فتحركت معه زريعة الغضب والإشمئزاز، واصطفت الجماهير وراء سياج مرصوص من الجنود الراكبين والراجلين، لترى هذه «الدمية» التي افتعلها الاستعمار محاولا أن يحكم بها قيود شعب أراد الحرية، وأن يوقف تيار البعث المغربي الجارف. لقد أعلن الناس الإضراب عن الصلاة في المساجد أيام الجمعة، حيث بدأ الأئمة يدعون «للسلطان صنيعة الاستعمار» وقرروا الصلاة في بيوتهم . أما هؤلاء الأفراد القلائل الذين يتسللون إلى المسجد الجامع الملاصق للقصر السلطاني، فهم أخلاط من الموظفين والمذبذبين وضعاف النفوس وسمع الناس فجأة أزيـزا متقطعا ودمدمـة منبعثة من سيارة قديمة هرمة وقفت في أحد جوانب الساحة، ونزل منها رجل شاب أسمر البشرة، سمح الملامح بالرغم من أمارات الحرج والضيق التي كانت مرتسمة على وجهه. وأعلنت الجلبة التي أحدثها ركض الخيول ووقع الخطى المتتابعة المنتظمة وصول موكب «السلطان الدمية» محاطاً بالخونة وجسور الاستعمار. وانشغل الناس بمشاهدة «الدمية» المتلبسة بهيئة الملك والسلطان، وما هو إلا أن تقدمت هذه السيارة الهرمة نحو الموكب تشق جموع الناس، وحاذت فرس «الدمية» وكسرت قوائمه، استل ذلك الشاب الأسمر ذو الجلباب الأبيض والطربوش الأحمر خنجرا طويلا، يريد الإجهاز على هذا الرمز الذي أصطنعة المستعمرون لطمس معالم السيادة المغربية. وتهاطلت الطلقات النارية من كل جهة صوب ذلك الشاب الذي اشتبك في صراع مع أحد ضباط الحرس الاستعماري وسط السيارة العتيقة المكشوفة. وطعن الشاب المقدام ضابط الحرس طعنة نجلاء في كتفه، وحاول الارتماء على ذلك الوحدة الثانية : العربي الخطابي الحمد المطروح فوق الأرض . جسد «السلطان المصطنع» . إلا أن الرصاص كان قد ثقب جسم الفدائي الشجاع، فسقط على الأرض مضرجا في دمائه، قريبا من الفرس الكـريـم الـذي أبى أن يحمل الفدائي الأول ـ ليعرب عن هذه الثورة بدمه وروحه،