حتى لقد زعم الرواة أنه بكى حين سمعه . وواضح أنه لم يجعله بخيلا فحسب ، بل جعله هو وعشيرته يملأون بطونهم ويتخمون في ليالى الشتاء الباردة على حين يشتد كلتب الجوع والمسغبة على جاراتهم . واختار النساء لينزع من قلوبهم كل عطف ورحمة ، فهم ليسوا بخلاء فحسب ، بل إن قلوبهم لأشد قسوة من الحجارة . واستمع إليه يسخر من كسرى قبل وقعة ذي قار : واقعد عليك التاج معتصباً به لا تطلبنَّ سَوامَنا فَتُعَبَّدَا (1) وفى كلمة «اقعد من الهجاء ما يفوق كل إقذاع ، إذ يستخف به وبجيوشه التي يعدها لقتالهم وقتال شيبان، وكأنه يلوح له أنه إن هاجمهم مني بهزيمة تطيح بتاجه. ولعلنا الآن نفهم ما كان يقال عن الأعشى من أنه « إذا مدح رفع وإذا هجا وضع ، ، فهو إذا مدح غالى فى مدحه حتى رفع ممدوحه على جميع الناس ، هجا أوجع لا بالشتم والهجاء المقذع وإنما بالتهكم والسخرية والاستهزاء . والأعشى كثير الفخر في شعره بقبيلته وعشيرته ، وهو يجمع لهما ضروب المفاخر والمناقب التى كانوا يعتزون بها في الجاهلية من الجود في الجدب والشجاعة في الحرب والرعي في المكان المخوف وإغاثة المستصرخ . وكثيراً ما يضمن هجاءه لمن يختلف معهم من قبيلته الكبرى بكر وقبيلته الصغرى قيس بن ثعلبة فخراً مدوياً ، بشجاعة قبيلته وما أثخنت في القبائل من جراح : سائل بني أسد عنا فقد علموا واسأل قُشَيْرًا وعبد الله كلهم إنا نقاتلهم حتى نقتلهم لئن منيت بنا عن غب معركة أن سوف يأتيك من أنبائنا شكل (٢) واسأل ربيعة عنا كيف نَفْتَعِل (۳) عند اللقاء وهم جاروا وهم جَهِلُوا لم تُلفنا من دماء القوم نَنْتَفِلُ (4