منذ انتهاء الحرب الأخيرة في ناغورني قره باغ وتعزيز مكانة أذربيجان كلاعب إقليمي بدعم تركي مباشر، يمكن قراءة الحضور الأذربيجاني في الملف السوري كعنصر جديد ومركّب، لا سيما بعد وساطتها بين إسرائيل وتركيا بشأن القضايا المتعلقة بالملف السوري، وإذا كان التفسير التقليدي يذهب إلى أن أذربيجان تتحرّك ضمن هامش المناورة التركية كـ"حليف طبيعي"، خصوصاً على صعيد التعاون الطاقوي بين سوريا وأذربيجان، وما تلاها من ترتيبات أمنية واقتصادية في مناطق شرقي سوريا، أي بناء ترتيبات سياسية واقتصادية وأمنية مبتكرة تتجاوز الهياكل التقليدية، قراءة في الدور الأذربيجاني بزيارة رسمية إلى دمشق، هدفت الزيارة إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة. زيارة شريفوف تُبيّن أن أذربيجان تريد أن تظهر كلاعب مستقل نسبياً قادر على اختراق ملفات كانت محصورة سابقاً بالقوى الإقليمية الكبرى الفاعلة داخل الملف السوري، ومن ناحية فهي تعكس محاولة السلطة الانتقالية الجديدة كسر الحصار السياسي وإظهار أن سوريا باتت محطة إقليمية جاذبة، الزيارة جاءت بعد سلسلة من الإشارات عن نية أذربيجان لعب دور في قطاع النفط السوري، أبرزها ما يتعلق بإعادة إعمار البنية التحتية للطاقة في الشمال الشرقي، والتي تُمثّل شرياناً استراتيجياً لمستقبل سوريا الاقتصادي. بقدر ما بدت ظاهرياً خطوة لتعزيز التعاون الاقتصادي، إذ لا تقتصر أهداف أذربيجان على استثمار موارد الطاقة في شرقي سوريا، هذه المقاربة تُبرز كيف يتحوّل ملف الطاقة السوري إلى منصة لإعادة هندسة التوازنات الإقليمية، وذلك في وقت تسعى فيه السلطة الانتقالية السورية إلى كسر عزلتها السياسية عبر بوابة اقتصاد الطاقة. في حين أشارت تقارير إلى أن دمشق تسعى للحصول على دعم أذربيجاني لتطوير حقول النفط والغاز في شرق البلاد، خاصة بعد اتفاق دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية، ناقش وزير الطاقة السوري محمد البشير مع نظيره الأذربيجاني، تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في قطاع الطاقة على هامش قمة الموارد الطبيعية في إسطنبول. تمتلك أذربيجان خبرة طويلة في استثمار وتطوير قطاع النفط، سواء في ما يتعلق بإعادة هيكلة وتطوير حقول النفط، "كل ثلاث إلى أربع سنوات تُجرى عمليات تنظيف للحقول من المواد المسرطنة التي تظهر نتيجة عمليات الإنتاج، بينما سوريا لم تقم بذلك تقريباً منذ عام 2010. ومن أجل أن تتمكّن الشركة الأذربيجانية من تنفيذ عملية تطوير الحقول، لا بد أولاً من إجراء عمليات التنظيف التي لا تملك أدواتها وتقنياتها الشركة الأذربيجانية، وبيّن الخبير في شؤون الطاقة بأنه يمكن لأذربيجان الدخول من بوابة تطوير محطّتي بانياس وحمص لتكرير النفط. فإنّ تطوير محطتي التكرير في بانياس وحمص سيؤدي على الأقل إلى تخفيض تكلفة الديزل والبنزين. وفي سياق آخر اعتبر أن أذربيجان تملك القدرة على الاستثمار في قطاع النفط ضمن بيئة سياسية وأمنية مضطربة ومعقدة مثل سوريا، حيث استطاعت أذربيجان الاستثمار في دول مثل نيجيريا أو العراق أو ليبيا. في حين كشف عن وجود عائق آخر أمام استثمار أذربيجان في ملف الطاقة السوري، فهناك أيضاً عائق بارز يتمثل بعدم استقرار العملة في سوريا، ما يدفع الجانب الأذربيجاني إلى إعادة حساباته في هذا السياق، وقد يطالب بضمانات مثل حصول الشركة الأذربيجانية على نسبة معيّنة من الإنتاج، لا يمكن قراءة التحركات الأذربيجانية الأخيرة في سوريا بمعزل عن السياق الأوسع لوساطتها بين إسرائيل وتركيا. مقدّمة نفسها كـ"وسيط نزيه" يحمل خلفية جيوسياسية معقّدة تجمع بين الولاء الإقليمي لمجموعة الدول التركية من جهة، وعلاقاتها المستقرة مع إسرائيل من جهة أخرى. استضافت أذربيجان اجتماعات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين بهدف تهدئة التوترات بين البلدين في سوريا. وعلى الرغم من أهمية الاجتماع، إلا أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق نهائي بشأن التدابير لمنع التوترات بينهما في سوريا، غير أن هذه التطورات أظهرت أن أذربيجان تسعى للعب دور الوسيط الإقليمي بين تركيا وإسرائيل في الملف السوري، خصوصاً أنّ لديها علاقات قوية جداً مع إسرائيل، وتابع رضوان أوغلو "أذربيجان باتت قوة إقليمية في مجال الطاقة، ومن الواضح أنّ السياسة الخارجية السورية تنتهج مسارين: أولهما مسار تركيا وشركائها في المنطقة مثل أذربيجان وقطر وألبانيا، بل تطمح لتوسيع موطئ قدمها في قطاع الطاقة السوري، مستفيدة من خبرتها الطويلة في إدارة الثروات النفطية وعلاقاتها الإقليمية. هذا السيناريو لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع على الموارد في شرق المتوسط، إذ يُنظر إلى قطاع الطاقة السوري كحلقة ضمن شبكة معقدة من المصالح المتشابكة بين روسيا، وإن كان في الوقت ذاته قد يهدد بإعادة إشعال صراعات كامنة حول السيطرة على الموارد. خاصة أن أي استثمارات أجنبية في قطاع الطاقة السوري تتطلب إعادة هيكلة المنظومة القانونية المعمول بها، التي تمزج بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات الجيوسياسية. برزت روسيا في الملف الليبي، ولكن أن تكون سوريا جزءاً من مشروع دولي أو إقليمي في قطاع الطاقة، فهذا غير وارد في الوقت الراهن". كما أنّ الأذربيجانيين قادرون على العمل وسط التعقيدات السياسية. وتُعدّ النسب المطلوبة من قبل أذربيجان أخفض وأقل من المطالب الأوروبية، بما في ذلك من أذربيجان، الصادرة في أواخر عام 2023، تم تحليل قطاع الطاقة في سوريا وتأثيره على الاستقرار والتطورات الإقليمية. حيث يشير التقرير إلى أن أذربيجان من بين الدول التي من المرجح أن تلعب دوراً في تطوير قطاع الطاقة السوري، وهو ما يجعلها بوابة محتملة لإعادة رسم خرائط الإمداد الطاقي بين أوروبا وآسيا. إذ تسعى باكو إلى تكريس نفسها كلاعب فاعل في إعادة تشكيل خطوط الإمداد، يتحول الحضور الأذربيجاني في سوريا إلى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هندسة جغرافيا الطاقة في المنطقة، في وقت تتزايد فيه أهمية مصادر الطاقة البديلة بعد اضطرابات سوق الغاز العالمية. فمن ناحية تركيا تؤمّن لأذربيجان ظهرها الجيوسياسي وتفتح لها بوابات النفوذ، بينما توظّف أذربيجان علاقاتها لكسب أدوار جديدة في المنطقة. الذي رسّخ شراكة استراتيجية في قطاع الطاقة بين الأطراف الثلاثة منذ تسعينيات القرن الماضي. إذ تشير تقارير متعددة إلى تعاون استخباراتي متين بين أذربيجان وإسرائيل في مراقبة النفوذ الإيراني، عبر مزج النفوذ الطاقوي بالأمن الإقليمي والسياسة الدولية. الأمن القومي التركي مرتبط بالأمن القومي السوري، وصعود أدوار جديدة مرتبطة بإعادة الإعمار والسيطرة على موارد الطاقة، قد يُمثّل الملف السوري حقل اختبار لهذه الهندسة، بما يحمله من تعقيدات جيوسياسية وصراعات نفوذ متعددة الأطراف. تلعب تركيا دور القوة المهيمنة التي توظّف أذربيجان (كحليف أصغر لكنه ديناميكي) للدخول في ملفات مثل قطاع الطاقة السوري، لا تُثير حساسيات إقليمية أو دولية بالقدر نفسه الذي قد تفعله إذا تصدرت المشهد بنفسها. هذه الآلية تُظهر كيف يُعاد إنتاج النفوذ الإقليمي عبر تحالفات غير متكافئة تُمكّن الأطراف الكبرى من إدارة ملفات معقدة بأدوات مرنة وقليلة التكلفة السياسية. فبينما تشجّع أنقرة على توسيع أدوار أذربيجان، خصوصاً أن الساحة السورية ما زالت خاضعة لتجاذبات دولية معقّدة تتطلب مقاربات مرنة. رغم اعتمادها الهيكلي على تركيا، باتت تُظهر قدراً متزايداً من الاستقلالية في تحركاتها، يبدو الحضور الأذربيجاني الحالي في سوريا كتحرك محسوب، يمكن القول إن الدور الأذربيجاني في سوريا ما زال في طور التشكل، يبقى التحدي الأساسي هو قدرة أذربيجان على الحفاظ على موقعها كطرف نزيه، دون الانزلاق إلى أدوار صلبة قد تعيد إنتاج استقطابات إقليمية لا تحمد عقباها. تبدو العلاقة الثلاثية بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل كنموذج مثالي لفهم كيف تتحول الشراكات الإقليمية إلى أدوات لإعادة رسم خرائط النفوذ، فهل نحن أمام مرحلة انتقالية مؤقتة في النفوذ الإقليمي،