لخّصلي

للوالدَين فضْلٌ عظيم على أبنائهما لا يُضاهيه فضْل مَنْ سواهما، وهما من أفضل النعم التي أنعم الله بها على عباده؛ فهما سبب وجودنا في الحياة، والحياة بدونهما لا قيمة ولا معنى لها، ولقد أوصى الله -تعالى- بالبرّ بهما، وجعل برّهما بعد عبادته مباشرة، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدعو إلى الإحسان إليهما، قال عزّ وجلّ: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لهما قولاً كريماً}، تدلّ هذه الآية على مَدى فضل الأبوين على أبنائهما، ومهما تحدثنا عن فضلهما فلن نستطيع أن نوفيهما حقهما.

يبذل الوالدان كلّ الغالي والنفيس لسعادة أبنائهما وتلبية احتياجاتهم، ويُقدَمان الحياة الكريمة لهم، فهما اللذان قاما بتربيتهم وتحمّل صعوبات الحياة من أجلهم؛ لذلك يجب على الأبناء أن يردّوا ولو جزءً بسيطاً من جميلهما عليهم. برّ الوالدين ليس من المستحيلات -كما يظنّ بعض الأبناء- بل هو أمرٌ بسيط إذا تم النظر إليه على أنّه متعة بمحاولة ردّ الجميل، وسوف يرى الأبناء آثار هذا البرّ في الدنيا والآخرة.

يتحقّق البرُّ بالوالدين عن طريق إطاعتهما طاعة مُطلقة في غير معصية لله، واحترامهما وإظهار الحبّ لهما، وقد قَدَّمَ الله برَّهما على كثير من الأعمال الصالحة، وهو عمل يُجازى به العبد في الدنيا والآخرة، فيرى الإنسان ثمرة برّه في الخير والبركة وصلاح الأولاد، بل الله جعلَ برّهما أفضل من الجهاد في سبيل الله.

الأمّ هي الملجأ الذي يأوي إليه الأبناء؛ ليجدوا الدفء والحُبّ. الأمّ هي من تقف بجانب أبنائها دون نفاق، ولا تنتظر منهم شيئاً بالمقابل، فعليهم أن يبرّوها بقدر استطاعتهم؛ وفي الحديث الشريف أنّ رجلاً جاء إلى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (يا رسول الله، من أَوْلَى النّاس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أبوك).

لا يجهل عاقل فضل الأب على أبنائه، بالرغم من أنه لا يتحمّل فترات الحمل والولادة والرضاعة، إلا أنّه يعيش كل هذه المراحل بتفاصيلها. يسعَد الأبُ برؤية الأبناء وهم يكبرون من حوله، وهو الحصن المنيع لهم الذي يحمل عنهم مصاعب الحياة. الأب يعمل فترات طويلة جداً، لتوفير الرعاية الممكنة للأبناء دون كلل. الأب، هو الملاذُ الذي يلجأ إليه الأبناء عندما تشتدّ عليهم قسوة الدنيا.

يجب على الأبناء أن يكونوا بارّين بالوالدَين، سواء أكان ذلك في حياتهما أم بعد موتهما، ففي حياتهما عليهم أن يطيعوهما ويُحسنوا إليهما، ويتودّدوا بل يتذلّلوا لهما، ويلينوا لهما طرف الحديث، وأن يكونوا حِسَان الطباع معهما، وعليهم الإصغاء الجيّد لحديثهما وعدم مقاطعتهما، وعدم النفور من أوامرهما، ويجب عليهم البُعد عن إظهار الضيق والحزن في أثناء الحديث معهما، والتعامل معهما بما يليق مع مكانتهما.