لخّصلي

يملك مطعمًا متخصصًا لبيع السمك في سوق حي النور الشعبي، سماه مطعم (الجنتلمان) وكان اسمًا غريبًا لمطعم، لا علاقة له بتلك الكلمة الإنجليزية التي يوصف بها الرجل ذو المروءة والشهامة، لم أكن قد رأيت قريبي ذلك منذ سنوات طويلة، ولا زرتُ مطعمه إلا مرة واحدة برفقة والدي حين كنت طفلا، ولا جاء يبارك لي عيادتي التي كانت في حي يسكنه منذ سبعينيات القرن الماضي، ويمارس فيه صنعة بيع السمك الذي يشتريه مباشرة من الصيادين في البحر، كما جاء بعض أقاربي الآخرين الذين يتشتتون في الجوار ، لكنني فوجئت به وقد مضت خمسة عشر يومًا على حادثة الزفة المسروقة، وبیده کيس من الورق البني، وتنبعث منه رائحة السمك المقلي كثيفة تخنق جو الغرفة، ووضعه على الطاولة أمامي، ونز شيء من الزيت على دفتر الوصفات، في تلك الخمسة عشر يوما لم يظهر (إدريس علي مرة أخرى في محيطي، لا شخصيًا ولا عبر احتيال جديد، حين زرته في مركز الشرطة في إحدى الأمسيات، ورأيت شريطه العسكري ينفلت مجددًا بعد أن زال مفعول الصمغ، وفرغت العلبة الصفراء كما يبدو أن أنسى الموضوع تماما، وأن أحافظ على عربتي بتغيير الأقفال
ويفتل شاربه الأبيض الكثيف باستخدام أقفال أمريكية أو ألمانية؛ سألته إن كان قد فشل في اعتقال المحتال إدريس، أهل العرس هم الذين استلفوا عربتك، وأنا أنتظر العريس حتى يعود من شهر العسل، فشلت للشاويش خضر أبدا مرة ثانية. ووجهه الموشوم بتلك الخطوط الرأسية التي تحيله إلى أهل الشمال، وألمح في عينيه نظرة غريبة، ولم أستطع أن أستوعب ذلك الكلام الغريب الذي سمعته، ومصائب أخرى لا أدري عنها شيئًا ؟ وقد رأيت إدريس مرتين في يوم واحد، وأصدق تماما ما قاله العريس المفجوع بشأن : تأجيره للعربة. وقد دخل القسم في تلك اللحظة زميله الشاب، وهويجر صبيًا متسخ الملابس، سرق حذاء ممزقًا من أمام مسجد في وقت الصلاة، يتمشى به في السوق واقتنصه. علي أن أغير قفل العربة بقفل أقوى كما نصحني، وأبحث عن مركز شرطة آخر، إن عاد إدريس بإحدى ألاعيبه وأربكني مرة أخرى. ولم أقل للشرطي شيئًا وخرجت من عنده، باحثًا عن ذلك المقتحم. ناديت على عز الدين سلّمته كيس السمك (الجنتلمان) حتى لا يفسد هواء الغرفة برائحته ، ويزعج المرضى القادمين، ويحاول تحريك يده اليسرى، إنني دست بقدمي على شيطان رضيع في أحد الأزقة أثناء عودتي إلى بيتي في الليل. أنا الآن بخير بعد أن عالجني الشيخ، ليس من اعتقاده بمسألة الشيطان الرضيع الذي داسه بقدمه، فقد كان الشيخ الحلمان هو المعالج النفسي أو المعالج الروحاني الذي يتدرب عنده العجوز حامد رطل، الرجل الفصيح الذي أنهكني بسبعة وخمسين مريضا، - دلني عليه صديقك (إدريس علي). لقد اختفى فجأة وكان يأتي باستمرار للعشاء
أصيح داخل نفسي ولا أريد أن أسمع صوت فضل الله مرة أخرى، هذه زيارة لتثبيت كارثة بلا شك وليست زيارة ودية، وحتى حين كان يأتي إلى منزلنا منذ سنوات بعيدة، لكن برغم ذلك لا بد أن أعرف. بدأ يسيل من جسده العرق الرطب، وقطعا أحس في تلك اللحظة بغبائه وكان يبعد عني مسافة عدة شوارع، ولم يقطعها ليسألني قبل أن يجود بماله ، إضافة إلى الصلة شبه المقطوعة بين أسرتنا وبينه، والتي لا تسمح قطعًا باستلاف مبلغ هائل كهذا ولا حتى مبلغ تافه منه. حصيلة شهر من السمك (الجنتلمان). والحنق على ذلك العسكري المتخاذل خضر الذي يدعي بأن لا وجود لإدريس أو متاريس في منطقة يعرفها جيدًا، وبرفقة ضابط برتبة عالية هذه المرة، ولا يقدم بلاغابحادثة النصب في قسم الشرطة، لأن لا إثبات لديه ولا شهود كما أخبرني، وسيقول: إنه أخذها برضائي أو من واقع صداقتي، وكم يوما من العمل الشاق داخل عيادة لا تأتي بالكثير ، أكثر من شهر أو شهرين بلا شك. لقد كان إدريس أكثر وعورة مما تصورته، وأكثر دهاء مما يبدو على وجه شاب نحيل، يرتدي زي جنود الصاعقة، ويؤجر عربة مسروقة لعريس مسكين. لقد درسني بلا شك حين افتتحت عيادتي.