فأقبل الصياد فنصب شركه ونثر حبّه وكمن في مكان قريب، وتكون له عدة لأمر إن كان. فأعادت عليه القول مرارا، ثم قال لها: قد كررت علي هذه المقالة كأنك ليست لك بنفسك رحمة ولا ترين لها حقا. وإني رأيت من أمرك ووفائك لأخلائك الحمام ما رأيت، قال الجرذ: إن أشد العداوة عداوة الجوهر، وإنما صاحب المصالح كصاحب الحية يحملها في كمّه. والكريم يود الكريم على لقاء واحد أو معرف يوم، وأنا لازم بابك وغير ذائق طعاما حتى تؤاخيني وتواصلني. فقال له الغراب: ما يحبسك عند باب الجحر؟ وما يمنعك من الخروج إلي والاستئناس بي؟ أفي نفسك ريبة بعد؟ وأما المتبادلون ذات اليد فهم المتعاونون والمستمتعون الذين يستمع بعضهم بالانتفاع من بعض. فتعاطي ذات النفس أفضل من تعاطي ذات اليد. فإني قد وثقت بذات النفس ومنحتك مثل ذلك من نفسي. ومضت بينهما على ذلك مدة من الدهر، وقد عرفت مكاناً ذات عزلة وخير وبركة، ورحّبت به وسألته من أين أقبل.