كان لـ يوسف عليه السلام أحد عشر أخاً، وذات ليلة رأى يوسف في منامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين. فقص على والده رؤياه، فنصحه بألا يقص الرؤيا على إخوته؛ فاتفقوا على أن يلقوه في بئر عميق. فأخذوه وباعوه بثمن بخس، أخذت امرأة العزيز تراوده عن نفسه، وخرج من السجن بعد ذلك، واستعمله الملك على اقتصاد مصر، حيث أحسن إدارته في سنوات القحط. ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وتحققت رؤياه.تفاصيل القصةكان يوسف يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه! تبدأ القصة بإخبار يوسف والده أنه رأى في المنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فطلب يعقوب من ولده ألا يقص رؤياه على إخوته؛ وغيرة منه. فخلا بعضهم، وتناقشوا فيما بينهم فيما هم فاعلون، وأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا يوسف ويلقوه في بئر عميق؛ ليطفئوا نار الغيرة التي تشتعل في صدروهم.وبعد أخذ ورد مع والدهم، وافق الوالد الحنون على إرسال يوسف مع إخوته لقضاء بعض الوقت في اللعب واللهو. وبالفعل خرج الإخوة بـ يوسف إلى مكان بعيد، وقد عقدوا العزم على تنفيذ خطتهم، ثم وصلوا إلى مكان فيه بئر عميق، وقد حملوا قميص يوسف معهم، ليخفوا حقيقة ما جرى، ويدعوا أن ذئباً ضارياً شارداً هاجم أخاهم على حين غفلة منهم، ولكن ماذا عساه أن يفعل، والأدلة بين يديه لا تقوى على إدانة مرتكب الجريمة. فسلَّم أمره إلى الله، طالباً منه الصبر على هذا المصاب الجلل. وبينما هو على هذه الحالة، إذ بقافلة من قوافل التجار تمر من هنا، ثم تنزل قرب البئر قاصدة الاستراحة والتزود بالماء والطعام، حتى يتبين لهم أن ثمة غلاماً في البئر، فيفرح بذلك فرحاً شديداً، ويخبر رفاقه بهذا البضاعة التي كسبها من غير تقدير ولا تدبير. ومن ثم يعرضونه للبيع لبعض المارة، فيشتريه بثمن زهيد! ويبدو أن الذي اشتراه كان صاحب جاه ومنصب ومكانة، وكان قبل ذلك صاحب توفيق؛ إذ أن شراءه لهذا الغلام سوف يجلب له الخير في قابل الأيام.واستقر المُقَام بـ يوسف في بيت عزيز مصر، وفي هذا البيت الرفيع كانت لـ يوسف قصة، وأي قصة! تقول القصة: إن زوجة العزيز قد فُتنت بجمال يوسف، فطلبت منه -بعد مقدمات وممهدات- فعل الفاحشة معها! ويا لهول هذا الطلب! كان رد يوسف على طلبها بالرفض القاطع، وطلب الإعانة من الله للخلاص من هذه الفتنة التي حلت به من غير سابق إنذار. بيد أن المرأة المفتونة -وقد انسلخت من حيائها تماماً، وانساقت وراء شهوتها- أصرت على يوسف أن يفعل الفاحشة معها، وفي تلك الأثناء -والحال بين شد وجذب، وخلفه العزيز، وإذا بالثلاثة وجهاً لوجه: يوسف يسعى ويركض نحو الباب للتخلص من براثن الفتنة، والزوجة لاهثة وراء قضاء شهوتها، والزوج يريد أن يعرف ماذا يجري داخل قصره!؟ورغم هذا الموقف الحرج، فقد بادرت الزوجة بتوجيه التهمة إلى النزيل الجديد في القصر، وطلبت من زوجها أن يودع هذا النـزيل السجن، أو ينزل به اشد العقاب؛ وعزيز مصر- بزعمها ! وأمام هذا الاتهام الصريح من المرأة لـيوسف، لم يجد يوسف بداً من الدفاع عن نفسه بالحق،ومن أجل أن يعرف العزيز حقيقة ما جرى، طلب من بعض أعوانه، ما يعني أنه كان بصدد الفرار من الفتنة، إلا أن الفتنة لاحقته، وأمسكت بقميصه ما أدى إلى تمزيقه، فكان هذا دليلاً كافياً على براءة يوسف من هذه الفتنة التي كيدت له.إنه حديث يدور هامساً خافتاً.وإذن، فلتتدبر الأمر قبل أن يستفحل، ولتعمل بكل ما تملك من حول وطول لإطفاء نيران هذه الفتنة التي أخذ شررها يتطاير في كل مكان،وكان من تدبيرها وحيلتها، أن دعت النساء إلى حفلة ذات طعام وشراب، وقدمت لهن ما لذَّ وطاب، وكان من جملة ما قدمت لهن فاكهة تسر الناظرين، وقدمت مع كل طبق فاكهة سكيناً لقطعها على عادة كبراء القوم، وفي أثناء انشغال النسوة بتقطيع ما بين أيديهن من فاكهة، طلبت المرأة من يوسف الدخول على تلك النسوة، ولم يشعرن إلا وهن يقطعن أصابعهن بالسكاكين .وإذا بامرأة العزيز تبوح بمكنون صدرها ولواعج قلبها، ليذوق وبال صده، وليكون ذليلاً صاغراً.ولا يجد يوسف أمام هذا السلطان القاهر المتحدي إلا أن يفزع إلى ربه، أن يصرف عنه السوء الذي أحاط به، ويبعد عنه شبح الفتنة التي تحاصره من كل جانب. وقد استجاب الله دعاء يوسف، فصرف عنه كيد تلك المرأة ومن ناصرها من بنات قومها. ثم آل به إلى الأمر أن يدخل السجن،دخل يوسف السجن -على ما فيه- مُؤْثِراً إياه على فعل ما لا يرضي الله سبحانه، وكان السجن هو الحصن الذي احتمى فيه يوسف من الفتنة ودواعيها، ثم كان فيه ما كان. كان هذا السجن -وكل محنة تحمل في طياتها منحة- هو الطريق الذي سلك بـ يوسف إلى المُلك، الذي أراد الله سبحانه أن يضعه بين يديه،يقيم يوسف في السجن مع رفاق سجنه، وعلو نفسه، وسداد رأيه، ثم ها هو ذا يصبح المرجع في تفسير الأحلام التي يراها أهل السجن -وما أكثر ما يرى السجناء من أحلام- وذات يوم يسأله شابان من رفاق السجن عن رؤيا رأياها. ليصنع منه خمراً، وأما الآخر فكان قد رأى أنه يحمل خبزاً فوق رأسه، والطير تأكل منه. فبدأ يبين لهما وحدانية الله، التي لا تملك من أمرها شيئاً. فأخبر الأول أنه سوف يسقي الخمر لسيده، والطير تأكل من رأسه. وأنهى تأويله لهما بقوله: إن كلا الأمرين قضاء من الله حاصل، وينشغل بأمور حياته، ويقابل سيده، إلا أنه ينسى أن يبلغه رسالة يوسف التي حمَّله إياه إليه. وأقضت عليه مضجعه، إذا بصاحب يوسف الذي نجا من السجن يتذكر يوسف، فينطلق إليه مسرعاً، ويسأل يوسف عن تأويل رؤيا الملك، ثم يعود إلى الملك كالسهم، ويلقي بين يديه تأويل ما رآه، وعندها يهتف الملك بمن حوله طالباً منهم إحضار يوسف؛ ليكون إلى جانبه مستشاراً،بَيْد أن يوسف يأبى أن يستجيب لدعوة الملك، ولم تشغله فرحة الخروج من هذا القبر،عن أن يطلب التحقيق في أمر سجنه. ليعيد له الاعتبار، ويُعْرَفُ صاحب الحق من الباطل.وها هن النسوة يمثلن في مجلس الملك؛ لكشف النقاب عن ملابسات اعتقال يوسف، ويسألهن الملك عن هذا الحدث الذي كان بينهن وبين زوجته. ومن ثم تخبر زوجها أنها هي التي طلبت من يوسف فعل الفاحشة معها! وقابل طلبها بالرفض والامتناع. ويقع من نفسه موقعاً متمكناً؛ إذ رأى فيه الرجل الذي يجد عنده سداد الرأي، وصدق النصح، وحسن التدبير ما يقيم ملكه على دعائم قوية. وهكذا كان يوسف إلى جانب الملك يشرف له على موارد الدولة الاقتصادية، ويدبر له صادرها وواردها.مضى الزمان يطوي الليالي والأيام، ووقعت مجاعة في أرض كنعان التي كان يعيش فيها يعقوب وأبناؤه. وكانت مصر بفضل تدبير يوسف قد أعدت لهذا الأمر عدته؛ فادخرت كثيراً مما زرعت وحصدت، وبهذا أصبحت مصر في تلك الأيام المجدبة محط رحال الوافدين إليها،وقصد إخوة يوسف مصر طلباً للتزود بالطعام، وقدّر الله أن يجتمعوا بأخيهم يوسف من غير أن يعرفوه، ومنذ اللحظة التي رأى فيها يوسف إخوته، أخذ يدبر أمراً بينه وبينهم. وها هم أولاء يطلبون منه التزود بالطعام، وها هو ذا يرفض تزويدهم بالطعام إلا بعد أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم؛ ليكون ذلك دليلاً على صدقهم فيما قالوه من أنهم أبناء يعقوب.ويعود الأبناء إلى أبيهم، وما يكادون يلتقون به حتى يخبروه بأنهم منعوا من التزود بالطعام إلى أن يأتوا بأخ لهم.ولم يجد يعقوب بداً من التسليم بالأمر الواقع، فسمح لهم باصطحاب أخيهم معهم، نصحهم أبوهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، بل يدخلوها من عدة أبواب؛ ويخلو به، ويضمه إليه، ويخبره أنه أخوه. فأمر بعض أعوانه أن يضع مكيال الطعام ضمن أمتعة أخيهم من غير أن يشعر أحد منهم بذلك، وسار الأمر وفق ما خُطط له، إذا بمنادي الملك يخبر القافلة بأن مكيالاً قد سُرِق، وأنه لن يُسمح بالمغادرة للقافلة إلا بعد أن يتم تفتيش متاع القافلة، ومعرفة السارق.وبدأت عملية تفتيش الأمتعة، ثم استخراج المكيال المسروق من متاع الأخ، ورجوا يوسف أن يأخذ أي واحد منهم، ويطلق سراح أخيهم؛ وجاء الجواب بالرفض القاطع.علم يعقوب بما حدث، ولم يجد أمامه إلا الصبر على هذا المكروه، والرجاء في رحمته وإحسانه. وها هو اليوم يفيد ابنه الثاني.ويمضي يعقوب في موقفه هذا مع ربه، وشكاته إليه، والوقوف بباب فضله، ثم يتوجه إلى بنيه طالباً منهم البحث عن يوسف وأخيه، وحاثاً إياهم على عدم اليأس من فضل الله ورحمته، فلم يسعِ الأبناء إلا الاستجابة لطلب أبيهم، فأعدوا العدة، يرجونه ثانية أن يطلق سراح أخيهم. وما حلَّ بهم من ضيق، فيرق لحالهم، ثم يسألهم سؤال المعاتب: هل علمتم ما فعلتم بـ يوسف عندما كان صغيراً؟ فيتعجب الإخوة من هذا السؤال، ويستفسرون منه إن كان هو نفسه يوسف، فيأتي الجواب بالإيجاب. وهنا يشعر الإخوة بالندم على ما كان منهم، وأنهم كانوا على طريق ضال في الكيد الذي كادوه له.ويطوي يوسف سريعاً صفحة الماضي الأسود، وطلب المغفرة على ما كان منهم. ثم يطلب يوسف من إخوته أن يحملوا قميصه، ويلقوه على وجه أبيهم؛ كي يرتد إليه بصره. وينطلق الركب فرحين بما يحملونه من أخبار سارة يبثونها إلى أبيهم. وما أن يشارفوا على الوصول حتى يخبر يعقوب أنه يجد ريح يوسف ، ويدخل الأبناء على أبيهم، ويلقوا القميص على وجهه، ثم يخبروه بما جرى بينهم وبين أخيهم يوسف، ويطلبون منهم المسير معهم إليه ليلتئم شمل الأسرة. ويدخلون على يوسف، ويرفعه على المكان المخصص لجلوسه احتفاء به، ثم يتوجه مناجياً ربه،