لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

الفصل السياق البلاغي
لقد تبين في القسمين السابقين أن ابن جني وقف على ظواهر جمالية وبلاغية في اللغة ، وكانت لوقفاته آثار في إرساء أسس تفكير أسلوبي تجلى على جهة الخصوص في تأويلاته لوسائل التعبير البلاغي . وإذا كانت همتنا في هذا البحث منصرفة نحو الكشف عما يختزنه تراث ابن جني النحوي من إمكانات التفكير البلاغي والأسلوبي ، فلا شك أن هذه الغاية لن تتحقق إلا إذا تنی تنا تعترف بعض المعايير التي وجهت تأويلاته اللغة ، وقد اصطلعنا على هذه المعايير أو الأصول بالسياق » ، وهو بشكل أظهر المعايير التي بني عليها تأويلاته للسمات الأسلوبية في الشعر والقراءات القرآنية . ولاشك أن استخدامنا لمفهومي السباق والتأويل في هذا الباب يتطلب الكشف عن مدلولیهما في إطار تفکیر ابن جني البلاغي الذي نسعى إلى إعادة صياغته في هذه الدراسة . 1- السياق والتأويل
ورد السياق عند البلاغيين القدامى بلفظ « مقنفی الحال ، وكان مفهوما يشمل -حسب تحديد السكاكي - المرجع الخارجي ( فمقام التهنئة غیر مقام التعزية ومقام الترغيب غیر مقام الترهيب الخ ) وغط التلقي ( مقام الذكي غير مقام الغبي ) والسياق اللغوي الداخلي « فلكل كلمة مع صاحبتها مقام ۔ ويرى أحمد المتوكل ، أن التفكير العربي القديم حول المعني ، وهي ذات صلة بإنتاج الملفوظ : أ- المقال ويترادف مع الكلام ب - المقام ( أو الحال ) ويشير إلى الموقف الذي ينتج فيه الملفوظ ج- الغرض ( أو القصد والمراد ) ويشير إلى ما ينوي المرسل بشه بواسطة الملفوظ الذي ينتجه . هذه بعض خصائص السباق على نحو ما حددها بعض الباحثين في الحقل اللغوي ، ولعلها أن تأخذ بيدنا في تحديد العناصر السياقية التي اعتمدها ابن جني في تأويلاته للشعر والقراءات القرآنية . هكذا نلاحظ أنه قد يفيد عنده « قصد المتكلم ؛ فقولنا : ( أشرب ماء البحر ) يكون مستحيلا إذا ما أريد به الحقيقة ، وتتمثل استحالة الأقوال ، مثال ذلك : ( أشرب ماء البحر ) . وقد تتمثل في مخالفتها لأصول الكلام في الأخبار ، مثال ذلك أحق الناس بمال أبيه ابنه ) ، وجرى هذا مجری قولنا : ازيد زيد » و القائم القائم ، حيث لا يستفاد من الجزء الثاني إلا ما في الجزء الأول ؛ وهذا مخالف العقد الأخبار إن استحالة الأقوال السابقة قائمة مادام القصد في ذلك ظاهر الكلام ، أما إذا انطوى القول على فصد إلى المجاز أو غرض يراد تبليغه ، مثال ذلك قول الشاعر : أنا أبو النجم وشعري شعري وقول الآخر : بلاد بها كنا وكنا نحلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد وقول الآخر : هذا رجائي وهذه مضرعامرة وأنت أنت وقد نادیت من کتب حيث يرى ابن جني أن هذا مما يحمل على معناه دون لفظه ؛ أي إن القصد من هذه الأقوال وظيفتها المجازية لوجود أغراض يراد توصيلها ؛ فهذه الأغراض سوغت استخدام المشاعر لما لا فائدة وراءه : " وكأنه إنما أعيد لفظ الأول لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال إن للسباق دورا حاسما في تحديد معنى الكلام ؛ كما يقدمه ابن جني ، فقد يضع المتكلم اللفظ على أصل وضعه في اللغة من العموم ، وقد يستخدم وضعه الاستعمالي الخاص على جهاز المجاز ويتمثل أيضا في الغرض ، حيث تصير المعرفة بهذا الغرض المراد ضرورية من أجل تسويغ الكلام والوقوف على طاقته البلاغية ، وهذا الغرض يفهم في مقام ما ، وهو الموضع الخارجي أو الحال التي شهدت على معنى الكلام . هذا الوعي لازم -فيما يرى ابن جني- لأجل حصول تأویلات صحيحة لآي القرآن الكريم ، يؤهل المتخاطبين للتأويل الصحيح والفهم السليم ؛ وقوله : ( ویبقی وجه ربك ) وغيرها من الآيات الكريمة الجارية هذا المجرى ، على أنها من قبيل المجاز لا الحقيقة ، أي ما تحمله من خصوص الاستعمال ، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة . جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ، وعاداتهم في استعمالها . إن الوعي بأعراف اللغة وعاداتها ومذاهبها و أنحائها وسيلة لتحديد المعنى ؛ والقرآن الكريم الذي خاطب أهل العربية الذين اعتادوا التخاطب بالمجاز ، راعي هذه المعرفة فنزل مستخدما طرقهم في التعبير . ولعل هذا ماحمل أبا عبيدة على تأليف كتابه في المجاز القرآن » مثبتا أن في القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب ومن الغريب والمعاني ومن ضروب الاستخدام المجازي أو البلاغي للغة . والمقصود إليه . إننا نتلقى اللغة بما تختزنه ذاكرتنا من ودائع أصلها هذه اللغة نفسها التي تعلمناها وأصبحنا نفكر بها . وبذلك فهي تشكل سباقا نصدر عنه في تأويلاتنا وأحكامنا التقويمية . وكما أن السياق الاستعمالي للغة يتحكم في تأويلنا لظواهرها ، فقد أقر ابن جني بأن المجاز إذا كثر لحق بالخفيفة ، حيث تغدو مماثلة لأي ترکیب حقيقي إن الكثرة التي كانت وراء إلحاق المجاز بالحقيقة ، وهذه النظرة تفيد أن كثرة الإمكانات الفنية تكون حيث قلة الاستعمال ، وتلاشي هذه الإمكانات حيث الكثرة . حيث يشكل هذا كله خلفية يستند إليها في استجابته لمايبدعه الشاعر من صور شعرية أو في عدم حصول هذه الاستجابة وكان ابن جني في تأويله للصور الشعرية لا يكتفي بالبيت الذي وردت فيه ، بل قد يستدل عليها بأبنات أخرى من سياق القصيدة 10 . ولا نروم بهذا التعقيب القول إن ابن جني نظر إلى الصورة الشعرية في سياق النص ، ومع ذلك
وذلك أنه في تأويله لظاهرة الحذف كان يشترط وجود دليل 12 عليه ، أو متمثلا في معنی قائم في سياق النص الكلي الذي ينتمي إليه هذا النموذج . وقد عبر الفراء عن هذا المفهوم بوضوح عندما وقف على حذف الجواب من جملة الشرط في الآية الكريمة : « إذا السماء انشقته حيث قال : والجواب كالمتروك ؛ لأن المعني معروف قد تردد في القرآن معناه فعرفوا . ويمكننا صياغة خصائص السباق على نحو ما تجلت لنا في تراث ابن جني الفكري حول اللغة في المقومات الآتية : - قد يتمثل السياق عند ابن جني في اقصد المتكلم في تسخيره للمادة اللغوية المتاحة له . - يتحدد السياق عنده أيضا في الغرض الذي يروم المتكلم تبليغه . ولأجل اقتراح صباغة حديثة لطبيعة تشغيل معيار السياق في التأويل عند ابن جني ، ج - سياق التلقي وأما استخدامنا للفظ « التأويل في هذا الباب فتسوغه طبيعة تفكير ابن جني نفسه حول اللغة العربية ؛ فقد كانت الغاية التي حددها لبحثه في خصائص هذه اللغة من أجل إثبات حکمتها ونظامها الدقيق ، تقتضي
ولقد كان ابن جني يؤول اللغة سعيا لاكتشاف أسرارها وكنه إيداعها ، وكان التأويل الحاذق مرادفا عنده لعبارة املاطفة الصنعة ، في مقابل التأويل المتعجرف والمتعسف . ومن معاني التأويل إرجاع الشيء إلى أصولها وأسبابه الحقيقية وذلك لاكتشاف دلالته زمغزاها ، إن التأويل حركة موجهة بالعقل والرأي في المقام الأول ، وإن اعتمد « النقل » أو « الرواية » ؛ فالعمل الذهني هو ما يميز كل نشاط تأویلي ، حيث يحضر المتلقي بوصفه ذاتا فاعلة في تشكيل الظواهر ، دون أن يفيد ذلك غياب الضوابط والمعايير عن مفهوم التأويل ويمكننا إيجاز مسوغات استخدام مصطلح « التأويله في هذا الباب على النحو الآتي :
وهذا المعنى ينطبق على العمل الذي قام به این جني نحو اللغة العربية ، إذ كان بحثه في خصائصها يتغيا الكشف عن الأصول والمعادن للوقوف على حكمة اللغة وأسرارها . - التأويل نشاط ذهني يضطلع به المتلقي في فهم الظواهر وتشکلها ، واللغة العربية باعتبارها إحدى هذه الظواهر ، وقد كان ابن جني يعيد هذا في أكثر من موضع من كتابه . بل قد يتجه إلى العبارات المحتملة لمعنى واحد ، ولكنه لا ينكشف لأول خاطر . - التأويل هو المصطلح العربي القديم الذي يعبر بصورة دقيقة عما قام به ابن جني بإزاء الظواهر اللغوية والبلاغية التي واجهها في الشعر .


النص الأصلي

الفصل السياق البلاغي


لقد تبين في القسمين السابقين أن ابن جني وقف على ظواهر جمالية وبلاغية في اللغة ، وكانت لوقفاته آثار في إرساء أسس تفكير أسلوبي تجلى على جهة الخصوص في تأويلاته لوسائل التعبير البلاغي . وإذا كانت همتنا في هذا البحث منصرفة نحو الكشف عما يختزنه تراث ابن جني النحوي من إمكانات التفكير البلاغي والأسلوبي ، فلا شك أن هذه الغاية لن تتحقق إلا إذا تنی تنا تعترف بعض المعايير التي وجهت تأويلاته اللغة ، والتي تمثل أصولا في نصوره البلاغي ، تضاف إلى تلك الأصول التي تطرقنا إليها سابقا . وقد اصطلعنا على هذه المعايير أو الأصول بالسياق » ، وهو بشكل أظهر المعايير التي بني عليها تأويلاته للسمات الأسلوبية في الشعر والقراءات القرآنية . ولاشك أن استخدامنا لمفهومي السباق والتأويل في هذا الباب يتطلب الكشف عن مدلولیهما في إطار تفکیر ابن جني البلاغي الذي نسعى إلى إعادة صياغته في هذه الدراسة .


1- السياق والتأويل
ورد السياق عند البلاغيين القدامى بلفظ « مقنفی الحال ، وكان مفهوما يشمل -حسب تحديد السكاكي - المرجع الخارجي ( فمقام التهنئة غیر مقام التعزية ومقام الترغيب غیر مقام الترهيب الخ ) وغط التلقي ( مقام الذكي غير مقام الغبي ) والسياق اللغوي الداخلي « فلكل كلمة مع صاحبتها مقام ۔ ويرى أحمد المتوكل ، أن التفكير العربي القديم حول المعني ، انطلق من مبدأ تفاعل ثلاثة معطيات تحدد مفهوم السياق ، وهي ذات صلة بإنتاج الملفوظ : أ- المقال ويترادف مع الكلام ب - المقام ( أو الحال ) ويشير إلى الموقف الذي ينتج فيه الملفوظ ج- الغرض ( أو القصد والمراد ) ويشير إلى ما ينوي المرسل بشه بواسطة الملفوظ الذي ينتجه . هذه بعض خصائص السباق على نحو ما حددها بعض الباحثين في الحقل اللغوي ، ولعلها أن تأخذ بيدنا في تحديد العناصر السياقية التي اعتمدها ابن جني في تأويلاته للشعر والقراءات القرآنية . ولانزعم هنا أن ابن جني قدم تعريفا للسياق ، غير أنه يمكننا استصفاء بعض خصائصه بقدر من الجهد في تأمل النصوص التي احتوت تأويلاته الصور التعبير البلاغي . هكذا نلاحظ أنه قد يفيد عنده « قصد المتكلم ؛ وهذا القصد يتولى تحديد الحقيقة والمجاز في اللغة ، كما يحدد الاستقامة والاستحالة ؛ فقولنا : ( أشرب ماء البحر ) يكون مستحيلا إذا ما أريد به الحقيقة ، لأن الإنسان الواحد لا يشرب جميع ماء البحر ، فأما إذا أراد به بعضه ثم أطلق هناك اللفظ برید به جميعه فلا محالة من جوازه .


وتتمثل استحالة الأقوال ، إذا ما كان القصد منها الحقيقة ، في مخالفتها لقوانين العقل والمنطق ؛ مثال ذلك : ( أشرب ماء البحر ) . وقد تتمثل في مخالفتها لأصول الكلام في الأخبار ، مثال ذلك أحق الناس بمال أبيه ابنه ) ، فذكر الأبوة منطو على البنوة ، فكأننا قلنا : « أحق الناس بمال أبيه أحق الناس بمال أبيها . وجرى هذا مجری قولنا : ازيد زيد » و القائم القائم ، حيث لا يستفاد من الجزء الثاني إلا ما في الجزء الأول ؛ وهذا مخالف العقد الأخبار إن استحالة الأقوال السابقة قائمة مادام القصد في ذلك ظاهر الكلام ، أما إذا انطوى القول على فصد إلى المجاز أو غرض يراد تبليغه ، فقد تؤول هذه الاستحالة إلى استقامة ؛ مثال ذلك قول الشاعر : أنا أبو النجم وشعري شعري وقول الآخر : بلاد بها كنا وكنا نحلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد وقول الآخر : هذا رجائي وهذه مضرعامرة وأنت أنت وقد نادیت من کتب حيث يرى ابن جني أن هذا مما يحمل على معناه دون لفظه ؛ أي إن القصد من هذه الأقوال وظيفتها المجازية لوجود أغراض يراد توصيلها ؛ فقد يدرك من القول الأول أن معناه : دوشعري متناه في الجودة على ما تعرفه وكما بلغك » ، ومن القول الثاني : « إذ الناس أحرار والبلاد أحرار » ، ومن القول الثالث : وأنت المعروف بالكرم ؛ فهذه الأغراض سوغت استخدام المشاعر لما لا فائدة وراءه : " وكأنه إنما أعيد لفظ الأول لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال إن للسباق دورا حاسما في تحديد معنى الكلام ؛ وهو يتمثل ، كما يقدمه ابن جني ، في الفصد التحكم في التعامل مع اللغة ؛ فقد يضع المتكلم اللفظ على أصل وضعه في اللغة من العموم ، فيكون بذلك قد توخي الحقيقة . وقد يستخدم وضعه الاستعمالي الخاص على جهاز المجاز ويتمثل أيضا في الغرض ، الذي يريد المتكلم تبليغه فيحمل عليه ألفاظه ، حيث تصير المعرفة بهذا الغرض المراد ضرورية من أجل تسويغ الكلام والوقوف على طاقته البلاغية ، وهذا الغرض يفهم في مقام ما ، وهو الموضع الخارجي أو الحال التي شهدت على معنى الكلام .


وبما أن السياق قد يفيد -كما قلنا سابقا- المعرفة المشتركة بين المتخاطبين ، فإن من بين مقومات هذه المعرفة ، الوعي بطرق لغة المتخاطبين و مسالكها ؛ هذا الوعي لازم -فيما يرى ابن جني- لأجل حصول تأویلات صحيحة لآي القرآن الكريم ، تجنب المؤمن الضلال ؛ فهو يرى أن الذين حملوا أقوال الله عز اسمه في القرآن الكريم على التجسيم ، إنما كان بسبب ضعفهم في هذه اللغة الشريفة التي خوطب الكافة بها ؟ إن « الأنس باللغة العربية و التصرف فيها ، أو « المزاولة لها ، يؤهل المتخاطبين للتأويل الصحيح والفهم السليم ؛ وهكذا سيتمكنون من إدراك قول لله تعالى : ( ياحسرتي على ما فرطت في جنب الله ) ، وقوله : فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقوله : ( لا خلقت بيدي ) ، وقوله : ( ما عملت أيدينا ) ، وقوله : ( ویبقی وجه ربك ) وغيرها من الآيات الكريمة الجارية هذا المجرى ، على أنها من قبيل المجاز لا الحقيقة ، ليس لأن القصد -الذي قلنا عنه إنه ضروري لتحديد المعنى هو الذي صرفهم عن الوقوع في تشبيه الله عز وجل بخلقه ، بل لأن معرفتهم باللغة التي يستعملونها- والمعرفة عنصر مكون للسياق- تتدخل هنا لتوجيه الأقوال على غير معناها الظاهر ، أي ما تحمله من خصوص الاستعمال ، وذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز ، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة .. فلما كانت كذلك ، وكأن القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها ، وانتشار أنحائها ، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ، و يعتادونه منها ، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب غرفهم ، وعاداتهم في استعمالها . إن الوعي بأعراف اللغة وعاداتها ومذاهبها و أنحائها وسيلة لتحديد المعنى ؛ فالمجاز مكون من مكونات النسق اللغوي للعربية ، يتداوله المتخاطبون فيما بينهم ، وهو بذلك يمثل جزءا من المعرفة المشتركة التي يبني عليها إنشاء الخطاب ؛ هذه المعرفة نصير عنصرا موجها للتأويل . والقرآن الكريم الذي خاطب أهل العربية الذين اعتادوا التخاطب بالمجاز ، راعي هذه المعرفة فنزل مستخدما طرقهم في التعبير . ولعل هذا ماحمل أبا عبيدة على تأليف كتابه في المجاز القرآن » مثبتا أن في القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب ومن الغريب والمعاني ومن ضروب الاستخدام المجازي أو البلاغي للغة . ومحصل نظر ابن جني أن استعمال اللغة أو نظام اللغة على نحو ما هو متداول بين أفراد الجماعة ، يشكلان سياقا موجها للتأويل والكشف عن معاني النص ؛ فقوله سبحانه : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) : « إن شئت قلت : خرج مخرج الاستعارة ، وذلك أن وجه الشيء أبدا هو أكرمه وأوضحه ، فهو المراد منه ، والمقصود إليه . فجری استعمال هذا في القديم -سبحانه- مجرى العرف فيه والعادة في أمثاله » . إننا نتلقى اللغة بما تختزنه ذاكرتنا من ودائع أصلها هذه اللغة نفسها التي تعلمناها وأصبحنا نفكر بها . وبذلك فهي تشكل سباقا نصدر عنه في تأويلاتنا وأحكامنا التقويمية .


وكما أن السياق الاستعمالي للغة يتحكم في تأويلنا لظواهرها ، فإنه يتحكم في تذوق وتفویم ما يأتي به الشعراء وأهل الفصاحة من صور بلاغية ؛ فقد أقر ابن جني بأن المجاز إذا كثر لحق بالخفيفة ، وفي ذلك اعتراف بدور الاستعمال في التفرقة بين الحقيقة والمجاز ؛ إن المتلقي يصبح فيصلا في وصف العبارة بالمجاز أو الحقيقة ، ذلك أن الصور التي يبتدعها الشعراء لاتزال تؤثر فينا بغرابتها حتى يستهلكها الشيوع وتبتذلها العادة ، فتفقد طاقتها التأثيرية وتضمر وظيفتها المجازية ، حيث تغدو مماثلة لأي ترکیب حقيقي إن الكثرة التي كانت وراء إلحاق المجاز بالحقيقة ، تعني وجود سياف استعمالي لهذا المجاز . وهذه النظرة تفيد أن كثرة الإمكانات الفنية تكون حيث قلة الاستعمال ، وتلاشي هذه الإمكانات حيث الكثرة . فالمجاز الخاضع لمبدأ التطور ينتقل من كونه ظاهرة أسلوبية إلى أن يصبح مجردا من قيمته وخصوصيته هذا نمط من أنماط السياق يسعف في تقويم الصور المجازية والكشف عن جماليتها ، وهو ذو علاقة بما يختزنه المتلقي من معرفة باللغة وتفاعله مع استعمالاتها ووجوه تعبيراتها ، حيث يشكل هذا كله خلفية يستند إليها في استجابته لمايبدعه الشاعر من صور شعرية أو في عدم حصول هذه الاستجابة وكان ابن جني في تأويله للصور الشعرية لا يكتفي بالبيت الذي وردت فيه ، بل قد يستدل عليها بأبنات أخرى من سياق القصيدة 10 . وعادة ما كان ينتبه إلى الروابط بين الأبيات فيقول : وهذا يؤكد البيت الذي قبله ويظهر معناه » 1 . ولا نروم بهذا التعقيب القول إن ابن جني نظر إلى الصورة الشعرية في سياق النص ، حتى وإن أثبتنا أنه تجاوز إطار البيت الواحد . ومع ذلك


فنحن لاندفع أن يكون السباق بمفهومه النصي حاضرا في ذهن ابن جني ، وذلك أنه في تأويله لظاهرة الحذف كان يشترط وجود دليل 12 عليه ، هو المعرفة بالسياق الذي قد يكون متمثلا في معنى مختزن في ذهن المتلقي نتيجة اعتباده التفاعل مع أساليب الحذف المائلة للنموذج موضوع التأويل ؛ أو متمثلا في معنی قائم في سياق النص الكلي الذي ينتمي إليه هذا النموذج . وقد عبر الفراء عن هذا المفهوم بوضوح عندما وقف على حذف الجواب من جملة الشرط في الآية الكريمة : « إذا السماء انشقته حيث قال : والجواب كالمتروك ؛ لأن المعني معروف قد تردد في القرآن معناه فعرفوا . ويمكننا صياغة خصائص السباق على نحو ما تجلت لنا في تراث ابن جني الفكري حول اللغة في المقومات الآتية : - قد يتمثل السياق عند ابن جني في اقصد المتكلم في تسخيره للمادة اللغوية المتاحة له . - يتحدد السياق عنده أيضا في الغرض الذي يروم المتكلم تبليغه . - وقد يتمثل السياق عنده أيضا في المقام الذي يتم فيه معنى الكلام . ولأجل اقتراح صباغة حديثة لطبيعة تشغيل معيار السياق في التأويل عند ابن جني ، سنعمل على تقسيمه إلى الأنواع الأتية : أ - السياق البلاغي . بالسباق الشعري . ج - سياق التلقي وأما استخدامنا للفظ « التأويل في هذا الباب فتسوغه طبيعة تفكير ابن جني نفسه حول اللغة العربية ؛ فقد كانت الغاية التي حددها لبحثه في خصائص هذه اللغة من أجل إثبات حکمتها ونظامها الدقيق ، تقتضي


النظر والتدبر ، وهما خاصيتان مرتبطتان بالتأويل ، باعتباره عملية ذهنية يضطلع بها المتلقي لفهم الظواهر والوقوف على دلالتها أو مغزاها . ولقد كان ابن جني يؤول اللغة سعيا لاكتشاف أسرارها وكنه إيداعها ، وكان التأويل الحاذق مرادفا عنده لعبارة املاطفة الصنعة ، في مقابل التأويل المتعجرف والمتعسف . ومن معاني التأويل إرجاع الشيء إلى أصولها وأسبابه الحقيقية وذلك لاكتشاف دلالته زمغزاها ، وهذا يتطابق مع اشتقاقه اللغوي من : آل يؤول إذا رجع ويربط ابن الأثير بين التأويل والكشف عن المعاني الدقيقة ، ذلك أنه بخصه بالمعنى المعدول عن ظاهره ولا يرتبط عنده بالضرورة بما يحتمل أكثر من معنى ؛ فقد يفهم منه معنى واحد ولكنه ابجري في الدقة واللطافة مجرى المعنى المحتمل إن التأويل بهذا المعنى لا يقف عند المعاني التي تحمل على ظاهر اللفظ ، بل هو صرف اللفظ إلى ما يؤول إليها أو إلى ما يحتمله من معنى خفي مستور . وبذلك يكون المؤول مستنبطايعتمد « الدراية أو الرأي " ، حيث يصير التأويل المصطلح الأمثل للتعبير عن عمليات ذهنية على درجة عالية من العمق في مواجهة النصوص والظواهر 20 . إن التأويل حركة موجهة بالعقل والرأي في المقام الأول ، وإن اعتمد « النقل » أو « الرواية » ؛ فالعمل الذهني هو ما يميز كل نشاط تأویلي ، حيث يحضر المتلقي بوصفه ذاتا فاعلة في تشكيل الظواهر ، دون أن يفيد ذلك غياب الضوابط والمعايير عن مفهوم التأويل ويمكننا إيجاز مسوغات استخدام مصطلح « التأويله في هذا الباب على النحو الآتي :


-يعني التأويل في اللغة : إرجاع الشيء إلى أصله لأجل الكشف عن دلالته . وهذا المعنى ينطبق على العمل الذي قام به این جني نحو اللغة العربية ، إذ كان بحثه في خصائصها يتغيا الكشف عن الأصول والمعادن للوقوف على حكمة اللغة وأسرارها .



  • التأويل نشاط ذهني يضطلع به المتلقي في فهم الظواهر وتشکلها ، واللغة العربية باعتبارها إحدى هذه الظواهر ، لا تنكشف أسرارها العميقة إلا لمن أوتي التدبر والتفكر ، وقد كان ابن جني يعيد هذا في أكثر من موضع من كتابه . - التأويل حركة تتجاوز المعاني الظاهرة إلى المعاني الدقيقة التي يتوقف إدراكها على أهل الذوق والبصيرة وتقدة الكلام . على هذا النحو لا يرتبط التأويل ما كان محتملا لأكثر من معنى فقط ، بل قد يتجه إلى العبارات المحتملة لمعنى واحد ، ولكنه لا ينكشف لأول خاطر . - التأويل هو المصطلح العربي القديم الذي يعبر بصورة دقيقة عما قام به ابن جني بإزاء الظواهر اللغوية والبلاغية التي واجهها في الشعر . إننا الانعني بالتأويل هنا ، التعليلات والتخريجات التي يلجأ إليها في المواضع المشكلة فقط ، ولكن نعني به أيضا تلك العمليات الذهنية التي يلوذ بها كل قاری » شاء ألا يقف عند الحدود السطحية للظواهر ، بل أعمل ذهنه مستكشفا المعنى المخبوء - التأويل المقصود هنا هو ذلك التفسير القائم على الاجتهاد والرأي الذي يتوسل بمعاييره وأصوله الخاصة . وقد كان السباق بمدلوله الواسع معیارا موجها لابن جني في تأويله للظواهر البلاغية والأسلوبية .


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تعريفُ الزَّكاة...

تعريفُ الزَّكاة : الزَّكاة لغةً: الطَّهارةُ، والنَّماءُ الزَّكاة اصطلاحًا: هي التعبُّدُ لله تعا...

جرم أن دلالة ال...

جرم أن دلالة الأحمر في منظور المرأة مرتبط بوشائج عمیقة وجوهریة في تشكیل الصورة الذهنیة التي تختمر ف...

Biomonitoring h...

Biomonitoring has been used in assessing exposure of persons using small application devices inside ...

1. الشاشات: تعت...

1. الشاشات: تعتبر الشركة رائدة في مجال العرض المرئي في سوق التلفزيون العالمي، حيث احتلت المركز الأول...

There are numer...

There are numerous projects that can be undertaken at a school to help the environment, but one part...

مصطلح " حقوق ال...

مصطلح " حقوق الإنسان " يحمل مفاهيم عديدة مختلفة، فوفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تم تعريف...

2. الإبداع والأ...

2. الإبداع والأصالة: يجب أن تكون قادرًا على تقديم محتوى فريد ومميز يميزك عن الآخرين. استخدم طرق إبدا...

- توجيه وإدارة ...

- توجيه وإدارة دورة حياة البرنامج بأكملها بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتخصيص الموارد وإشراك أصحاب...

في القرون الأول...

في القرون الأولى، استعمل الفراعنة نساءً ورجالاً الكحل الذي عرف بكحل الكاجال. كان يحضّر في المنزل، بو...

ومنطلق دعوة الإ...

ومنطلق دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. ويصف كوارنسيه الدرعية بأنها : مدينة بناؤها من الحجر، عرضها نص...

يمر القانون قبل...

يمر القانون قبل تنفيذه بعدة مراحل، حيث يعد في البداية كمشروع من طرف لجنة مختصة تابعة للوزارة المعنية...

حكاية النسر كان...

حكاية النسر كان هناك أنثى نسرٍ تعيش على قمم إحدى الجبال، وتضع عشّها على واحدةٍ من الأشجار المنتشرة ع...