لخّصلي

معظم الحكومات تسعى دائماً إلى النماء والتنمية الاقتصادية، وأيضاً انقاذ نفسها من الكوارث والأزمات الاقتصادية من خلال طرق عديدة، ومن أشهر هذه الطرق هي فرض الضرائب بأنواعها العديدة بما يتناسب مع الدولة. والضريبة هي فرض اقتطاع نقدي من قبل الدولة والتي لا يقابلها نفع للمكلف بشكل مباشر تستخدمها الدولة كحل لتغطية النفقات العامة وتفرض مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة المكلف. وتنقسم الضرائب إلى جزئين رئيسيين وهما الضريبة المباشرة والغير مباشرة فالضريبة المباشرة هي باختصار الضريبة المفروضة بشكل مباشرة اما الضريبة الغير مباشرة فهي الضريبة المفروضة بشكل غير مباشر على الشخص النهائي. وتكمن أهمية هذان النوعان الرئيسيان في التأثير على الاقتصاد وخاصة عند حدوث التضخم، أيضاً حماية ودعم الصناعات المحلية من التنافس مع الصناعات الأجنبية من خلال فرض الضرائب على الجمارك في التجارة الدولية. ومن ناحية أخرى فهي تساهم في المساواة والعدل في توزيع الثروة والدخل ولخدمة المصالح العامة للدولة وتنمية مصادر الدخل لديها(الضرائب، 2012).وهناك الكثير من يعتبر أن هذان النوع من الضرائب يعتبران عبء كبير على المكلفين، فالجدير بالذكر أن منافعها على الدولة وتأثيرها اقتصادياً أكبر بكثير من سلبياتها كما يظن البعض(دردس، 2021). وفي هذا المقال سنتعرف ونناقش أوجه ومواضيع عديدة للضريبة المباشرة والغير مباشرة.

مفهوم الضريبة المباشرة والغير مباشرة والفرق بينهما

تعرف الضريبة المباشرة بإنها الضريبة التي تفرض على وعاء المال سواء كان ثروة أم دخل، في حالة الدخل إذا كان المال مكتسباً وفي او في حالة الثروة إذا كانت مملوكة للشخص. وبمعنى آخر هي الضريبة التي تفرض على رأس المال او الدخل بشكل مباشر. فشرط الضريبة المباشرة هي وجود الثروة سواء كانت دخلاً ام رأس مال. وتعتبر الضريبة المباشرة طريقة أو وسيلة للحد من التضخم وأيضا لنماء الدولة. ويتم جمع هذه الضرائب من المقيمين سواء كان شخص طبيعي او اعتباري بشكل مباشر، ومن أمثلة هذا النوع من الضرائب، ضريبة الممتلكات الشخصية، وضريبة الممتلكات العقارية، وضرائب الأصول والدخل (الخنة، 2017)

أما بالنسبة للضريبة الغير مباشرة فهي الضريبة التي تفرض على استعمالات رأس المال أو الدخل والتي تمثل اقتطاعاً ضريبياً منهما بطريقة غير مباشرة والهدف منها هو تداول او استعمال الثروة باعتبارها انها المظهر الخارجي لوجود الثروة. فالضريبة الغير مباشرة هي لا تدفع للحكومة بشكل مباشر بل تكون ضمنية، من خلال طرف ثالث وعادة ما يكون بائع متجر التجزئة، الذي من خلاله يتم فرض الضريبة على السلع والخدمات وليس كما في الضريبة المباشرة والتي تكون على الدخل والأرباح. حيث يتم دفع الضريبة من خلال المشتري للسلعة وتكون الضريبة نسبة محددة كجزء من سعر السلعة (الخنة، 2017)

وأهم الفروقات بينهما من ناحية الضريبة المفروضة هو أن الضريبة المباشرة تفرض على الأرباح والدخل أما الضرائب الغير مباشرة فهي تفرض على السلع والخدمات. أما من ناحية دافع الضريبة فالضريبة المباشرة تدفع بشكل مباشر من قبل الشركات والأشخاص بعكس الضرائب الغير مباشرة التي تدفع من خلال طرف ثالث وهو المستهلك النهائي. ومن ناحية تأثير الضريبة فإن الضريبة المباشرة يكون تأثيرها على دافع الضريبة نفسه أما الضريبة الغير مباشرة فيكون تأثيرها على أكثر من شخص. ومن ناحية تضخم الضريبة، فالضريبة المباشرة تساهم في تقليل مستوى التضخم، أما الضرائب الغير مباشرة فهي تساهم في زيادة التضخم. أما من جانب تحمل العبء الضريبي فالضريبة المباشرة لا يمكن نقل عبئها لشخص آخر عكس الضريبة الغير مباشرة والتي من الممكن نقل عبئها لشخص آخر (دردس، 2021)

أنواع الضرائب المباشرة والغير مباشرة

الضريبة المباشرة تتضمن أنواع عديدة ومن اهمها نوعين رئيسيين كما ذكر سابقاً النوع الأول هو الضريبة على الدخل وهي الضريبة التي تفرض بشكل مباشر على دخل المكلف سواء كان شخص طبيعي اي فرداً او شخص اعتباري، فالشخص الطبيعي ستكون الضريبة على دخله بشكل مباشر اما في حالة كان الشخص اعتباري وعلى شكل شركةمساهمة فإن الضريبة ستحقق على الدخل الشركة. أما النوع الثاني فهو الضريبة على رأس المال. رأس المال هو مجموع الأموال المنقولة والعقارية التي يمكن تقديرها بالنقود ومملوكة للشخص، سواء كانت هذه الأموال منتجة لدخل عيني او نقدي أو للخدمات الغير منتجة لأي دخل. وبعد التعرف على رأس المال نأتي الى مفهوم الضريبة على رأس المال الذي يعتبر فائضاً للأصول التي تكون مملوكة للشخص مقابل خصومه، ويعتبر هذا الوعاء وعاءً تكميليا؛ لهذا السبب أغلب الدول تكتفي بفرض الضريبة فقط على الدخل ولا تفرضها على رأس المال، وإذا قامت بفرضها فإنها تفرضها بنسبة قليلة. وهناك أمثلة على ضرائب رأس الملل وهي الضريبة الاستثنائية والتركات على رأس المال، الضرائب المفروضة في الحروب والكوارث، الضريبة على زيادة القيمة العقارية وضريبة الاغتناء وغيرها الكثير (الخنة، 2017)(الضرائب، 2012)

وكذلك في الضرائب الغير مباشرة فهي تحتوي على أنواع عديدة ومن أشهرها نوعين رئيسيين، النوع الأول وهو الضرائب على الاستهلاك أو الإنفاق، أما النوع الثاني فهو الضرائب على التداول. ضرائب الاستهلاك هي التي تفرض من قبل الدولة على سلع معينة أو على جميع أنواع السلع المستهلكة، وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية ومالية واجتماعية. وأمثلة هذا النوع من الضرائب متعددة منها، ضرائب الجمارك المفروضة على الصادرات والواردات، وايضاً ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات والمشتريات وضريبة الإنتاج التي تفرض عند إنتاج السلع. أما بالنسبة لضرائب التداول فهي الضرائب الي تفرض على انتقال رأس المال من شخص إلى اخر. ومثال على ذلك الضرائب المفروضة عند بيع او شراء المقولات او العقارات وعند توثيق العقود، وايضاً ضريبة الدمغة التي تفرض على السندات والأسهم وعلى الطلبات والمعاملات المقدمة للجهات الإدارية الحكومية (الخنة، 2017)(الضرائب، 2012)

الحكم الشرعي لفرض الضرائب المباشرة والغير مباشرة

هناك نواحي كثيرة ومتعددة تدل على مشروعية الضرائب المباشرة في الدين والفقه الإسلامي وأعظم دليل على مشروعيتها هو جواز الزكاة، فإن من أوائل تطبيقات الضريبة في الفقه الإسلامي هي الضريبة المباشرة وبالمقابل هناك تطبيقات أيضاً لمشروعية الزكاة والتي تتشابه مع الضريبة من ناحية ان كلاهما لديهما الحق في فرضها على المال. وهناك أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية تدل على انه يجوز للإمام او الحاكم ان يستقطع من اموال الاغنياء والمقتدرين إذا كان هناك حاجة ولم تكفي الأموال المختزنة لخدمة المواطنين بشكل عام فمثلا في المرافق العامة. وهناك دليل يوضح انه يوجد حق في المال وورد الذكر بشكل عام سوى الزكاة لقوله تعالى: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (البقرة، ١٧٧) هذه الآية تدل على فرض الله تعالى إيتاء الزكاة وكما ايضاً نصت الآية على ايتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكين وهذا يدل على جواز إيتاء المال بشكل آخر غير الزكاة وان هناك حق في المال من غير الزكاة. وايضاً هناك ادلة عديدة من السنة النبوية التي تثبت جواز فرض الضرائب المباشرة والغير مباشرة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أعطى أهل غطفان ثلث ثمار المدينة، وتعتبر نسبة كبيرة من أموال أهل المدينة بعد حصر اصحابه ورؤية ضعفهم على شرط ان يخلو سبيل قريش ومن معهما. وهذا الدليل يدل على جواز توظيف أموال الأغنياء لخدمة المصلحة العامة، وفي زمن الرسول كانت المصلحة العامة تتمثل بشكل خاص في حماية النساء والذراري، بغض النظر عن حجم او مقدار المال المدفوع فيها. فإن إمام المسلمين او الحاكم للدولة هو المسؤول عن فرض هذا النوع من الضرائب لخدمة المجتمع والوطن بشكل عام من عدة نواحي منها، للإنفاق على المصالح العسكرية والتعليمية، ونفقات الفقراء والمساكين، والضمان الاجتماعي والخدمات الأمنية والاجتماعية أو في حالة حدوث النكبات والنوائب او اي سبب بشرط ان يكون جائز شرعاً ويحقق المصلحة العامة. وهذه الأموال تستقطع من الأغنياء وتعتبر في ذمتهم كالدين. فمن واجب الإمام هو استيفاء الحقوق من الذين يمتنعون عنها وايتاءها للمستحقين لخدمة المصلحة الحاجات العامة (الخنة، 2017).
الآثار الجانبية للضرائب على الإنتاج

كما عرف مختار(٢٠١٩) أن فرض الضريبة على الدخل تؤدي إلى تقليل القدرة الإنتاجية وذلك لأن الضرائب تؤخذ من أرباح العمل و أحيانًا تسبب الكثير من الأعباء، بسبب عدم القدرة على دفع الضريبة وتقليل الإيرادات على المدى البعيد. تعتبر ضريبة القيمة المضافة (ضريبة غير مباشرة) وتؤثر بشكل سلبي على السلع الأساسية لأنها تؤدي إلى زيادة الأسعار ورفع معدلات التضخم و هذا سيقلل من القوة الشرائية أما بالنسبة للسلع الكمالية سيؤدي إلى تقليل استهلاكها ولن يؤثر على الإنتاج . هناك نوعان من الآثار على الإنتاج، النوع الأول أثر توسعي أو تضخمي فهو بطبيعته مثبط. والنوع الثاني أثر انكماشي فهو بطبيعته محفز ويؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الإنتاج مما يشمل الاستهلاك والادخار ومستوى الأسعار.
ووضح مختار (٢٠١٩) أن هناك آثار مباشره وغير مباشر تؤثر على الإنتاج. فالآثار المباشرة ستؤثر على القوة العاملة وذلك لأن فرض الضريبة على الإنتاج يدفع المنتجين إلى تقليل العرض مما سيجبرون إلى زيادة أسعار منتجاتهم لكي يحافظوا على مستوى أرباحهم كما كانت قبل فرض الضريبة هذا بالنسبة للسلع عالية الطلب، وقد يُجبر بعض المنتجين على الخروج من السوق في حالة تحقيق خسائر أما بالنسبة للقوة العاملة سيؤدي إلى انخفاض الأجور وبالتالي سينخفض الحافز على العمل أو تسريح بعض العمال مما سيزيد من نسبة البطالة. أما الآثار الغير مباشرة فستؤثر على المستهلكين، فعندما تُفرض الضريبة على السلع الضرورية سيضطر المستهلك من تقليل الكمية المستهلكة وسيؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على السلع الضرورية. نتيجةً لذلك سيقل حجم الإنتاج بالنسبة للسلع الاستهلاكية.

الآثار الجانبية للضرائب على الاستثمار والادخار

تؤثر الضرائب بشكل مباشر على قرار الاستثمار لأنها تمثل عبئًا على الأرباح . تعد الضريبة من إحدى الأسباب التي تزيد من الخطر الذي يواجه المستثمر لأنها تزيد من الأعباء على رأس المال وقد يتطلب بعضًا من الوقت لتعويض هذه الأعباء الناتجة من فرض الضريبة ويمكن أن تكون سببًا في الحد المؤقت من الاستثمار. هناك عنصرين يؤثرون على الميل الحدي للاستثمار هما : الكفاية الحدية لرأس المال و سعر الفائدة. كما ذكرنا أن الضريبة لها تأثير مباشر على الكفاية الحدية لرأس المال خصوصًا إذا لم يستطعْ المنتج نقل العبء الضريبي إلى المستهلك إما من خلال رفع أسعار المنتجات أو الطلب من أصحاب المواد الخام بتقليل أسعارهم. ولأن الضرائب تؤثر على قرار الاستثمار فشجعت السياسة الضريبية النشاط الاستثماري عن طريق خفض الضرائب على رؤوس الأموال على المجالات المتجهة مع التنمية الاقتصادية وعن طريق خفض رسوم الجمارك على السلع المستوردة أو خفض رسوم الصادرات لبعض الدول (مختار،٢٠١٩).

قد يلجأ البعض إلى الادخار بدلًا من الاستثمار في حالة كانت الأعباء الضريبية للاستثمار عالية أو هناك بعض المخاطر. فرض الضرائب المباشرة التصاعدية تؤدي إلى تقليل القدرة على الادخار لذلك لابد من التوازن بين تشجيع الادخار ومبدأ العدالة. هناك نوعان من الادخار الأول ادخار عام وهو ما تقوم به الدولة والثاني ادخار خاص وهو ما يقوم به الأفراد وهو ما سنتحدث عنه. الضريبة بطبيعتها تؤثر على الادخار الخاص للأفراد ، فمثلًا عند زيادة الضريبة على الدخول الرأسمالية سيؤدي ذلك إلى تقليل الحافز على الادخار وبالمثل تقليل الضرائب سيؤدي إلى زيادة الادخار . ففرض الضرائب سيؤثر سلبًا على أصحاب الدخل المرتفع لأنهم سيضحون بجزء من مدخراتهم للحفاظ على مستوى معيشتهم (مختار،٢٠١٩).

الآثار الاجتماعية للضرائب المباشرة والغير مباشرة

• أثر الضرائب على إعادة توزيع الدخل
تؤثر سلبًا وإيجابًا على إعادة توزيع الدخل. بما يعني تحقق العدالة بين شرائح المجتمع المختلفة، وتقلل من الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع. الضريبة المباشرة تقلل من دخل المنتج وأما الضريبة الغير مباشرة فتؤثر على الدخل الحقيقي ( الاستهلاك) من خلال رفع أسعار السلع مما ينتج عنه انخفاض في المستوى المعيشي لأصحاب الدخول المنخفضة. فنلاحظ أن اثر الضريبة المباشرة هو الأكثر كفاءة في إعادة توزيع الدخل بصوره مناسبة لأنها تؤخذ بشكل مباشر من أصحاب الدخول المرتفعة بالنسبة إذا كانت ضريبة تصاعدية، أما إذا كانت ضريبة نسبية ستكون أكثر ظلمًا وتفتقر إلى العدالة.
• أثر الضرائب على سياسة النسل
نلاحظ أن بعض الدول تستخدم الضريبة للإكثار من عدد السكان عن طريق العدل في تقسيم الضريبة على الدخل بعدد أفراد الأسرة أو إعفاء بعض الدخول من الضريبة. على عكس بعض الدول الراغبة بتحديد النسل فتقوم بزيادة معدل الضريبة بازدياد عدد أفراد الأسرة.
• أثر استخدام الضرائب في مكافحة بعض الظواهر السيئة
هناك ظواهر تضر الصحة العامة وصحة الإنسان، على سبيل المثال الدخان و مشروبات الطاقة والكحول. فالحكومة يمكنها التقليل من أضرارها عن طريق رفع الضرائب على كلآ من يقوم بتصنيعها وبيعها وشراءها (مختار،٢٠١٩) .