يقول العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله في ختام كتابه الاخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة و التربية و الجهاد لماذا تعادي هذه الفئات المختلفة في الداخل والخارج: حركة الإخوان المسلمين؟ ومن المسؤول عن هذه العداوة: أهم الإخوان أم الذين يعادونهم؟ رضا الناس غاية لا تدرك: ويهمني أن أبيِّن هنا حقيقتين ناصعتين: الأولى: أن أحدا لا يستطيع أن يرضي جميع الناس، وقديما قالوا في الأمثال: رضا الناس غاية لا تدرك. ورضِّهم عني، قال: يا موسى هذا شيء لم أختصه لنفسي، فكيف أجعله لك؟! وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا: والحقيقة الثانية: أن الكون كله قائم على التباين والتقابل، فالنهار يقابله الليل، والحياة يقابلها الموت. وكذلك الحق يقابله الباطل، وموسى وفرعون، ومحمدا وأبا جهل، وأكَّد القرآن هذه الحقيقة بقوله تعالى: {كَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗا} [الأنعام: 112]. وإذا كان في الناس من عادى الله تعالى، خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ} [الممتحنة: 1] فبيَّن أن هناك أعداء لله تعالى، فكيف يطمع المخلوق ألا يكون له أعداء مهما تكن صفحته بيضاء؟ فيكيف بجماعة جاءت بدعوة لها أهداف ومبادئ لا يمكن أن يرضى عنها كل الناس؟ إن هناك أناسا وجدوا في هذه الدعوة قيودا على سرقاتهم وأطماعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، فلا غرو أن يعادوا دعوة الإخوان؛ ولكنهم لا يعلنون ذلك بصراحة، بل يغلفون ذلك بأغلفة شتى، حتى لا تظهر لصوصيتهم ولا فجورهم للناس. وغيرها مما تتيحه لهم الأنظمة الوضعية، فهم لذلك يقاومون هذه الدعوة التي تضيِّق عليهم ما كان موسَّعا لهم، على طريقة قوم لوط الذين دعاهم إلى الإيمان والطهارة من القذارة، فقالوا: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون! وهناك من يعادون الإخوان، لأنهم يجهلون حقيقة دعوتهم، ولا القائمين عليها، وقد قال العرب: من جهل شيئا عاداه، والله تعالى يقول: {بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥ} [يونس: 39]. وقد ساعد الإعلام المعادي للإخوان - في الغرب والشرق ومن الداخل والخارج - على تشويه صورتهم وتجهيل الناس بحقيقة أمرهم، ويعادون غير المسلمين، ويريدون أن يعلنوا الحرب على العالم كله. وهناك من يعادون الإخوان؛ لأنهم يعادون الإسلام: رسالته وحضارته وأمته، ويتوجَّسون خيفة من انبعاثه وصحوته، ومخاوف دائمة، ومن دار في فلكها، وأن يرحِّبوا بدعوتهم، بل هي مصنفة في قائمة الأعداء أبدا، وهو ما لا نزال نشاهده إلى اليوم. والانفتاح في وجهتهم، وتقديم التنازلات دون مقابل. ومع هذا رأينا الغرب المعادي والمتأثر باللوبي الصهيوني، يزداد بعدا كلما ازددنا منه قربا، ويخوِّف من الصحوة الإسلامية وممَّا سمَّاه «الخطر الإسلامي» الذي أطلق عليه «الخطر الأخضر»، بل غدا يحذر من «الإسلام المعتدل» بعد أن كان يحذر من «الإسلام المتطرف» ويقول: إن الإسلام المعتدل أشد خطرا؛ وأسارى فلسفتها، ويروج أخبارها، ومحاكاة كمحاكاة الببغاء. ومثل هؤلاء: من يعادي الإخوان - ممن ينسب إلى أبنائه - لأنه يعادي الإسلام ويكره الإسلام، ولا لدولته أن تعود، ويجاهدون في سبيله. ولكن من مكر هؤلاء الكارهين للإسلام ولتعاليمه وشرائعه: أنهم لا يستطيعون أن يظهروا أمام الناس على حقيقتهم، وأن يعلنوا عن عداوتهم للإسلام، فلا غرو أن يصبُّوا عداوتهم كلها على الإخوان، ويفرغوا كل أحقادهم وكراهيتهم في جماعتهم، تنفيسا عن الحقد والبغضاء لهذا الدين. وهؤلاء لا علاج لهم ولا دواء لأحقادهم، هنا يكونون سمنا على العسل، ويصبحون موضع الرضا والقبول. وقديما قال معاوية: أستطيع أن أرضي كل خصومي إلا واحدا! قيل: من هو؟ قال: الحاسد، لأنه لا يرضى إلا زوال نعمتي( ). وكذلك تستطيع أن ترضي أي خصم بطريقة وأخرى إلا من يكره الإسلام، فهذا لا يرضيه إلا سقوط راية الإسلام، وانطفاء جذوة الإسلام {يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} [التوبة: 32]. وفي مثل هؤلاء جاء قوله تعالى: {وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡ} [البقرة: 120]. وهو مستحيل. ولقد بيَّن القرآن نية أعداء الإسلام الكارهين له، فقال عز من قائل: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْ} [البقرة: 217]. وإلى الهدف، وإيمان وكفر. ولن يستطيعوا إن شاء الله، الصف: 9]. وهازم الأحزاب، ورُدَّ سهامهم المسمومة إلى صدورهم. اللهمَّ اهدنا صراطا مستقيما وأنصرنا نصرا عزيزا، 86]. وصلِّ اللهم على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد،