المحور الأول: الجيل الأول- الصبغة الماركسية الفرويدية من نافل القول أن ظهور “مدرسة فرانكفورت” جاء نتيجة لسياق تاريخي مأزوم، وفي ظل واقع عام شهد فيه العالم حربين طاحنتين (الأولى من 1914 إلى 1919 والثانية من 1939 إلى 1945)، حتى وجدت نفسها مرة أخرى متورطة في حرب عالمية ثانية أشد فتكا من سابقتها، والأسوأ من هذا كله المعايير الملزمة والتي تقرب الكرامة الأخلاقية من المشاعر لتكوين شعب (…)، يصور لنا هذا النص مشهدا بانوراميا لما آلت إليه أوضاع الأمة الألمانية في تلك الفترة، حين ألفت نفسها كذات “مهملة”، ومن ثمة العمل من جديد ضمن استراتيجية واضحة المعالم، قائمة على أساليب تقنية حديثة، فأسسوا حركة فلسفية جديدة ذات رؤية نقدية تلتقي في صميمها مع الإرث الألماني عامة، هذا الأخير الذي طالما ميز “الفلسفة الألمانية” عن غيرها من الفلسفات الغربية الأخرى، وبوأها -على مر العصور- مكانة فكرية خاصة ومتميزة عن الأمم الأخرى، ونخص بالذكر هنا استنادهم على أسس الفلسفة الجدلية الماركسية، والتحليل النفسي الفرويدي والنقد الكانطي. وبذلك نشأت فكرة “مؤسسة دائمة للدراسة النقدية للظواهر الاجتماعية”، كان يعرف باسم “مركز البحوث الاجتماعية”، مختصرا ضمنه لفظتين أرادهما أن تعبرا عن اهتمامات المعهد بشكل جامع ومركز فوجد لذلك عبارة “النظرية النقدي théorie critique”. حول موضوعات وقضايا معينة تهم المرحلة بإشكالياتها المتعددة. لم يكن ليرتقي إلى مفهوم “المدرسة” بمعناها الدقيق، قام مشروع “مدرسة فرانكفورت” منذ نشأته على نقده لمشروع التنوير بوصفه ركيزة من ركائز الحداثة الغربية، وفي هذا الإطار يقول بومنير كمال أن: “النظرية النقدية منذ نشأتها في الثلاثينيات من القرن العشرين قامت بنقد جذري لمشروع التنوير بما هو رمز الحداثة الغربية، فكان هدفه الأول والأخير هو تحرير الكائن الإنساني من الخوف وجعله سيد نفسه، ومنه تمخضت أهم نتائج عصر التنوير والتي تمثلت في “تطور النزعة العقلانية، وكذلك الاقتصادي والسياسي، والتي اعتبرت العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة، ونبذ الفكر الميتافيزيقي والأسطوري، وناضلت ضد الأيديولوجيا الإقطاعية [القروسطية]، لا مراء أن هذه الثقة في العقل جعلت من إنسان التنوير واثقا في نفسه، وأحس بأن قيمته تكمن في نفسه وأنه بذلك قادرا على توليد منظوماته الأخلاقية، اعتمادا فقط على عقله لا خارجه، وهذا ما خلق له نوعا من “التمركز حول الذات” وبالتالي تفاؤله بكونه مركز الكون. أوقعته في أزمات اللاعقلانية بصور وأشكال مختلفة. ونوعا جديدا من الاغتراب. فكان ذلك مدخلا لطرح مواقفه وأفكاره التي تشبعت إلى حد كبير بالنظريات الماركسية والتحليل النفسي الفرويدي. وعملت على توجيه سهام النقد لذلك التدمير الذاتي الذي يمارسه العقل خلال مرحلة الوضوح الزائف المتعين في الفكر العلمي والفلسفة الوضعية للعلم، وكنتيجة له، “تغرق البشرية في نوع جديد من البربرية بدل أن تدخل في حالة إنسانية حقيقة”. في سياق النقد ونقد النقد،