نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغنطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي. وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً. فأما الكاتب فإنه باستخدامه مؤسسة الجنس الأدبي، من جهة اختياره لها شكلاً فنياً يجسد رؤيته للعالم، يدلي ببيانات مهمة عن أسلافه في الجنس الأدبي المختار، وهو كذلك يستخدم الجنس الأدبي لنقل رؤيته الفنية والاجتماعية والسياسية، ونشرها في مجتمعه بوساطة العمل الأدبي الذي يجسدها. بحسب الغرض الذي يريده من عمله. وأما القارئ العام فإن مؤسسة الجنس الأدبي تكوّن لديه نظام ترميز يتعامل به مع العمل الأدبي ويرسم آفاق توقعاته تبعاً له، مثلما يكوّن ذوقه النوعي الخاص بهذا الجنس الأدبي، هذا الذوق الذي يكون حصيلة تراكم قراءاته في أطوار حياته المختلفة. وتبينه لصلاته الأدبية وفوق الأدبية، وتحديده المصادر الأدبية القومية والعالمية، ثم الحكم عليه في النهاية وذلك عن طريق وضعه في عدة سياقات contexts من الجنس الأدبي المحلي، والجنس الأدبي العالمي آنياً وتاريخياً. إن الجنس الأدبي بهذا المعنى هو المحرق الذي تلتقي فيه القوى الفاعلة في عملية الإنتاج الأدبي في أي مجتمع من المجتمعات: من كاتب وقارئ وجملة عوامل وشروط ومحددات تسهم جميعاً في تشكيله. ترجع نظرية الأجناس الأدبية في أصولها الغربية إلى تمييز أفلاطون [ر] بين نمطين من أنماط إعادة إنتاج موضوع، هما نمط الوصف أو التصوير بالكلمات ونمط المحاكاة mimesis. فقد قسمه أفلاطون إلى شعر محاكاة مباشرة للأشخاص هو الشعر المسرحي، وشعر وصف وتصوير للأعمال الإنسانية هو الشعر السردي. الأمر الذي اضطر أفلاطون إلى إدخال قسم ثالث ذي نمط مختلف يتناوب فيه الحوار والسرد كما هو الشأن في الملحمة حيث يندر استخدام السرد الصرف. فإنه لم يلتفت إلى الشعر الغنائي بوصفه جنساً أدبياً رئيساً. والتقسيم الثلاثي الشائع للشعر إلى مسرحي وملحمي وغنائي، وإنما إلى عملية طويلة من الجمع والتعديل والإعادة مع التغيير الطفيف لقوائم تقليدية معينة من الأجناس الأدبية، والحقيقة أن فن الشعر عند أرسطو ينصرف في معظمه لدراسة جنس المأساة [ر] بوصفه جنساً أدبياً يسمو على ما سواه من الملهاة والملحمة وغيرهما. وأما إشاراته العابرة أو المتأنية للملهاة والملحمة فقد جاءت في معرض مقارنتهما بالمأساة بهدف توضيح جوانب مهمة من هذا الجنس الرفيع الذي بلغ أوجه ما قبل عصر أرسطو، وأن يعير اهتماماً أقل لكل من الملحمة والملهاة لأنهما دون المأساة وظيفةً (في التطهير) وأسلوباً (في اعتمادها الأسلوب النبيل كما أسماه اليونانيون). والشعر الهجائي المعروف باسم الإيامبي iambic لأنه منظوم على البحر الإيامبي، والشعر (الرثائي) الإليجي elegiac المنظوم على الدوبيت الإليجي، وهو الأقرب إلى مفهوم الشعر الغنائي اليوم، وقد قامت مدرسة الاسكندرية فيما بعد بتمثل الإنتاج الأدبي اليوناني وتصنيف القصائد ووضعها في مجموعات وطبقات تيسر تحديد القوانين والقواعد التي تحكم أعمال أفضل الشعراء، مما عزز الوعي بالأجناس الأدبية. م عندما وضع قائمة بعدد من الأجناس الأدبية تضم المأساة، ومع ذلك فقد ظل تقسيم أفلاطون يلقي بظله على تصنيف الأعمال الأدبية قروناً طويلة، genus mixtum ولكن هذا الظل ما لبث أن انحسر تماماً في العصور الوسطى إذ ضاعت كل فكرة المسرحية مثلما نسيت المعاني الدقيقة لمصطلحات الأجناس الأدبية بعد إغلاق المسارح، فالمسرحية drama على سبيل المثال كانت تستخدم في الكتابات البيزنطية لتشير إلى الرواية [ر] وكانت تعني في الغرب الأوربي الحوار الفلسفي. ولأنها منظومة بأسلوب وسط لانبيل ولا وضيع، وهذا خلط واضح لكل ما أنجزته العصور السابقة من تقدم في نظرية الأجناس الأدبية. ولكن هذا لايعني بحال من الأحوال أن العصور الوسطى لم يكن لها أجناسها الأدبية الخاصة بها. وكل ما في الأمر أنه لم يكن ثمة من أرسطو يصنفها ويؤطرها ويقيم دعائمها النظرية على أسس فلسفية واضحة. من هنا قامت مجهودات عصر النهضة في نظرية الأجناس الأدبية على أساس من عودتها إلى كتاب «فن الشعر» لأرسطو الذي أهمله كتاب العصور الوسطى باستثناء الفلاسفة العرب المسلمين من أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم. إلى الآداب القديمة وإحياء للمسرح في شكله الكلاسيكي. الأمر الذي اضطر النقاد إلى مواجهة مشكلة إغفال الشعر الغنائي هذا الإغفال الذي لم يعد مقبولاً منذ ذلك الحين. فقد أثبته مينترنو Minturno عام 1559 في قائمة أنواع الشعر الثلاثة الرئيسة واصفاً إياه على نحو يذكر بتقسيم أفلاطون الآنف الذكر. والحقيقة أن سيادة الإيمان بنظرية الأجناس الأدبية لم تكن كاملة في القرن السادس عشر، وكذلك فإن ازدهار المسرحية الإليزابيثية والإسبانية اللتين خرجتا على القواعد الكلاسيكية، وامتد هذا الخلاف إلى الحركة الرومنتية (الإبداعية) التي كانت وراء الثورة على الفواصل والحدود بين الأجناس الأدبية كالفصل بين المأساة والملهاة. وقد تفاوت الرومنتيون في مواقفهم تجاه هذه القضية: ففضل فريق منهم المزج بين جنسين أو أكثر داعياً إلى شكل شعري شامل، وحاجّ فريق آخر من أجل جنس جديد كالرواية التاريخية والمسرحية التاريخية، وتصور فريق رابع إلغاء كل التعريفات والتصنيفات المتصلة بالأجناس الأدبية كما فعل فردريش شليغل F. W.Schlegel إلى نوع من التوازي بين ثالوث الأجناس الأدبية الشعر الغنائي، والتركيب synthesis من جهة أخرى: فالملحمة موضوعية، ولاسيما علماء الجمال الميتافيزيقيين الذين اتخذوا منه حافزاً لإقامة نظمهم الخاصة بالفنون الجميلة والأجناس الأدبية. وشهد القرن التاسع عشر مؤثراً قديماً - جديداً في نظرية الأجناس الأدبية هو مفهوم التطور الذي تعود جذوره الأولى إلى أرسطو. فغدت أفكار التطورية الجديدة تطبق بشغف على تاريخ الأدب في أقطار عدة وهكذا طبق جون أدنغتن سِمندز John Addington Symonds في إنكلترة التشبيه البيولوجي (1884) بصراحة لاترحم، فقد حاول أن ينقل بعض المفاهيم البيولوجية الصرفة من الداروينية إلى الأدب، واعتقد أن الأجناس الأدبية لها وجود في الواقع كوجود الأجناس البيولوجية. وكان يقارن باستمرار بين تاريخ الأجناس الأدبية وتاريخ الكائنات البشرية، وأكثر من هذا فقد استخدم برونتيير في تأريخه للأجناس الأدبية تشبيه الصراع من أجل البقاء، لكي يصف تنازع هذه الأجناس فيما بينها، وقال إن بعض الأجناس تتحول إلى أجناس أخرى. وسرعان ما واجه مفهوم التطور الكثير من النقد والرفض باسم العبقرية حيناً، ولاسيما من جانب كروتشه [ر] Croce الذي كان هجومه على مفهوم الجنس الأدبي بالذات مقنعاً من جميع النواحي. وقد عملت أفكاره المتعلقة بتفرد كل عمل أدبي عما سواه، انطلق كروتشه في هجومه هذا على مفهوم الجنس الأدبي من نظريته في المعرفة التي تتخذ لديه وجهين رئيسين: الحدسي الذي يتم من خلال الخيال، ويركز على الظواهر العامة الشاملة، فإن مقولات الأجناس الأدبية، استجابات القارئ الذي يسعى إلى تطبيقها على العمل الفني، لأنها تقوده إلى أن ينتقل من الاستجابة الحدسية إلى الاستجابة المنطقية لذلك العمل، ولايمكن للاستجابتين أن تجتمعا معاً. وفضلاً عن ذلك فإن تصنيف الأدب إلى أجناسه المختلفة إنكار لطبيعة الأدب ذاتها، ولاسيما أن كل عمل أدبي جدير بهذه التسمية يعمل على تحطيم قوانين الأجناس الأدبية في مسعاه لتحقيق تفرده. فرأى بعضهم أن العمل الفني الجدير باسمه يكون فريداً، يكاد يكون من المستحيل عليه تفسير عمل أدبي بدقة وموضوعية. أهمية نظرية الأجناس الأدبية في الآداب القديمة، وزعم أنها لا تقوم بالدور نفسه في الأدب الحديث. ومع ذلك فإن نظرية الأجناس الأدبية لم تعدم من يدافع عنها في هذا القرن، وطرح فكرة الشعرية غير المكتوبة unwritten poetics (أو الافتراضات التي تتناقل عن الأدب والتي لم تقنن في بيانات رسمية مكتوبة) التي تتولى عادة نقل المعايير والأعراف الأدبية إلى جانب «الشعرية الرسمية المكتوبة»، V.Tieghem الذي بين في مقالته المعنونة بـ «مسألة الأجناس الأدبية» التي نشرتها له مجلة هليكون Helicon (مع مقالات أخرى لغيره تناصر جميعها فكرة الأجناس الأدبية) أن «فكرة الأجناس ليست ميتة، وكل حاجة اجتماعية أو دينية، إلى التوسع في النظام الأدبي الذي ينطوي عليه كتاب أرسطو «فن الشعر» وإلى تطويره، وذلك «بتصنيف أشكال أدبية لم يقدم أرسطو ذاته تعليقاً مطولاً عنها، وبمقدار ما كان الأرسطيون المحدثون - الذين صدروا عن فن الشعر لأرسطو - محافظين في موقفهم من نظرية الأجناس الأدبية، وقد برز من بينهم خاصة يوري تينيانوف Juri Tynyanov الذي عني بمشكلة تطور الأجناس الأدبية، ويان موكاروفسكي Jan Mukarjovsky الذي تناول الأجناس الأدبية من وجهة تمييز أقامه بين الحواري dialogic والمناجاتي monologic، وتزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov الذي قدم دفاعاً مجيداً عن نظرية الأجناس الأدبية من منطلق بنيوي مؤكداً فكرة الصراع في تطور الأجناس الأدبية، ولاسيما عندما يثور العمل الأدبي الجاد على المعايير القائمة للأجناس الأدبية ويعدلها في ثورته هذه على نحو يطول الأجناس ذاتها. أن نظرية الأجناس الأدبية لم تبارح النقطة التي بلغها أرسطو. ومن هنا كان إسهامه في تطوير هذه النظرية أصيلاً وخلافياً إلى درجة لم يبلغها مُنظر آخر منذ أرسطو. وربما كان ذلك أمراً طبيعياً بعد أن أسند إلى الناقد مهمة استكشاف النظام الأدبي وشرحه. وهي الكلمة نفسها التي استخدمها أرسطو للإشارة إلى العقدة من النمط الأولي وهذه هي الـ «mythos». فقد عمد فراي إلى إعادة تعريفها وسماها بالجنس genre وبيَّن أن الأجناس بهذا المعنى داخلية intrinsic وأساسية في الأعمال المعنية، الذي امتد ما يقرب من أربعة عقود، والخلاصة أن المنظور التاريخي لنظرية الأجناس الأدبية قد بيّن أنها مقولة باقية بقاء الأدب نفسه،