لخّصلي

كان بناء الإنسان الإماراتي، وتطويره، والارتقاء بمعارفه، وتعزيز انتمائه لهويته، ولا يزال، العنوان الأبرز لملحمة الاتحاد المباركة التي أرسى قواعدها الآباء المؤسسون، وعلى رأسهم الوالد القائد المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيَّب الله ثراه- الذي آمن أيَّما إيمان بأن المواطن الصالح هو أغلى ثروات الوطن، وهو صمام الأمان للعبور بدولة الإمارات العربية المتحدة نحو المستقبل المشرق الذي ينتظرها، فعمِل جاهداً على تسخير كل موارد الدولة بغية إيجاد أجيال إماراتية متعاقبة تباهي الإمارات بها الأمم، بما تملكه من أرقى المدارك والأخلاقيات، قادرة على حمل الراية والذَّود عن مكتسبات الاتحاد، وحمل الأمانة، والمضيِّ قدماً بمسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات والميادين. واليوم، فإن قيادتنا الرشيدة ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- تأبى إلا استكمال النهج الحكيم نفسه، لإنشاء أجيال إماراتية قادرة على أن تكون حصناً منيعاً يقي الوطن شرور الفتن والتحديات المتزايدة في المحيطين الإقليمي والدولي من جهة، وتجسيد الرؤى التنموية الطامحة للدولة مستقبلاً واعداً يزخر باستدامة الإنجازات الرائدة، وتكلِّله قيم ومظاهر الإيجابية والسعادة من جهة أخرى. لذلك، فإنه وفي ظل التوجيهات السديدة والمتابعة الحثيثة من قبل قيادتنا الرشيدة، تبذل مختلف مؤسسات الدولة والجهات الحكومية، كلٌ من موقعها، الجهود المشهودة بما يصب في تحقيق هدف التنمية البشرية عبر الأجيال. ولا شك في أن القوات المسلحة الإماراتية، بما تمثله من مؤسسة عسكرية مرموقة، تسهم بدور لا يغفله أحد، ليس في صناعة الرجال الأبطال الذين يبذلون أرواحهم ودماءهم وكل غالٍ ونفيس لديهم بغية الذَّود عن حمى الوطن في الرخاء والشدة فقط، بل كذلك في بناء شخصية الشباب المنتسبين إليها، وتعزيز هويتهم وانتمائهم. ولا يختلف اثنان في أن برنامج الخدمة الوطنية، الذي يُعَدُّ ركيزة أساسية لمدِّ القوات المسلحة بما تحتاج إليه من عناصر بشرية مؤهلة للانضمام إليها وقت الضرورة، يساهم كذلك بدور بالغ الأهمية في صقل شخصيات الشباب، وتعزيز الأخلاقيات والسلوكيات الحميدة بين صفوفهم، وترسيخ حب الوطن والإخلاص له، والولاء لقيادته الرشيدة، عقيدة مستدامة عبر الأجيال المتعاقبة. ويزخر المجتمع الإماراتي اليوم بالشواهد الحية الدالة على مدى التأثير الإيجابي الكبير الذي يتركه برنامج الخدمة الوطنية في نفوس وسلوكيات منتسبيه أثناء وبعد المدة المحدَّدة للبرنامج. وضمن هذا الإطار جاءت نتائج إحصاءات النيابة العامة في أبوظبي، التي أظهرت مؤخراً انخفاض نسب ارتكاب الجرائم لدى الشباب المواطنين، ممَّن استهدفهم برنامج الخدمة الوطنية في الأعمار ما بين 18 و30 سنة، وذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، منذ بدء تطبيق الخدمة الوطنية في عام 2014، حيث سجلت أعداد بعض قضايا الشباب المواطنين في هذه الفئة العمرية انخفاضاً بنسب تراوحت بين 11% و77% خلال السنوات الثلاث الماضية، مقارنة مع السنوات الثلاث السابقة على بدء تطبيق برنامج الخدمة الوطنية. والنتائج الإيجابية التي أظهرتها إحصاءات النيابة العامة في أبوظبي، والتي بيَّنت تراجعاً ملحوظاً في عدد من قضايا الشباب المواطنين، أبرزها قضايا التعدي، وقضايا السب، وقضايا الضرب المفضي إلى الموت أو إلى عاهة، وقضايا انتحال الوظائف والصفات، جاءت لتعكس مدى أهمية برنامج الخدمة الوطنية، وما يمثله بوصفه منظومة تدريبية شاملة وحديثة تتضمَّن برامج متعددة لا تقتصر على تأهيل الشباب عسكرياً وجسدياً فقط، بل تترك عظيم الأثر في تعزيز أخلاقياتهم وقيمهم، وصقل شخصياتهم، وتنمية مداركهم، وإكسابهم خبرات جديدة، ما يعزز التزامهم القوانين والأنظمة واللوائح من جهة، ويرسِّخ المسؤولية المجتمعية لديهم من جهة أخرى. وفي ظل التحديات الجمَّة المحدقة بالمنطقة والعالم، ولاسيما مكايد الكائدين لزعزعة أمن الأوطان، وهدم القيم، ونشر الأفكار الظلامية المتطرفة بين أوساط الشباب، لا يمكن لأحد أن ينكر الدور العظيم الذي تسهم به الخدمة الوطنية في توعية الشباب الإماراتي وتحصينه في وجه الأفكار الهدامة التي تروِّجها جماعات التطرف والإرهاب. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية