لخّصلي

الفكر السياسي
مفهوم السياسة والسلطةوالإدارة يمكن تعريفها بأنها فن ممارسة حكم المجتمعات الإنسانية أو فن التدبير
وتشير كلمة Politics في اللغات الأجنبية إلى عملية الحكم. ويرتبط مفهوم السياسة بتجمع الأفراد في جماعة يتبادلون من خلالها المصالح والمنافع. وهي تشير إلى نشاط ما ، فأرسطو يرى أن السياسة نشاط إنساني اجتماعي يتصف بالفن والمهارة.
كذلك فإن السياسة تعتبر عملية من عمليات الحكم الاجتماعي تتضمن التعاون وحل التناقضات بين أفراد وجماعات المجتمع باستخدام السلطة السياسية وإن استلزم الأمر يُستخدم الإجبار لضبط سلوك الناس بما يتلاءم مع مصالح الجماعة أو المجتمع ككل.
إذن ترتبط السياسة بنظام الحكم وممارسة السلطة وحدود ممارستها، وحقوق الأفراد في مواجهة الحكام.. وهذا مبحث قديم يرجع إلى آلاف السنين. وللسياسة مفهوم واسع لا يقتصر على الفئة الحاكمة فقط أو على الوظائف التقليدية للحكومة التشريعية - القضائية - التنفيذية).. وإنما يشتمل أيضا على الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهذا يعني أن النظام السياسي هو الذي يتدخل في تحديد السياسات الخاصة بهذه الأنشطة. وهناك علاقة وثيقة بين النظام السياسي وبين الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في كل مجتمع.
. ومن أبسط التعريفات للسياسة هو أنها الصراع في سبيل السلطة. هذا الصراع موجود في كل المجتمعات والجماعات الاجتماعية حتى في نطاق الجماعات القرابية مثل العائلة والأسرة، إلا أن هذه الجماعات يُفترض أنها ويساعد في احتوائها وتسويتها بسرعة ودون تدخل طرف خارجي. تتمتع بروح التعاون والتماسك والتضامن الذي يتغلب على الصراعات والخلافات ولذلك يميل معظم علماء الأنثروبولوجيا إلى الفصل بين السياسة والقرابة ويقولون إن السياسة تبدأ من حيث تنتهي القرابة ولكن هذا الفصل بين دائرة السياسة ودائرة القرابة قد يتحقق في المجتمعات المتقدمة ولكنه يصبح أمراً صعباً في المجتمعات التقليدية وبشكل خاص البدوية والقبلية وإلى حد أقل في المجتمعات القروية الصغيرة. ففي هذا النوع من المجتمعات تتمثل السياسة في رأي لوسي مير Lucy Main في حل المشكلات والخلافات بين الجماعات القرابية أنا وأخويا على ابن علي فما بما يحقق مصلحة الجماعة القريبة أو المباشرة ويحافظ على وحدتها وكيانها واستقرارها، وهذا ما يُعرف بـ - المسافة القرابية - البنائية) ويتضح هذا المعنى في المثل الشعبي الذي يقول: «أنا وابني على أخويا عمي ← أنا وابن على الغريب السلطة Authority وما هي وظائفها وما هي حدود شرعيتها؟
يمكن تعريفها بأنها القدرة على التأثير فعليًّا في الآخرين وفي مجريات الأمور إما بالإقناع والتوجيه أو بالإكراه والإجبار القسر).. كما أن السلطة تعني القدرة على اتخاذ القرارات والتحكم في المسارات والسياسات. والسلطة موجودة في كل المجتمعات الإنسانية فهي ضرورة وتظهر مع ازدیاد الصراع والمنافسة والتفاوت والتناقض والمواجهة والانقسام إلا أن وجودها يكون داخل أو محصوراً في حدود معينة. فالسلطة نتيجة حتمية الضرورات داخلية وخارجية وتتمثل وظائف السلطة في :
الدفاع عن المجتمع والمحافظة عليه -الحد من آثار الصراع والمنافسة بين الأفراد والجماعات -محاربة الفوضى وتحقيق الاستقرار.
المحافظة على التعاون والتماسك الداخلي. تنظيم عمليات الدفاع والتحالف ضد المخاطر أو التهديدات الخارجية والمحتملة.
وللسلطة شرعية داخل حدود معينة بحيث تكون مقبولة ومحترمة.. وهي تستمد شرعيتها إما من القانون أو التقاليد المرعية أو العرف السائد أو القداسة Sacred أو الكاريزما Charisma وهي سلطة عامة أو قيادة تنبع من قدرة خارقة على سحر الجماهير والاستحواذ على عقولهم باعتبارها هبة من السماء) نتيجة للقداسة أو المثالية أو البطولة العسكرية أو الروح الثورية وغالبا ما يظهر الزعيم الكاريزما في أوقات الأزمات والثورات.
ثانيا : مراحل تطور الفكر السياسي: التفكير الاجتماعي السياسي بثلاث مراحل اختلفت فيها المنظورات السياسية وتعود جذورها إلى الفلسفة الإغريقية القديمة حيث اشتق مصطلح السياسة من الاسم اليوناني القديم الذي كان يُطلق على مجتمع المدينة "Polis" .. وقد عبر
مرحلة التفكير الفلسفي:
أرسطو عن هذا الاتجاه عندما ذهب إلى أن السياسة هي كل ما يحقق الحياة الخيرة في المجتمع ويحقق الاستقرار والتنظيم والاكتفاء الذاتي. وقد كان هدف الفكر السياسي الفلسفي هو رسم صورة مثالية للمجتمع أو لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع وليس ما هو قائم بالفعل.. ويُعرف هذا بالفكر الفلسفي المعياري والذي استمر مسيطراً حتى منتصف القرن الثامن عشر وهو ينعكس في كتاب «السياسة» لأرسطو وكتاب الجمهورية لأفلاطون. مرحلة التفكير الواقعي
وقد ارتبط بمفاهيم النسبية Relativism والوضعية Positivism وفيها تحول الفكر السياسي نحو دراسة الواقع وتحليله في ضوء الظواهر الاجتماعية عن طريق الملاحظة والاستعانة بالتاريخ والرجوع إلى الأحداث السابقة لربط الماضي بالحاضر مرحلة التفكير العلمي
باستخدام المنهج العلمي لتحليل الظواهر والكشف عن العلاقات السببية بين الظواهر السياسية وبين غيرها من الظواهر الاجتماعية بهدف الوصول إلى القوانين التي تحكمها وتحكم حركتها في المجتمعات المختلفة وتحاول التنبؤ باتجاهاتها في المستقبل.
ثالثا: تطور محاور الدراسة في علم السياسة: ١- التركيز على دراسة الدولة والحكومة بحيث كان الاهتمام مقصورا على دراسة النظم السياسية وعلى أشكال الحكومات والدول وطرق إسناد السلطة للحكام والوظائف التقليدية للدولة تشريعية – قضائية - تنفيذية). الانتقال إلى دراسة موضوع السلطة السياسية ومحاولة الفصل بين نشاط القائمين عليها وبين أنشطة الأفراد ووضع حدود لهذه السلطة ومدى مشاركة الأفراد فيها علاقة الحاكم بالمحكومين).
الاهتمام بدراسة علاقات القوة (بناء (القوة بين الناس باعتبارها ظاهرة تتخلل كافة الأنشطة الاجتماعية بالإضافة إلى محاولة التمييز بين العلاقات السياسية والعلاقات الأخرى في المجتمع حيث إن للأولى سمات خاصة تميزها. عن هذه العلاقات.
رابعا : ابن خلدون ودراسة الأنساق السياسية
تعتبر مقدمة ابن خلدون دراسة في النظرية السياسية وأيضا دراسة للأنساق السياسية في المجتمعات العربية التقليدية ومقارنة بين المجتمعات البدوية والحضرية في زمان معين وبخاصة في شمال إفريقيا. وقد ربط ابن خلدون بين النسق السياسي وباقي الأنساق مبينا تنظيم سياسي يوجه وينظم الاجتماع الإنساني (علم العمران البشري ضرورة وجود علم الاجتماع وقد أعطى تصنيفا لأشكال التجمع البشري في ضوء عامل اقتصادي أسلوب المعاش - طريقة العيش من البداوة إلى الحضارة أو من الحصول على ما هو ضروري وبسيط إلى ما هو كمالي وفيه ترف ورفاهية. كما قام بالتمييز بين نوعين من المجتمعات: المجتمع البدوي الحياةفي البادية حيث ممارسة مناشط الزراعة وتربية الحيوان وهذا اقتصاد يوفر الحاجات الضرورية دون زيادة (اقتصادوالبادية هي الكفاف). أصل العمران وأسبق على الحياة في الحضر وهي حياة الخشونة وشظف العيش.
المجتمع الحضري: عندما تزيد الحاجات عن الضروري ويزيد الثراء الذي يرتبط بممارسة التجارة والحياة المترفة في المدن تظهر مظاهر الراحة والرفاهية.
وعندما قام ابن خلدون بدراسة الجماعات القرابية والسياسية في كل من المجتمع البدوي والحضري اعتمد على تحليل المعلومات الإيكولوجية والاقتصادية والدينية وهذا يشابه الاتجاه البنائي الوظيفي في الأنثربولوجيا... وقد اهتم ابن خلدون عند دراسته للسياسة بالأحوال الواقعية للدول وليس بما يجب أن يكون عليه الواقع.
ويؤكد ابن خلدون على ضرورة وجود تنظيم سياسي لضبط العلاقات بين الأفراد والجماعات في المجتمع سواء كان بدويا أم حضرياً. ومن أكثر إسهامات ابن خلدون أنه وضع مفهوما رئيسيا ترتكز عليه نظرياته وهو مفهوم (مبدأ) العصبية . وهو مفهوم اجتماعي إلا أنه مفهوم سياسي في المقام الأول يساعد على دراسة النظم التنظيمات السياسية في المجتمعات البدوية والحضرية. هذا المفهوم يقوم على أساس علاقات النسب الأبوي الصريح والحقيقي وقد يقوم على نسب الولاء والحلف.
أيضا العصبية مفهوم يرتبط بنمط الحياة لدى البدو الرحل (رُعاة الجمال) الذين يجوبون الصحراء ويتجنبون دائما الاحتكاك برجال السلطة والأمن في المدن والقرى. هؤلاء البدو يعيشون في جماعات صغيرة نسبيا ويتولون مسئولية حماية مجتمعهم والدفاع عنه بالاعتماد على قوتهم الذاتية. . والعصبية تعني الشعور بالانتماء والتوحد والتكتل بين أعضاء الجماعة (العُصبة) سواء كانوا أقارب حقيقيين أو أقارب بالموالاة (موالين) والتحالف (حلفاء).
وقد ربط ابن خلدون مفهوم العصبية بالتضامن الاجتماعي والشعور الجمعي والوطنية والتكتل والانتماء والوحدة والالتحام لتحقيق متطلبات الحماية والدفاع والأخذ بالثأر وتقديم العون والمساعدة إلى كل من يحتاج لها من أعضاء (العُصبة) مما يؤدي إلى المحافظة على كيانها واستمرارها في الوجود كوحدة متمايزة وقائمة بذاتها اجتماعيًّا وثقافيا وتقوم العصبة على ركيزة أساسية هي النسب الأبوي القرابة العاصبة agnatic kinship) فهي جماعة قرابية أساسا إلى جانب أنها جماعة إقليمية اقتصادية وسياسية في المجتمع البدوي حيث لا توجد سلطة مركزية للدولة. . أما العصبة فالخاصية الأساسية لها تقوم على مبدأ الانقسام والالتحام (الانشقاق والاندماج تواؤمًا مع الظروف الإيكولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
والعصبة هي الوحدة الأساسية في النسق السياسي وهي أصغر جماعة (وحدة) سياسية ويسميها ابن خلدون بالبطن أو الحي.. وتخضع لسلطة رئيسها أو شيخها أو كبيرها بهدف ضبط العلاقات الداخلية والمحافظة على كيانها كوحدة اجتماعية سياسية - وينتمي رئيسها إلى الجماعة المسيطرة في خط محدد وهو خط النسب الفعلي الحقيقي وهي مسيطرة نتيجة لقوتها العسكرية أو بتأثير السمات الشخصية للرئيس أو الحاكم. . ويرتبط مفهوم العُصبة أيضاً بنظام عداوة الدم (عمراء الدم - العمار - أخوة الدم - المخاواة).
وقد ركز ابن خلدون في معالجته لنسق العصبة أو ما يعرف الآن بنسق البدنه على موضوعات : العضوية - التمايز الداخلي - الالتزامات المتبادلة التنظيم السياسي ثم أخيرًا عملية الالتحام وهي تحدث بشكل واقعي في المجتمع البدوي وهي عملية ذات طابع سياسي تكشف عن أيديولوجية أبوية تؤثر بقوة في التنظيم الاجتماعي والسياسي وهي قوة دافعة للتغير الاجتماعي والبنائي ويؤدي الالتحام بين العصبات وتكتلها إلى تحقيق القوة السياسية والفوز بالسلطة. وفي هذا الإطار ربط ابن خلدون بين نسق العصبة الانقسامي وبين النسق السياسي وأبرز التساند الوظيفي بينهما. وقد تأثر روبرتسون سميث بأفكار ابن خلدون فقال إن القبيلة لم تنظم العصبة إلا من أجل الحماية والدفاع، وأشار إلى فكرة أخوة الدم، أخوة الجوار أخوة الحلف والولاء والتبعية، وأخوة التبني وكلها أنواع من علاقات الأخوة في إطار القرابة الحقيقية والمتخيلة)
وقد أخذ إيفانز بريتشارد الفكرة وطبقها على النوير وحاول التعرف على عوامل الوحدة والتماسك والاستقرار وأطلق عليها نظرية البدنة الانقسامية.
خامسا:رواد الفكر السياسي الفلسفي أرسطو هو الفيلسوف اليوناني الذي اعتبر أن الإنسان هو كائن سياسي بالطبيعة أو الفطرة، وذهب إلى أن السياسة تعتبر نشاطا إنسانيًّا اجتماعيا يتسم بالمهارة والفن. وقد حاول في مؤلفه عن "الحكومة" أن يكتشف القوانين والأعراف التي تستند إليها الدول أو الحكومات، وأن يبحث عن أسباب سقوط الحكومات ويحدد قوانين التغير السياسي. والدولة عند أرسطو تبدأ بالعائلة ومن مجموعة عائلات تتكون القرية وتتجمع عدة قرى فتقوم أو تنشأ الدولة باعتبارها تجمع تلقائي طبيعي لأن الإنسان كائن اجتماعي تشبع له الدولة احتياجاته وتحقق له الخير والحياة الطيبة. وقد أشار أرسطو إلى وجود السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة وهي السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية. كذلك فقد أكد أرسطو على أهمية الأخلاق ومراعاة القيم الأخلاقية مع وجود الدولة والسياسة.
ميكيافيل Machiavelli منتصف القرن ١٥ إلى القرن ١٦ هو الأديب والمفكر ورجل السياسة الإيطالي وفي كتابه "الأمير" The Prince عام ١٥١٥.. يميز بين نوعين من الحكومات وهما الحكومة الوراثية والحكومة السلطانية، وكان هدف ميكافيلي كمفكر سياسي هو توحيد إيطاليا وتحريرها من السيطرة الأجنبية والمطالبة بدولة قوية ذات جيش قوي وافترض أن الحكومة قد تستخدم أساليب الخداع والكذب والحيلة والمراوغة بوصفها فضائل سياسية وخاصة عندما يستشري الفساد وتحل الأزمات بمجتمع ما. وتعرف فلسفة ميكافيلي بالفلسفة البراجماتية (نفعية عملية) بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة وهو بذلك يفصل السياسة عن الأخلاق والدين.
(۳) مونتسكيو Montesquieu وهو من رواد الفكر السياسي الأوائل في فرنسا خلال القرن الثامن عشر وأحد الذين مهدوا لظهور علم الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا السياسية؛ وذلك عندما قام بتصنيف المجتمعات ومقارنتها في ضوء نظم وأساليب الحكم السائدة في كل منها . فقد بين مدى التنوع في المجتمعات الإنسانية بتصميم منهج للمقارنة والتصنيف التنميط Typology عن طريق الاستعانة بالكتابات التاريخية القديمة وبالتقارير الوصفية للرحالة والمبشرين ثم بالملاحظات والأوصاف والمعلومات التي تم جمعها من مجتمعات كثيرة. وأدى به كل هذا إلى تأكيد الأهمية الخاصة للمناخ السياسي السائد بحيث صنف المجتمعات طبقا لأشكال الحكومات السائدة فيها. وهو يصنف النظم السياسية إلى ثلاثة أشكال
أ- النظام الجمهوري Republican: وفيه يكون للشعب ككل أو جزء منه من ينوب عنه لدى السلطة العليا (وهو إما جمهوري ديمقراطي أو جمهوري أرستقراطي وقد ساد في أثينا وإسبرطة وروما. ب النظام الملكي (الموناركي) Monarchic وفيه يكون الحكم لفرد واحد فقط مستندا إلى قوانين ثابتة ومستقرة ويتمثل في ممالك أوروبا الحديثة. ج- النظام الاستبدادي :Despotic وهو حكم مطلق لطاغية مستبد، فالحكم فيه لفرد واحد بدون الاستناد إلى قوانين أو قواعد (حكم تعسفي) ويتمثل في الإمبراطوريات الأسيوية (البلاد الشرقية بآسيا).
وقد ذهب مونتسكيو إلى أن كل نظام من هذه النظم الثلاثة يظهر تحت ظروف اجتماعية واقتصادية معينة بحيث إن نوع الحكم وأسلوبه يرتبط بطبيعة التنظيم الاقتصادي والاجتماعي السائد بل أن مونتسكيو يربط بين الأحوال الجوية وطبيعة التضاريس وبين نوع الحكومات. ففي البلاد الحارة ومناطق السهول تسود العبودية أو الحكم الاستبدادي المطلق، بينما في البلاد الباردة والمناطق الجبلية تسود الحرية والحكم الديمقراطي ولذلك فقد وضع مونتسكيو المجتمعات الشرقية بآسيا في فئة تتميز بتقاليد سياسية تختلف عن تلك التقاليد السائدة في أوروبا.. وبحيث إن تصنيف النظم السياسية يُعطي تصنيفا للمجتمعات في نفس الوقت وبالتالي أصبح المعيار أو المحك السياسي من المعايير المتاحة والملائمة للتمييز بين مختلف المجتمعات. وتمشيا مع نفس الفكرة قامت الأنثروبولوجيا في بداياتها بمحاولة تحديد مناطق ثقافية على أساس معايير تكنولوجية واقتصادية وفي ضوء عناصرالحضارة وأشكال الأبنية السياسية.
(٤) جان جاك روسو Roseau
فيلسوف سياسي فرنسي عاصر أزمات المجتمع الفرنسي قبيل الثورة الفرنسية ۱۷۸۹ (القرن الثامن عشر وتأثر بها وحاول إيجاد الحلول الملائمة لتلك الأزمات.
وتتلخص نظريته في أن الإنسان قبل أن يتعقد المجتمع وتظهر الدولة كان يعيش على الفطرة وفي حالة من المساواة الطبيعية أو العدالة ثم انتقل إلى حالة الاجتماع البشري أو المجتمع مع ظهور الزراعة بجانب الأنشطة الأخرى كالصيد والرعي مما أدى إلى وجود التنوع والتفاوت وظهور مفاهيم الملكية الخاصة وتكوين العائلات نتيجة للتزاوج والاستقرار مما أنهى حالة المساواة بين الناس وظهور أفكار المنافسة والتفوق والتفاوت الطبقي والصراعات بين الطبقات وتضارب المصالح وقد واكب ذلك حدوث الثورة الصناعية وظهور نظام تقسيم العمل والتخصص المهني مما أدى إلى ظهور المجتمع السياسي الحديث وهذا المجتمع يقوم على فكرة العقد الاجتماعي Social Contract الذي يُنهي حالة الطبيعة ويُنشئ المجتمع وهذا العقد الاجتماعي كما جاء في كتابه الذي يحمل نفس هذا الاسم ليس مجرد عقدًا افتراضيا ينقل الجنس البشري من الحالة البدائية أو الطبيعية ومن المساواة إلى حالة حديثة تقوم على التفاوت وعدم المساواة وعلى علاقات الإنتاج بوصفها القوى المحركة للتاريخ. كما أن هذا العقد يعني أن السيادة والسلطة من حق الأفراد جميعًا وليس لفرد واحد.. فهناك قوة الدولة State أو سلطة الحكومة Government وهي سلطة تنفيذية.
فالدولة هي المجتمع السياسي كله الذي اتفق الناس على إقامته في العقد الاجتماعي وتظهر في صورة الإرادة العامة والحكومة تشير إلى الشخص أو الهيئة التي عينها المجتمع لتنفيذ إرادة السيادة وذلك بتنفيذ القوانين الصادرة عن الإرادة العامة. ويقسم روسو الحكومات إلى ملكية أرستقراطية ديمقراطيةومختلطة.
فهي الإرادة العامة أو الصالح العام General Willd إرادة المجتمع – الروح العامة فهي مصدر القانون وصاحبة السلطة التشريعية وهي التي تسيطر على قوة الدولة .