الفصل الخامس : المجتمع وتطوّره 12/1 والشّكل الثّاني هو من خصائص السّلالات الّتي أنشأت المدنيّات أو أخذت بها. من الوجهة الاجتماعيّة، وهي حالة السّلالات الأوّليّة المتوحّشة. وإمّا حالة التّطوّر نحو الانحطاط إن بعامل انحطاط البيئة كما هو الرّاجح في بلاد العرب(69) وإن بعامل الرّجوع إلى حالة معيّنة كالصّيد ورعاية الماشية أو نحو ذلك(70). ومهما يكن من الأمر فإنّ الاستقرار على حالة التّوحّش والبداوة يخرج المجتمع المتوحّش أو البدويّ من دائرة التّطوّر بالمعنى الصّحيح ويكاد يخرجه من نطاق هذا الفصل. ولكنّ رغبتنا في جعل البحث أتمّ وأوفى بالغرض يجعلنا نتناول حقائق هذا المجتمع قبل أن ننتقل إلى المجتمع العمرانيّ المتطوّر الّذي سيستغرق كلّ عنايتنا في سياق هذا الفصل والفصول التّالية. خصائص المجتمع البدويّ: لا بدّ لنا، قبل الخوض في موضوع هذا الفصل، فالرّابطة الاقتصاديّة هي الرّابطة الاجتماعيّة الأولى في حياة الإنسان أو الأساس الماديّ الّذي يقيم الإنسان عليه عمرانه فلا نستطيع أن نتصوّر مجتمعاً يقوم على غير أساس التّعاون الاقتصاديّ لسدّ الحاجة مداورة تعويضاً عن نقص وجود المادّة المحتاج إليها وقد أشرنا إلى هذه الحقيقة في بداءة الفصل الثّالث. أي بالعمل والواسطة، فهو دائماً مضطرّ لإرضاء دافع الارتقاء والتّعويض عمّا فقده من سرعة الجولان وقوّة الوثب وتكوّن المخالب بإعداد أداة الدّفاع والصيّد والمعزق. وهذا يتطلّب منه التّعاون في الصّناعة وفي السّعي لمطاردة الفريسة والإيقاع بها وفي الزّراعة. ولأبن خلدون بحث قيّم في التّعاون في مقدّمته المشهورة. ومن مظاهر هذه الدّرجة فقدان الصّناعة أو وقوفها عند حدّ صنع بعض الأدوات الضّروريّة، كالأوتاد والرّكائز والعصيّ وجدل بعض الأعشاب والنبّاتات لسقوف وحيطان الأكواخ (الجماعات الأوّليّة)(72) ونسج الوبر والشّعر للخيم وبعض اللّباس (الجماعات المنحطّة المتبدّية) وأسباب عيش الجماعات التي على هذه الدّرجة تقتصر على الضّروريّ ويندر أن تتعدّى إلى الحاجيّ فضلاً عن الكماليّ(73). فكثير من الجماعات الأوّليّة تطلب سدّ الحاجة مباشرة أو بمداورة قليلة. وعلى ما يقارب هذا الجماعات المنحطّة المتبدّية.