ملخص البحث وعلى الرغم من ان السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين والدعوة الشديدة للمؤمنين إلى الدفاع عن دينهم ، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحا لجميع الناس ، ثم التهديد ثم التوبة ، وكذلك المؤمنون تطالبهم بالتوبة فهي تتحدث عن أخطاء ثم تفتح باب التوبة ، حتى بلغت مواطن التوبة في السورة اثنتا عشر موطناً . وبعد . للتوبة أهمية عظيمة في الإسلام وثمرات جليلــة لـذا أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين في كتابه الكريم قَالَ تَعَالَى . النور : ۳۱ ، وحثّ عليها وانه مــا مــن إنسان إلا وهـو محتاج إلى التوبة . وفضح المنافقين لكنها حرصت على إبقاء بـاب التوبة مفتوحاً لجميع الناس ، وهذا كان السبب وراء اختياري لهذا الموضوع ، فمن خلال الاستقراء لآياتها ، ثم التهديد ثم التوبة ، حتى المؤمنين تطالبهم بالتوبة فهي تتحدث عن أخطاء ثم تفتح باب التوبة ، وقد ورد ذكر كلمة ( التوبة ) فـي هـذه السورة ( ١٧ ) سبع عشرة مرة . ولأهمية التوبة اليوم للتطهير من دنّس النفس بالمعاصي والذنوب ارتأيت الكتابة فيه ، فجاء البحث موسوماً بـ ( مواطن التوبة في سورة التوبة ) في مقدمة ومبحثين ، أما المبحث الثاني ، فكل مطلب فيه يعبر عن موطن من مواطن التوبة أي مواضع للتوبة منها مواطن خاصة بتوبة الكفار والمنافقين ومنهـا ما كانت خاصة بتوبة المؤمنين . وتـاب إلى الله : أنـــاب ورجـــع عن المعصية إلى الطاعة ) ( ۱ ) . وفي معجم مقاييس اللغة : ( توب : التاء والواو والباء كلمة واحدة تدل على الرجوع ، أي رجع عنه ) ( ٢ ) . ويقول الراغب في مفرداته التوب ) ترك الذنب على أجمل الوجوه وهذا أبلغ وجوه الاعتذار ، فان الاعتذار على ثلاثة أوجه : أما أن يقول المعتذر : لم أفعل ، والملاحظ على هذه التعريفات انها كلها متفقة على معنى الرجوع من الذنب فهي وان اختلفت لفظاً إلا أنها متفقة من حيث المعنى . فالتوبة في اللغة : الرجوع من الذنب والإقلاع عنه . إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً ) ( 4 ) . قال الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى : ( التوبة ترك الذنب على أحد الأوجه ) ( ) . وأما التوبة النصوح فهي توثيق بالعزم على ألا يعود لمثله . والإضمار على ألا يعود . وهذه هي التوبة التي تورث صاحبها عاجلاً وأجلاً ) ( ) . - إجماع العزم والصدق بكليته عليها ، ولا انتظار ، - تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله تعالى وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده ( ) . المطلب الثاني الألفاظ ذات الصلة بالتوبة في القرآن الكريم للتوبة في القرآن الكريم إطلاقات وردت على ثلاثة أوجه ( ۸ ) : ١ - بمعنى التجاوز والعفو ، يَنقَومِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِيكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِندَ بَارِيكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ) . ۲- بمعنى الرجوع والإنابة وهو مقيد بـ " إلى " كقوله تعالى : . وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ١٠ ) - بمعنى الندامة ، وهذا غير مقيد لا بـ " إلى ولا بـ " على " كقوله تعالى : وَأَذَنْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجَ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَأَعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أليم ( ١١ ) . المطلب الثالث شروط تحقق التوبة إن للتوبة شروط ذكرها الإمام النووي رحمه الله تعالى بقوله : ( التوبة واجبة من كل ذنب ، فإذا كانت المعصية بين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها شرط وهي : ١- أن يقلع عن المعصية . ٣- أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً ، وإن كان غيبة استحله منها ) ( ١٢ ) . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في التوبة عن الذنوب التي فيها حق العباد : ( من العدل أن يُمكن المظلوم عن الانتصاف ثم بعد ذلك الشفاعة إلى المظلوم ) ( ١٣ ) . المبحث الثاني : مواطن التوبة الموطن الأول : التهديد والتهكم بأسلوب الازدراء قال تعالى : ﴿ وَأَذَنْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجَ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ، أي بريء منهم ( ۱۸ ) . والبراء هو البعد والخلاص والعداوة بعد الاعذار والإنذار ، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( الولاية ضد العداوة وأصل الولاية المحبة والقرب وأصل العداوة : البغض والبعد ) ( ۱۹ ) . فقد ابتدأت الآية القرآنية بهذه الشدة الملفتة لدعوة المشركين للتوبة ، منها خطاب الله تعالى للمشركين بالضمير ( كاف ) إذ وردت هذه الصيغة مع حروف الجـــر كـــالـلام فـــي قوله تعالى : . وفي هذا الأمر التفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة التهديد والتشديد ( ۲۰ ) ، أما المشركون الذين يحترمون كلمتهم فلا عدوان عليهم ولا تضييق ( ٢٢ ) . ويختم الله تعالى هذا الموطن بتبشيرهم بالعذاب من قتل وأســر وسبي ، فقال فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ،