ففيها ثلاث مسائل: إحداهن: أن يأمره بعلفها وسقيها، فيجب على المودع أن يعلفها ويسقيها؛ لأن للبهيمة حرمتين: حرمة بنفسها، بدليل: أن من ملك بهيمة. وقد اجتمعتا. فإذا علفها وسقاها. لأنه أخرجها بإذنه، فإن اختلفا في قدر النفقة، لأنه متطوع به. وإن ادعى المودع النفقة بالمعروف، وادعى المالك أنه أنفق دون ذلك. لأنه أمين، فقبل قوله في ذلك مع يمينه. وإن اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها. فالقول قول المالك مع يمينه في قدرها؛ المسألة الثانية: أن يودعه إياها، ولا نهاه عن ذلك، فيلزم المودع أن يعلفها ويسقيها. وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه ذلك). وحرمة بنفسها، فرأيت امرأة تعذب، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فإذا سكت المودع. لم يسقط بذلك حق البهيمة. إذا ثبت هذا: فإن المودع يرفع الأمر إلى الحاكم، ثم ينظر الحاكم الحظ لصاحبها، فعل، وإن أراد أن يبيع جزءا منها للإنفاق على باقيها، فعل، فإن اقترض من غير المودع، جاز، وإن أمره بالإنفاق عليها قرضا على المالك. فهل يجوز ذلك؟ فيه وجهان، بناء على القولين في نفقة الحمال في الإجارة، فإذا قلنا: يجوز. فهل يقدر له الحاكم قدر النفقة، حكاهما ابن الصباغ. وإن أنفق عليها المودع من غير إذن الحاكم، لأنه متطوع، لأن الظاهر أنه متطوع، لأنه لا ولاية له عليه. ولعل ابن الصباغ أقام نية الرجوع مقام الإشهاد عند تعذر الإشهاد. قال أبو إسحاق المروزي: فإذا قلنا: له أن يرجع بما أنفق بنفسه. أو يبيع جزءا منها، أو في قدر المدة. فالحكم فيها كالحكم في المسألة قبلها، نظرت: لأن الظاهر أنها ماتت من الجوع والعطش. لم يجب عليه ضمانها؛ ولم يعلم بها المودع، ففيه وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق 442]: لأنها ماتت بإجاعته لها، فصار كما لو لم تكن جائعة. وتأخيره لا حكم له بانفراده. المسألة الثالثة: إذا أودعه بهيمة، وقال له: لا تعلفها ولا تسقها. فلا خلاف على المذهب: أنه يجب عليه علفها وسقيها؛ لأن للبهيمة حرمتين: حرمة مالكها، فإذا أسقط المالك حقه. بقي حق البهيمة. فعلى هذا: الحكم في الإنفاق عليها والرجوع حكم المودع إذا لم يأمره ولم ينهه، لما ذكرناه، وهل يجب على المودع ضمانها؟ فيه وجهان: أحدهما قال أبو سعيد الإصطخري: يلزمه الضمان؛ لزمه الضمان. وهو الأصح؛ لأن ضمان القيمة يجب للمالك، فلم تجب له القيمة، فقتله، فلا يجب عليه القيمة. فهو النهاية في الاحتفاظ، واختلف أصحابنا في تعليله: فقال أكثرهم: لأن العادة جرت في علف البهائم وسقيها هكذا. وإنما استعان بغيره، كما قال: إذا استعان بزوجته، أو سقاها خارج المنزل، لأنه موضع ضرورة، وإن كان يمكنه أن يفعل ذلك في منزله. واختلف أصحابنا فيه: فلا ضمان عليه؛ لأن ذلك يجري مجرى منزله، وقد جرت العادة بعلف البهائم والسقي خارج المنزل إذا كان آمنا، وحمل النص عليه إذا كان خارج المنزل مخوفا. وقال أبو سعيد الإصطخري: يجب عليه الضمان بكل حال؛ فلزمه الضمان. كالمنزل،