لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (39%)

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تعظيمُ الأشهُر الحُرُم"، والتي تحدَّث فيها عن تعظيمِ بعضِ الأزمِنة والأمكِنة في كتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، كما حثَّ على اغتِنامِ الأوقاتِ الفاضِلةِ بالأعمالِ الصالِحةِ. أحمدُه - سبحانه - على ترادُفِ نعمِه التي لا تُحصَى، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُجتبَى، وعلى آلهِ وصحبِه أُولِي الرِّيادة والزَّهادة والنُّهَى. والاتِّباع لخاتَمِ أنبيائِه ورُسُله - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، مُبتَغين بها الوسيلةَ في سَيرهم إلى ربِّهم، ولقد كان مما كتبَه - عزَّ اسمُه -، وافترَضَه على لسانِ خليلِه إبراهيم وولدِه إسماعيل - عليهما السلام -: تحريمُ أشهُرٍ مِن السنةِ وتعظيمُها، وتواتَرَ ذلك التحريمُ حتى نقَلَتْه العربُ بالتواتُر القوليِّ والعمليِّ، وتلك هي الأشهُرُ الأربعةُ التي أشارَ إليها - سبحانه - بقولِه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36]. وبيَّنَها رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقولِه في خُطبة حجَّة الوداعِ: «إنَّ الزمانَ قد استَدارَ كهيئتِه يوم خلقَ الله السماوات والأرض، وإنما كانت الأشهُرُ الحُرُمُ على هذه الصفة: ثلاثةٌ سَردٌ وواحدٌ فردٌ - كما قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: "لأجلِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرة، وحُرِّم بعدَه شهرٌ آخرُ - وهو المُحرَّم -؛ ليرجِعُوا فيه إلى نائِي بلادِهم آمِنِين، لأجلِ زيارةِ البيتِ والاعتِمارِ به لمَن يقدُمُ إليه مِن أقصَى جزيرةِ العربِ، اهـ كلامُه - رحمه الله -. فوقَعَ حجُّه - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنةِ في ذي الحجَّة الذي هو شهرُه الأصليُّ؛ ذلك أنَّهم - كما قال أهلُ العلم بالحديث، ثم يعودُ العددُ على الأصلِ، فكانُوا يُخالِفُون بين أشهُرِ السنةِ بالتحليلِ والتحريمِ، مُضافٌ إلى أصلِ كُفرهم بالله بالشركِ به، فتشريعُ الحلال والحرام والعبادةِ - يا عباد الله - هو حقٌّ لله وحدَه؛ فقد نازَعَ الله - عزَّ وجل - في حقِّه، كما دلَّ عليه قولُه - سبحانه -: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 21]. ويتوهَّمُون أنهم لم يخرُجُوا به عن مِلَّةِ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -؛ وهو المقصُودُ بالذاتِ مِن شرعِه لا مُجرَّدُ العدد. وهذا كلُّه مِن ظُلم النفسِ في الشهرِ الحرامِ، وظُلمُ النفسِ - يا عباد الله - يشمَلُ كلَّ محظُورٍ يُوبِقُ المرءُ فيه نفسَه، كما يكُونُ بالشِّركِ بالله تعالى، كما قال تعالى على لِسانِ لُقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]. والاجتِهاداتِ والاستِحساناتِ التي لا يُسنِدُها دليلٌ صحيحٌ مِن كتابِ ربِّنا أو سُنةِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -. المُحسنِ إلى عبادِه بالنِّعَم مِن نعمِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، المُتحبِّبِ إليهم بالآلاء - وهو الغنيُّ عنهم -، وبين امتِهانِ وانتِهاكِ حُرمةِ ما حرَّمَه الله، كالإمام الشافعيِّ - رحمه الله - وغيرِه. قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما -: "إن الله اختصَّ مِن الأشهُرِ أربعةَ أشهُرٍ، وإن كان الظُّلمُ على كل حالٍ عظيمًا، وباتِّباعِ سُنَّة الحبيبِ الهادِي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وحذارِ مِن الابتِداعِ في دينِ الله ما لم يأذَن به الله. وبسنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، أحمدُه - سبحانه - على عَميمِ الخير والنعمَة، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه المبعُوثُ إلى خيرِ أُمَّة، حرِيٌّ بمَن رضِيَ بالله ربًّا، وبمُحمدٍ رسُولًا أن يحجُزَ نفسَه عن الوُلُوغِ في الذنوبِ، وينأَى بها عن مزالِقِ الخطايَا، وإلى أي مرحلةٍ يقِفُ به المسِيرُ. فاتَّقُوا الله - عباد الله - باستِدراكِ ما فاتَ، وفي كل شُهورِ العام بالإقبالِ على موائِدِ الطاعة، والاستِمساكِ بما صحَّ وثبَتَ عن سيِّد الأنامِ - عليه الصلاة والسلام -، وأعرِضُوا عن كل مُبتدَعٍ لا أصلَ له في كتابِ الله ولا في سُنَّةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظُ ابن رجبٍ - رحمه الله -: "وأما الصِّيامُ فلم يصِحَّ في فضلِ صَومِ رجَب بخُصُوصِه شيءٌ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال الحافظُ ابن حجرٍ - رحمه الله - في رسالتِه "تبيينُ العجَب في بيانِ ما ورَدَ في فضلِ رجَب": "لم يرِد في فضلِ شهرِ رجَب ولا في صِيامِ شيءٍ مِنه مُعيَّن، ثم أورَدَ - رحمه الله - ما ورَدَ مِن الأحاديث في ذلك، وهي ما بين موضُوعٍ مُختلَقٍ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الأكثَرُ -، وبين ضعيفٍ لا يُحتَجُّ بمثلِه. وعظِّمُوا ما عظَّمَه الله باتِّباعِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، واجمَع كلمَتَهم على الحقِّ يا رب العالمين. وسنَّةَ نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وصلِّ الله وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ،


النص الأصلي

تعظيمُ الأشهُر الحُرُم
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تعظيمُ الأشهُر الحُرُم"، والتي تحدَّث فيها عن تعظيمِ بعضِ الأزمِنة والأمكِنة في كتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ومِن ذلك: الأشهُر الحُرُم؛ حيث بيَّن سببَ تحريمِها، وأولَ مَن حرَّمَها، وذكَرَ معنى ظُلم النفسِ الوارِدِ في الآياتِ، كما حثَّ على اغتِنامِ الأوقاتِ الفاضِلةِ بالأعمالِ الصالِحةِ.


الخطبة الأولى
الحمدُ لله حمدَ مَن يرجُو مِن الله النَّجاةَ وحُسنَ العُقبَى، أحمدُه - سبحانه - على ترادُفِ نعمِه التي لا تُحصَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحُسنى، والصفاتُ العُلَى، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُجتبَى، والرسولُ المُرتضَى، صاحِبُ الحَوضِ والشَّفاعةِ العُظمَى، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أُولِي الرِّيادة والزَّهادة والنُّهَى.
أما بعد:
فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وراقِبُوه وعظِّمُوه، وأنِيبُوا إليه وأطيعُوه، واحذَرُوا أسبابَ سخَطِه ولا تعصُوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
عباد الله:
إن خيرَ ما أُوتِي المرءُ مِن خصالٍ: حِسٌّ مُرهَف، وشُعورٌ يقِظٌ، وقلبٌ نقِيٌّ، وعقلٌ فطِنٌ يبعَثُ على تعظيمِ ما عظَّمَه الله، والوقوفِ عند حُدودِه، واستِشعارِ حُرمةِ ما حرَّمَه، والنُّفرة مِن انتِهاكِها بحُسن الامتِثال لأمرِه ونهيِه، وكمال الانقِيادِ لشرعِه، ورجاءِ جميلِ العُقبَى في الإخلاصِ له، والاتِّباع لخاتَمِ أنبيائِه ورُسُله - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، بالحُظوة برِضوانِه ومغفرتِه، ونُزولِ دار كرامتِه مع ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69].
عباد الله:
إن الله تعالى يختصُّ بحكمتِه ورحمتِه ما شاءَ مِن الأزمِنةِ والأمكِنةِ بما شاءَ مِن العباداتِ والقُرُبات التي يزدلِفُ العبادُ القانِتُون المُخبِتُون بها إليه، مُبتَغين بها الوسيلةَ في سَيرهم إلى ربِّهم، بحُسن القُدوم عليه، ويُمن الوُفودِ عليه.
ولقد كان مما كتبَه - عزَّ اسمُه -، وافترَضَه على لسانِ خليلِه إبراهيم وولدِه إسماعيل - عليهما السلام -: تحريمُ أشهُرٍ مِن السنةِ وتعظيمُها، بتحريمِ القِتالِ فيها، وتواتَرَ ذلك التحريمُ حتى نقَلَتْه العربُ بالتواتُر القوليِّ والعمليِّ، وتلك هي الأشهُرُ الأربعةُ التي أشارَ إليها - سبحانه - بقولِه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36].
وبيَّنَها رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقولِه في خُطبة حجَّة الوداعِ: «إنَّ الزمانَ قد استَدارَ كهيئتِه يوم خلقَ الله السماوات والأرض، السنةُ اثنَا عشر شهرًا، مِنها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثةٌ منها مُتوالِيات: ذو القَعدة، وذُو الحجَّة، ومُحرَّم، ورجبُ مُضَر الذي بين جُمادَى وشعبان»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" مِن حديث أبي بَكْرَة - رضي الله عنه -.
وإنما كانت الأشهُرُ الحُرُمُ على هذه الصفة: ثلاثةٌ سَردٌ وواحدٌ فردٌ - كما قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: "لأجلِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرة، فحُرِّم قبل شهر الحجِّ شهرٌ وهو ذُو القَعدة؛ لأنهم يقعُدُون فيه عن القِتال، وحُرِّم شهرُ ذي الحجَّة؛ لأنهم يُوقِعُون فيه الحجَّ، ويشتَغِلُون فيه بأداءِ المناسِكِ، وحُرِّم بعدَه شهرٌ آخرُ - وهو المُحرَّم -؛ ليرجِعُوا فيه إلى نائِي بلادِهم آمِنِين، وحُرِّم رجبُ في وسَطِ الحَول؛ لأجلِ زيارةِ البيتِ والاعتِمارِ به لمَن يقدُمُ إليه مِن أقصَى جزيرةِ العربِ، فيزُورُه ثم يعودُ إلى وطنِه آمِنًا". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
وأما استِدارةُ الزمان: فهي عودةُ حسابِ الشُّهور إلى ما كان عليه مِن أول نظامِ الخَلقِ الذي كتبَه الله وقدَّرَه، فوقَعَ حجُّه - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنةِ في ذي الحجَّة الذي هو شهرُه الأصليُّ؛ ذلك أنَّهم - كما قال أهلُ العلم بالحديث، كالإمام الخطَّابيِّ والحافظِ ابن حجرٍ وغيرِهما -: "كانُوا على أنحاء؛ مِنهم مَن يُسمِّي المُحرَّم صفرًا، فيُحِلُّ فيه القتالَ، ويُحرِّمُ القتالَ في صفر، ويُسمِّيه المُحرَّم.
ومِنهم مَن كان يجعلُ سنةً هكذا، وسنةً هكذا.
ومِنهم مَن يجعله سنتَين هكذا، وسنتَين هكذا.
ومِنهم مَن يُؤخِّرُ صفرًا إلى ربيعٍ الأول، وربيعًا إلى ما يلِيه، وهكذا، إلى أن يصِيرَ شوالُ ذا القَعدة، وذو القَعدة ذا الحجَّة، ثم يعودُ العددُ على الأصلِ، فكانُوا يُخالِفُون بين أشهُرِ السنةِ بالتحليلِ والتحريمِ، والتقديمِ والتأخيرِ، لأسبابٍ تعرِضُ لهم؛ مِنها: استِعجالُ الحربِ، فيستحِلُّون الشهرَ الحرامَ، ثم يُحرِّمُون بدَلَه شهرًا غيرَه، فتتحوَّلُ في ذلك شهورُ السنة وتتبدَّلُ". اهـ.
وذلك هو النَّسيءُ الذي ذمَّه الله تعالى، وبيَّن أنه زيادةٌ في الكُفر؛ لأنه تشريعُ ما لم يأذَن به الله، مُضافٌ إلى أصلِ كُفرهم بالله بالشركِ به، فقال - عزَّ مِن قائِل -: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 37].
فتشريعُ الحلال والحرام والعبادةِ - يا عباد الله - هو حقٌّ لله وحدَه؛ فمَن شرعَ مِن عند نفسِه شرعًا، فقد نازَعَ الله - عزَّ وجل - في حقِّه، وذلك شِركٌ في ربوبيَّته، كما دلَّ عليه قولُه - سبحانه -: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 21].
فيُضِلُّون به سائِرَ مَن يتَّبِعهم مِن الكافرين الذين يتَّبعُونَهم فيه، ويتوهَّمُون أنهم لم يخرُجُوا به عن مِلَّةِ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -؛ حيث واطَؤُوا فيه عِدَّةَ ما حرَّمَه الله مِن الشُّهور في مِلَّتِه، وإن أحلُّوا ما حرَّمَه الله، وهو المقصُودُ بالذاتِ مِن شرعِه لا مُجرَّدُ العدد. وهذا كلُّه مِن ظُلم النفسِ في الشهرِ الحرامِ، الذي نهَى عنه ربُّنا بقولِه: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].
وظُلمُ النفسِ - يا عباد الله - يشمَلُ كلَّ محظُورٍ يُوبِقُ المرءُ فيه نفسَه، ويدخُلُ فيه: هَتكُ حُرمةِ الشهرِ الحرامِ دُخُولًا أوليًّا مُحقَّقًا، وهذا الظُّلمُ للنفسِ، كما يكُونُ بالشِّركِ بالله تعالى، وهو أعظمُ ظُلمٍ لها، كما قال تعالى على لِسانِ لُقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
فإنه يكونُ أيضًا بالتبديلِ والتغييرِ في شَرعِ الله، والتحليلِ والتحريمِ بمُجرَّد الهوَى، والآراء الشخصيَّة، والاجتِهاداتِ والاستِحساناتِ التي لا يُسنِدُها دليلٌ صحيحٌ مِن كتابِ ربِّنا أو سُنةِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -.
ويكونُ ظُلمُ النفسِ أيضًا باقتِرافِ الآثامِ واجتِراحِ السيئاتِ في مُختلَفِ دُرُوبِها، فالذنبُ سُوءٌ وشُؤمٌ، وظُلمٌ للنفسِ في كل زمانٍ؛ لأنه اجتِراءٌ على العظيمِ المُنتقِمِ الجبَّار، المُحسنِ إلى عبادِه بالنِّعَم مِن نعمِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، المُتحبِّبِ إليهم بالآلاء - وهو الغنيُّ عنهم -، لكنَّه في الشهرِ الحرامِ أشدُّ سُوءًا، وأعظمُ جُرمًا، وأفدَحُ ظُلمًا؛ لأنه جامِعٌ بين الاجتِراءِ والاستِخفافِ، وبين امتِهانِ وانتِهاكِ حُرمةِ ما حرَّمَه الله، وعظَّمَه واصطَفاه.
فكما أن المعاصِي تُغلَّظُ في البلَدِ الحرامِ لقولِه - عزَّ اسمُه -: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25]، فكذلك الشهرُ الحرامُ تُغلَّظُ فيه الآثام، ولهذا غُلِّظَت فيه الدِّيةُ عند كثيرٍ مِن العُلماء، كالإمام الشافعيِّ - رحمه الله - وغيرِه.
قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما -: "إن الله اختصَّ مِن الأشهُرِ أربعةَ أشهُرٍ، جعلَهنَّ حرامًا وعظَّمَ حُرماتهنَّ، وجعلَ الذنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعملَ الصالِحَ والأجرَ أعظمَ".
وقال قتادةُ - رحمه الله -: "إن الظُّلمَ في الأشهُرِ الحُرُم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا مِن الظُّلم فيما سِواهَا، وإن كان الظُّلمُ على كل حالٍ عظيمًا، ولكنَّ الله يُعظّمُ مِن أمرِه ما يشاءُ". اهـ.
فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وعظِّمُوا ما عظَّمَ الله، ومِنها هذا الشهرُ الحرامُ الذي أظلَّكُم، فعظِّمُوه بما شرَعَ الله، وباتِّباعِ سُنَّة الحبيبِ الهادِي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وحذارِ مِن الابتِداعِ في دينِ الله ما لم يأذَن به الله.
نفَعَني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قَولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المُسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفورُ الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمدُ لله الذي جعلَ لبعضِ الأزمانِ مزيدًا مِن الفضلِ والحُرمةِ، أحمدُه - سبحانه - على عَميمِ الخير والنعمَة، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يشمَلُ العبادَ بالعفوِ والغُفرانِ والمِنَّة، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه المبعُوثُ إلى خيرِ أُمَّة، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ، وعلى آله وصحبِه ذوِي الحِجَى والحِكمة.
أما بعد .. فيا عباد الله:
حرِيٌّ بمَن رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحمدٍ رسُولًا أن يحجُزَ نفسَه عن الوُلُوغِ في الذنوبِ، وينأَى بها عن مزالِقِ الخطايَا، ويكُفَّها عن التلوُّثِ بأرجاسِ الإثمِ، وأن يترفَّعَ عن دعاوَى الهوَى والنَّزَواتِ والشَّطَحات المُوبِقات المُهلِكات، وتسويلِ الشيطانِ، وتسويلِ النفسِ الأمَّارة بالسُّوء، وخطَراتِ الشيطانِ وخطَواتِه، وأن يذكُرَ على الدوامِ أن الحياةَ أشواطٌ ومنازِل، تفنَى فيها الأعمار، وتنتَهِي الآجال، وتنقطِعُ الأعمال، ولا يدرِي المرءُ متى يكونُ الفِراقُ لها، وكَم مِن الأشواطِ يقطَعُ مِنها، وإلى أي مرحلةٍ يقِفُ به المسِيرُ.
فالسَّعيدُ مَن سمَت نفسُه إلى طلَبِ أرفَعِ المراتِبِ، وإلى ارتِقاءِ أعلَى الدرجاتِ مِن رِضوانِ الله ومحبَّتِه وغُفرانِه.
فاتَّقُوا الله - عباد الله - باستِدراكِ ما فاتَ، واغتِنامِ ما بقِيَ مِن الأزمِنةِ الشريفةِ، والأوقاتِ الفاضِلةِ المُبارَكة، والتِزامِ المسلَكِ الراشِدِ والنَّهجِ السَّديدِ، في هذا الشهرِ الحرامِ، وفي كل شُهورِ العام بالإقبالِ على موائِدِ الطاعة، ورِياضِ القُرُبات، والاستِمساكِ بما صحَّ وثبَتَ عن سيِّد الأنامِ - عليه الصلاة والسلام -، وأعرِضُوا عن كل مُبتدَعٍ لا أصلَ له في كتابِ الله ولا في سُنَّةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -.
قال الحافظُ ابن رجبٍ - رحمه الله -: "وأما الصِّيامُ فلم يصِحَّ في فضلِ صَومِ رجَب بخُصُوصِه شيءٌ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابِه".
يعني: فضلًا خاصًّا في رجب، في صيامِ رجب بخُصُوصِه، وأما الصيامُ مُطلقًا فهو مندُوبٌ إليه في رجب وفي غيرِه.
وقال الحافظُ ابن حجرٍ - رحمه الله - في رسالتِه "تبيينُ العجَب في بيانِ ما ورَدَ في فضلِ رجَب": "لم يرِد في فضلِ شهرِ رجَب ولا في صِيامِ شيءٍ مِنه مُعيَّن، ولا في قِيامِ ليلةٍ مخصُوصةٍ فيه حديثٌ صحيحٌ يصلُحُ للحُجَّة".
ثم أورَدَ - رحمه الله - ما ورَدَ مِن الأحاديث في ذلك، وهي ما بين موضُوعٍ مُختلَقٍ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الأكثَرُ -، وبين ضعيفٍ لا يُحتَجُّ بمثلِه.
فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وعظِّمُوا ما عظَّمَه الله باتِّباعِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
واذكُرُوا على الدوام أن اللهَ تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خيرِ الأنام، فقال في أصدَقِ الحديثِ وأحسنِ الكلامِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، وعن أزواجِه أمَّهات المُؤمنين، والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرَمَ الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين، وسائِرَ الطُّغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمَتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسنَّةَ نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعبادَك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعَل ولايتَنا فيمَن خافَك واتَّقاك، واتَّبعَ رِضاك يا رب العالمين.
اللهم أيِّد وليَّ أمرنا، واحفَظه بحفظِك، ووفِّقه بتوفيقِك، اللهم اجعَل عملَه في رِضاك، اللهم وفِّقه لما تحبُّ مِن الأقوال والأعمال يا رب العالمين.
اللهم أحسِن عاقبَتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكَرات، وحُبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَّ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميعِ سخَطِك.
اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ مِنَّا، اللهم إنا نعتذِرُ إليك مما صنَعَ السُّفهاءُ مِنَّا يا ربَّ العالمين.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعَل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحَم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، واختِم بالباقِيات الصالِحات أعمالَنا.
اللهم انصُر المُسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم في الغوطة الشرقيَّة في بلاد الشام، وفي اليمَن، وفي فلسطين، وفي ليبيا، وفي إفريقيا الوُسطَى، وفي كل مكان، اللهم احفَظهم، وفي ميانمار، اللهم احفَظ المُسلمين في ميانمار، اللهم احفَظهم وأيِّدهم، اللهم احفَظهم وأيِّدهم، وانصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين.
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
وصلِّ الله وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يسرد كتاب (زايد...

يسرد كتاب (زايد: رجل بنى أمة) السيرة الذاتية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - منذ عام ...

King Lear : Plo...

King Lear : Plot Overview great are set Critic Edwin Muir , in The Politics of King Lear , tells us ...

مرفق لكم تلخيص ...

مرفق لكم تلخيص الفصل الخامس من رواية الشيخ والبحر وبالرغم من غيوم السماء كان منظرا جميلا من اسراب ا...

إدمان الإنترنت ...

إدمان الإنترنت يمثل تحديًا متزايدًا في المجتمعات الحديثة، ومن أجل مساعدة المدمنين على التغلب على هذه...

((وصل إلينا من ...

((وصل إلينا من الجاهلية شعر كثير مقارنة بالنثر، والسبب يعود لندرة التدوين، فلماذا كان التدوين نادرا؟...

في كُلِّ مَرَّة...

في كُلِّ مَرَّةٍ نَرى فيها تِلْكَ الجَرَّةَ الطّينيَّةَ القابِعَةَ في غُرْفَةِ أَجْدادِنا، نَتَساءَل...

وتعد هذه القصيد...

وتعد هذه القصيدة نموذجا لشعر التفعيله حيث يتجلى فيها التحرر من قيود الوزن العروضي و القافيه الموحدة ...

يتم التركيز على...

يتم التركيز على الجودة وتركيز الشركة على العملاء والابتكار كعناصر أساسية لخلق والحفاظ على ميزة تنافس...

is characterist...

is characteristic of the business firm that engages in social actions in response to a popular socia...

تبدء القصة في ا...

تبدء القصة في اليابان ويكون قاءد المعبد له كلب يدعى هاتشي فيضعه في صندوق ليتم نقله في محطة قطار الى ...

v CRM is a busi...

v CRM is a business strategy that maximizes profitability, revenue and customer satisfaction by orga...

وقبْل أَن ينتشر...

وقبْل أَن ينتشر ضوءُ النهار حقًّا، أخرج قطع الطُّعْم، واندفع مع الّتيار، كانت إحدى قِطَع الطُّعم على...