التعليم في عالَمنا المعاصِر - كما يُجمِع أغلب الخُبراء التربويين - مشغولٌ بالعديد من القضايا والتحدِّيات والمتغيرات المتَّصلة بأبعاد العولَمة والتطوُّر العلمي والتكنولوجي وزيادة الإقبال على التعليم والرَّغبة فيه، ولم يعد التدريس عملًا سهلًا يمكن اكتسابه بالممارسة والمحاكاة فقط؛ بل أصبح في بعض أبعاده عمليَّة تنمية وبناء شخصيَّة الفرد الإنسانيِّ، وجعلِه قادرًا على مواجهة وتقويم المتغيرات التي تواجِهه، الذي يتَّفق ويساير إيجابيَّات ثقافتنا العربيَّة والإسلامية. والابتعاد عن السَّلبي والضَّارِّ والمبادئ الهدَّامة. أصبح التعليمُ عمليَّة هندسة أفكارِ وقِيَمِ واتجاهاتِ الأفراد، ممَّا يؤدِّي إلى صالح الأفراد والمجتمع. تُعرف بالتعليم مدى الحياة للمساهمة في خِدمة المجتمع. ما المقصود بالتعليم مدى الحياة؟ وما مرتكزات تحوُّل التربية مدى الحياة؟ وما أُسسها في الفلسفة التربوية؟ 1- الجذور التاريخية لفكرة التعليم مدى الحياة: لكن تَطوَّر المفهوم ليدلَّ على عمليَّة تربويَّة واجتماعية تهدف إلى تلبية حاجيَّات المجتمع وفق التطورات الاقتصاديَّة والعلمية. إذ يُروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "علِّموا أولادكم لزمانهم، كما يقول المثَل الصِّيني: "إذا أعطيتني سمكة، فقد أطعمتَني إلى الأبد". فقد اعتبر تقرير لجنة جاك ديلور: "أنَّ مفهوم التعليم مدى الحياة، وأنَّه ينبغي أن نجعل التعليمَ مدى الحياة في قلب المجتمع والاقتصاد"[1]. لكن الخيط الرَّابط بين هذه المصطلحات أنَّ التربية والتعليم عمليَّة عملية وسيرورة حياتيَّة، وإنَّ التربية مدى الحياة لا تَنتهي بحصول المتعلِّم أو الطالب على شهادات عليا للتَّباهي بها، بل مَنظومة مستمرَّة ترافِق الإنسان في حياته المهنية والاجتماعية والثقافيَّة. 2- مرتكزات تحول التربية مدى الحياة: يرتكز تحول النِّظام التعليمي نحو المعرِفة في عصر المعلوماتيَّة والعولَمة، إلى تَحقيق أربع غايات ومرتكزات اتَّفق عليها مُعِدُّو تقرير اليونسكو، وكيفيَّة إتقان أدوات التعامل معها، والفهم لكيفيَّة التعامل مع تَراكم المعلومات، • تعلَّم لِتعمل: تسعى هذه الغاية التربويَّة إلى تأهيل الفرد وتَدريبه لِتلبية مطالِب المجتمَع؛ من خلال التعامُل مع عالم الواقع، كذلك تعدُّد أطوار العمل؛ والعمل أثناء التنقُّل والحركة. • تعلَّم لتشارِك الآخرين: أدَّى عصر المعلومات إلى تَوسيع بِيئة حياة الإنسان، مِن بيئةٍ محليَّة إلى بيئةٍ عالَميَّة، ويتطلَّب هذا تغييرًا في التوجُّهات التربويَّة والإداريَّة، ومن أهمها: إدخال اللُّغة الإنجليزيَّة مع الاهتمام الكبير باللُّغة العربية، وتعزيز مفهوم التفكير، واستخدام التكنولوجيا كأساسٍ في التعليم، وتطوير المناهج والوسائل التعليمية. منظومة نسقيَّة متكامِلة ومتداخِلة، لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة للفرد والمجتمع. إنَّ العناية الكبرى بهذه المقارَبة المبنيَّة على التعليم المستمرِّ والدَّائم - يَجعل المدرسة تحطِّم كلَّ الحواجز مع الحياة، بمعنًى آخر: إخضاع المدرسة والتربية والتعليم للتغيُّرات التي تلحق المجتمع والاقتصاد والثَّقافة. وقد تبنَّى هذا التوجُّهَ التربوي الدولُ المتقدِّمة، وترتكز هذه الفَلسفة التربويَّة للتربية مدى الحياة على عدَّة أسس، إذ التربِية والتعليم لا تتوقَّف عند مستوًى دراسي معيَّن؛ وقديمًا قيل: اطلب العلمَ من المهد إلى اللَّحد. أي: متى كانت الحاجة ملحَّة لتطوير وإصلاح التعليم ليساهِم في بناء وعيِ المجتمع تربويًّا وخلقيًّا واقتصاديًّا وتنمويًّا، وهنا يَحضرني ما قامَت به الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة المنافسة الشَّرِسَة من قِبَل الاتحاد السوفيتي آنذاك، والسَّعي الحثيث للتجديد والإصلاح. التي تَقوم على تعبئة وتَجنيد مجموعة من المعارِف والمهارات والمواقِف والاتجاهات؛ من أجل حلِّ وضعيَّة مشكلة حياتيَّة. أي: الانتقال من التوجُّه الكلاسيكي الذي يقوم على ثقافة الملْء وحَشو ذاكرةِ المتعلِّم، إلى تربيةٍ تَقوم على الجمع بين تَقوية ذَاكِرة المتعلِّم، فالتعليم لا يتوقَّف بمجرَّد الحصول على شهادة مدرسيَّة،