حلقة ٩ من ١٢ بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا زلنا ونحن نتدبر في سورة هود، من حضارة إلى أخرى. البعض منها لا زال إلى اليوم. ثمود وأخاهم صالح، كلمة التوحيد الخالدة، كما أدركت قريش، أنها تهدد بالفعل سلطتهم، تهدد ذلك السلطان الموهوم، تهدد ذلك الحكم الواهي الضعيف الذي أمسكوا به بزمام الأمور في حياتهم ومجتمعاتهم. دعوة سهلة الكلمات، دعوة بسيطة في مفاهيمها التي تقدمها، توحيد، وربط التوحيد بنشأة الإنسان على هذه الأرض. إنسان لولا أن الله سبحانه وتعالى خلقه مكن له أن يكون. أنتم منها وستعودون إليها. كانوا أهل بناء وحضارة، وعطاء، إنما هو يطلب منكم أن تعمروا الأرض. إذن التوحيد هو صنوان الحضارات بكل تأكيد، كما ذكرنا في مرات سابقة، أكبر مفاعل حضاري حقيقي في حياة الإنسان توحيد يدفع به إلى العمل، يدفع به إلى الإبداع، يدفع به إلى الأمل، يدفع به إلى التفاعل، يدفع به إلى أن يكون إنسانا حقا مسؤولا عن بناء نفسه وذاته وأسرته، مهما كان حجم الدمار من حوله. ولذلك القرآن بطبيعة الحال من خلال التوحيد يحفز الإنسان لأحسن العمل، يحفز الإنسان أن يفجر تلك الطاقة الكامنة في ذاته وفي نفسه، يدعو الإنسان إلى العمل ﴿يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، لا يتراجع، لا يشعر بالإحباط أو باليأس مهما كانت النتائج التي يمر بها ومهما كانت طبيعة الظروف التي يعيش فيها. القرآن يجعل من الإنسان قوة متحركة في واقع الحياة ﴿اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾. ما المطلوب إذن منكم؟ ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾. استغفار وتوبة. لماذا الاستغفار والتوبة من مطالب الرسالات؟ لماذا هي من مطالب الأنبياء؟ لماذا هي من مقتضيات التوحيد؟ لماذا يذكرنا القرآن فيها بسورة هود مرة بعد مرة، تصحيحي في واقع الحياة، عمل صالح. وأنهض من جديد، وأقوم بالتصحيح. وهذا لن يكون إلا حين يتحقق مفهوم الاستغفار والتوبة. ولربما ذكرنا في مرات سابقة أنه مع الأسف الشديد الكثير من المسلمين اليوم فرغوا الاستغفار والتوبة من محتواها الحقيقي، جعلوا الاستغفار والتوبة مجرد عملية شكلية تماما. صحيح جانب من جوانب الاستغفار القول باللسان صحيح، هو لا يقف عند هذا، هو ينبغي أن يتحول إلى عمل، إلى تصحيح مسار في واقع الحياة. ولذلك هو مطلب من مطالب الأنبياء، قريب مجيب، لكن هذا لوحده غير كافي، الندم على ما فات، دعوة صالح عليه السلام ولذلك أدرك هؤلاء منذ البداية خطورة تلك الدعوة التي كان يدعوهم إليها النبي صالح عليه السلام.