زالت في عصر المماليك كثير من الأسباب التي تنهض بالشعر وتحمل أصحابه على الإجادة ، فالملوك والسلاطين أعاجم لا يعنون إلا في النادر بتشجيع الشعراء ، وتقريبـهـم إليهم | وإغداق الخير عليهم ، فعمل هؤلاء على كسب معيشتهم عن سبل الحرف والصناعات فكان بينهم الجزار والدهان والكحال ، وفترت العصبية والحمية اللتان نهضتا قديما بالشعر الفخري والقومي ، وقلت دواعي اللهو في جو الاضطراب السياسي وصرامة العيش ، إلا أن معين الشعر لم ينضب ، وقرائح الشعراء لم تجف . لقد أصيب الشعر في هذا العهد بوباء التنميق اللفظي الذي ذهب بمائه ورونقه وتركه مرارا كثيرة على حالة المريض المدنف بعد أن ألح عليه السقم والهزال . فإذا ما أزحت ستار الألفاظ البراقة لا تقع غالبا إلا على معان مكرورة مسروقة غثة . وافتن الشعراء في أنواع البديع والتصنع ، فجاء صفي الدين مثلا بارتقياته وهي تسع وعشرون قصيدة تتألف كل واحدة منها من تسعة وعشرين بيئا ، وتختص كل واحدة بحرف من حروف الهجاء يكون في أول وآخر كل بيت من أبياتها ، وطلع علينا هو وغيره بالبديعيات التي يحوي كل من أبياتها نوعا من أنواع البديع وقد يشير الشاعر في البيت إلى ذلك النوع .