لا ريب في أنه بازاء كل فضيلة رذيلة هي ضدها، ولما عرفت أن أجناس الفضائل أربعة فاجناس الرذائل ايضاً في بادى النظر أربعة: الجهل، وهو ضد الشجاعة والشره وهو ضد العفة، وعند التحقيق يظهر أن لكل فضيلة حداً معيناً، والتجاوز عنه بالافراط أو التفريط يؤدى إلى الرذيلة، فالفضائل بمنزلة الأوساط، والرذائل بمثابة الأطراف، فالفضيلة بمثابة نهاية مركز الدائرة، والرذائل بمثابة سائر النقاط المفروضة من المركز إلى المحيط، مع كونه ابعد النقاط من المحيط، وسائر النقاط المفروضة من جوانبه غير متناهية، مع أن كلا منها أقرب منه من طرف اليه. فعلى هذا يكون بازاء كل فضيلة رذائل غير متناهية، وتكون الفضيلة في غاية البعد عن الرذيلة التي هي نـ الرذائل، ويكون كل منها أقرب منها إلى النهاية (١) ، ومجرد الإنحراف عن الفضيلة من أي طرف اتفق يوجب الوقوع في رذيلة. والثبات على الفضيلة والاستقامة في سلوك طريقها بمنزلة الحركة على الخط المستقيم، وارتكاب الرذيلة كالإنحراف عنه، ولا ريب في أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط الواصلة بين النقطتين، وأما الخطوط المنحنية بينهما فغير متناهية، فالاستقامة في طريق الفضيلة وملازمتها في على نهج واحد، والانحراف عنه تكون له مناهج غير متناهية، ولذلك غلبت دواعى الشر على بواعث الخير.