يتحدث النص عن بداية الصراع في أوروبا بين الديانتين اليهودية والنصرانية، حيث امتدت الحضارة الغربية المادية من الحضارات القديمة اليونانية والرومانية. بعد تنصر الدولة الرومانية، أصبحت النصرانية دين الدولة وعُقدت مجامع لتحديد عقائدها. بدأت الكنيسة بإبعاد الآثار الإغريقية وحرق الكتب خوفًا من التعارض مع آرائها، مما أدى إلى فقدان الثقة فيها. تم ذكر حرق الكتب في عام ٥ م، وأن بولس قام بحرق كتب قيمتها خمسون ألف قطعة من الفضة. " وبعد أن أقر مجمع نيقية " عقيدة التثليث ، وإدانة " آريوس " الذي يقول ببشرية عيسى علیه السلام قرر المجمع طرده ، وقد ذكرت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكـة " بعــض تلك الحقائق ، فقالت : في أيام حكم القيصر " فالنس " سنة ٣٣٦ م ، وطـورد فلاسفته بتهمة السحر والشعوذة . استصدر البطريرك " تيوفيلس " من القيصر " تيودوسيو " إذنًا بتخريب " السرابيون " ، وإشعال النيران في مكتبته . ولم تنته أعمال المتعصبين من النصارى عند هذا الحد ، وحطموا أمــاكـن عبـادتهم " . وهدم ما تبقى من آثار أبنية القدماء ) . وقد بدأ القديس جريجوار الكبير مهام وظيفته البابويــة بحرق مكتبة كبرى ، قامت كنيسة " معمدانية الجنوب " ، إن هذا العداء الذي مارسته الكنيسة النصرانية باسم الدين ، فأظهر الناس عداءهم للدين ، ولأجل ذلـك وقـع الصراع والتصادم بين الدين الذي تدعو إليه الكنيسة ، والعلــــم الـذي يعتمد على الحس والتجربة ، ووصل الأمر - كما يقول " بول هازار " - إلى معركة لم يـر لها نظير من قبل ، بل وصل إلى الاعتقاد بأن النصرانية مؤامرة فـظـة ، وأن جميع البلايا التي يألمون منهـا ستختفي في اليوم الذي تختفي فيه النصرانية ، ويرون أن العقيدة سذاجة غير متعقلة ، ولو لم يكن من وراء ذلك عند بعضهم ، إلا الرغبة في الهروب من تسلطها وطغيانها الذي فرضته على كافة المجالات ، سواء كان الطغيان الروحي ، واحتفاظها لنفسها بالأسرار التي لا تناقش ، بل تعدى الأمر حدوده ، وفرضت الكنيسة سلطانها على العقول والأفكار خوفاً على بنائها من الانهيار . أما إذا حُرِّفَ ذلك الدين ، ولأجل ذلك فإن الكنيسة - وهي التي تمثل الدين المتعارض مع العلم - لم تكن موجودةً زمن عيسى عليه السلام ، بل إن الحواريين لم يفكروا في إنشاء الكنيسة . إذاً متى وجدت الكنيسة ؟ يرى " شارل " أنه يمكن اعتبار القرن الثاني هو بداية التجمع والنجاح لدعوة " بولس " بعالمية الكنيسة والملك المقدس ، أو العلم . وكون الحديث هنا عن الصراع بين الدين الكنسي والعلم ، فإن الكنيسة رأت أن مصدر العلوم وأنواع المعارفِ لا يكون إلا عن طريقها ، وأن مــا خالف رأيها وأفكارها يعد مخالفا للدين ، فكان لا بد مـــن وقوع الصراع ، بل حفاظا على قدسيتها ، وخوفًا من هتك أستارها على يد هذه النظريات ، والحكم على أصحابها بالكفر والإلحاد ، وابتدعت صنوفاً من التعذيب ، وهذه بعض الأمثلة على ذلك : ١ - " كوبرنيكوس " القول بـ " دوران الأرض " : تنسب هذه النظرية لـ " كوبرنيكوس " حيـث قــال بــدورانِ الأرض والكواكب حول الشمس ، وتعتبر هذه النظرية ضربةً قويةً للكنيسة ، فقد ذكر " توماس كون أنها ثورة بمقاييس عديدة وذكـر مــن ذلك : أولا : ضرورة استقلال البحث العلمي . ثانيا : استقلال نطاق الطبيعة عن نطاق العقيدة الدينية . رابعا : أن هذه النظرية كانت أساساً للأفكار التي جاءت فيما بعـد عــن حركة الأجرام السماوية (. وأحرقت ، وكان كتابه الذي ضمنه نظريته تلك ، هو : " حركاتُ الأجرام السماوية ". ومما ذكره " كوبرنيكوس " قوله : ( أخذت أشعر بشيء من الانزعاج كيف أن الفلاسفة درسوا حتى درجة الإتقان كل ما يتصل بأدق مخلوقات أرضنا ، وبعد أن ذكر حركة الأجرام حول الشمس ، فليس أكمل وأتــم لعمري ، من هذا العمل الإلهي . وجد نفسه مخالفاً للشعور العام ، ومع النظرية الجامعة التي احتضنتها الكنيسة ، وتخضع مثلها للقوانين ذاتها ، وهذا الكون لم يعد يتحرك لها ، وهذا القول اعتبر كفرًا وهـر طـقـة عند الكنيسة ، وحاكمته الكنيسة وأدانته ، وكانت الكنيسة مذعورة خوفاً من أن يتفوه " برونو " بكلمةٍ وهو في طريقه للمحرقة ، فيتلقاها الناس وتؤثر فيهم ، وقد تم إضفاء رتبة " كبير علماء الكنيسة " عام ۱۹۳۰.