تضاربت الآراء حين أعلن خادم بن زاهر استياءه من حسين صاحب (البوم) قائلا: «إما أن تعطينا حقوقنا كاملة، وكانت تصطحب معها ابنها عبدالله ذا الأعوام الثمانية ليلعب مع ولدي خالته؛ ثم تعودان لتجرجر أم عبد الله ولدها وهو في حالة أقرب إلى النوم منها إلى اليقظة. وغالبا ما ينام عندهم يقضي الأطفال ليلتهم يلعبون «ملك أو وزير» بأن يقذف أحدهم علبة كبريت في الهواء، وتدور اللعبة على الثلاثة فينتقلون ببساطة شديدة من ملك إلى وزير إلى لص. وهم يضحكون وفي الأمسيات التي تزورهم فيها الجدة الطيبة أم عبد الرحمن «الكفيفة» يتحلقون حولها، وما تنسى أن تضع بين طيات الفراش المذياع الذي ابتاعه زوجها من الكويت حتى لا تصل إليه أجساد الصبية وهم يتعاركون في أثناء غيابها. واستمر يصدر زقزقة العصافير وهو يشفط ما تبقى من سمك العشاء بين أسنانه، مد ساقيه وأخذ يفرش ما تغضن من إزاره داخل حضنه عليهما. كانا كسيخين من الحديد يكسوهما شعر مجعد كثيف، فعل ذلك بسبب الحر الخفيف الذي بدأ يغلف الجو، وظل الصغير يصغي لثغاء الماعز والخرفان في طرف الحوش. كانت بقية من نعاس تداعب الصغير وبقية من هموم طفحت على صدر الكبير، وأخذ يسعل تحت الضياء الواهن بينما ظل الصغير يراقب الدخان المتسرب نحو الظلام بطيئا وكثيفا. وقد أسند ذقنه الصغير إلى ركبته وكأنه أسلم نفسه للتخيلات. وسأل الصغير الواجم: ألم يأتيا بعد؟!رد عليه عبد الله بتثاقل: ليس بعد يا أبتاه عاودته نوبة الزقزقة، ثم سأل عبد الله مشيرا بيده إلى المذياع ألم تنته هذه (اللغاية) ورد الصغير في شبه استنكار: ليس بعد. - وما عليك يا أبتاه! أبي يقول عنها ممتازة. ولكني أفضل حمدان الوطني. -ما تقول يا جاهل؟ فأخذ يتلفت ذات اليمين وذات اليسار، وعاد (خادم) يكمل طريق السخرية في صمت «هه. قل أجير عند حسين في بومه المبني على السحت. أأكون كالمرأة المهجورة أندب حظي على الشاطئ وما زلت بصحبتي. تركني الكلب أكابد الحزن بعد أن غمرني بالديون». صاحت أم كلثوم في غفوة الكلام "أعطني حريتي أطلق يدي. ه: أعطني حريتي، آه من قيدك أدمى معصمي. مجرد وجع". فتأوه ابن زاهر وقال: «آه من القيد أيها الرجال»، ثم نطق: ما بك يا أبوي خادم؟!» خشخش المذياع، لاحتلال مكان الإذاعة التي انتهت مبكرا، مد (خادم) يده فأسكت الخشخشة ثم أشعل مدواخه وصفن، حضر الجنازة خماس الأعور، فقد كان واقفا على الشاطئ يرقب عودة أبيه،