بآسيا الصغرى - مملكة أرمينية الصغرى ، ذات العلاقة القوية بالمغول والصليبيين ، وقد انغمست معهما في حوادث الشام ، وباتت خطراً يهدد سلطان المماليك ، وظلت السفارات فيها بينها وبين الصليبيين وأوربا الغربية والمغول تسعى لعمل عسكري مشترك لمواجهة المماليك كرد فعل لإخفاق جهود هذه القوي فرادى في إزالة نفوذ المماليك والقضاء عليهم. وكان على دولة المماليك أن تتصدى لهذه القوى بالدبلوماسية - والمعاهدات والمهادنات - حينا ، وبالجهد الحربي من خلال الغارات والمعارك الكبرى - حيناً آخر ، وقد وقع على عاتقهم التصدي للصليبيين والمغول منذ القيام المبكر لدولتهم ، ومجابهة ما فرضته عليهم أوربا الغربية - دولاً وبابوية - من حصار اقتصادي - وقرصنة ، وحرمان مما تحصله من التجارة العابرة لأراضيها أو ما عرف بتجارة الكارم بالوصول مباشرة إلى منابعها عن طريق مغول فارس أو بالدوران حول طريق رأس الرجاء الصالح بعد نجاح البرتغال في اكتشافه والوصول إليها والاتجاه نحو إقامة قاعدة لهم في عدن لقطع كل أمل في بقاء دولة المماليك.أما مملكة أرمينية الصغرى فقد ظهرت في نهاية ق ٦ ومطلع ق ٧ / ق ۱۲ و ۱۳م في إقليم كيليكيا في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى ، بعد فقدان أرمينة الكبرى استقلاليتها في الصراع البيزنطي - السلجوقي وهجرة الأرمن - بعد معركة ملاذكرد [ سنة ٤٦٣ هـ / ١٠٧٧م ] إلى هذه المنطقة تباعًا ، فأسس فيلاريتوس [ أسماه ابن الأثير : الفيلادروس لهم إمارة صغيرة [سنة ٤٧٣هـ / ۱۰۸۰ م ، ظهرت فيها منذ البداية منافسة بين أسرتين كبيرتين على السلطة ، هما : الأسرة الروبية - نسبة إلى روين - في الشمال الغربي لسيس ، [ وقد توسعت أسرته في هذه المنطقة على حساب السلاجقة والبيزنطيين فامتلكت : بقة وسيس وعين زربي والمصيصة وأذنة رأس الرجاء الصالح بعد نجاح البرتغال في اكتشافه والوصول إليها والاتجاه نحو إقامة قاعدة لهم في عدن لقطع كل أمل في بقاء دولة المماليك.أما مملكة أرمينية الصغرى فقد ظهرت في نهاية ق ٦ ومطلع ق ٧ / ق ۱۲ و ۱۳م في إقليم كيليكيا في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى ، بعد فقدان أرمينة الكبرى استقلاليتها في الصراع البيزنطي - السلجوقي وهجرة الأرمن - بعد معركة ملاذكرد [ سنة ٤٦٣ هـ / ١٠٧٧م إلى هذه المنطقة تباعًا ، فأسس فيلاريتوس [ أسماه ابن الأثير : الفيلادروس] لهم إمارة صغيرة [سنة ٤٧٣ هـ / ۱۰۸۰م ، ظهرت فيها منذ البداية منافسة بين أسرتين كبيرتين على السلطة ، هما : الأسرة الروبية - نسبة إلى روين - في الشمال الغربي لسيس ، [ وقد توسعت أسرته في هذه المنطقة على حساب السلاجقة والبيزنطيين فامتلكت : بقة وسيس وعين زربي والمصيصة وأذنة و طرسوس ، ودخلت معهما في صراع مرير للحفاظ على هذه المدن والقلاع، مما جعل الأرمن يرحبون بصليبي الحملة الأولى ومساعدتهم بالمؤن ودلالة الطريق وتعزيز قوتهم بالعناصر البشرية وفي الاستيلاء على أنطاكية . فتزوجت حفيدة روبين الأول - أردا Arda - بلدوين الأول كونت الرها - أخا جود فروي دي بويون - كما تزوج ليون الثاني زابيل Isabelle - من عائلة بوهيموند أمير أنطاكية - وشارك بقواته في الحملة الصليبية الثانية ، حيث تزامن وصوله إلى السلطة نجاح صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس -لكن تمدد الصليبيين في المنطقة بالاستيلاء على الرها ومرعش وغيرهما أفقد لأرمن الثقة ابهم . أما الأسرة الثانية فكانت الأسرة الهيثومية - نسبة إلى هيثوم الأول في القسم الغربي ، وكان الهيثوميون في الغرب أكثر ارتباطا بالدولة البيزنطية، بينما كان الروبيون في الشمال أكثر ارتباطا بالصليبيين والمغول. وفي عهد الملك ليون الثاني - الروبي - صارت هذه الإمارة مملكة - حيث توجه البابا سلستين الثالث والإمبراطور الألماني هنري السادس ملكًا في كاتدرائية صوفيا في طرسوس في السادس من يناير ۱۱۹۸م / صفر ٥٩٠ هـ [ وإن يكن ذلك شريطة التخلي عن مذهبه في الطبيعة الواحدة والتمذهب بالمذهب الكاثوليكي، الذي لم يدن به ولا قومه أبداً . وبعده انتقل الحكم إلى الهيثوميين على أثر زواج ابنته زابيل بهيثوم بن قسطنطين ، بعد تطليقها من فيليب بن بوهيموند الرابع - الذي كان قد اقتحم مملكتهم بعلى أثر وفاة ليون الثاني وأجبرها على الزواج منه وصار ملكا عليهم - لكن ثار عليه الأرمن واعتقلوه - لعدم التزامه بطقوس الكنيسة الأرمينية -وزوجوها بهيثوم الأول ، مما عمق الخلاف فيما بين أرمينية الصغرى وأنطاكية حتى صالحهم لويس التاسع ملك فرنسا - بعد إطلاق سراحه من مصر - وتوسطه في زواج بوهمند السادس حاكم أنطاكية بسبيلا بنت هيثوم الأول .وفي فترة الخلاف فيما بين الأرمن والصليبيين كان اتصاله بالمغول بعد أن هزموا السلاجقة -في معركة كوساداغ - فيما بين أرزن الروم وأرزنجان - سنة ٦٤١هـ / ١٢٤٣م] التي انتصر فيها بيجو على كيخسر و الثاني - وفراره وأهل بيته إلى أنقرة ، ثم رحيل أهل بيته إلى ملك أرمينية الصغرى للاحتماء به ، بسفارة إلى بيجو يبدي فيها رغيته في التبعية الطوعية للمغول ، فألزموه بتسليم أهل بيت السلطان السلجوقي فانصاحالأوامره ، ولما تولى كيوك الخاقانية - بعده - أرسل إليه بأخيه سمباط سفيراً في قراقرم [سنة ٦٤٦ هـ / ١٢٤٨م] حاملاً إليهم الجزية ، وبعد وفاة كيوك ، اتجه هيثوم الأول إلى قراقورم المحالفة منكوخان [ سنة ٦٤٩ هـ / ١٢٥١م ] ، فكان أول ملك - آنذاك - يتجه إلى المغول بشخصه معلنا بالخضوع لهم، ثم جر أنطاكية - فيما بعد - إلى مخالفة المغول . وشارك هو ومن تبعه من ملوك الأرمن في الحروب المغولية في العراق والشام، إذ كانت القوات الأرمنية بقيادته ضمن قوات هولاكو التي أخضعت بلاد الروم - وأسقطت دولة الخلافة العباسية في بغداد [٦٥٦ هـ / ١٢٥٨م ، وكذا ضمن القوات المخترقة الحلب ودمشق ، كما شارك الأرمن في مقاومة قطر في عين جالوت [٦٥٨ هـ / ١٢٦٠م التي انهزم فيها المغول بقيادة كيتبوغا، وفي سائر حروب المغول في الشام، مما كان سبباً مباشرا لتنكيل سلاطين المماليك بهم . ففي أثناء انشغال المغول بحروبهم الداخلية قام الأرمن بمشاركة صليبي أنطاكية بالإغارة [سنة ٦٦٠ هـ / ١٢٦١] على الفوعة وسرمين كرد فعل لغارات المماليك على أنطاكية - التي كانت عمقا استراتيجيا للأرمن في الشام - فتصدى لهم حاكم حلب . كما أغار هيثوم الأول - كذلك - على القوعة ومعرة مصرين و سرمين سنة ٦٦٢هـ / ١٢٦٣م ] ، واتجه إلى أنطاكية وهولاكو لتدعيم التحالف معهما ، وبواسطة هولاكو تمت مخالفة سلاجقة الروم - في هر قلة - والزحف على الشام للاستيلاء على مرعش وعينتاب ، فطاردتهم القوات المملوكية من حمص وحماه وحلب ، وكرد فعل لهذه التصرفات كانت الحملة المملوكية على أرمينية الصغرى - في عهد الظاهر بيبرس - [ سنة ٦٦٤ ه / ١٢٦٦م] بعد الفراغ من صفد ، ووفاة هولاكو الذي أصيب بالصرع وظل يعاوده حتى وفاته عن نحو ستين عاما ، وانشغال أباقا ومغول فارس بمحاربة بركة خان والقبيلة الذهبية أو ما عُرف بمغول القفجاق]، وقد سبقها التفاوض فيما بين بيبرس وهيثوم الأول على تسليم بعض الحصون والقلاع ، لكن رفض هيثوم تسليم تلك القلاع خوفا من المغول ، وذهب إلى تبريز طالبا نجدة المغول الموجودين لدى سلاجقة الروم، فاخترقت القوات المملوكية كيليكيا واحتلت سيس حاضرة المملكة وقتلت في المعركة - قرب دريساك -ابنه ثوروس وأسرت ابنه الآخر - وولى عهده ليون ، فلما عاد هيثوم الأول إلى مملكته وجدها خرابا ، وبدلاً من أن يساعدة من كان معه من المغول والروم انشغلوا بنهب ما تركه المماليك ، وعلى أثر ذلك كان تحييد أرمينية الصغرى عن مساعدة أنطاكية التي استولى عليها المماليك في العام التالي ، مما أفقد الأرمن الاتصال المباشر بالصليبيين وقد أحاط بهم المماليك جنوبا ، وبعد مراسلات فيما بين هيثوم الأول والظاهر بيبرس - وقد أرسل إلى البابا كلمنت الرابع سفارة تستجدي دعمه فلم يحصل منها سوى الوعود - أطلق ابنه هيثوم من الأسر لقاء فك أسر سنقر الأشقر وتسليم بعض القلاع الحدودية بهسنا ودريساك ومرزبان ورعبان وشيح الحديد ، مما ساعد في الإحاطة بالأرمن : شرقا ، ، ومنع اتصالهم بالمغول، وبعدها ضرب زلزال مدمر مده مملكة أرمينية الصغرى [ سنة ٦٦٧هـ / ١٢٦٩م، واعتزل هيثوم الأول الحكم وترهبن في أحد الأديرة إلى أن مات في أكتوبر ۱۲۷۰م) ، وتوج بعده ابنه ليون الثالث ، فارتحل إلى أبغا للتقوي به ، واتجه نحو تعمير مملكته وتنشيط التجارة في ميناء إياس أثناء انشغال المماليك بتصفية الوجود الصليبي في الشام .ونتيجة لكثرة فساد قلعة كينوك [الحدث] ومدينتها والتصدي للقوافل التجارية ، مع قطع سيس الحمل المقرر للمماليك ونقض ليون الثالث لما تقرر من هدنة ، كانت حملة المماليك الموجهة إلى أرمينية الصغرى [ سنة ٦٧٥هـ / ١٢٧٧ م) التي قادها الظاهر بيبرس بنفسه ، بعد أن تصدت قواته للمغول في البيرة لشغلهم عن مساعدة الأرمن [ بل وتوجه إلى بلاد الروم ليجلس على كرسي ملكها بقيسارية - المشمول برعاية المغول ]. كما توجهت حملة أخري في عهد ابنه السعيد بركة خان سنة ٥٦٧٧ / ۱۲۷٨م خربت في قلعة الروم وسيس ، وعلى أثرها شارك الأرمن بقيادة ملكهم ليون الثاني المغول في الإغارة على الشام والعبث به ، وفي معركة حمص [ سنة ٦٨٠ هـ / ١٢٨١م ، حيث كان في ميمنة منكوتمر المواجهة الميسرة قلاوون ونتج عن انتصار قلاوون عليهم في هذه المعركة تحطيم الجيش الأرميني في كمين نصب له ولم يسلم منه سوى ستمائة فارس، وانشغل المغول بترتيب أوضاعهم الداخلية على أثر موت أباقا وإعلان تكودار إسلامه وتسميه بأحمد واغتياله وتولى أرغون الإيلخانية ، ومهادنة الصليبيين القلاوون ، فتيسر للمماليك اجتياحمملكة أرمينية - - انتقاما لمشاركتهم المغول في موقعة حمص - وتدمير ميناء إياس [سنة ٦٨٢ هـ / ۱۲۸۳م) فأدرك ليون الثاني استحالة مساعدة المغول له في التصدي للمماليك ، مع فقده حماية أنطاكية له فعقد هدنة مع المماليك أمدها نحو إحدى عشرة سنة [سنة ٦٨٤ هـ / ١٢٨٥م] مقابل دفع جزية سنوية للمماليك مقدارها نحو مليون درهم فضة ، وإطلاق الأسري والتزام الحياد في صراع المماليك مع المغول والصليبيين. ليتفرغ قلاوون لمنازلة طرابلس والاستيلاء عليها ، ولم يبق أمامه بعدها سوى عكا - التي أعد لاجتياحها - مما زاد من خوف الأرمن، وعندها طالبهم قلاوون بتسليم مرعش و بهسنا - شرقي كيليكيا - لتحكمهما في طريق المواصلات القادمة من الشمال إلى الشام ، فاستنجد هيثوم الثاني بالبابا نيقولا الرابع ويملك فرنسا ، ولم يحصل منهما إلا على وعود - فقط - في مقابل تعديل مذهبه ليقترب من مذهب كنيسة روما ، مما أدي إلى انقسام داخلي وحرب أهلية .ولما أسقط الأشرف خليل عكا سنة ٦٩٠ هـ / ١٢٩١] صار الأرمن وجها لوجه مع المماليك ، فذكرهم الأشرف خليل بالوفاء بما عليهم من الحمل ، فتوجه هيثوم الثاني إلى أرغون نشدانا لمساعدة لم يكن في مقدوره الوفاء بها - لانغماسه في مشكلاته الداخلية - وقرر الأشرف خليل الزحف على قلعة الروم والاستيلاء عليها سنة ٦٩١ هـ / ١٢٩٢م] وكانت مقرا الحامية أرمينية مغولية دائبة الإغارة على الشام وقطع الطريق، كما كانت مقرا الجاثيليق الأرمن ، فلما تملكها الأشرف صارت - وقد تسمت بقلعة المسلمين - مركزا متقدما لرصد تحركات المغول.وتبع ذلك مواصلة المماليك الاستيلاء على باقي القلاع الأرمينية لتحكمها في طريق المواصلات ، حيث طالبهم الأشرف خليل بتسليم بهسنا. لكن أدى اغتيال الأشرف خليل سنة ٦٩٣ هـ / ۱۲٩٣م) وما تبعه من حوادث اضطراب دولة المماليك تسهيل تحالف أرمينية الصغرى مع البيزنطيين والمغول، فوجه المنصور لاجين حملة إلى كيليكيا تقرر على أثرها أن يكون نهر جيحان حدا فاصلا فيما بين المماليك والأرمن ، مع تسليم كل ما عليه من قلاع وحصون جنوبية وكانت أحد عشر قلعة وحصنًا.فلما غزا غازان الشام - بتحريض من بعض أمراء المماليك الفارين إليه - [سنة ٦٩٩ هـ /۱۲۹۹م] شاركه الأرمن في هذه الغزوة وانهزم المماليك أولا في معركة وادي الخازندار في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون الثانية ، واستباح هيثوم الثاني صالحية دمشق ، لما كان في قلبه من المماليك وحرب المغول الشام ، واستعاد الأرمن القلاع جنوب نهر جيحان ، فقرر المماليك - بعد انسحاب غازان ضرب مملكة أرمينية الصغرى بغارات سريعة خاطفة ، فلما عاد غازان إلى الشام في السنة التالية بمشاركة الأرمن تصدى لهم المماليك وهزموهم في معركة شقحب ، ومات غازان تلو ذلك كمدا بعد أن نزف الدم من منخريه عندما علم بالهزيمة عن ثلاثة وثلاثين عاما . وهدأت غارات المغول على الشام لانشغالهم بترتيب أوضاعهم الداخلية ، وهادن أبو سعيد بهادر خان - آخر الإيلخانيين العظماء - المماليك وصالحهم سنة ٧٣٧ هـ / ۱۳۳۲ م ] ، وانشغل مغول فارس بأمورهم الداخلية . بينما صار الطريق بعد معركة شقحب مفتوحا إلى كيليكيا فاتجه المماليك لتأديب الأرمن واستعادة القلاع وتقرير القطيعة المقررة عليهم سنة ٧٠٣ هـ / ١٣٠٤ م ] ، ومعاضطراب دولة المماليك - فيما بين السلطنتين الثانية والثالثة للناصر محمد بن قلاوون - وتملك أوشين للأرمن عطل [سنة ۷۲٠ هـ / ۱۳۲۰ م ] القطيعة وأغار على الرحبة ، فعقد الناصر محمد بن قلاوون - في سلطنته الثالثة - هدنة مع مغول فارس ليتفرغ للأرمن ، وخرجت إليهم حملة نهبت سپس وخربت ميناء إياس، وقعت على أثرها هدنة فيما بين المماليك وليون الخامس ملك أرمينية الصغرى سنة ٧٢٣ هـ / ۱۳۲۳ م بمقتضاها التزم الأرمن بدفع مليون ومائتي ألف درهم فضة ،