لخّصلي

أولا: مدخل نظري لتكنولوجيا الإعلام والاتصال: شهد النصف الثاني من القرن العشرين ثورة الاتصال الخامسة، وذلك بعد مرور المجتمعات بمراحل عدة أولها مرحلة اللغة أو المرحلة الشفوية، التي تعتمد كليا على

الاتصال الشفوي Oral Totally ، وقد استغرقت معظم التاريخ البشري، بعدها كانت مرحلة الكتابة وقد استمرت من سنة 1500 إلى سنة 1900 تقريبا، وصولاً إلى الثورة والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين. الرابعة مع اكتشاف الكهرباء والموجات الكهرومغناطيسية، ثم ظهور الراديو العالم إلى قرية عالمية Village Global تتصل جميع أجزائها بعضها ببعض، وتحث تلك الوسائل على العودة للحياة القبلية. فهي تلك التطورات التكنولوجية في مجالات الاتصالات بما فيها السلكية واللاسلكية، الأقمار الصناعية، الألياف البصرية، الحاسبات الالكترونية، تكنولوجيا البث (التلفزيون) .. وغيرها، ولعل الإعلام التفاعلي يعد أهم ثمرة أنتجها الاتصال الرقمي مع ظهور الانترنت، والذي سجل تغيرا جوهريا لا يمكن التغاضي عنه، مع تراجع الإعلام الجماهيري لصالح الإلكتروني حيث لا سيادة للدولة فيه، وقدرته الفائقة على الانتشار ، أدى هذا لتقسيم الجمهور لفئات ومجموعات صغيرة أو إلى شظايا كما وضحه رتشارد بلاك في نقده لمفهوم القرية الكونية، وأن العالم الآن أقرب ما يكون إلى شكل البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكنية، ولكن كل ساكن يعيش عزلة، ولا يدري شيئاً عن جيرانه الذين يعيشون في نفس البناية، وبدلا من أن يحدث الاندماج الثقافي بين الشعوب ليتحوّل العالم إلى قرية كونية، كما زعم ماكلوهان، نحد أنفسنا مستقطبين إلى آلاف المقاطعات المنعزلة يستخدم كل فرد وسيلته الخاصة، ويطوّر اللغة التي تناسبه، وبالتالي تزداد الفروق والتمايز بين الأفراد بدلا من ترسيخ التماسك والدمج في أمة واحدة، وأدى إلى تكريس الفردانية واللاجماهرية،

لقد تميزت المرحلة الخامسة باندماج ظاهرة تفجر المعلومات وتطور وسائل الاتصال وتعدد أساليبه، حيث يرى (ماكلوهان) أن وسائل الإعلام الإلكترونية حولت

فهذه الوسائل لا تملك أي جمهور محدد مسبقا أو ما يسمى بالبناء القبلي للجمهور، كون هذا الأخير قد يتواجد في أي مكان في العالم.

وبالعودة للحديث عن الفردانية وما يؤكد هذا الأخير هو التفكير السوسيولوجي الحديث، حيث إن الفترة التي تعيشها مجتمعاتنا حاليا هي فترة ما بعد العصرنة"، التي

تؤدي بنا إلى نظام اجتماعي جديد تُمحى فيه الانتماءات التقليدية والجماعية، وكان لهذه

الديناميكية أثر تهديمي لما يسمى بالرغبة في العيش معا"، وسببت انهيار التلاحم الاجتماعي وخلق وضع ثقافي يشجع الفرد على التحرر من كل سلطة.

وبالرغم من هذه النظرة السلبية عن هذا الفضاء الإلكتروني ووسائله إلا أنه خلق جوا جديد بينه وبين المتلقي ، وعزز بذلك مبدأ التفاعلية التي يُنظر إليها على أنها مثلت الأداة التي بواسطتها أصبح بمقدرة الأفراد التحاور مباشرة مع غيرهم خارج حدود الدول المنتمون إليها، بالاعتماد على الشبكات الاتصالية الدولية، وإنشاء التجمعات الالكترونية، واستخدام أدوات الرأي والتعبير المختلفة، بحيث أصبحت فضاءً للتعبير عن رأيهم بكل حرية خاصة من قبل الخارجين عن البنيات التقليدية للسلطة.