لخّصلي

تزداد معرفتنا بدولة الإمارات من خلال معرفتنا بالشيخ زاید. الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو (الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتولى قيادة دولة الاتحاد على مدى ثلاثة وثلاثين عاما، وإلى يوم وفاته لم يعرف شعب الدولة رئيس الدولة الاتحاد غيره. إن دولة الإمارات هي نتاج الإبداع النظري لفكر الشيخ زايد، وهي أيضا الثمرة الحقيقية لجهوده المخلصة. منحنا الأب المؤسس الدولة الاتحادية، وأعطى الدولة الوطنية رموزها الأساسية التي تضخ على الدوام مشاعر الفخر، والانتماء في شعب دولة الإمارات. تمتلك دولة الإمارات كل أسباب النجاح؛ لأن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو أبوها المؤسس الذي صنع مؤسساتها الاتحادية، تماما كما يمتلك شعب الإمارات كل أسباب الاعتزاز، وذلك لأن الشيخ زايد كان والدهم الكبير الذي شملهم برعايته. وفي الوقت الذي يزخر التاريخ الإنساني بالشخصيات القيادية، فإن قلة من تلك القيادات دخلت التاريخ من كافة أبواب العطاء والمجد كما فعل الشيخ زايد ، فكان من بين هذه النخبة المنتقاة ؛ إذ إن مؤسس دولة الإمارات قد بذل شوطا خالدا يندر أن يوازيه فيه عطاء أي قائد سياسي آخر
لم يترك الشيخ زايد مجالا من مجالات الإسهام السياسي في عصرنا الحديث إلا وقد تفوق فيه . وتتعدد مستويات تحليل العطاء السياسي للشيخ زايد بتعدد مستويات القيادة التي امتازت بها شخصيته العظيمة ، وتتنوع جوانب موهبته الفذة التي تستحق التوقف عندها بتنوع جوانب الاهتمامات التي لم تفلت من زمام عبقريته المتيقظة مزج الشيخ زاید ، بنجاح فائق ، سماته الكاريزماتية ، و إيمانه العميق ، ومكانته الاجتماعية ، وخبراته المعرفية ، وقدراته الذهنية ، وذكاءه الوجداني معا ؛ ليشكل نموذجا من القيادة السياسية التي أعطت بسخاء ، وفاعلية غير مسبوقين . على المستوى المحلي بادر الشيخ زايد إلى بناء مؤسسات الدولة الاتحادية الحديثة ، مدركا أن مؤسسات دولة الاتحاد هي الرابط الدستوري الذي يربط بين أبناء الإمارات السبع ، والبنية الاتحادية هي سبب ثقة الإماراتيين بحاضرهم ومستقبلهم في الساحتين المحلية والخارجية قاد الشيخ زايد الدولة الاتحادية في مسار نمو متسارع وتنمية متراكمة ، وكان متيقظا لكافة العوامل التي من شأنها أن تدعم أركان التجربة الاتحادية ، وثابر على تحقيقها . أما العوامل التي من شأنها أن تضعف البنية الاتحادية فقد حرص على تفاديها . كما وضع الشيخ زايد أسس اقتصاد حر وراسخ للدولة ، وحرص على تنويع مصادر الدخل القومي فيها ، وهدف القائد الفذ إلى توسيع قطاع السياسات العامة ؛ لتصل إلى كافة الخدمات التي يحتاج إليها شعب الدولة ، وسكانها ، ولتشمل تلبية توقعات أهل الإمارات بخصوص الجوانب التي ينبغي أن تتدخل فيها الحكومة من أجل تحقيق احتياجاتهم الاجتماعية ، ومعالجة مشكلاتهم المجتمعية ، في قطاعات التعليم ، والصحة ، والإسكان والمواصلات ، والاتصالات ، وغيرها من مجالات الخدمات الحيوية . لقد أثبتت الدولة الاتحادية جدواها و متانتها ، وأتت سياساتها الداخلية والخارجية بكل خير خلال جميع سنوات عمرها لم يتردد الأب المؤسس في إنشاء ، وتشجيع نمو فئات نخبوية جديدة في مجتمع الإمارات ، من الكوادر المؤهلة والمتخصصة ، من المهنيين المحترفين كالمدرسين ، والأطباء ، والدبلوماسيين ، والمهندسين ، وغيرهم ، والأكاديميين من أساتذة الجامعات ، والإداريين ذوي الخبرات المهنية ، والمهارات التنفيذية ؛ لتعمل هذه النخب الجديدة جنبا إلى جنب مع قيادة الدولة الرشيدة . وعلى الرغم من شخصيته القيادية العملاقة لم يفت الشيخ زايد أهمية وجود كفاءات بشرية وطنية تعمل بالقرب منه ومعه ، تؤدي مهامها الوظيفية باستقلالية ، ولكن في إطار توجهاته العامة ، وتسهم في دعم الدولة ، وخدمة الشعب في كافة المجالات . شجع القائد المؤسس وجود النخب التكنوقراطية الجديدة ، ورأي بحنكته السياسية ، في جهودها رافدأ معينة على تحقيق الأهداف التي يتبناها من أجل بناء دولة اتحادية حديثة وقوية . لقد أثبتت التجربة العملية أن الشيخ زايد كان محقا في ذلك بكل تاكيد ؛ إذ إن النخب الوطنية الإماراتية من المتخصصين ، و المهنيين ، والخبراء لعبت أدوارا حيوية في تدعيم أداء مؤسسات الدولة ، وتفعيل نشاط المجتمع ، وتكاتفت من أجل تحقيق أهداف التنمية الشاملة التي يفخر بها الوطن والشعب . على المستوى الإقليمي أدى الشيخ زايد أيضا أدوارا سياسية حيوية ؛ إذ أسهمت قيادته السياسية معالجة العديد من القضايا العربية والإسلامية المريرة والشائكة ، وساهم في تسوية العديد من ملفات الخلاف والصراع الإقليمية ، وسارع إلى مد يد العون والمساعدة والدعم السياسي إلى كافة الدول الجارة والشقيقة ؛ لتخفيف المعاناة الإنسانية ، وتفادي أسباب النزاع ، ومعالجة مصادر الصراع ، وإحلال حياة الرفاهية التي تليق بكرامة الإنسان ، وترسيخ عناصر التفاهم بين الأوطان ، وصياغة مؤسسات التعاون بين الدول العربية ، والإسلامية التي تشترك في وحدة الدين واللغة . لم يكن الشيخ زايد يمتلك الراي السديد ، والبصيرة النافذة فحسب ، بل كان أيضا شجاعا في المجاهرة بآرائه النيرة ، والمسارعة إلى طرح أحكامه التي كانت تلقى الاحترام والتقدير بين العرب ، و في العالم الإسلامي بأسره . على المستوى الدولي جسدت شخصية الشيخ زايد رجل السياسة في أرقی صورة ، وشكلت نموذجا للقيادة السياسية من الطراز الرفيع . كان يحظى في كل عاصمة من عواصم الدول المهمة باعجاب كبير بصفات ، وأساليب القيادة التي امتلكها مؤسس دولة الإمارات وقائدها وثمنت دول العالم موافقية العملية التي اتخذها ، والآراء المبدئية التي أصدرها تجاه قضايا العالم الأمنية والإنسانية . لم يكن الشيخ زايد يكتفي بترديد التأكيد على مواقف الدولة شفاهة ، بل كان دائما يصنع روح الثقة في الدول الأخرى من خلال صدقية السلوك العملي الذي يبديه ، سواء عن طريق الدعم الدبلوماسي ، أو المساندة المادية ، او المشاركة الفعلية بكافة صورها.
ولم تقتصر نجاحات القيادة لدى الشيخ زايد على تحقيق الإنجازات الضخمة على المستويات المحلية ، والإقليمية ، والدولية ، بل فاض مخزون الذخيرة الفكرية ، والعملية التي توافرت لدى القائد الراحل بسخاء واقتدار ؛ لتشمل المستوى العالمى كذلك ، وامتد عطاؤه الإنساني إلى الشعوب خارج العربي والإسلامي . تبنى الشيخ زايد عدة أهداف عالمية ، واتسع عقله لجوانب كثيرة من شؤون البشرية ، واتسع قلبه لمشكلات الإنسانية وتقف مساهماته في جهود معالجة القضايا العالمية خير شاهد على ذلك . فمن البيئة وحماية عناصرها المختلفة ، والفقر واحتواء أسبابه ، وتخفيف آلامه ، والتفاهم بين الحضارات ، ودعم أسسه ، وغيرها من القضايا ، نتعرف الأبعاد العالمية التي بلغتها القيادة الفاعلة لدى الشيخ زايد ، والتي نال من خلالها العديد من الجوائز ، والأوسمة الدولية تقديرا لجهوده الملموسة عاصر الشيخ زايد مجموعة كبيرة من الاستحقاقات الوطنية في دولة الإمارات ، والتحديات الإقليمية في العالمين العربي والإسلامي ، والمشكلات الأمنية ، والاقتصادية الدولية ، والقضايا التنموية العالمية ، ونجح في التعامل معها بثبات ، وتوازن ، واقتدار ، وقدم نموذجا مشرفا في القيادة ، وانجاز دائما إلى التنمية ، وتحقيق الرفاهية ، وتجاوز الخلافات ، وتنسيق الجهود والتعاون ، ودعم الأمن ، وترسيخ السلام . لقد منحت القيادة التي مارسها الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان دولة الإمارات سجلا مشرقا في كافة المجالات ، وما يزال الإماراتيون والعرب والمسلمون يذكرونه بأنه القائد العظيم الذي امتلك رجاحة العقل ؛ فهو حكيم العرب ، وامتاز بجود العطاء ؛ فهو زايد الخير.