لخّصلي

في الآونة الأخيرة، كان هناك انتشار واهتمام متزايد بنظرية مثيرة للجدل تُعرف باسم "المليار الذهبي". يدعي مؤيدو هذه النظرية أن بعض النخب تريد تقليل عدد الأشخاص على الأرض إلى مليار شخص باستخدام طرق مختلفة مثل الحرب والأوبئة والمجاعات. على الرغم من أن هذه النظرية غير مقبولة على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية السائدة، إلا أن الكاتب الروسي أناتولي تسيكونوف قد جذب الانتباه لنظرياته المتعلقة بهذا الموضوع في كتابه "مؤامرة الحكومة العالمية: روسيا والمليار الذهبي" الصادر عام 1990. والذي كتبه تحت اسم مستعار أ. كوزميتش.

في هذه المقالة ، سوف نستكشف مفهوم المليار الذهبي، وصلته بأناتولي تسيكونوف، ولماذا تظل هذه الفكرة مثيرة للجدل.

نظرية المليار الذهبي

تأسَّس مفهوم "المليار الذهبي" في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في السبعينيات كنظرية مالتوسية تنبه إلى مخاطر الاكتظاظ السكاني للأرض. وفي هذا السياق، أشارت النظرية إلى أنَّ الموارد العالمية الطبيعية المتاحة لا تكفي لأكثر من مليار شخص. في التسعينيات، أعيد تفسير هذه النظرية بوصفها مؤامرة عالمية يقودها الليبراليون ضد روسيا، وذلك استغلالًا لانتقادات الناس لليبرالية وآثارها الصادمة على الاقتصاد الروسي. وقد ارتبطت هذه المؤامرة بالنخب الغربية الثرية، التي كانت تتطلع إلى الاستيلاء على الموارد الطبيعية الهائلة لروسيا. وعلى هذا الأساس، أشار المؤرخ الروسي أناتولي تسيكونوف والمفكر القومي سيرجي كارا مورزا إلى أن السياسيين الليبراليين الروس في التسعينيات كانوا يمهدون الطريق لما وصفوه بـ"الاستعمار الجديد".

تزعم نظرية المليار الذهبي أن مجموعة مختارة من الأفراد الأثرياء والأقوياء يسعون إلى تنفيذ تدابير تهدف إلى تقليل عدد السكان إلى أقل من مليار فرد. وفقًا لمؤيدي هذه النظرية، فإن الهدف من هذا التخفيض هو ضمان تخصيص أفضل للموارد المحدودة ومنع الكوكب من الوصول إلى حالة الانهيار الكارثي. يُزعم أن هذه الحركة تعتقد أن الزيادة السكانية ستسبب دمارًا أكثر من أي جائحة أو صراع مسلح. لذلك يقترحون تنفيذ حلول تهدف إلى الحد من الزيادة السكانية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض معدلات الوفيات بين السكان.

تم نسيان هذه النظرية لفترة طويلة إلا أنه في ولاية بوتين الثانية، وفي عام 2007، ادعى الجنرال بوريس راتنيكوف والذي كان يعمل في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وشخصية رئيسية في حماية الرئيس الروسي. استنادا على تصريح مزيف لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، والذي ينص على أن الموارد الطبيعية لسيبيريا لا ينبغي أن تنتمي إلى روسيا. وتمَّ نشر هذا المزوَّر بشكل واسع على الإنترنت، أدعي أنه قد استشف من هذه التصريح المزيف بأن الغرب يعمل على تنفيذ مخطط المليار الذهبي.

وفي ظلِّ الأحداث السياسية الحديثة، أشار كبار المسؤولين الروس إلى "المليار الذهبي" بشكل متكرِّر. فقد أشار أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف إلى أنَّ الليبراليين يستخدمون شعارات مثل "النضال من أجل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية" لتحقيق أهدافهم من خلال عقيدة "المليار الذهبي"، والتي تفترض أن يمكن لعدد محدود من الأفراد فقط الازدهار في هذا العالم. وعلاوة على ذلك، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنَّ البلدان التي تشكل جزءًا من "المليار الذهبي" تعتبر بقية البلدان الأخرى أطرافًا، وتنظر إليها على أنها مستعمرات.

في سبتمبر 2022 ، أشار سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بدوره إلى "الضغط السياسي والاقتصادي الشديد، والذي يصل إلى حد الابتزاز المباشر" على أولئك الذين سيثورون على خطط المليار الذهبي.

وبشكل عام، تستثمر النخب الروسية ثرواتها في الخارج وتعتمد بشكل كبير على تصدير الموارد الطبيعية الروسية إلى الأسواق العالمية. وبالتالي، فإنَّ تأييد هذه النخب لـ "المليار الذهبي" يمكن تفسيره بأنه قلق على استقرار النظام الاقتصادي الدولي ومصالح النخب الروسية فيه.

على الرغم من عدم وجود أدلة لهذه النظرية، فقد تبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار مسؤولي الكرملين هذه النظرية كجزء من استراتيجيتهم السياسية. أشار بوتين إلى هذه النظرية عدة مرات على مر السنين ، وادعى أن الغرب يحاول تدمير سيادة روسيا. من وجهة نظر بوتين، فإن المليار الذهبي يشكل تهديدًا لاستقلال روسيا واستقرارها.

يرى منتقدو بوتين والحكومة الروسية أن نظرية المليار الذهبي أداة لصرف انتباه الشعب الروسي عن التحديات السياسية والاقتصادية الحقيقية التي تواجه البلاد. يجادل آخرون بأن الكرملين يستخدم نظرية المؤامرة لتبرير سياسته الخارجية العدوانية، مثل ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وحرب أوكرانيا 2022.

أناتولي تسيكونوف:

وصف أستاذ الاقتصاد أناتولي تسيكونوف في كتابه حول نظرية المليار الذهبي صورة مؤامرة نهاية الزمان أو يوم القيامة ضد روسيا، حيث أدركت النخبة الغربية الثرية أن التغيير البيئي والكوارث العالمية ستشهدان مزيدًا من المنافسة على موارد العالم، مما يجعل العالم في النهاية غير صالح للسكن للجميع باستثناء مليار منهم. تدرك هذه النخبة أن روسيا، بمواردها الطبيعية وكتلتها السكانية الهائلة وموقعها الجغرافي، يجب أن تخضع لسيطرتها بأي وسيلة ضرورية لبقائها.

كانت هذه الأطروحة بمثابة تطور للمخاوف المتنازع عليها على نطاق واسع بشأن الزيادة السكانية العالمية التي طورها رجل الدين البريطاني توماس مالتوس في أواخر القرن الثامن عشر. ومع ذلك، فقد تم إعطاؤه تحديثًا حديثًا يركز على روسيا بشكل أساسي. في كتابه الصادر عام 2019 بعنوان "المؤامرات ضد روسيا: المؤامرة والفانتازيا بعد الاشتراكية"، كتب الباحث في جامعة نيويورك إليوت بورنشتاين أن الفكرة تتناسب مع تاريخ أوسع نطاقاً لجنون العظمة. حيث يجمع المليار الذهبي "العديد من الاستعارات الأكثر أهمية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي المظلمة مثل (الحاجة إلى الدفاع عن الموارد الطبيعية للبلاد من الغرب الجشع، وإحباط الغرب معنويات الشباب في روسيا، وتدمير الاقتصاد الروسي، وتدمير الصحة العامة) في سرد مقنع واحد، كتب تسيكونوف قصة تجمع بين المحاور التاريخية (الحرب الوطنية العظمى "الأسم الروسي للحرب العالمية الثانية") مع العلوم الزائفة ".

توفي تسيكونوف في ظروف غامضة بعد عام من نشر كتابه، مما زاد من الغموض حول شخصيته والتي لا يوجد الكثير من المعلومات حولها. لكن سرعان ما حظيت فكرته بشعبية من قبل المثقف الروسي المناهض للغرب والعولمة من الحقبة السوفيتية سيرجي كارا مورزا، جادل كارا مورز في مقال كتبه عام 1999، بأنه في حين أن النخب في هذه البلدان الغربية الغنية لا تشير إلى نفسها على أنها المليار الذهبي، فإن النظرية نشأت من مزيج من فكرتين غربيتين رئيسيتين: الأولى، عن "العصر الذهبي" من الازدهار والتقدم، وثانيًا، الرأي القائل بأن موارد العالم المحدودة لن تكون قادرة على دعم سكانه بالكامل. وأشار إلى أن المليار الذهبي يعني سكان الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع مثل تلك الموجودة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أو دول G- 7 الذين يستهلكون نسبة غير عادلة من موارد العالم.

خاتمة:

تشير نظرية المليار الذهبي إلى وجود مجموعة سرية من النخب العالمية تتآمر لتكديس ثروات العالم وموارده لأغنى مليار شخص، مما يترك بقية سكان العالم في وضع غير مؤات. ورغم أن هذه النظرية لا يوجد لها دليل موثوق يدعمها، فإن شعبيتها في البلدان الناطقة بالروسية وتأييد الكرملين يواصلان المساهمة في انتشارها. باختصار، نظرية المليار الذهبي هي نظرية مؤامرة مثيرة للجدل ترتبط بأيديولوجية اليمين المتطرف وتستخدم كبش فداء للقضايا السياسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من هذا، فإن نظرية المليار الذهبي لا تزال موضوع جدل واسع في الأوساط العالمية، وتثير الكثير من الأسئلة والاهتمامات حول دور الأثرياء في صنع القرارات العالمية وتحديد مسار الأحداث. إلا أن الكثير ينتقدن هذه النظريات، ويرون أنها تبالغ في تقدير القدرة على التحكم في العالم، وأنها تغض الطرف عن الأحداث والمؤثرات الأخرى التي تؤثر في العالم.