زائر موضوعات الكتب مجموعات هنداوي السلاسل والأعمال الكاملة النقد الأدبي والمعنى، والأسلوب، ونعني بذلك أن كل نوع من الأدب لا بد أن يشتمل على هذه العناصر الأربعة ولا يخلو من عنصر منها، العاطفة هي عنصر هام في الأدب، ومع علم الأقدمين بها، فإن اسمها لم يستعمل في الأدب العربي إلا حديثًا، فأنت تقرأ طبقات الشعراء لابن قتيبة مثلًا، على كل حال فهي عنصر هام، أما العاطفة فلا تتغير إلا قليلًا، فمثلًا عاطفة الحزن على ميت قد تضبط عند الألمان والإنجليز، ولكن الحزن هو الحزن. وعاطفة الإعجاب بالبطولة قد تتخذ شكل عبادة الأبطال عند البدائيين، وقد تبعث على إقامة تماثيل عند الأوروبيين، وقد تتخذ أشكالًا عند غيرهم، ولكنها في جوهرها ثابتة عند الجميع، وهكذا. فلا تسمى أدبًا بحال من الأحوال. وكذلك كتب الرياضة وكتب علم طبقات الأرض أو علم النفس. على حين أننا نعد أبياتًا من الشعر ولو تافهة في فتاة أو زهرة أو خصلة من الشعر أدبًا. ذلك لأن النوع الأول غير مرتبط بالعواطف والثاني مرتبط بها. وكتب التاريخ قد تعد أدبًا وقد لا تعد، أما إذا مزج فيه المؤرخ حقائقه بعواطفه، وأتبع الحادثة برأيه فيها، وأكمل بخياله ما نقص، وبعث عند القارئ ما حمسه أو خذله كان أدبًا بمقدار ما فيه من عاطفة. وكانت العواطف لا تتغير حُبِّب إلينا قراءة الشعر مرارًا. فنحن لا نمل من إعادة قراءة المتنبي أو أبي العلاء، على حين أننا نمل بسرعة من قراءة كتاب علمي متى كنا نعلم ما فيه؛ لأنه مرتبط بالعقل لا بالعاطفة. ففهم الحقائق العلمية فهمًا مطابقًا للواقع والتعبير عنها يشترك فيه الناس على السواء تقريبًا، فنحن إذا قلنا: الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين كانت هذه الحقيقة عامة يستوي الناس إلى درجة كبيرة في فهمها والتعبير عنها. فليس فيها كبير مجال للتعبير عن الشخصية، ولكن ما أشعر به إذا رأيت نجمًا في السماء يخالف ما شعر به من بجانبي، وتعبير عنه يخالف تعبير صاحبي، وعندما تدخل العاطفة في الشعور والتعبير تظهر الشخصية ويكون الأدب. وإذا أردت أن تعرف شخصًا أعالم هو أم أديب أم هو عالم وأديب معًا، فالأول عالم والثاني أديب والثالث عالم وأديب معًا. معنى الأدب: وهم يعرفون الأدب عادة بأنه تفسير الحياة واستخراج معانيها. لأن الحياة بمعناها الواسع لا تسيطر عليها الحقائق الخارجية ولا الظروف الخارجية ولا التفكير العقلي بقدر ما تسيطر عليها العواطف، وهي التي تحدد مجرى الحياة. ولذلك نلحظ أن أعمال الحياد ليس ينطبق عليها كلها المنطق، لأن المنطق قانون العقل لا العواطف، ولذلك نراهم يقولون إذا عجزوا عن تطبيق المنطق العقلي: إن هذا ما يقتضيه منطق الواقع، بل قد يكون منطق العاطفة أحيانًا مخالفًا لمنطق العقل، كالعطف على ابن عاقّ، وتفضيل ابن الزوجة الجميلة ولو لم يكن كفئًا، كما كان من هارون الرشيد في تقديمه الأمين على المأمون. والأدب أداته العواطف، فهل يمكننا أن نسلم بصحة العكس، وهو أن ما لا يصدر عن عاطفة ولا يثير عاطفة لا يسمى أدبًا؟ والشروط التي وضعوها لكتابة التاريخ كالدقة والإلمام بجميع نواحي الموضوع والإنصاف في الحكم هي شروط من الناحية التاريخية، ولكنه إذا كان ذا أثر في العواطف ظلت ناحيته الأدبية باقية. والسبب في أننا نعد كاتبًا أو ناقدًا أو باحثًا أديبًا وآخر غير أديب، أن الأول يثير الحقائق التي يذكرها ويقويها ويلهبها باللعب بالعواطف. ثم إنه أحيانًا تكون كميات العناصر الأخرى كبيرة، وهي عنصر العقل والخيال والأسلوب، وبعض الأمثال، فهذه يختلف النقاد فيها، وبعضهم لا يعدها أدبًا لخلوها من عنصر هام، وبعضهم يعدها أدبًا لما كان من التعويض بزيادة العناصر الأخرى، وقالوا إنه إذا زادت كمية الخيال وقوي الأسلوب فمن البعيد ألا يؤثر في العاطفة. فإذا كانت هذه الإثارة هي أهم غرض للكاتب أو الأديب كان لنا من هذا شعر أو أدب كفن من الفنون الجميلة، وإذا كانت الإثارة وسيلة لا غاية فقصد إليها الأديب أو كان غرضًا عرضيًّا لا أساسيًّا، ويدرس وظيفة كل جزء منه، ويدرس التغيرات التي تطرأ عليه كلما نما حتى وصل به إلى الموت والفناء. وغرضه من ذلك عقلي محض، يسعى وراء الحقائق والقوانين التي تنتظم وهذا النبات.