لخّصلي

المحاضرة األولى
سقوط غرناطة وانعكاساته على بالد المغرب
أوال: أوضاع المغرب العربي ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميالديين:
عرفت بالد المغرب بعد انهيار سلطة الموحدين انقساما سياسيا وركودا حضاريا مما
خلف انعكاسات كبرى على األوضاع العامة للمالك الثالث المتخاصمة وأمام ذلك تقوت
الممالك األوروبية واستولت على غرناطة وهددت السواحل الشمالية للمغرب ولوال تدخل
العثمانيين وظهور قوى جديدة مقاومة لوقع المغرب مبكرا تحت السيطرة األوروبية.
ورثت إمبراطورية الموحدين ثالث دويالت ظلت تتنازع السلطة، المرينيون في المغرب
والزيانيون في تلمسان والحفصيون في تونس وطوال الثالث قرون، من الثاني عشر إلى
الخامس عشر ميالدي أضعفت هذه النزاعات الكيانات السياسية وأسهمت عوامل أخرى في
تقهقر هذه الممالك وتراجعها ومنها توقف الحركة التجارية الداخلية، وتحول مراكز التجارة
الدولية، وركود الحياة العلمية، وشيوع ظاهرة التقليد، وقد أصبحت السلطة الحاكمة غير قادرة
على فرض سلطتها فاستقلت كثير من األسر بحكم المدن والنواحي وقد تحقق خالل القرن
الرابع عشر ميالدي توازن في القوى بين الممالك المغاربية الثالث مما جعلها تعزف عن شن
الهجومات التوسعية واالنكفاء على مشاكلها الداخلية.
وفي ظل تقهقر اإلمارتين الزيانية والمرينية خالل القرن الخامس عشر استعادت إمارة
الحفصيين قوتها وحاول أمرائها دفع المخاطر الخارجية وبعث نهضة حقيقية، وقد استفحل
تقهقر الدولة المرينية نتيجة مكائد وزراء في الداخل والنصارى في الخارج، وأما تلمسان التي
تحررت من تهديدات المرينيين والحفصيين فلم تجد في ذاتها من القوة والتماسك ما تستطيع
أن تفرض به سلطتها وقد نتج عن تراجع السلطة المركزية تفكك البنى السياسية القائمة على
العصبية القبلية حيث استقلت عن تونس كل من طرابلس، قسنطينة، بجاية، واستقلت عن
تلمسان وهران، وجزائر بني مزغنة، واستقلت عن فاس مر اكش، ومناطق الجنوب وقد أثر هذا
التمزق على التجارة الصحراوية التي كانت تحرك عصب االقتصاد وتدهورت التجارة
3
والزراعة بسبب الال أمن وتراجعت الحواضر العلمية عن أداء دورها بل عم الخمول والتقليد
على الحياة العلمية، وهكذا فإن االنحطاط كان يغذي نفسه بنفسه ذلك أن ركو د التجارة يؤدي
إلى إفالس المدن فيدفعها إلى االستقالل عن السلطة المركزية وهذا الفقر الطارئ على المدن
والحواضر يتسبب في فراغ خزينة الدولة وبالتالي في انحالل الجيش وضعف السلطة
المركزية وعليه نسجل أن الوضع العام في بالد المغرب خالل القرن السادس عشر كان
متدهورا في الجانبين السياسي والحضاري.
في الوقت الذي كان المغرب العربي يعيش عصر الكيانات السياسية المستقلة المتنازعة
فيما بينها قصد التوسع والسيطرة كانت أوروبا تدخل عصرا تاريخي إنه عصر النهضة الذي
اصالحية في

غير وجه أوروبا في شتى المجاالت فالنهضة التي كانت أدبية في إيطاليا و
ألمانيا اتخذت طابع االكتشافات الجغرافية التي تحولت إلى حركة استعمارية تبشيرية كانت
سببا في اندالع حرب صليبية جديدة عانت منها بالد المغرب طويال وكانت سببا في ظهور
األتراك العثمانيين بالمنطقة.
ثانيا: سقوط غرناطة:
المؤكد والمتعارف عليه عند جل المؤر خين والدارسين أن تاريخ 2941م هو تاريخ
سقوط األندلس ال تاريخ سقوط غرناطة كما هو معروف بيد النصارى بشكل نهائي وطرد
المسلمين منها بعد ثمانية قرون من العطاء الحضاري والمعرفي، التي ما زالت بصماته
واضحة في تاريخ إسبانيا عامة، أما تاريخ 2941م هو سقوط آخر معقل من معاقل األندلس
إنها غرناطة المدينة الصامدة في وجه الغزو االسباني خالل القرون الثالثة األخيرة للتواجد
اإلسالمي بشبه جزيرة ايبيريا كون سقوط الحواضر بدأ مع القرن 22م وخاصة بعد انهزام
الموحدين في معركة حصن العقاب 2121م وقد نتج عن هذا السقوط انعكاسات عديدة أثرت
على المسلمين، وبخاصة بالد المغرب، بداية من سقوط طليطلة الذي يمثل العد التنازلي
لإلمارات والمدن األندلسية حيث توالى سقوط المدن تباعا وسادت روح االستسالم واالنهزام
عند الكثير.
4
وبعد مرور قرن من المد والجزر عرفت فيه حركة سقوط المدن في يد النصارى نوعا
من التوقف، لماذا؟ )صراع بين النصارى( فإن مطلع القرن 21م عرف تهاوي المدن
والحصون الهامة إلى أن أتى الدور على غرناطة آخر معقل للمسلمين بشبه جزيرة ايبيريا.
ويعتبر سقوطها حدا فاصال بين حضارتين حضارة عربية إسالمية ظلت تصارع الموت
لسنوات وحضارة غربية مسيحية تكتسح ما تعتبره دخيال وتقذف به خارج شبه الجزيرة
االيبيرية.
وسقوط غرناطة يعتلي مكانة خاصة لدى اإلسبان والغرب على السواء فاإلسبان اعتبره
آخر حاجزا في سبيل توطيد سلطتهم وتوحيد بالدهم، واعتبره العرب مؤشرا واضحا ألفول
سلطتهم ال بالنسبة لألندلس فقط ولكن حتى بالنسبة لمعاقلهم األولى أيضا.
وترجع أسباب سقوط غرناطة إلى ما يأتي:
 الضغط الخارجي ويشمل عاملين، العامل االقتصادي وكذا العامل السياسي، األول يعود
إلى: حرق المزارع، وقطع الطرق، وانعدام التجارة، وانعدام األمن قتل المزيد من المسلمين
أدى إلى تناقص القوة البشرية.
 استنزاف طاقات الدولة من جراء فرض األتاوات بين الحين واآلخر من قبل النصارى.
 قلة المساعدات العربية الناتجة في الصراعات الداخلية من جهة والصراع بين الدول
المغاربية من جهة أخرى )بني حفص – بني مرين(.
واي ازبيال مما
 أما العامل الثاني فيتمثل في اتحاد مملكتي قشتالة وأ ارقون بزواج فرديناند
أدى إلى اتحاد قوى النصارى ويقابل ذلك االتحاد صراع دموي داخلي على السلطة في
مملكة بني األحمر باإلضافة إلى توقف الحروب بين الممالك المسيحية وخاصة بين
مملكتي قشتالة وأراقون.
نتائج السقوط: بعد سقوط غرناطة بعشر سنوات أصدر الملكان فرديناند وايزابيال أمرا كان
خالصة »أنه لما كان اهلل قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة )المسلمين( فإنه
يحضر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بعضهم فإنه يحضر عليهم أن يتصلوا بغيرهم خوفا
5
من تأخر تنصيرهم، كما يعاقب المخالفون بالموت أو بمصادرة األموال« وعليه قام النصارى
بما يلي:
 لقد تنصر بعض المسلمين ومن النصارى من لم يرضى بذلك وأهانوا المسلمين
المتنصرين وأطلقوا عليهم اسم المورسكيين احتقارا وتصغيرا من شأنهم، فلم يكن
المورسكي نصرانيا بالدرجة األولى لكنه كان تصغير بهذا النصراني األصيل.
 التهجير: لم يرض المسلمون بسياسة التنصير بل قاوموها بإعالن الثورة على إسبانيا
وشن هجومات ألحقت بها خسائر مؤثرة ولما يئس اإلسبان من هذه الثورات أصدروا عفوا
عاما وسمحوا للمسلمين بالهجرة.
محاكم التفتيش:
لم يقف األمر عند حد التهجير والتنصير بل تعداه إلى أن قام الكاردينال اإلسباني
خيمينيس بحرق 08 ألف كتاب جمعت في غرناطة، ثم نشأت ما يسمى بمحاكم التفتيش
وذلك للبحث عن المسلمين الذين ادعوا النصرانية واخفوا اإلسالم، فإذا وجدوا رجال يدعي
النصرانية ويخفي إسالمه أو وجدوا في بيته مصحفا أو وجدوه يصلي أو ال يشرب خمرا
أقاموا عليه الحد بوضعه في السجن و تعذيبه حتى الموت.
انعكاسات السقوط على بالد المغرب:
لقد كانت لهجرة األندلسيين إلى بالد المغرب إيجابيات وسلبيات أفادت وأضرت بدول
المغرب لكن فوائدها كانت أكبر ألن الجالية األندلسية ساهمت مساهمة فعالة في التنمية
االجتماعية واالقتصادية والعمرانية فقد جلبوا معهم صناعة الخزف والجليز، والقرميد والشاشية
التي ازدهرت إثر قدومهم ازدهارا كبيرا، والجلود، والحلي واآلالت الفالحية، وطوروا وسائل
الري بإقامة السدود والقنوات وحفروا اآلبار، وجلبوا المشاتل المحسنة وتتمثل أساسا في
األشجار المثمرة كالمشمش والرمان والزيتون، والبقول... وعرفوا بتعاطيهم لعدة فنون مثل
المالوف، واستطاعوا شيئا فشيئا أن يندمجوا ويختلطوا بالعائالت المغربية خاصة التونسية،
والتزاوج والتصاهر. فكونوا المدن والقرى وبنوا المدارس على الطراز المعماري األندلسي