لخّصلي

1.2.3. مساهمة المجتمع المدني في عملية التنشئة السياسية: تظهر أهمية التنشئة السياسية في التعبير عن اتجاهات المجتمع، وتحقيق التعبئة السياسية، واختيار النخب السياسية وتدريبها لتتقلد مناصب المسؤولية، زيادة على نشر الثقافة السياسية، وتحقيق التكامل السياس ي. وهنا تظهر علاقة المجتمع المدني بالتنشئة السياسية، وذلك عن طريق التثقيف السياس ي من خلال عقد الاجتماعات والمؤتمرات، وتنظيم دورات التدريب السياس ي، ونشر
البرامج والآراء السياسية في صحفها ومنشوراتها. تعتبر مؤسسات المجتمع المدني مع الأحزاب السياسية مؤسسات للتنشئة السياسية،
حيث تقدم للمواطنين معلومات ومعارف سياسية متنوعة، كما أنها تعمل على تعبئتهم للمشاركة السياسية، وكذا التصويت في الانتخابات، أو التعبئة وراء أفكار وبرامج سياسية
22
المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والعلاقات الدولية المجلد 12(2) العدد 17 ديسمبر2021
معينة. غير أنه يلاحظ أن نشاط مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية في التنشئة السياسية في الجزائر ظل محدودا، وخاصة فيما تقوم به الاحزاب السياسية من تعبئة وتدريب وتحضير لنخبها، هذا بسبب ضعف البرامج والحملات التي تقدمها، أو ضعف التعبئة الجماهيرية لمرشحيها. وهذا يعني عجز في عملية التنشئة السياسية. ويرجع ذلك إلى هيمنة مرشحي السلطة على الاحزاب السياسية وعلى مؤسسات المجتمع المدني الأخرى أو احتوائها، فمثلا عرفت الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 عدة تحالفات حزبية وجمعوية، اتخذت مواقف مدعمة ومساندة للرئيس بوتفليقة، وهذا يدل على ضعف الأحزاب والمنظمات المدنية وعلى عجزها، ويدل كذلك على سيطرة السلطة عليها التي عملت على
اختراق جل الجمعيات واحتوائها، والضغط على الأحزاب السياسية.)14(. وإذا كانت نسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، تبين درجة النشاط والمساهمة التعبوية التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني من اجل تنشئة الأفراد سياسيا، فإنه يلاحظ امتناع المواطنين وعزوفهم عن المشاركة في العملية السياسية، ففي انتخابات 2012 التشريعية مثلا، كانت نسبة المشاركة 42.26 %، بل ويرى البعض أن نسبة المقاطعة
فاقت 80% )15( وتعتبر هذه النسب المتدنية في الانتخابات وقلة اهتمام المواطنين بها، انعكاس حقيقي لظاهرة امتناعهم عن المشاركة في الانتخابات، وبالتالي تعني عجز مؤسسات المجتمع المدني على زرع المبادئ والقيم السياسية، ونشر الوعي السياس ي، وتعبئة المواطنين وتحسيسهم وتنشئتهم سياسيا. وحتى هذا الإقبال الضعيف لم يكن دافعه إسم الحزب وبرنامجه، أو بسبب النشاط الذي لعبته هذه الجمعية المدنية أو تلك، وإما كان دافعه العروشية والعلاقات الشخصية للمترشحين، ويرجع هذا إلى فقدان الثقة بين المواطنين والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
كما يدل هذا الامتناع على عجز الأحزاب السياسية وهذه المؤسسات على تقديم البديل عن النظامالسياس يالقائم،فهيفينظرالكثيرينتساندالنظاموتمش يفيركابه.كماأنالتنشئة السياسية هي عملية مستمرة، إلا أننا نجد أن الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني
)14(– موزاي بلال "الجمعيات المدنية كأساس لتفعيل التنمية السياسية في الجزائر"، مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية، عدد 1، جانفي 2015 ص148.
)15(- ضميري، عزيزة، "الفواعل السياسية ودورها في صنع السياسة العامة في الجزائر"، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، 2007- 2008. ص 123.
23
محمدمجدان:مساهمةالمجتمعالمدنيفيعمليةالتحولالديمقراطيفيالجزائر
ظلت دائما ذات نشاطات ظرفية أو موسمية متقطعة، تظهر فقط في المناسبات الانتخابية ثم تنسحب وتختفي بعد ذلك.)16( كما يعود ضعف نشاط ودور المجتمع المدني في عملية التنشئة السياسية في الجزائر، إلى طبيعة علاقته بالنظام السياس ي التي ظلت قائمة، إما بتبعيته له أو بتحالفه السياس ي معه، مما جعل التعبئة الجماهيرية والحملات الانتخابية غير متوازنة، وذلك لأن المجتمع المدني ظل مستغلا من قبل النظام لدعم مرشحيه، فيقوم بتعبئة المواطنين من خلال المؤتمرات والحملات الدعائية والإعلامية، ليس كأداة للمشاركة الفعلية، بل كأداة لمساندة قرارات النظام القائم واختياراته.
وهكذا يظهر أن تبعية المجتمع المدني للنظام الحاكم قد أثرت على حياديته واستقلاليته وعلى القيام بمساهمته الحقيقية عامة، وفي التعبئة الجماهيرية والتنشئة السياسية خاصة.