لخّصلي

تصور ما يحدث أمامها على بعد مسافة، أو ما يفعله الممثلون لدى اقترابهم أو ابتعادهم عن الكاميرا الثابتة، التمثيل السينمائي لم ينظر إليه بوصفه فنا كما هو الحال مع التمثيل المسرحي، وصانعوا الأفلام الذين جاؤوا بعدها أظهروا لامبالاة مماثلة تجاه حرفة التمثيل، وكان الممثلون في فترة السينما الصامتة يتولون بأنفسهم اختيار أزياء شخصياتهم والإكسسوارات الخاصة بهم ووضع الماكياج بأنفسهم، كانوا يصلون إلى الموقع دون سيناريو وبلا تعليمات بشأن بما يمكن أن يفعلوه في المشهد. فتحرى وسائل فنية جديدة لاقتراح أو بالأحرى لخلق استجابات ذاتية للشخصيات عبر استخداماته الرائدة لحركة الكاميرا والقطع المتوازي واللقطات القريبة. الخ منذ عام 1910 بدأت السينما الصامتة في خلق نجومها، باستقلال واع ومقصود عن المسرح،

نعرف جميعا أن السينما بدأت صامتة، وظلت كذلك حوالي ثلاثين عاما، منذ اختراعها أواخر القرن التاسع عشر، كانت الأفلام عبارة عن صور ثابتة سرعان ما تحركت، لكن الكاميرا كانت ساكنة تماما، تصور ما يحدث أمامها على بعد مسافة، أو ما يفعله الممثلون لدى اقترابهم أو ابتعادهم عن الكاميرا الثابتة، وكان الممثل يؤدي ويشرح حالته الشعورية في الحدث الميلودرامي غالبا من خلال الأداء الصامت والإيماءات التي لا تحصى والانفعالات المبالغ فيها، الإفراط في تعابير الوجه، كان الممثل يغالي في استخدام الإيماءات في اللحظات الحميمية وفي الحالات المشحونة بالانفعال وبالطريقة نفسها دون تمييز ودون اختزال، وغالبا ما تكون هذه الإيماءات عشوائية، مفرطة وغير مدروسة.
في غياب الكلام وهيمنة الصمت كانت الإيماءة هي اللغة السائدة، والتي من خلالها يعبر المؤدي عن مشاعره وأفكاره، عن حالاته وانفعالاته، ومن خلالها يحاول الاتصال بالجمهور، تماما كما كان يحدث في المجتمعات البدائية قبل أن تسود اللغة المنطوقة، حيث كان أفرادها يتصلون ببعضهم من خلال لغة حركة الجسد والإيماءات والإشارات.
مثل هذا الأداء كان سائدا في السنوات الأولى من نشوء السينما، كان مستمدا من التقاليد المسرحية في العصر الفيكتوري، لكن تنبغي الإشارة هنا إلى أن التمثيل السينمائي في علاقته بالمسرح لم يستمد عناصره من مصدر واحد بل تأثر بتقنيات وتعاليم عديدة ومختلفة.
مع تحرك الكاميرا واقترابها من الممثل، ومع ابتكار اللقطة القريبة التي حولت كثافة الإيماءة إلى الوجه ومع تحسن العدسات والطبقات الحساسة والإضاءة، تطورت طرائق الأداء، وصار الممثل يعتمد على وجهه وجسده في التعبير عن المشاعر أو الانفعالات الحميمية والخصوصية، مختزلا الإيماءة بعض الشيء، بحيث تبدو مدروسة أكثر، كما امتلك حرية أكبر في استخدام حركاته وأوضاعه البدنية.
التمثيل السينمائي لم ينظر إليه بوصفه فنا كما هو الحال مع التمثيل المسرحي، إلا بعد سنوات طويلة، الأخوان "لوميير" الفرنسيان في أفلامهما الأولى المصورة في أواخر القرن التاسع عشر استخدما أفرادا من العائلة لتأدية بعض الأدوار، وصانعوا الأفلام الذين جاؤوا بعدها أظهروا لامبالاة مماثلة تجاه حرفة التمثيل، أما الجمهور فقد شغفوا بالخدع البصرية والألاعيب البهلوانية ومشاهد الأكشن أكثر اهتمامهم بالأداء، وكان الممثلون في فترة السينما الصامتة يتولون بأنفسهم اختيار أزياء شخصياتهم والإكسسوارات الخاصة بهم ووضع الماكياج بأنفسهم، كانوا يصلون إلى الموقع دون سيناريو وبلا تعليمات بشأن بما يمكن أن يفعلوه في المشهد...مع المخرج "جريفث" كان أول من أبدى آراء إيجابية في تلك الفترة حول التمثيل، وعن الخاصيات المميزة للتمثيل السينمائي، إذ رأى بان التمثيل أمام الكاميرا يطرح تحديات خاصة، فتحرى وسائل فنية جديدة لاقتراح أو بالأحرى لخلق استجابات ذاتية للشخصيات عبر استخداماته الرائدة لحركة الكاميرا والقطع المتوازي واللقطات القريبة...
لم تعد البيوتات بعد انحرافات جريفث بل على النجوم السينمائية فأصبح أسياد الفيلم منذئذ وصاعدا، المنتجين وهم رجال أعمال يعود أمر تقييمهم وانتخابهم إلى جماعة حي(Wall street) فتنازعوا بذلك من المديرين أغلب صلاحياتهم القديمة كانتخاب موضوعات الأفلام، والنجوم والتقنيين، وتنمية فكرة النص السينمائي، والتركيب...الخ
مع مرور الوقت صار التمثيل السينمائي احترافا، لكنه لم ينجح بعد في كسب الاحترام والتقدير حتى بعد أن تكرس كمهنة صريحة في العقد الثاني من بداية القرن العشرين، منذ عام 1910 بدأت السينما الصامتة في خلق نجومها، باستقلال واع ومقصود عن المسرح، عدد من هؤلاء النجوم والنجمات لم تكن لديهم سوى خبرة بسيطة في التمثيل المسرحي، لكن كانوا يمتلكون جاذبية آسرة استطاعت السينما أن تستثمرها، فصار الشكل والمظهر الجسماني يفوق المهارات الأدائية قيمة وأهمية وكانت هذه نقطة الانطلاق لنظام النجوم الذي سرعان ما سوف يتكرس ويهيمن .