١٦ - كيفية الطلب ومراتبه : قال الله تعالى : وَقُرْآنَا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) . وقال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كُذَلِكَ لِتُثَبِّتَ به فؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا). الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) . فأمامك أمور لا بد من مراعاتها في كُلِّ فَن تطلبه : ۱ - حفظ مختصر فيه . ٢ - ضبطه على شيخ متقن . - عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط ه - اقتناص الفوائد والضوابط العلمية . - جمع النفس للطلب والترقي فيه ، لكن تعقبه ابن خلدون بأن العوائد لا تُساعد على هذا، أما الخلط في التعليم بين عِلْمين فأكثر؛ المتعلمين في الفهم والنشاط . وكان من أهل العلم من يُدَرِّسُ الفقه الحنبلي في زاد المستقنع» واعلم أن ذكر المختصرات فالمطولات التي يؤسس عليه الطلب والتلقي لدى المشايخ تختلف غالباً من قطر إلى قطر باختلاف المذاهب، والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح والفهوم ، وقد كان الطَّلَبُ في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد : ففي التوحيد : «ثلاثة الأصول وأدلتها»، وفي توحيد الأسماء والصفات : «العقيدة الواسطية»، و المنتقى» للمجد ابن تيمية ؛ فالدخول في قراءة الأمَّاتِ الست وغيرها . وفي المصطلح : نُخبة الفكر لابن حجر، وفي الفقه مثلاً : آداب المشي إلى الصلاة» للشيخ محمد بن عبد قدامة رحمه الله تعالى . وفي أصول الفقه : «الورقات للجويني رحمه الله تعالى ، الناظر لابن قدامة رحمه الله تعالى . وفي الفرائض : «الرحبية»، وفي التفسير : تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى . وفي السيرة النبوية: «مختصرها للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وفي لسان العرب : العناية بأشعارها؛ والقراءة في القاموس» للفيروز آبادي رحمه الله تعالى . وهكذا من مراحل الطلب في الفنون . وكانوا مع ذلك يأخُذون بِجَرْدِ المطولات؛ وكتب أئمة الدعوة وفتاويهم، وهكذا كانت الأوقات عامرةً في الطلب، أعقاب جميع الصلوات الخمس تُعْقَدُ الدروس، وتقدير بعزة نفس من الطرفين على منهج السلف الصالح رحمهم الله والحمد لله رب العالمين . فهل من عودة إلى أصالة الطلب في دراسة المختصرات المعتمدة، ضاع الطلاب فلا حِفْظ ولا فَهُمَ! وفي خُلُو التلقين من الزِّغَل والشوائب والكدر، وقال الحافظ عُثمان بن خُرِّزَاذَ (م) سنة ٢٨٢هـ) رحمه الله تعالى (١) : يحتاج صاحب الحديث إلى خمس، قلت : - أي الذهبي - : فالذي يَحْتَاجُ إليه الحافظ أن يكون : تقياً، سَلَفِياً يَكْفِيهِ أن يكتب بيديه مثتي مُجَلد، ويُحَصِّلَ من الدواوين المعتبرة خمس مئة مجلد، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة، وإلا فلا يَتَعَنَّ اهـ . ۱۷ - تَلَقِّي العِلْمِ عن الأشياخ : الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق، إلا من شَدَّ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب (م) سنة ٤٥٣هـ)، عُلماءُ عَصْرِهِ ومن بعدهم . قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له (۲) : ولم يكن له شَيْخُ ، الإحياء» عن عَدَدٍ من العُلَماء مُعَلَّلينَ له بعدّة علل ؛ في الرد عليه (۳): السادسة : يُوجد في الكتاب أشياءُ تَصُدُّ عن العلم ، وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، وإدماج القارىء مواضع المقاطع، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يُخرجها الناقل من اللغة؛ وقد استراح المُتَعَلِّمُ من تكلفها عند قراءته على المعلم، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، قال الصفدي : ولهذا قال العلماء : لا تأخذ العلم من صحفي ولا من مُصْحَفي ؛ والدليل المادي القائم على بطلان نظرة ابن رضوان : أنك ترى آلاف التراجم والسير على اختلاف الأزمان ومر الأعصار وتنوع المعارف، وكان أبو حيان محمد يوسف الأندلسي (م سنة ٧٤٥ هـ) (١) إذا ذكر وقال الوليد (١) : كان الأوزاعي يقول : كان هذا العلم كريماً يتلاقاه الرجال بينهم، ولا ريب أنَّ الأخذ من الصُّحُفِ وبالإجازة يقع فيه خَلَلٌ، فتتصحف الكلمة بما يُحيل المعنى، وكذلك التحديث من الحفظ يَقَعُ فيه الوهم ؛ بخلاف الرواية من كتاب محرره اهـ . فيقينه في المشكلات ظنون من لم يُشـافـة عالماً بأصوله وكان أبو حيان كثيراً ما يُنشِدُ : يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتب تَهْدِي أخا فهم لإدراك العلوم وما يدري الجهولُ بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم إذا رمت العلوم بغير شيخ تصير أضل من توما الحكيم »