اتّجهت أنظار التربويّين إلى ظاهرة واضحة بين المتعلّمين، ذات الطابع الإيجابي تارةً والسلبيّ تارةً أُخرى. كما لوحظ أنّ هذه السلوكيّات ذات طابع معرفيّ، ومن هُنا بدأ التساؤل: من أين يتعلّم الطلبة هذه السلوكيّات؟ وهل المؤسّسة التعليميّة مسؤولة عن بعضها؟ وما المواقف التعليميّة والتربويّة التي تساعد على تعليم هذه السلوكيّات؟ وبدأ الحديث في الأوساط التربويّة، في سلوك الطلبة. وهكذا بدأت الدراسات والبحوث، وشرع المؤلّفون في تأليف الكتب للكشف عن كنه هذا المنهج، وعن طبيعة أشكاله وعناصره ومصادره. وبالتالي بدأت محاولات التحكّم فيه وتوجيهه، والمتمثّلة في أبنائها الطلبة، وذلك تحقيقًا للأهداف التعليمية والتربوية التي تنشد تحقيقَها المؤسّسة التعليميّةُ في أيّ مجتمع من المجتمعات. اذا يعرف جولس هنري (1973, Jules Henry) المنهج الخفيّ بأنّه "يتمثّل في العلاقة التي تربط الطالب بمعلمه، وكافة القوانين التي تنظم تلك العلاقة". عمليّة في غاية الصعوبة، ولا يُتوقَّع ولا تُعرف طبيعته، ولا يُسيطر عليه بالأنظمة والقوانين؟ وهُنا تكمن خطورة هذا المنهج الكامنة في عدم إمكانيّة تحديد أسسه، بينما هو قادرٌ على إحداث صراع واضح مع المنهج الرسميّ. وتعامل المدرسين مع بعضهم البعض، وخلال أحاديث المدرسين العلمية والفكرية، ومزاولتهم الأنشطة. هل للمنهج الخفيّ خصائص؟ أو المُعلَن، أي المنهج الخفيّ، يتغيّر بتغيُّر الزمان والمكان والفرد المتعلّم، ذلك أنّه ليسَ نتاجًا لبيئة معيّنة، إنّما هو أشبه بسائلٍ يتشكّل وفاقًا للموقف والحدث. أو موقف تعليميّ ما. ذلك أنّ الفرد المتعلّم ووعيه هما العامل الحاسم في الموقف التعليميّ؛ فلهُما دور بارز في إنتاج مناهج خفيّة قد لا تُثار عند غيرهِ من الطلبة في موقف متماثل. ومن الأمثلة على المنهج الخفيّ، أنّ المنهج الرسميّ يشدّد على أهمّيّة النظام والترتيب والحفاظ عليهما، بينما يرى الطلبة ويلاحظون أنّ معلّمهم غير حريص على ذلك، فيدركون هشاشة قاعدة المنهج الرسميّ، للمنهج الخفيّ مزايا؛ فهو يضمن اكتساب قيم إيجابيّة من خلال المُمارسة والقدوة، ما يعمل على تحقيق الانضباط النفسيّ والتوازن السلوكيّ. ويتأثّرون بسلوكهم من دون إدراكٍ. وهم لا يقتنعون بتعاليم المربّي وأوامره وما يقوله، بل يقتنعون بما يُطبّق وما يرون ويلاحظون من نماذج واقعيّة أمامهم. لكلّ مؤسّسة تعليميّة مخطّط للمنهج الرسميّ تعمل على تنفيذه واٍيصاله إلى الطلبة. ولكلّ منهج مجموعة مقرّرة من الأهداف يسعى اٍلى تحقيقها، سواء من خلال المحتوى أو الأنشطة. ولكن، جنبًا اٍلى جنب، مع تنفيذ المدرّس للمنهج الرسميّ، على سبيل المثال: اختيار المدرس لممثّلي الصفّ من الطلبة، وتعزيزه لهم في جميع الأحوال، يعلّم الطلبة الثقة في النفس واحترام الذات. أهمّيّة المنهج الخفيّ في العمليّة التعليميّة للمنهج الخفيّ دور مهمّ في العمليّة التعليميّة، قد يفوق بكثير ما للمنهج الصريح من دور في العمليّة ذاتها. ولا يتجلّى دور المنهج الخفيّ في ما يقدّمه الطلبة من خبرات إضافيّة اٍثرائيّة في المجال المعرفيّ فحسب، وأخلاقيّ وسلوكيّ. وتزداد أهميّة المنهج الخفيّ في العمليّة التعليميّة في عالمنا العربيّ اليوم أكثر من أي وقت مضى. وذلك لأنّ التأثيرات السلبيّة للعولمة وتحدّياتها المختلفة في المجالات العقديّة والفكريّة والاجتماعيّة والتقنيّة، تتطلّب المزيد والمزيد من العناية والاهتمام بالمنهج الخفيّ في مؤسّساتنا التعليميّة، ومحاولة تفعيله بشكل مؤثر وواضح. خصوصًا اٍذا عرفنا أنّ واقع مناهجنا الصريحة المطبّقة حاليًّا في مؤسّسات التعليم العام، باتت لا تحقّق طموحاتنا التربويّة، باعتبارها أضحت غير كافية مثلًا لمواجهة التحدّيات والتأثيرات السلبية للعولمة على أبنائنا؛ والذي غالبًا لا يمتّ إلى واقعهم بصلة. كما أنّ طرائق التدريس التي تُنفّذ بها تلك المناهج تتميّز بالتقليديّة، ولا تفي بالاحتياجات الحاليّة لطلبتنا كون طابع التلقين يغلب عليها. وهي بذلك تزيد سلبيّة المتعلّم العربيّ في الموقف التعليميّ، وبالتالي تخاطب وبشكل واضح قدراته العقليّة الدنيا، من هنا، تأتي أهميّة تفعيل المنهج الخفيّ كونه – وكما أثبتت العديد من البحوث والدراسات العالميّة والعربيّة - يعنى بالمطالب التعليميّة والتربويّة المعاصرة لأبنائنا، تعزيز المواطنة الصالحة؛ تمكينهم من فهم التكنولوجيا المعاصرة؛