لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

ويحول هذا الأمر –في بعض الأحيان– دون أن نعي المخاطر الناجمة عن عمليتي التمازج والتزاوج هاتين؛ وثورة البيولوجيا الجزيئية، والحياة (ثورة البيولوجيا الجزيئية)، ونعني بذلك القدرة على التحكم في المادة، كما امتد تأثير هذه النظرية إلى التطورات التي حدثت في مجال الحاسوب، واستطاعت أيضا ثورة البيولوجيا الجزيئية أن تمكننا من قراءة الشفرة الوراثية للحياة؛ الذي يكافح الأمرا على مستوى الجزيئات، ويساعد على التنبؤ بالأمرا قبل حدوثها. لقد باتت هذه الثورات الثلاث تشكل مجتمعة نظاما معرفيا متكاملا، وبدأنا ندرك أن المشكلات الكبيرة، غير مرتبطة بالضرورة بهذه الثورة أو تلك منفردة، والخطورة في هذه اللحظة التاريخية أن البشرية تمض ي فيها بسرعة هائلة في مناخ يشهد تطرفا في كل ش يء، ومنها العلوم البيولوجية كاستعمال أنسجة تحمل جراثيم فتاكة لنقلها إلى أجساد أخرى؛ إذ تقوم بعض الشركات العاملة في تجارة الأنسجة البشرية، كما تتجه بعض هذه الشركات إلى زيادة استثماراتها وجُنيها الأموال عن طريق فتح مراكز علمية طبية لإنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة الناتجة من عمليات الإجها ، فقوائم الانتظار الطويلة للمرض ى على مستوى العالم، وجماعات الجريمة المنظمة الدولية. كما بدأ يتردد في مجال التقنية البيولوجية ما يسمى بـ(الإرهاب البيولوجي)؛ والوسائل التقنية التي تنقل هذه الجراثيم المسببة للأمرا الفتاكة. من قبيل: ما المنافع التي س ُتجنى من هذا الكشف أو ذاك؟ وما الضرر الذي يؤثر في الإنسان ليعجل من نهايته؟ هل هذه الكوارث التقنية والمشكلات
البيئية التي أصبحت غير قابلة –في أحيان كثيرة– للتحكم فيها أو السيطرة عليها، وتزايد الخلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الفقيرة والغنية، والمعرفة العلمية الناتجة منه أيضا؟ وهل إنسان القرن الحادي والعشرين لديه الاستعداد الأخلاقي أو القيمي الذي يتناسب مع التقدم العلمي المتسارع؟
حاول كثير من العلماء والفلاسفة الكلاسيكيين وضع مجموعة من الفروق والاختلافات الجوهرية بين العلم والفلسفة؛ لكي يصلوا منها إلى نتيجة تقول: لا يمكن أن تكون ثمة علاقة بين الفلسفة والعلم، أو أن يوجد أي ترابط بينهما؛ بينما تهدف الفلسفة إلى تفسير بعض الظواهر تفسيرا كليا شاملا لا يهتم بالجزئيات والتفاصيل، لأنه يلجأ إلى الملاحظة والتجربة في كل المراحل التي تتخذها النظرية العلمية حتى تكون نظرية علمية صادقة، بينما الفلسفة تأملية نظرية ذاتية لا يمكن فيها فصل ذات الفيلسوف بخلفياته وميوله الثقافية والسياسية الأيديولوجية عن فكره الفلسفي الذي يقدمه على هيئة فلسفة، فضلا عن أن حدود الفلسفة تتجاوز العالم المحسوس لتبحث في قضايا ما وراء هذا العالم، بينما الأحكام التي تعتمد عليها الفلسفة هي أحكام معيارية؛ أي: أحكام تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني وفقا للقيم الكبرى التي هي قيم الحق والخير والجمال. فإن العلم –وفقا للتصور الكلاسيكي الذي يعدد الفروق والاختلافات بينه وبين الفلسفة– منفصل عن تاريخه؛ لأن تاريخ العلم لا يمكن أن يفيد العلم المعاصر بأي حال من الأحوال؛ لكن هذه النظرة تجعل العلاقة بين العلم والفلسفة علاقة تصارع؛ صحيح أن الفلسفة والعلم –بوصفهما مظهرين ثقافيين– يسعى كل منهما بطريقته إلى الوصول للحقيقة أو الصدق، لأن هذا التاريخ هو تاريخ العقل الإنساني ذاته الذي يسعى إلى كشف المجهول على المستويين الإنساني والطبيعي؛ فإذا كان منهج الفلسفة هو منهج السؤال بهدف الكشف عن غمو العالم من حولنا من أجل الإنسان ذاته، وهو ما يدل على أن أي تقدم منشود في المستقبل يستلزم وجود الفلسفة والعلم معا، أو ُقل: وجود فلسفة العلم القادرة على وضع منظومة معرفية علمية ُيدرك على أساسها الإنسا ُن العالم من حوله ويفسره؛ إذ دون هذه المنظومة المعرفية العلمية التي تضعها فلسفة العلم يتحول وعي الإنسان إلى مجرد آلة أو ظاهرة بيولوجية تخضع للدراسة وفقا لمناهج العلوم الرياضية والفيزيائية البحتة. ولما يشهده واقعنا العربي من تراجع على مستوى
ومستوى التفكير الفلسفي من جهة أخرى، لأن هذا الوعي يساعدنا على فهم الأبعاد الحضارية والثقافية التي تساعد على التقدم العلمي الذي نحن في حاجة ماسة إليه. لقد سادت في المرحلة المتأخرة من القرن العشرين رؤية عقلانية تؤكد أن أساسيات الفهم العلمي الصحيح للظواهر والأحداث التي تدور في العالم الطبيعي لا تعتمد على مجموعة من القوانين الثابتة والجامدة، والخلفيات المعرفية والقيم التي تحرك هذا العا ِلم أو ذاك الفيلسوف؛ وهو ما أدى إلى انتفاء أشكال السلطة المعرفية العلمية والفلسفية المختلفة التي تحاول فر الشرعية وفق قواعد وأهداف ومناهج ونظريات بعينها على كل إنجاز علمي أو فلسفي، وكذلك الفلسفة الكلاسيكية؛ تقدم لنا فلسفة العلم الوسائل التي تمكننا من فهم ظاهرة العلم وكيفية تقدمه في عصر من العصور. كما تقدم فلسفة العلم الوسائل التي نعرف من خلالها الأسباب التي تؤدي إلى تراجع العلم ذاته؛ لذلك يمكن القول: إن فلسفة العلم تساعد العلماء على فهم أكبر للعالم، فضلا عن أن فلسفة العلم تقدم حلولا متعددة، للمشكلات والأسئلة التي تركها العلماء بلا حل أو إجابة؛ لاعتقادهم أنها ليست مشكلات على الإطلاق، أو لظنهم أن الأسئلة المثارة من الفلاسفة ليس لها معنى، التي تركها البيولوجيون دون إجابات، مثل: ما مفهوم الإنسان وطبيعته؟ وما معنى الحياة والغر منها؟
لنفتر أن شخصا ما ادعى أنه لا يوجد أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه لا في الماض ي ولا في الحاضر، وأن أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه يعد سؤالا زائفا لا معنى له، أو يتنكر في صورة سؤال مشروع؛ فعندما أسأل: ما الإنسان؟ وما طبيعته؟ وما معنى الحياة؟ فليس معنى ذلك أن هذه الأسئلة ظلُت قرونا بلا إجابات، بل هناك كثير من الإجابات التي قدمُها تاريخ الفلسفة والعلم، لكن وجاهة الإجابات تتحدد من خلال
الحجج والأدلة التي يقدمها العالم أو الفيلسوف، ولابد لأي حجة من أن تحتوي على خاصيتين جوهريتين ترتبطان معا:
– الأولى: لابد من أن تعتمد ال ُحجج بشكل كبير على فهم طبيعة العلم ذاته، وهي خاصية لا يمكن للعلم أن يقدم لنا تفسيرا بشأنها، بل فهم طبيعة العلم من شأن فلسفة العلم. وهو ما يعني أنه لا يمكن تجنب الفلسفة لدى العلم؛ أو إذا شئنا الدقة قلنا: لابد من وجود فلسفة العلم التي تضطلع بهذه المهمة. بمعنى أنها تفتح ُ آفاقا جديدة للبحث، فالفرضية العلمية لا يمكن أن ُتستمد من التجربة كما كان شائعا في التصور الكلاسيكي للعلم، لذلك يمكن أن ننتهي إلى نتيجة تقول: الفرضيات العلمية تخمينات؛ بل ربما تخطر على ذهن العالم بمحض المصادفة؛ لكنه يظل في الوقت ذاته على صلة وثيقة بهذا الواقع من أجل تجاوزه وتخطي العقبات التي حالت دون تقدمه. وهنا يأتي دور فلسفة العلم التي تضع منهجا علميا يساعد العلماء
تنشأ القضايا الأخلاقية داخل السياق العلمي بعدة طرائق؛ فمن الواضح أن الاختراع التقني يمكن أن يؤدي إلى إمكانيات جديدة تحمل تقييما أخلاقيا ما؛ فعلى سبيل المثال: أصبح شائعا في الحقبة المعاصرة الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ عدد كبير من الثدييات، وهو ما يؤكد الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ الموجودات البشرية. ويسألون عن إمكانية عمل نسخة جينية من الإنسان، أو الاستفادة من الاستنساخ بوصفه صورة من صور التكنولوجيا الإنجابية، خصوصا لدى الأزواج والزوجات الذين يعانون مشكلات في
لكن بعض العلماء يزعم أنه إذا كانت ثمة موافقة من أشخاص يريدون طواعية أن ُتجرى التجارب عليهم بعد اطلاعهم على المخاطر والفوائد المحتملة التي تنطوي عليها هذه التجارب فعندئ ٍذ لا معنى للحديث عن الجوانب الأخلاقية في إجراء التجارب. كما أن هناك كثيرا من القضايا الأخلاقية الخاصة بإجراء التجارب على الحيوانات؛ فإذا كان بعضهم يسوغ إجراء التجارب على الإنسان بعد موافقته،


النص الأصلي

وصل العلم في نهاية القرن العشرين إلى نهاية حقبة جمعت بين ثلاث ثورات علمية تمتزج معا، وتتزاوج على نحو لم نشاهده من
قب ُل في تاريخ العلم، ويحول هذا الأمر –في بعض الأحيان– دون أن نعي المخاطر الناجمة عن عمليتي التمازج والتزاوج هاتين؛ فقد امتزجت في هذه الحقبة ثورة (الكوانتم)، وثورة البيولوجيا الجزيئية، وثورة الحاسوب (الكمبيوتر)، وتوصل العلماء إلى القوانين الأساس التي تحكم المادة (ثورة الكوانتم)، والحياة (ثورة البيولوجيا الجزيئية)، والمعلومات (ثورة الحاسوب)؛ فمكنت فيزياء الكوانتم –مع بدايات القرن الحادي والعشرين– العلماء من فتح آفاق جديدة داخل العلم ذاته، ونعني بذلك القدرة على التحكم في المادة، وتصميم أشكال جديدة منها حسب الرغبة. كما امتد تأثير هذه النظرية إلى التطورات التي حدثت في مجال الحاسوب، حتى اكتشف (الترانزستور) -الشرائح والأنظمة الذكية-، والليزر الذي جعل (الإنترنت) ممكنا ومتاحا
لمستخدميه.
واستطاعت أيضا ثورة البيولوجيا الجزيئية أن تمكننا من قراءة الشفرة الوراثية للحياة؛ فأصبحت الحياة كتابا مفتوحا، بل غدا التحكم في الحياة يدور في فلك إرادتنا عن طريق نشأة نوع جديد من الطب ُيس َّمى (الطب الجزيئي)، الذي يكافح الأمرا على مستوى الجزيئات، ويساعد على التنبؤ بالأمرا قبل حدوثها.
لقد باتت هذه الثورات الثلاث تشكل مجتمعة نظاما معرفيا متكاملا، وبدأنا ندرك أن المشكلات الكبيرة، والأخطار المباشرة، ودواعي القلق الحقيقية، غير مرتبطة بالضرورة بهذه الثورة أو تلك منفردة، بل بتفاعل الثورات الثلاث معا وتأثيراتها المتبادلة؛ لذلك تمثل لحظة التمازج والتزاوج الراهنة التي نعيشها منعطفا حاسما في العلم وعلى مستوى الحياة الواقعية ، بل يمكن القول: إن هذا المنعطف من أهم المنعطفات التي مرت على البشرية طوال تاريخها الطويل. والخطورة في هذه اللحظة التاريخية أن البشرية تمض ي فيها بسرعة هائلة في مناخ يشهد تطرفا في كل ش يء، خصوصا في الممارسات التي تحدث في بعض العلوم، ومنها العلوم البيولوجية كاستعمال أنسجة تحمل جراثيم فتاكة لنقلها إلى أجساد أخرى؛ إذ تقوم بعض الشركات العاملة في تجارة الأنسجة البشرية، والسماسرة في هذا المجال، بأخذ أجزاء من الجثث وإعدادها لبيعها، كما تتجه بعض هذه الشركات إلى زيادة استثماراتها وجُنيها الأموال عن طريق فتح مراكز علمية طبية لإنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة الناتجة من عمليات الإجها ، أو تلك التي تلقى في سلة المهملات الطبية، وهذه الأجنة يمكن استنساخها والمحافظة عليها مدة ليست بالقصيرة لاستخدامها في إنتاج الخلايا الجذعية، أو الممارسات المشبوهة في تجارة الأعضاء البشرية وتهريبها، ويبلغ حجم هذه التجارة مليارات الدولارات. وغدا تهريب الأعضاء البشرية تجارة دولية رائجة؛ فقوائم الانتظار الطويلة للمرض ى على مستوى العالم، من المضطرين إلى زراعة عضو بشري، أنشأت سوقا رائجة للمتاجرة بالأعُضاَّء البشرية، وتبنى هذه التجارة المهربون، وجماعات الجريمة المنظمة الدولية. كما بدأ يتردد في مجال التقنية البيولوجية ما يسمى بـ(الإرهاب البيولوجي)؛ إذ سيتم إنتاج الجراثيم
والوسائل التقنية التي تنقل هذه الجراثيم المسببة للأمرا الفتاكة.
أثارت هذه التطورات المتسارعة في العلوم، خصوصا البيولوجية، في العقد الأخير من القرن العشرين مخاوف كثيرة، بل ربما لم يسبق لأي قرن أن أثار هذا المستوى من الخوف والخشية، وأدخلهما في وعي الإنسان، فزالت الثقة في العلم والعلماء والمعرفة العلمية ذاتها. والآن عندما ُيعلن عن كشف جديد في هذه العلوم فإن الأسئلة الحائرة تبدأ في الظهور، من قبيل: ما المنافع التي س ُتجنى من هذا الكشف أو ذاك؟ وما الضرر الذي يؤثر في الإنسان ليعجل من نهايته؟ هل هذه الكوارث التقنية والمشكلات
البيئية التي أصبحت غير قابلة –في أحيان كثيرة– للتحكم فيها أو السيطرة عليها، وتزايد الخلل في التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الفقيرة والغنية، يقودان إلى الارتياب في العلم ذاته، والمعرفة العلمية الناتجة منه أيضا؟ وهل إنسان القرن الحادي والعشرين لديه الاستعداد الأخلاقي أو القيمي الذي يتناسب مع التقدم العلمي المتسارع؟
نخلص ُإلى القول: إن التطورات التي شهدها العلم في السنوات القليلة الماضية تحتم وجود فلسفة للعلم تطرح خطابا معرفيا جديدا يبرز العلاقة المتداخلة بين الفلسفة بمعناها غير التقليدي والعلم في تصوره الجديد، والتداخل بين الوقائع والقيم في العلم والمعرفة العلمية الناتجة عنه.
التداخل بين الفلسفة والعلم
حاول كثير من العلماء والفلاسفة الكلاسيكيين وضع مجموعة من الفروق والاختلافات الجوهرية بين العلم والفلسفة؛ لكي يصلوا منها إلى نتيجة تقول: لا يمكن أن تكون ثمة علاقة بين الفلسفة والعلم، أو أن يوجد أي ترابط بينهما؛ فعلى سبيل المثال: يهدف العلم إلى وصف الظواهر والأحداث في الطبيعة، بينما تهدف الفلسفة إلى تفسير بعض الظواهر تفسيرا كليا شاملا لا يهتم بالجزئيات والتفاصيل، والعلم وصفي في الأساس لذلك فهو يستحق عن جدارة سمة الموضوعية؛ لأنه يلجأ إلى الملاحظة والتجربة في كل المراحل التي تتخذها النظرية العلمية حتى تكون نظرية علمية صادقة، بينما الفلسفة تأملية نظرية ذاتية لا يمكن فيها فصل ذات الفيلسوف بخلفياته وميوله الثقافية والسياسية الأيديولوجية عن فكره الفلسفي الذي يقدمه على هيئة فلسفة، فضلا عن أن حدود الفلسفة تتجاوز العالم المحسوس لتبحث في قضايا ما وراء هذا العالم، بينما حدود العلم هي حدود العالم المحسوس الذي نراه ونلمسه، ولا يتجاوزه بأي حال من الأحوال، وجعل هذا الأمر العلم يعتمد في حكمه على أحكام تقريرية، بينما الأحكام التي تعتمد عليها الفلسفة هي أحكام معيارية؛ أي: أحكام تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني وفقا للقيم الكبرى التي هي قيم الحق والخير والجمال. وأخيرا، فإن العلم –وفقا للتصور الكلاسيكي الذي يعدد الفروق والاختلافات بينه وبين الفلسفة– منفصل عن تاريخه؛ لأن تاريخ العلم لا يمكن أن يفيد العلم المعاصر بأي حال من الأحوال؛ فالنظريات والنتائج التي يزخر بها تاريخ العلم تم تجاوزها، وأصبحت في سلة مهملات العلم، بينما الفلسفة لصيقة بتاريخها، ولا يمكن انفصالها عنه؛ لأنه هو مادة التفلسف. لكن هذه النظرة تجعل العلاقة بين العلم والفلسفة علاقة تصارع؛
لأنها تغفل عمدا حاجة العلم إلى الفلسفة، وحاجة الفلسفة إلى العلم.
صحيح أن الفلسفة والعلم –بوصفهما مظهرين ثقافيين– يسعى كل منهما بطريقته إلى الوصول للحقيقة أو الصدق، وهو ما يؤكده تاريخ الفلسفة والعلم معا؛ لأن هذا التاريخ هو تاريخ العقل الإنساني ذاته الذي يسعى إلى كشف المجهول على المستويين الإنساني والطبيعي؛ فإذا كان منهج الفلسفة هو منهج السؤال بهدف الكشف عن غمو العالم من حولنا من أجل الإنسان ذاته، فإن منهج العلم يسعى إلى تحقيق هذه المهمة أيضا من خلال البحث عن الوسائل التي تحقق لنا السيطرة على الطبيعة من أجل رفاهية الإنسان. وعلى امتداد تاريخ سعي الفلسفة والعلم نحو تحقيق هذه المهمة وجدنا تقدما على المستويين الفكري العقلي (الفلسفة)، والنظري التطبيقي العملي (العلم)، وهو ما يدل على أن أي تقدم منشود في المستقبل يستلزم وجود الفلسفة والعلم معا، أو ُقل: وجود فلسفة العلم القادرة على وضع منظومة معرفية علمية ُيدرك على أساسها الإنسا ُن العالم من حوله ويفسره؛ إذ دون هذه المنظومة المعرفية العلمية التي تضعها فلسفة العلم يتحول وعي الإنسان إلى مجرد آلة أو ظاهرة بيولوجية تخضع للدراسة وفقا لمناهج العلوم الرياضية والفيزيائية البحتة. ولما يشهده واقعنا العربي من تراجع على مستوى
التفكير العلمي من جه ٍة، ومستوى التفكير الفلسفي من جهة أخرى، بات من الضروري إيجاد فلسفة للعلم تقدم لنا نظرة شاملة نعي من خلالها العلم؛ لأن هذا الوعي يساعدنا على فهم الأبعاد الحضارية والثقافية التي تساعد على التقدم العلمي الذي نحن في حاجة ماسة إليه.
لقد سادت في المرحلة المتأخرة من القرن العشرين رؤية عقلانية تؤكد أن أساسيات الفهم العلمي الصحيح للظواهر والأحداث التي تدور في العالم الطبيعي لا تعتمد على مجموعة من القوانين الثابتة والجامدة، وإنما تتدخل في هذا الفهم التفسيرات الإنسانية للظواهر، والخلفيات المعرفية والقيم التي تحرك هذا العا ِلم أو ذاك الفيلسوف؛ لذلك انتفت الموضوعية المحايدة الساذجة من العلم، كما انتفت فكرة وجود منهج علمي فردي ثابت يتميز بالتناسق والدقة والصرامة، وهو ما أدى إلى انتفاء أشكال السلطة المعرفية العلمية والفلسفية المختلفة التي تحاول فر الشرعية وفق قواعد وأهداف ومناهج ونظريات بعينها على كل إنجاز علمي أو فلسفي، إضافة إلى رفض هذه الرؤية العقلانية الصدق المطلق أو الحقيقة المطلقة في العلم والفلسفة معا؛ ذلك الصدق الذي كان يهدف إلى تمييز نظرية علمية أو فلسفية من أخرى. ومن هذا المنطلق رفضت الرؤية العقلانية السمة المحافظة التي اتصف بها العلم الكلاسيكي، وكذلك الفلسفة الكلاسيكية؛ تلك الطبيعة التي كانت تتجه نحو الاستقرار
والثبات، وتتجه إلى تثبيت كل وضع قائم وتسويغه بوصفه أفضل الأوضاع الممكنة.
ومن جه ٍة أخرى، تقدم لنا فلسفة العلم الوسائل التي تمكننا من فهم ظاهرة العلم وكيفية تقدمه في عصر من العصور. كما تقدم فلسفة العلم الوسائل التي نعرف من خلالها الأسباب التي تؤدي إلى تراجع العلم ذاته؛ لذلك يمكن القول: إن فلسفة العلم تساعد العلماء على فهم أكبر للعالم، وهو ما ينعكس على القرارات المصيرية التي يتخذها العلماء في بعض الأحيان بشأن القضايا الكبرى التي يكون لها تأثيرها في المجتمع؛ كقضايا البيئة، والهندسة الوراثية، والقوى النووية، وغيرها من القضايا المهمة، فضلا عن أن فلسفة العلم تقدم حلولا متعددة، وإجابات متنوعة، للمشكلات والأسئلة التي تركها العلماء بلا حل أو إجابة؛ لاعتقادهم أنها ليست مشكلات على الإطلاق، أو لظنهم أن الأسئلة المثارة من الفلاسفة ليس لها معنى، كتلك الأسئلة
التي تركها البيولوجيون دون إجابات، مثل: ما مفهوم الإنسان وطبيعته؟ وما معنى الحياة والغر منها؟
لنفتر أن شخصا ما ادعى أنه لا يوجد أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه لا في الماض ي ولا في الحاضر، وأن أي سؤال لم يستطع العلم الإجابة عنه يعد سؤالا زائفا لا معنى له، أو يتنكر في صورة سؤال مشروع؛ فعندئ ٍذ نقول: لا يمكن تسويغ هذا الادعاء بأي حال من الأحوال؛ فعندما أسأل: ما الإنسان؟ وما طبيعته؟ وما معنى الحياة؟ فليس معنى ذلك أن هذه الأسئلة ظلُت قرونا بلا إجابات، بل هناك كثير من الإجابات التي قدمُها تاريخ الفلسفة والعلم، لكن وجاهة الإجابات تتحدد من خلال
الحجج والأدلة التي يقدمها العالم أو الفيلسوف، ولابد لأي حجة من أن تحتوي على خاصيتين جوهريتين ترتبطان معا:
– الأولى: لابد من أن تعتمد ال ُحجج بشكل كبير على فهم طبيعة العلم ذاته، وهي خاصية لا يمكن للعلم أن يقدم لنا تفسيرا بشأنها، بل فهم طبيعة العلم من شأن فلسفة العلم.
–الثانية:أنالعلملايستطيعأنيشيد ُحججابذاته،بلهذهالمهمةمنشأنفلسفةالعلم؛إذيستندتشييد ُحجةماعلى نظرية في المعرفة، تلك النظرية التي تدرس طبيعة المعرفة وتسوغها، وهو ما يعني أنه لا يمكن تجنب الفلسفة لدى العلم؛ إذ لا مفر من وجود الفلسفة، أو إذا شئنا الدقة قلنا: لابد من وجود فلسفة العلم التي تضطلع بهذه المهمة.

تحتل الفرضية العلمية مكانة كبيرة في العلم، حتى إن أحد تعريفات العلم هو أنه "نسق من الفرضيات الناجحة القادرة على الوصف والتفسير والتنبؤ"1؛ لذلك فأحد الشروط التي ينبغي أن تتوافر في الفرضية العلمية الناجحة هو القدرة على تقديم تنبؤات جديدة؛ بمعنى أنها تفتح ُ آفاقا جديدة للبحث، وبذلك يتحقق التقدم العلمي. ومن هنا كان التقد ُم العلمي الذي حدث في ماض ي العلم، وكذلك التقدم العلمي المنشود في المستقبل، نتيجة وجود فرضيات علمية متقدمة افترضها العلماء وغير العلماء، وبعبارة أخرى: الفرضيات العلمية المتقدمة التي تؤدي إلى تقدم علمي ملحوظ توضح مكانة العقل وموقعه داخل منظومة العلم؛ فالفرضية العلمية لا يمكن أن ُتستمد من التجربة كما كان شائعا في التصور الكلاسيكي للعلم، وإنما هي من ابتكار العقل الإنساني الحر، وهو ما يجعلها عرضة للتغيرات والتبدلات الدائمة والمستمرة في ظل تقدم المعرفة العلمية ونموها. لذلك يمكن أن ننتهي إلى نتيجة تقول: الفرضيات العلمية تخمينات؛ لأن مصدرها العقل الإنساني وحده. ويؤدي الخيال دورا بارزا في بناء الفرضيات العلمية، التي تعد إبداعا؛ لأن الفرضية هي فكرة في ذهن العالم، ُوالفكرة ليست بالضرورة نابعة من عمل إرادي متعمد، بل ربما تخطر على ذهن العالم بمحض المصادفة؛ لذلك قيل: الخيال يتيح لنا رؤية ما لا يمكن رؤيته، وهو الذي ُيهدي الوقائع الميتة حياة؛ لأن من شأن الخيال أن يتجاوز حدود الزمان والمكان، لكنه يظل في الوقت ذاته على صلة وثيقة بهذا الواقع من أجل تجاوزه وتخطي العقبات التي حالت دون تقدمه. وكذلك ُيعيد الخيال صياغة هذا الواقع، ويرسم آفاق مستقبله. والخيال الذي نقصده هنا هو الخيال الذي يتصف بالعلمية؛ أي: الخيال الذي ُيبدع مزيدا من الفرضيات العلمية التي تشكل نسق النظريات العلمية، أو نسق العلم ذاته، وهنا يأتي دور فلسفة العلم التي تضع منهجا علميا يساعد العلماء
على طرح فرضياتهم وصياغتها، والتحقق من صحتها النظرية والتجريبية.
التداخل بين العلم والقيم
تنشأ القضايا الأخلاقية داخل السياق العلمي بعدة طرائق؛ فمن الواضح أن الاختراع التقني يمكن أن يؤدي إلى إمكانيات جديدة تحمل تقييما أخلاقيا ما؛ فعلى سبيل المثال: أصبح شائعا في الحقبة المعاصرة الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ عدد كبير من الثدييات، مثل الخراف، وهو ما يؤكد الإمكانية التكنولوجية لاستنساخ الموجودات البشرية. وكثير من الناس ُيصابون بحال ٍة من الرعب عندما يفكرون في إمكانية الاستنساخ البشري، ويسألون عن إمكانية عمل نسخة جينية من الإنسان، أو الاستفادة من الاستنساخ بوصفه صورة من صور التكنولوجيا الإنجابية، خصوصا لدى الأزواج والزوجات الذين يعانون مشكلات في
الحمل أو الإنجاب.
لكن بعض العلماء يزعم أنه إذا كانت ثمة موافقة من أشخاص يريدون طواعية أن ُتجرى التجارب عليهم بعد اطلاعهم على المخاطر والفوائد المحتملة التي تنطوي عليها هذه التجارب فعندئ ٍذ لا معنى للحديث عن الجوانب الأخلاقية في إجراء التجارب. كما أن هناك كثيرا من القضايا الأخلاقية الخاصة بإجراء التجارب على الحيوانات؛ فإذا كان بعضهم يسوغ إجراء التجارب على الإنسان بعد موافقته، ومعرفة المخاطر التي سيتعر لها، فإن الوضع مع الحيوانات سيكون مختلفا؛


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

في ظل الفوضى وا...

في ظل الفوضى والارتباك الذي يعيشه قطاع الإعلام بعد ثورة 17 فبراير تعالت بعض الأصوات الإعلامية سواء م...

جعل الله تعالى ...

جعل الله تعالى الانسان مستخلف في الارض واكرمه بالعقل و ميزه عن بقية مخلوقات وجعل عقله مدار التكليف...

ان الاعتماد الع...

ان الاعتماد العشوائي و التخبط في التعامل مع الأزمات و غياب التخطيط المسبق و سوء اتخاذ القرارات التي ...

Dear [Friend's ...

Dear [Friend's Name], I hope this letter finds you well. I wanted to take a moment to share some pe...

Musical Profici...

Musical Proficiency: The most striking example is Clive's ability to play the piano. He can perform ...

عنوان هذه الحلق...

عنوان هذه الحلقة لغز اجتماع الفتيات. منتجع كبير جدا فيه منحدرات خاصة بالتزلج، ويمكننا ركوب عربة الجل...

) قرار الاستثما...

) قرار الاستثمار هو قرار الذي يهدف إلى تحديد مبلغ الأموال التي ستستثمر،وكذا اختيار نوع الأصول التي ت...

إن عملية جمع ال...

إن عملية جمع البيانات من مصادرها التاريخية أو الوثائقية كحصيلة لنشاط العديد من المؤسسات والشركات وال...

الفصل الرابع ط...

الفصل الرابع طرق الوقاية من البكتريا بصورة عامة تقدم المنظمة تقديرات علمية من أجل الامراض التي تسب...

الشبكات الاجتما...

الشبكات الاجتماعية وسيله رائعه لبناء الوعي بعلامتك التجاريه وجذب المزيد من العملاء ولكن يجب عليك أن ...

السلام عليكم ال...

السلام عليكم الرجاء من الجميع الاشتراك في القناة وتفعيل الجرس. آآ ساتحدث اليوم عن موضوع هام جدا. للش...

تسجيل الدخول ر...

تسجيل الدخول رياضة ألونسو يرفض تدريب بايرن ميونخ ويُبعد نفسه عن ليفربول تقارير إعلامية تتحدث عن رغ...