لخّصلي

سيتذكر البشر بعض أنواع النباتات و الطيور في السنوات القادمة، على أنها كانت تعيش على
كوكبهم، و بفعل العوامل الجائزة من قبل البشر تم القضاء عليها كليا، و أصبحت في عداد الكائنات
المنقرضة.
لقد عرفت البشرية أنواعا عديدة من الكوارث واستطاعت خلال وجودها أن تتفاعل وتتكيف معها،
وفي بعض الأحيان أن تحيلها إلى مسارات تخدمها وتلك مرات قليلة تمكنا فيها من التآلف مع الكوارث
الطبيعية التي لم يقدر لنا أن نرتكبها .. لكننا اليوم و خلال عقود من الاضطهاد المنظم لاستنزاف
ثروات الأرض، التي بدأت فعليا مع تطور الإنسان العلمي، حدث تغير مذهل في وجهة الإنسان و
تعامله مع محيطه، وقد حمل هذا التغير على حاجة البشر اللامحدودة للمعادن والطاقة والنباتات و ما
إلى ذلك من مكونات في جلها تشكل سياجا طبيعيا و فطريا للحياة ، تحمي ما عليها و تقنن استنزاف
الموارد و تدمير هذا السياج .
و يبدو أن حجم الذنب من التخريب و التدمير للطبيعة، هو ما يوجه بعض الشعوب لبناء مصدات
أخلاقية ومنظومات من الجمعيات والمؤسسات الواقية للأرض بمحيطها الطبيعي، مما دفع إلى ظهور
علوم البيئة وثقافاتها بجلاء في القرن العشرين، وشكل نوعا من المعرفة المرتبطة بعلاقات الإنسان
بالطبيعة، وتنظيم هذه العلاقة بما يصل في بعض الأوقات إلى حدود متطرفة.
و قد حظيت شعوب أوروبا و دول الغرب الصناعي بنصيب الأسد في إنتاج هذه المعرفة البيئية
وتنظيمها، فيما بقيت الشعوب الأخرى على هامشها، ربما لشعورها بعدم اقترافها ذلك الحجم من
الجرائم البيئية، وربما لقلة معرفتها بهذا المجال، لكن الشعوب الأخرى تبقى في كل الحالات، أقل إنتاجا
لأعمال التدمير البيئي، و ربما تنسى أو تغفل دورها كمجموعات بشرية تشارك في صياغة نظامنا
البيئي، والحاجة للاندماج في حمايته، حتى لو لم تكن مذنبة معه.
إن شكل التناقص في الخريطة البيولوجية للكائنات الحية المنقرضة، ستكون بمنزلة جرس الإنذار،
لمحيط منتهك و مخرب، و ستبدو عمليات الوعي البيئي وما تنتجه من ثقافة مرتبطة بها، مسكونة بما
ينتجه المثقفون البيئيون من أفكار، تدعو إلى حماية الأرض، مما سيحتاج إلى نضال اجتماعي و ثقافي،
سيشتبك بالضرورة مع النضال السياسي، وهذا يحدث اليوم مع بعض منظمات حماية البيئة التي
تناهض الأسلحة النووية بكافة أشكالها.
تبدو المجتمعات العربية و كأنها غير معنية بما يجري في هذا السياق، لأنها لا تشعر بذنب الضلوع
في الأعمال الجائزة ضد البيئة، و لكن لا يعفيها من حق المشاركة في حماية المكان المشترك لعيشها
مع باقي الشعوب على الأرض فمثلا إن ما سيحدثه الانقلاب المناخي بسبب الانبعاثات الكربونية في
الجو، سيشكل كارثة بيئية، ليس على أجواء الدول الصناعية التي تسببت في إنتاج تلك الانبعاثات،
فحسب، بل على كل طبقة الغلاف الجوي، و هو ما سيلحق الأذى بكل الكائنات و في أي مكان.

لقد آن الأوان لأن نكون شركاء فاعلين في العالم، للمشاركة في إنتاج وعي بيئي، يسهم في حماية
الأرض من الخراب، ويوقف عمليات استنزافها، وهذا يتطلب انتباها فاعلا من المثقف العربي، لما
يجري حوله، و توجيه جزء من اهتمامه لما يهدد كوكبنا كله بالفناء.