند
ارسطو وعندنا نحن اليوم . فإذا قال أفلاطون عن الصور إنها علل ، بمعنى أنها عمل صورية ، وقال عنها مرة أخرى إنها علل بمعنى أنها علل فاعلية - وفي الحالة الأولى يمكن أن يكون لها وجود ثابت ، وفي الحالة الأخيرة لا يمكن أن يكون لها ذلك الوجود الثابت - فإن ذلك يفسر على أساس أن التفرقة بين العلة الفاعلية والعلة الصورية لم تكن واضحة في ذهن أفلاطون . كما نستطيع ثانياً أن نفر هذا التناقض على أساس ما قلناه عن منهج أفلاطون في البحث . فهو يحاول دائماً - خصوصاً في الأدوار الأخيرة من حياته - ألا يقول برأي قطعي وأن يعرض الأقوال المتناقضة ، ولا يستطيع أن ينتهي إلى نتيجة إيجابية . ومن هنا تستطيع أن نفهم كيف قال بهذين القولين المتعارضين، ومن هنا أيضاً يمكن أن يقال إن هذه المحاولات التي قام بها كثير من المؤرخين من أجل التوفيق بين الرأيين محاولات لا طائل تحتها ، خصوصاً إذا لاحظنا أن البعض من هذه المحاولات قد قام على أساس إنكار نسبة محاورة السوفسطائي ، إلى أفلاطون ، وما تكشف هذه المحاورة عنه من تناقض فيها بينها وبين محاورات أخرى فيما يتعلق بماهية الصور ، لا يمكن أن ينهض دليلاً على أن هذه المحاورة منحولة وليست صحيحة النسبة إلى أفلاطون


عالم الصور : إذا كان أفلاطون قد أقام نظريته في الصور على أساس أنها الكليات التي تجمع بين الأشياء المختلفة من حيث إن هذه الأشياء تنصف بصفات مشتركة ، فقد حاول أيضاً من ناحية أخرى أن يجعل بين الماهيات أو الصور روابط تشابه ، وأن يرتبها فيها بينها وبين بعض ترتيباً تصاعدياً .
يقول أفلاطون بأن الصور مفارقة ، فلننظر في الأشياء التي يمكن أن تكون لها صور ، فنرى أولا أن هذه الأشياء متعددة كل التعدد ، لأن كل جنس أو نوع يمكن أن يكون صورة، والأنواع والأجناس عديدة ، فالصور إذن عديدة. وليس هذا فحسب، بل إن كل شيء في الوجود - أو هذا على الأقل ما يظهر في المحاورات الأفلاطونية ، خصوصاً في الدورين الأول والثاني - نقول إن أفلاطون يرى أن كل شيء في الوجود له صورته، فليست الصورة مقصورة على الأشياء الجميلة أو الخيرة أو الحقيقية ، بل لكل شيء مهما كان شراً أو فيحاً أو باطلاً ، صورته بل ولا يقتصر هذا على الجوهر . وإنما يتعداه أيضاً إلى النسب والإضافات . فالنسب بين الأشياء لها أيضاً صورتها : فالمشابهة والكبر والصفر لها أيضاً صورها . بل وتسمية الأشياء لها صورتها كذلك - ويغلو أفلاطون في هذا
القول فيذهب إلى حد القول أيضاً بأن اللا وجود له أيضاً صورته . ولكننا نراه مع ذلك قد حاول في أواخر أيامه ، كما يشاهد في عرض أرسطو ، أن يضيق من نطاق الأشياء التي لها صور شيئاً فشيئاً . فنجد عند أرسطو ( و ما بعد الطبيعة و م ١٢ ف ۳، ص ۱۳۱۱۰۷۰ وما يليه أن أفلاطون ينكر أن تكون للأشياء المصنوعة صور، وإنما الأشياء الطبيعية هي وحدها ذات الصور. وبعد أن كان أفلاطون يقول إنه حتى الشعر أو القذارة نفسها لها صور ، نجده يحاول شيئاً فشيئاً أن يقصر الصور على الأشياء الحسنة، ولكنه في هذه المحاولة نحو تضييق ميدان الصور إنما يسير في اتجاه مضاد للمبدأ الأصلي الذي أقام عليه نظريته. فإذا كان مذهبه يقوم على أساس أن العلم لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق الماهيات أو الصور ، فإن معنى هذا ان أي شيء يصلح أن يكون موضوعاً للعلم ، لا بد أيضاً أن تكون له صورته ؛ ولما كانت هذه الأشياء التي يحاول أفلاطون أن ينكر أن تكون لها صور ، تصلح أن تكون موضوعاً للعلم ، فلا بد أيضاً تبعاً لمنطق مذهبه ، أن تكون لها هي الأخرى صور كذلك
وعلى كل حال فيلاحظ أن أفلاطون قد حاول من بعد أن يبحث في الصور الأساسية التي تحمل على الوجود . فهو يبحث في الشبيه واللاشبيه ، وفي الحركة ، والمساوي واللامساوي، وفي الكبير والصغير، وفي المحدود واللا محدود، ويحاول أن يربط بين هذه الصور وأن يجدد علاقاتها بعضها ببعض. ولكنه لم يتوسع في هذا البحث كثيراً، ولم يكن بحثه منظما، وإنما كان بدءاً للبحث في هذا الاتجاه. فعلى الرغم من أنه ليس من العسير أن يكتشف الانسان في مباحث أفلاطون المقولات الأرسططالية، فإن أفلاطون لم يستطع، أو لم يوضح بالفعل المقولات التي تحمل على الوجود كله، وإليها يرجع كل حمل على الوجود. وإنما كان بحثه بحثا موزعا غير منتظم، لا يكون مذهبا منطقياً وجوديا واضحا .
ثم يبحث أفلاطون بعد هذا في صلة المثل بعضها ببعض ويقول إن الموجودات مترتبة ترتيبا تصاعديا. ويرتفع بهذه الموجودات شيئاً فشيئاً حتى يصل في الصور إلى أعلى صورة وهي صورة الخير، فيقول: كما أن الشمس هي مصدر الضوء والحياة في هذا الوجود، كذلك الحال في عالم المثل : صورة الخير هي مصدر النور ومصدر الحياة بالنسبة إلى بقية الصور، فجميع الصور محلولة الصورة الخير، بمعنى أنه لما كانت صورة الخير أعلى
الصور فإن ما تحتها من الصور يستمد وجوده منها، أو كما سيقول ارسطو فيها بعد ما بعد الطبيعة، م۱۲ ف ۷، ص ۱۰۷۲ ۱ (۳۵)، إن الأعلى في مجموعة هو علة الوجود في بقية المجموعة، وهنا تعترضنا مسألة خطيرة كل الخطورة، وتلك مسألة الصلة بين صورة الخير وبين الله. فإن أفلاطون يتحدث عن فكرة الخير كما رأينا بوصفها علة الصور، فإذا كانت الصور علة الأشياء، فعلة الصور هي علة الوجود، ومعنى هذا أن علة العالم هي صورة الخير فكيف إذن نتصور الصلة بينها وبين الله ؟ هنا نجد أيضاً موقفين متعارضين الأفلاطون: فهو في محاورة مثل فيلابوس) (۲۲) حـ) أو السياسة (٥١٧) (ب) يجعل صورة الخير والله شيئاً واحداً. ولكننا نجده مرة أخرى في طماوس (۳۷) حـ ) يقول إن هناك من ناحية : الصانع ومن ناحية أخرى الصور والصانع يخلق العالم بأن يتأمل الصور فالصور إذن موجودة إلى جانب الصانع أو الله . وهنا لا يمكن أن يقال ، توفيقاً بين هذه الأقوال المتعارضة، إن الصور أفكار الله فقد رأينا من قبل كيف أن هذا الرأي باطل ولا يمكن أن يقال بالنسبة لأفلاطون. كما لا يمكن أن يقال من ناحية أخرى إن ذلك التوفيق يأتي عن طريق الفصل فصلا تاماً بين صورة الخير وبقية الصور ، فإن كلام أفلاطون لا يسمح لنا بهذا الفصل التام وعلى هذا لا يمكن أن يقال عن الصانع إنه صورة الخير، في مقابل الصور التي على أساسها يصنع الأشياء. فنحن إذا سرنا من السياسة مارين بفيلا بوس واصلين حتى طيماوس، وجدنا رأي أفلاطون في هذه المسألة يتغير تغيرا كبيراً فبعد أن كان يجعل الله وصورة الخير شيئاً واحداً، ينتهي بأن يفصل بين الاثنين فصلا تاماً. والذي يميل إليه تسلر هنا هو أن يقول إن فكرة الصانع في طيماوس فكرة أسطورية غامضة، بينما نجد فكرة صورة الخير بوصفها علة الوجود فكرة واضحة في السياسة كل الوضوح، فالأفضل إذن أن نأخذ بهذا القول، وأن نطرح القول الأول. ولكننا نستطيع أن ترجع هذا الاختلاف في موقف أفلاطون فيها يتصل بالصلة بين صورة الخير وبين الله إلى نفس المنهج الأفلاطوني، وأن نقول إن أفلاطون كان متأثراً بعض التأثر بالدين الشعبي، ولهذا اضطر ان يتحدث عن الله كما تصور الدين، ولكنه لم يحاول أو لم يستطع أن يوفق بين أقواله الفلسفية وبين هذه النظرة الدينية. وعلى كل حال فإننا نجد في طيماوس، نزعة دينية واضحة خلاصتها أن الله هو الخير، وأنه إنما يصدر عنه الوجود لأنه خير، والخير يقتضي الفيض والجود، وعن هذا الجود ينشأ العالم.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

النسبة للقانون ...

النسبة للقانون الإطار 51.17 نجد أنه نص في المادة 34 على ضرورة مراجعة شاملة لنظام التوجيه المدرسي وال...

لم تهاجمة الأقر...

لم تهاجمة الأقراش ثانية حتى قبيل غروب الشمس, وها هما قرشان يتتبعان الرائحة ويتجهان نحو المركب مباشرة...

ع تزايد حالات ا...

ع تزايد حالات التنمّر بين الطلاب في المدارس، سواء بالكلام الجارح، أو الضرب، أو حتى الإقصاء والعزل، ص...

Shoulder imping...

Shoulder impingement and the rotator cuff Author links open overlay panel Ryan L Hillier-Smith , He...

أسطورة الكهف! أ...

أسطورة الكهف! أسطورة الكهف هي نظرية طرحها الفيلسوف أفلاطون بكتابه السابع بخصوص التصورات الإنسانية ا...

Zimbabwe, derim...

Zimbabwe, derimot, arvet en relativt utviklet økonomi ved uavhengighet i 1980, men landreformer på 2...

هدفت الدراسة ال...

هدفت الدراسة الحالية إلى التعرف على مهارات الضبط الإعرابي المناسبة لطلاب المرحلة المتوسطة في مقرر لغ...

القصة التركيز ع...

القصة التركيز على الفجوة العميقة بين تفكير الأطفال وتفكير البالغين، بأسلوب فلسفي ساخر أحياناً، وبطري...

As Logistics Of...

As Logistics Officer at World Link International's Al Hudaydah branch, I managed all aspects of logi...

يساعد التواصل ا...

يساعد التواصل الاجتماعي في البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة في أي وقت وأي مكان. كما يوفر وصولًا...

لا يوجد كتابة و...

لا يوجد كتابة واحدة أصليَّة (بخطِّ الكاتب نفسه) لأيِّ من كتب العهد الجديد، فإنَّنا نعتمد على نسخٍ من...

نظرية الصور سل ...

نظرية الصور سل بعملية أو أجناس سمة في هذه تها ستكون هذه الحالة شتركة أو نائية ، أو النسبة إلى الثنائ...