م التاريخ : يعد التاريخ من أقدم المعارف البشرية التي عُنى بها اإلنسان على اختالف أطوار حياته، 1( في صور متفاوتة بتفاوت مداركه رقيا وانحطاطا التاريخ لغة واصطالحا ، فضال عن موضوعه وأهميته ، فالتاريخ والتوريخ في اللغة : اإلعالم وأما موضوعه: فاإلنسان والزمان ، وأما فائدته فمعرفة األمور على 2( وجهها، حسب تعريف السخاوي)ت902هـ(. وقد ثار جدل بين المتخصصين حول أصل كلمة تاريخ فمنهم من أكد أنها لفظ عربي انطالقا من كون العرب أميين ولم يعرفوا حساب غيرهم من األمم فتمسكوا بظهور الهالل ومنهم من ذكر أن لفظ التاريخ مشتق من كلمة "يارخ" العبرية التي تعنى القمر. وقد نسبها البعض اآلخر إلى اللغة الفارسية وعلى هذا لظهور القمر واختفائه. و لعل هذا المعنى يصبح معنى التاريخ هو حساب األيام و الشهور وفقاً بشهادة المستشرق روزنتال وهو نفسه يهودي ً ، 5 العرب في بردية تعود لعام 22 هجرية في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب حينما كثرت لديه األموال، واختلط عليه وقت توزيعها، فجمع وجوه القوم و طلب منهم الرأي استحسنه و أمر بالعمل به. ومنذ والمشورة، يتمثل في التاريخ الهجري. وقد أصبح هذا التقويم عنصراً ثابتاً ذلك الوقت وضع عمر تقويماً أساسياً في نشأة الفكرة التاريخية عند المسلمين. و الشك أن مرد هذا كان احتياج الدولة 6 اإلسالمية إليه ألمور إدارية و تجارية ودينية ثم تطور معنى ومدلول وموضوع وغاية التاريخ أما في اللغات األوربية الحديثة، فقد اشتقت كلمة (History )من اللغة اليونانية القديمة و تحديدا من كلمة هيستوريا )Istoria )و الكلمة اليونانية نفسها اُستخدمت بمعنى البحث و االستقصاء في حوادث الماضي. و قد نشط استخدام الكلمة بازدهار الحركة السياسية و الفكرية في دويالت المدن اليونانية، و أصبحت تعنى البحث عن األشياء الجديرة بالمعرفة. وسرعان ما أصبحت كلمة (History )تشتمل على معرفة األحداث التي وقعت في الماضي ورافقت نمو 7 العادات و التقاليد و المؤسسات في المجتمعات قديمها و حديثها وكان هذا هو المعنى الذي استخدمه مؤرخو اليونان األوائل مثل هيرودوت و ثوكيديديس، و قد قصراه على تتبع األحداث ما وقعت به فعال بقدر اإلمكان. و مما ال شك فيه أنه قد صاحب رواية األحداث التاريخية- رواية كل المظاهر الحضارية من ديانات و معتقدات وعمارة وفنون . وقد اتسع هذا المفهوم عند أرسطو ليعنى السرد المنظم لكل ما يتعلق باألحداث اإلنسانية أو النباتية و الحيوانية أو ما يتعلق بإنجازات الباحثين السابقين في كل مجاالت المعرفة اإلنسانية. تغيير و منهم انتقلت الكلمة إلى اللغات األوربية الحديثة مثل اإلنجليزية (History (و الفرنسية Histoire )و اإليطالية )Historie خرى كاأللمانية 8 فأصبحت )Geschichte( . نشأة الكون كله ، بما يحويه من أجرام وكواكب ومن بينها األرض ، وما جرى على سطحها من حوادث اإلنسان . حتى بدأ المؤرخون األقدمون كتاباتهم بالكالم عن نشأة األرض . وتابعهم في ذلك بعض المحدثين كالمؤرخ هربرت جورج ولز ، بدراسة نشأة الكون واألرض ، وما ظهر على سطحها من مظاهر الحياة المختلفة ، ثم يتدرج ولز في عرض تواريخ األمم والشعوب والحضارات المختلفة منذ نشأتها حتى العصر الحديث 9( معبرا في ذلك عن وحدة البشرية ، على الرغم من جزئيات تواريخها وتفصيالتها إذ هو المرآة أو 10( األعمال واآلثار . والحقيقة أن التاريخ بهذا ليس معناه جمع المعلومات فالفرق واضح بين جمع المعلومات و تعليلها أو تفسيرها ، وهو ما كان مثار اهتمام األقدمين الذين وصفوا عملية جمع المعلومات بالسرد اإلخباري بمعنى تسجيل الحوادث وسنوات وقوعها، أما التاريخ فهو الثانية أي البحث في العلل واألسباب، ألن علم التاريخ في الواقع يشتمل على نظام يتعدى مجرد التتالي في 11 الزمان . السنين والعصور، وهو يمتد ليشمل كافة الجوانب السياسية واالقتصادية والثقافية والعلمية والدينية، هو سرد ألهم األحداث التي حصلت في الماضي البعيد، وهو نشاط إنساني فطري وجد قبل اختراع الكتابة على هيئة أساطي ٍر وقص ٍص وروايات ومالحم شعرية، ثم تطور شيئا . ً فشيئاً أما التأريخ (historiography (فهو إعادة كتابة التاريخ بعد نقد المصادر الموجودة، وإعادة سرد ونقد وتحليل التفاصيل والخوض فيها بطريقة أكثر مصداقية، اعتمادا ويعود مفهوم التأريخ الحديث إلى أواخر القرن الثامن عشر، وبداية مستقلة. يشتمل على خطوات وطرائق محددة ، ويؤدي إلى معرفة عن الكون والنفس والمجتمع يمكن 12( توظيفها في تطوير أنماط الحياة وحل مشكالتها" فإن ذلك ينطبق على التاريخ الذي أصبح " ثم تحليلها، واإلشارة إلى الروابط الواصلة . والمؤرخ مثل الكيميائي: هذا يجد وقائعه في االختبارات 13( التي يجريها، وذاك يبحث عن الوصول إليها بمالحظته الدقيقة" رنشو الذي أقر أنه رغم أننا ال وهو ما يبدو أكثر وضوحا عند المؤرخ البريطاني ه نستطيع من خالل دراسة التاريخ أن نستخلص قوانين علمية ثابتة على غرار العلوم الطبيعية إال فيكفي في إسناد صفة العلم لموضوع ما أن يمضي الباحث في دراسته ، مع سعيه لتوخي الحقيقة، وأن يؤسس بحثه على حكم ناقد اطرح منه هوى النفس ، وباعد نفسه عن كل افتراض سابق، مع إمكان التصنيف والتبويب فيه، فالتاريخ ليس علم تجربة واختبار ولكنه علم نقد وتحقيق ، فكل من المؤرخ والجيولوجي يدرس آثار الماضي ومخلفاته لكي يستخلص ما يمكنه استخالصه عن الماضي والحاضر على السواء ، ويزيد عمل المؤرخ عن عمل الجيولوجي من حيث لذا فالتاريخ مزاجا من العلم واألدب والفن ورغم ذلك فقد نفى فريق آخر صفة العلم عن التاريخ تماما مستندين إلى أن حوادثه تخضع في الغالب إلرادة أو لنزوات البشر ، سواء كانوا فرادى أو جماعات . وهؤالء ال يمكن أبدا التنبؤ بمسلكهم مستقبال، وذلك لشدة مرونة األفعال والظواهر اإلنسانية وتداخلها وتأثيرها في بعضها البعض ، قوانين عامة يمكن تطبيقها على الظواهر مستقبال، كعلم االجتماع، وعلم النفس االجتماعي ، وعلم السياسة - كل من وجهة نظره وبحسب مناهجه الخاصة - لكنها ليست بأي حال موضوعا للدراسة التاريخية التي ال يهمها سوى الماضي ودراسته ، ثم تقدم خالصة نتائجها لغيرها من التخصصات ليستفيد بها أصحاب هذه العلوم في دراستهم للمستقبل 15( إن كانوا مهتمين بهذا المستقبل بحکم وبحسب طبيعة تخصصهم وفي رأينا أن تلك العلوم ــــ علم االجتماع، وعلم النفس االجتماعي ، وعلم السياسةـــــ هي من العلوم المساعدة المهمة في دراسة التاريخ وبمقتضى نظرياتها ومناهجها يستطيع المؤرخ اإلفادة منها في تفسير التاريخ؛ والقرارات التاريخية المستقبلية بناء على دراسات نفسية واجتماعية؛ وال ريب فإن التاريخ يعرف اآلن عند األمم الغربية بعلم "صناعة القرار" ؛ وهو ما يومئ بإمكانية وجود قوانين في العلوم اإلنسانية كما في العلوم الطبيعية رغم االختالف . ففي العلوم اإلنسانية ال يعني القانون نتائج محددة دائما، وإنما يعني نتيجة تقديرية أو قواعد عامة مماثلة للقانون في العلوم الطبيعية أو قريبة منه. فقد وضع ابن خلدون مثال منذ أكثر من خمسة قرون عدة قوانين، مثل قوله: أن الدول كالبشر، تولد وتنمو وتكبر ثم تضمحل وتموت، أو قوله: أن الحضارات تتعاقب عليها ثالثة أطوار: بداوة وحضارة ثم اضمحالل. فقد رأى الفيلسوف األلماني هيجل)1831-1770( في فلسفته للتاريخ ، أن التاريخ وأنه يجب أن نركز على ما كان القادة يفكرون فيه حين أقدموا على أعمالهم، وأن القوة التي تدفع التاريخ هي قوة العقل ، ويعني 16( ذلك أن كل شيء يحدث وفق إرادة اإلنسان أي حريته، . أما الفيلسوف والمؤرخ األلماني كارل ماركس)1883-1818( فقد اهتم بالعامل االقتصادي في تسيير حركة التاريخ. فالتاريخ عند ماركس هو األعمال ، ومن هذه الصالت االجتماعية تتولد األفكار والمبادئ ، وهو ما يطلق عليه التفسير المادي للتاريخ. بمعنى أن الظروف الطبيعية القاسية وتحدياتها هي التي تحفز اإلنسان على العمل واإلبداع، فتعمل على إعادة بناء نفسها كي تتمكن من مواجهة التحدي، كما أن الضغوط الخارجية تولد شرارة الحضارة، فكلما ازداد التحدي تصاعدت قوة االستجابة)17(. لكننا ال نستطيع أن نزعم أن تلك القوانين دائمة وتنطبق على كل العصور، وتفسر لنا كل األحداث ، فهي قوانين تنطبق على مراحل تاريخية محددة أو على شعوب معينة ، وهو ما يقال مثال على قوانين ابن خلدون من أنها ال تنطبق إال على المجتمعات التي شاهدها ابن خلدون ودون سيرتها ، مثل العرب و البربر . كانت تلك القوانين قوانين مرحلية أو تنطبق على شعوب معينة ، فهي خطوة على الطريق نحو القوانين الدائمة التي نتوقع أن يتوصل إليها اإلنسان في المستقبل. عددا من القوانين العامة مستخلصة من التجارب اإلنسانية ، وهو ما يعتبره بعض المؤرخين  أن هناك عالقة دائمة بين االستعمار العالمي وبين الحركة الصهيونية ، وأن هذه العالقة ما تزال قوية و متنامية رغم مرور ما يقرب من مائة عام عليها وأننا ال نعرف موقفا واحدا تخلى فيه االستعمار العالمي عن تأييد الحركة الصهيونية و مساندتها.  أن الحكم االستبدادي قد يبني أمة أو يبني مرحلة تاريخية معينة ، يبني اإلنسان ، ويمكننا تطبيق هذه المقولة إذا أرخنا لنابليون بونابرت ، أو أو هتلر ، وغيرهم من عتاة الحكم االستبدادي. يصعب الوصول إلى حكمها لكن يسهل قيادتها. في جوانبها المختلفة ، ومن هذه الدراسة قد نتوصل إلى مجموعة قوانين يكون لها في نهاية األمر نظرية معينة . فدراسة الجانب االقتصادي للعالم أو لمنطقة معينة ، القوانين االقتصادية لمجتمعات مختلفة ، وهذه القوانين تتبلور في النهاية فيما يعرف بالنظرية االقتصادية)18( . فالجوانب المختلفة للظواهر االجتماعية ، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو غيرها ليست سوى روافد متصلة بهذا النهر الكبير ، فهناك ارتباط بين تلك الظواهر جميعها ، تأثيرات متبادلة بين هذه الظواهر ، وإن كان هذا التأثير يختلف كما وكيفا طبقا للقوانين العامة التي تحكم حركة هذه الظواهر ، والتي تجمعها جميعا حركة التاريخ وتطوره. وأخيرا ، فإذا كان من الممكن استخدام القوانين التاريخية بالنسبة للماضي ، فانه يمكن استخدمها أيضا للحاضر و المستقبل . وال يعني ذلك أن المؤرخ يستطيع أن يتنبأ علميا بأحداث المستقبل ، ألن ذلك أمر خارج عن قدرة البشر ، و المستقبل علمه عند هللا . و لكن الذي يمكن للمؤرخ أن يحدده –خاصة إذا استخدم بعض القوانين التاريخية- هو تحديد االتجاهات العامة لقضية معينة على ضوء دراسته لألصول التاريخية والربط بين الظواهر المختلفة لتك القضية ، ويعتمد هذا على تقدير موضوعي وإدراك واع للجوانب المختلفة للموضوع ، نطلق عليه ))التاريخ المستقبلي(( ، وهو ما يعني إمكانية التأريخ للمستقبل بالنسبة لقضايا معينة وإلمام بمصادرها األولية ، وكان المؤرخ في نفس وقدرة كبيرة على الفهم والتحليل والتفسير والنقد ، واإلدراك الواعي للعالقات التي تربط بين الظواهر المختلفة)19(. مـوضـوع التـاريـخ: للخالف إال أن ثمة اتفاقا برز من خالل لقد حيَّر موضوع التاريخ الكثيرين و كان مثاراً اعتبار أن اإلنسان هو محور هذا التاريخ، مهما اختلفت الرؤى حول هذا سواء في الماضي او الحاضر أو المستقبل. فمن العلماء من يرى أن التاريخ هو تاريخ الفرد البطل الالمع سواء كان أو أحد الساسة البارزين أو أحد الفالسفة، أو بوجه عام أولئك الذين لعبوا أدواراً متباينة و مؤثرة على مجرى التاريخ وأثروا في البشرية، لألفراد. وجهة نظر أخرى ترى أن التاريخ موضوعه هو المنجزات التي أحدثها اإلنسان و التي لحركة البشرية ويتسع وكواكب ومن بينها األرض وما جرى فيها من حوادث. وقد سار على نفس النهج المؤرخ ه. ج.ويلز Wells. الكون واألرض وما ظهر على سطحها من مظاهر الحياة المختلفة منذ نشأتها حتى العصر الحديث معبرا . فصار يهتم بالشعوب ال باألفراد، بالكتل الجماهيرية و القواعد الشعبية الواسعة ال القمم و الملوك. أي بدأ يتجه أخبار الطبقات الدنيا المسحوقة التي كانت و ال تزال تشكل تسعة أعشار البشر. وهي ال ريب الجموع الواسعة التي تصنع التاريخ الحقيقي. دوافع حركة ماركس الشيوعية إال إذا فهمنا العالقة مابين أصحاب المصانع و العمال في أوربا، كذلك ال نستطيع أن نفهم دوافع الحروب الصليبية إال إذا درسنا و تعمقنا في تركيب المجتمع األوربي حينذاك، هذا إلى جانب أمثلة أخرى كالثورة الفرنسية التي كانت الطبقات الدنيا هي فالتاريخ ليس تاريخ دول وملوك وساسة وفالسفة فقط بقدر ما هو أيضا تاريخ البسطاء من الفئات العادية ، لطبقة الملوك والساسة و الفالسفة. وأيا كان األمر فإن اإلنسان سوا أم ًء كان قائداً سياسيا أم فقيراً ً إذا فما هي مادة هذا التاريخ؟ هل ماضي اإلنسان أم حاضره أم مستقبله؟ هناك مسلمة البد من االعتراف بها و هي أن الماضي هو مادة التاريخ، لكن هذه المسلمة بحاجة إلى تحديد أكثر؛ فهل التاريخ َمعني بأي ماضي، أم ماضي اإلنسان فقط، ثم هل يهتم التاريخ بكل ماضي اإلنسان؟ نقرر بداية أن التاريخ ال يُعنَى بكل الماضي بل الماضي اإلنساني فقط، حيث أن هناك علوم أخرى مهمتها دراسة الماضي القديم غير اإلنساني – الكائنات األخرى- و هي ليست من الباليونتولوجيا )الحفريات(، الذي يعني باستقصاء الكائنات الحية كالحيوانات والنباتات والفطريات ضمن بيئتها الطبيعية. ولما كان اإلنسان وحده دون بقية تلك الكائنات هو من يعي الزمن؛ فهو الكائن الوحيد الذي يمتلك تاريخا، فهو يصنع التاريخ والحضارة ويؤثر في البيئة. و جدير بالذكر أنه ال تاريخ فيما قبل اإلنسان زمنا إن اهتمام المؤرخ في ، ً وهذا ما أطلق عليه اصطالحا "ما قبل التاريخ". المقام األول هو اإلنسان بتجاربه وأفعاله ومنجزاته، ويأتي تسجيل بعض المؤرخين بعض األحداث الطبيعية مثل الزالزل والبراكين والكسوف والقحط والفيضانات وغيرها من الظواهر؛ إنما يأتي من باب أثرها في حياة اإلنسان فقط وليس شيء آخر. وبخصوص مقدار ما يُعنى به التاريخ من ماضي اإلنسان، فإن التاريخ ال يهتم بماضي اإلنسان كله. فاإلنسان كنوع ذو تاريخ ُخرى مثل علم الحفريات )الباليونتولوجيا(، وكذلك ماضي اإلنسان بيولوجي هو محور علوم أ العرقي هو محور علم اإلثنولوجيا. واإلنسان بوجه عام كموضوع للتاريخ عُنى به القرآن الكريم أشد العناية باعتباره أسمى المخلوقات، و ما كان القرآن الكريم إال دستوراً معالجته من أجل السعي به للرقى و التقدم، حيث أن الهدف األسمى للعلم هو إعادة صياغة اإلنسان و عالمه و الوصول إلى المعرفة الدقيقة بكيانه المادي و الروحي. إن القرآن الكريم هو و نصح، و و دعوة، كذلك هناك سورة قرآنية حملت اسم اإلنسان. و رفع اإلسالم اإلنسان وجعله هدفه و غايته ووسيلته و أداته و كان منهج اإلسالم مع اإلنسان أخالقي في المقام األول، 22 من حيث المحافظة على كيانه وكرامته وإبراز تكريم هللا له كما ورد في اآلية الكريمة؛ بسم هللا 23 هنا نصل إلى إشكالية أخرى علىقدر كبير من األهمية في عصر تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة، عالقة هذا التاريخ بالمستقبل، وجدواه. أهمية دراسة التاريخ: بل هو من صميم مسألة النهضة، و الخروج من عثرتنا لم يعد البحث في التاريخ ترفاً التي طال أمدها، ذلك أن التاريخ ليس الماضي بل المستقبل. وعليه فإن جدوى دراسة التاريخ تنبع من غايته وهي نقل المعرفة )24( ، قبل أن يكون وصفا )25(. كما أن الكشف عن عيوب الماضي وأخطائه تفيد إلى حد كبير في قائال :"إننا بسبب هذه الفائدة التي نجنيها من معرفة الماضي معرفة ثابتة نستطيع أن نستبق الحكم في أمر األحداث المتماثلة أو المتعادلة التي ستتولد في مستقبل القيم المشتركة في الطبيعة كما يذهب بعض المفكرين مثل: الفيلسوف اإليطالي بندتو كروتشي إلى اعتبار التاريخ كله تاريخا معاصرا . وال يستطيع اإلنسان أن يفهم نفسه وحاضره دون أن يفهم الماضي . الماضي تكسبه خبرة السنين الطويلة ، والتأمل في الماضي يبعد باإلنسان عن ذاته ، فيرى ما ال يراه في نفسه بسهولة من مزايا الغير وأخطائه ، ويجعله ذلك أقدر على فهم نفسه ، وأقدر على وبعبارة أوضح فإن دراسة التاريخ ال يجب أن تنحصر فقط في معرفة الماضي و إنما البد أن تسهم في فهم الحاضر اإلنساني بكل تعقيداته ومشاكله، واستشراف مستقبل أفضل للبشرية)29(، وهنا تكمن مسؤولية المؤرخ في ضرورة المساهمة في إيجاد الحلول للمشكالت التي يعاني منها واقعنا العربي)30(، حيث أننا ال نغالي إذا ذكرنا أن األقوام الذين ال يعرفون لهم ماضيا محددا مدروسا بقدر المستطاع ، ال يعدون من شعوب األرض المتحضرة)31(. وسط هذا الزخم الكبير و التقدم الهائل و السرعة الفائقة في نقل األحداث من كافة جنبات العالم؛ و أثر الميديا الملموس في بلورة و تشكيل وعي وعقليات الشعوب ما هي جدوى دراسة التاريخ بالنسبة للمستقبل؟ هل يعيننا هذا الماضي أو التاريخ في المستقبل بحيث نستطيع رسم ُخرى هل نستطيع أن صورة المستقبل من خالل هذا الماضي، بعبارة أ نستشرف أفاق المستقبل من خالل معطيات تاريخية معينة؟ إن معرفتنا بالماضي وإدراكنا لهذا الماضي تؤثر بال ريب في رؤيتنا للمستقبل وعلى إعطائه صورة أقرب مما نأمل و نتمنى. فعلى سبيل المثال نجد أن معرفة وإدراك المسلمين لماضيهم؛ يمكنهم قطعا من استشراف آفاق المستقبل. وحضارتنا الزاهرة التي غطت بقاع شتى من العالم في آسيا و إفريقيا وأوربا، وعندما ندرك سماحة وعدل اإلسالم الذي عُومل به غير المسلمين، وهو ما وضح جليا في مقوالتهم التي خلدها التاريخ ، من ذلك قول اإلمام الشافعي: "من قرأ التاريخ زاد عقله إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من األمم في أخالقهم، يستمع إلى أخبار العرب والملوك السابقين من القا ّص شرية للشام عشرين عاما، ناجحاً ولذلك عرف كيف يكون والياً عشرين عاما أخرى، وكيف يوحد األمة، وهو ما وعاه وطبقه غيرنا من األمم الغربية في العصر الحديث، فقد تناول األمريكي س.ل. وارس في كتابه المؤلف سنة 1962 فائدة التاريخ وأهميته قائال: "إذا أرادت الواليات المتحدة األمريكية أن تصل إلى حكم العالم في يوم من األيام، فإني أنصح أولي األمر في بأقسام التاريخ في المعاهد والجامعات األمريكية، وأن ال أمريكا، األقسام إال خيرة أبنائهم وأذكاهم وأنبههم. ويذكر "وارس" في كتابه أمثلة عديدة لقادة سياسيين وعسكريين جاهلين بالتاريخ وعازفين عن قراءته، وبين كيف تسببوا لبلدانهم وشعوبهم بنكبا ٍت وهزائم وخسائر فادحة، فأحبوه، وقرأوه، الوفير. ويوضح الكاتب أن السبب في نجاح القائد العالِم بالتاريخ، هو أن األخير عندما يتخذ قراراً وتجارب ماليين القادة وآالف السنين. وهي