المبحث الأول: ماهية المنهج الوصفي المطلب الأول : مفهوم المنهج الوصفي يعتبر المنهج الوصفي أحد المناهج التي يجب على الباحث في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية التمكن منه ومن آلياته وتقنياته وأساليبه وهذا لا يتأتى إلا إذا تم تحديد المفاهيم المرتبطة بهذا المنهج أولا. ذلك لأن تحديد المفاهيم يكتسي أهمية بالغة في مجال البحث العلمي الأكاديمي وهو ما نبتغيه من تخصيص هذا المطلب لتحديد المفاهيم الخاصة بالمنهج الوصفي الفرع الأول : تعريف المنهج الوصفي ويكثر استخدام هذا المنهج الوصفي- في الدراسات الاجتماعية والإنسانية التي يصعب فيها تطبيق المنهج التجريبي . "فهو طريقة بحثية لجمع المعلومات على ما هو كائن كما هو وتحليله وتفسره بهدف الضبط والتعميم والتنبؤ" ونلاحظ من خلال التعريف أن المنهج الوصفي يقوم على دراسة الظواهر الحالية وهو ما يشير الى اختلافه عن المنهج التاريخي الذي يهتم بالظواهر الماضية ، والمنهج الوصفي يدرس الظواهر كما هي دون تدخل من الباحث كما هو معمول به في المنهج التجريبي وعليه فإن الوصف: رصد حال أي شيء، أم بيان خصائص مادية أو معنوية لأفراد أو جماعات، يقوم المنهج الوصفي بالبحث عن أوصاف دقيقة للظاهرة المراد دراستها عن طريق مجموعة من الأسئلة هي:  ما العلاقات بين الظاهرة المحددة والظواهر الأخرى؟ لا يقتصر البحث الوصفي على جمع البيانات وتصنيفها وتبويبها إلى تحليلها التحليل الكافي الدقيق المتعمق بل يتضمن أيضا قدراً من التفسير لهذه النتائج، ثم الوصول إلى تعميمات بشأن الظاهرة موضوع الدراسة. الفرع الثاني: خصائص المنهج الوصفي و أهدافه أولا: خصائص المنهج الوصفي والانطباعات الشخصية والنفسية المتحيزة. وكذا آثار الأنشطة البشرية وسجلاتها والدراسات التي قامت عليها . ثانيا : أهداف المنهج الوصفي أما عن الأهداف المرجوة من استخدام المنهج الوصفي في الدراسات الإنسانية عموما والدراسات القانونية على وجه الخصوص فيمكن إظهارها على النحو التالي: • تحديد وضبط المشكلات الموجودة أو توضيح بعض الظواهر. • تحديد ردة فعل الأفراد اتجاه مشكلة ما، والاستفادة من خبراتهم ووجهات نظرهم لوضع خطط مستقبلية واتخاذ القرارات مناسبة في مشكلات متشابهة. • إيجاد العلاقات والروابط بين الظواهر • أن المنهج الوصفي لا يهدف فقط إلى وصف الظواهر أو الواقع كما هو بل يسعى إلى الوصول إلى استنتاجات ومعلومات تفيد وتساهم في فهم الواقع وتطويره . يقصد به عزل وانتقاء مظاهر معينة من مجتمع كلي، حتى يمكن تمييز خصائص أو صفات الظاهرة تتصف بالتعقيد والتداخل الأمر الذي يمكن الباحث من مراقبة تلك الظواهر على مختلف صورها وحالاتها الطبيعية. وقد يكون جزئيا فيسبق بكلمة بعض، وبالتعميم نصل بما استقرأناه إلى ما لم نستقروه . إن البحوث القانونية الوصفية أو المنجزة وفقا للمناهج الوصفي، أما عن خطوات المنهج الوصفي فهي لا تختلف عموماً عن مراحل بقية المناهج العلمية الأخرى وهذا ما ستأتي توضيحه في العنصرين التاليين: أولا: مرحلة الاستكشاف والصياغة معظم الأبحاث والدراسات تهدف إلى استطلاع مجال معين للبحث الاجتماعي أو الإنساني بما في ذلك العلوم القانونية، أو تسعى إلى صياغة مشكلات تصلح للبحث الدقيق في مرحلة لاحقة، كما قد تهدف هذه الدراسات إلى تحقيق أهداف أو وظائف أخرى مثل توضيح بعض المفاهيم أو تحديد أولويات المسائل والموضوعات الجديرة بالبحث أو تجميع معلومات وبيانات حول الإمكانيات العملية لإجراء بحث أو دراسة عن مواقف الحياة الفعلية أو الواقعية أو العملية، أو ضبط أهم المشكلات التي تؤرق الناس والمتعلقة بحياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، • استشارة الأفراد ذوي الخبرة العلمية والعملية بالمشكلة المراد دراستها. . تبسيط وتفكيك أو تحليل بعض الحالات والأوضاع التي توضح المشكلة وتلقي مزيداً من الضوء عليها . يتم وصف الخصائص المختلفة وتجميع كل المعلومات بوصف دقيق لكل جوانب الموضوع وأبعاده أو حول موقف اجتماعي معين فنستطيع مثلا تصور خصائص الدوافع الاجرامية لحي من الأحياء حينما نحصل على كافة المعطيات والبيانات حول هذا الحي مثل الظروف البيئية والاجتماعية المحيطة بالحي كحالات الطلاق جرائم المخدرات أعمال العنف، إحصاء الجرائم في هذا الحي، وغيرها من العوامل الجرمية إضافة إلى بعض الأعمال الأخرى كالمستوى التعليمي، نسبة البطالة عامل السن التدين والبطالة والانحلال الخلقي إضافة إلى نوعية الخدمات المتوفرة في هذا الحي كالسكن والصحة، الفرع الثاني : خطوات المنهج الوصفي 1. الشعور بالمشكلة البحثية وذلك بتجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات والبيانات حولها والتي تساعد في ضبطها. 2. تحديد الإشكالية التي يريد الباحث دراستها وصياغتها في شكل سؤال أو أكثر. 4. تحديد أدوات البحث العلمي القانوني والتي يمكن توظيفها للحصول على المعلومات الكافية والجيدة كالملاحظة الاستبيان المقابلة والعينة وذلك وفقا لطبيعة إشكالية البحث وفروضه 5. اختيار العينة التي ستجرى عليها الدراسة مع توضيح حجم هذه العينة وكيفية اختيارها أسلوب أو طريقة انتقائها. 7. استخلاص النتائج وتنظيما وتصنيفها . تتخذ البحوث الوصفية أشكالا عديدة، حيث لا يوجد اتفاق عام حول كيفية تصنيف هذه الأشكال. فهناك رأي يرى بأنه تبعا لتقسيم هوتني WHITNEY لمناهج البحث العلمي، توجد ثلاثة أشكال للمنهج الوصفي وهي: أسلوب دراسة الحالة ، وأسلوب المسح الاجتماعي و هناك من يرى بأنه تبعا لتقسيم فان دالين والذي يشتمل على الدراسات المسحية ، دراسة العلاقات المتبادلة ، وهناك رأي ثالث يرى بأن أساليبه هي طرق أو مناهج فرعية تتمثل في المسح الاجتماعي، دراسة حالة والمنهج المقارن (الدراسات السببية المقارنة) والرأي الرابع يعتقد بأنها تشمل: منهج دراسة الحالة، منهج تحليل المضمون، ومنهج المسح الاجتماعي والموقف الخامس قسمها إلى أسلوبين هما أسلوب المسح الاجتماعي ودراسة الحالة وهذا ما تناولناه في بحثنا هذا وذلك لأن كل من المنهج المقارن ومنهج تحليل المحتوى (المضمون) كليهما يعد منهجاً مستقلاً قائماً بذاته . المطلب الأول: أساليب المنهج الوصفي الفرع الأول: أسلوب دراسة الحالة أولا : مفهوم أسلوب دراسة الحالة وأنواعها أ-مفهوم أسلوب دراسة الحالة هو أسلوب يعتمد على البحث المتعمق في موضوع يتعلق بحالة فردية أو جماعية، سواء كانت فردا أو مؤسسة أو نظاما اجتماعيا، • استكشاف الحالة. • دراسة حالة على ضوء نظرية سابقة. بهدف تقديم أو ترتيب لحدث أو لوضعية في حدود الإمكان. ويمكن التمييز بين الأنواع التالية من دراسات الحالة: لتوضيح الكمية التي تكون عليها وضعية موقف ما. 2- دراسة الحالة التراكمية تهدف إلى تجميع المعلومات عن عدد من الكيانات في أوقات مختلفة، 3- دراسة الحالة الاستكشافية: هدف هذه الدراسة هو المساعدة على تحديد الأسئلة، ثانيا : تطبيق دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية وتقييماتها إذا كان مجال تطبيق هذا الأسلوب هو العلوم السلوكية وخاصة علم النفس الذي يعد مجالا وذلك حسب طبيعة الموضوع المدروس ومشكلة البحث، كما تكثر استخدامات هذا الأسلوب في مجابهة ومحاربة الكثير من الظواهر القانونية كدراسة ظاهرة الطلاق، التعسف في استعمال السلطة البطالة، النمو الاقتصادي، إضافة إلى الكثير من الأبحاث والدراسات القانونية التي تعتمد في جانبها التطبيقي على نموذج معين أو دراسة الحالة. ب: تقييم أسلوب دراسة الحالة يقصد بتقييم أسلوب دراسة الحالة نقده نقداً علمياً بناء، وذلك بذكر أهم مزاياه ومحاسنه وأهم عيوبه أو مساوئه وهي على النحو التالي: 1- المزايا أو المحاسن أو الإيجابيات وتتمثل فيما يلي: • اتساع وتشعب المجالات التي يمكن فيها استخدام أسلوب دراسة الحالة في مختلف فروع القانون العام والخاص؛ • التعمق في الدراسة والنفاذ إلى كل أبعادها وعدم الاكتفاء بجوانبها السطحية أو الوصفية الخارجية؛ • يسمح بالحصول على بيانات ومعلومات شاملة وعلى تحليل كيفي ويهتم بالموقف الكلي وبصورة متتابعة • التشكيك في مدى الثقة المنبعثة من المعلومات أو البيانات المتحصل عليها بهذا الأسلوب وذلك لعدم التوصل إلى التفرقة بين دراسة الحالة كمنهجاً أو كأسلوب أو أداة من أدوات المنهج الوصفي؛ • ضعف عامل الموضوعية في البحوث القانونية المبنية على أسلوب دراسة الحالة لإمكانية تدخل ذاتية الباحث في تفسير النتائج، بمعنى صعوبة تحديد مدى صدق المعطيات وتفسيرها؛ • تعميم النتائج يتطلب تطابق الحالات أو الظواهر المدروسة مع مجتمع الدراسة أو المجتمع الكلي ككل، وهذا ما يتعارض وطبيعة العلوم السلوكية ومنها القانون مع إمكانية وجود حالات شاذة لا يمكن التعميم عليها، أمر مستحيل؛ • قد لا يعتبر البعض هذه النظرية علمية بشكل كامل. الفرع الثاني: أسلوب الدراسة المسحية أ: مفهوم أسلوب الدراسة المسحية تعتبر الدراسات المسحية من أهم الوسائل لتجميع المعلومات الأولية اللازمة بطريقة منظمة بهدف فهم سلوك المجتمع موضوع الدراسة ويستعمل هذا الأسلوب عادة لمعرفة اتجاهات الرأي العام. والوقوف على الجوانب المختلفة لظروف المعيشة والحياة في مجتمع ما أو لدراسة السلوك الماضي والحالي والمستقبلي للأفراد. ب : أنواع المسح ويمكن أن يكون المسح شاملا أو بالعينة. أما إذا كان كثيرا فهي طريقة مرتفعة التكاليف وتستغرق وقت طويل. 2- المسح بالعينة يقوم على اختيار عينة مختلفة للمجتمع محل الدراسة وتكون النتائج المتوصل إليها ذات مصداقية ولهذا فإن البحوث المسحية تعتبر أداة جيدة للحصول على المعلومات اللازمة لعملية التخطيط، ويقول الدكتور سامي محمد ملحم أن الدراسات المسحية تتعلق بالوضع الراهن أو الواقع الحالي، وذلك من أجل معرفة صلاحية هذا الوضع أو مدى حاجته إلى إحداث تغيرات جزئية أو أساسية فيه وتعتبر الميزة الأساسية للبحث المسحي إمكانية جمع كمية كبيرة من البيانات عن الفرد المبحوث في المرة الواحدة والتي قد تشتمل على: • زيادة في المعرفة والمعلومات. • دراسة السلوك المتعلق بالفترة الماضية أو الحالية، • بعض المتغيرات الديموغرافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مثل الدخل والعمر والمهنة ومكان الإقامة. ثانيا: تطبيقات أسلوب المسح في مجال العلوم القانونية: إن تحديد ميدان استخدام أسلوب المسح مرتبط بطبيعة الموضوع المدروس وإذا رجعنا إلى مجال العلوم القانونية فإن أول من استخدمه هو جون هوارد John Howard ، فبدأ بدراسة جادة أطلق عليها اسم حالة السجون في إنجلترا وويلز، وذلك في عام 1777م حيث قام بالوقوف على حالة المساجين وعمل على جمع الحقائق والأرقام مباشرة من السجون والمساجين وإحصائها وقام بدراسة مسحية شاملة حول أسماء المساجين وأعدادهم وتواريخ سجنهم وظروفه ومختلف المشاكل التي كانوا يعانون منها بسبب الأمراض والرعاية الصحية السيئة، وغيرها من الظروف غير الملائمة، ثم قام بتقديم بحثه في إنجلترا ونوقش على مستوى مجلس العموم البريطاني فصدرت تشريعات ادت إلى إصلاح السجون في انجلترا والنظام العقابي ككل في تلك الدولة. ثالثا : تقييم أسلوب المسح : مثله مثل أسلوب دراسة الحالة تعرض أسلوب المسح إلى جملة من الانتقادات أو العيوب، أ- المزايا: تتمثل أهم إيجابيات أو محاسن هذا الأسلوب في النقاط التالية: • أن أسلوب المسح الاجتماعي أقل تكلفة مقارنة بأسلوب دراسة حالة من خلال اللجوء إلى عينات نموذجية بدلا من الحصول على المعلومات أو البيانات في فرد أو في حالة واحدة. • بالإضافة يعد طريقة جيدة تمكن من ملاحظة سلوكات الأفراد وردات فعلهم من خلال ما يعبرون عنه بأنفسهم مباشرة في عملية المسح. • يمكن تعميم النتائج الأولية المتحصل عليها على مجتمع الدراسة الكلي على عكس أسلوب دراسة الحالة. ب العيوب: رغم كل المزايا التي يحققها هذا الأسلوب فإن له نقاط ضعف أو سلبيات يمكن إجمالها فيما يلي: مما قد يجعل منه أداة ضعيفة للحصول أو التعمق في الظاهرة المدروسة. • ضعف وقلة البيانات والمعلومات خاصة إذا استعنا بالاستبيان ولعدم رجوع الاستبيانات أو عدم الإجابة عنها. المطلب الثاني: تطبيقات المنهج الوصفي في مجال العلوم القانونية وتقييمه الفرع الأول : تطبيقات المنهج الوصفي في مجال العلوم القانونية يهتم المنهج الوصفي بذكر الخصائص والمميزات للظاهرة أو الحادثة أو السلوك الموصوف معبرا عنه بصورة كمية أو كيفية دقيقة ، أما في مجال العلوم القانونية ، فإن مجالات استخدام هذا المنهج تتنوع وتتسع لتشمل كل فروع القانون العام والخاص، حيث يعرف تطبيقا واسعاً في الدراسات القانونية الوصفية خاصة النظرية التي تعتمد على أسلوب دراسة الحالة نموذجا - أو المسح الاجتماعي ومثال ذلك الأبحاث والدراسة في العلوم الجنائية كتحديد ماهية الجرائم والعقوبات المقررة لها، إضافة إلى مختلف الأبحاث والدراسات القانونية سواء في القانون المدني أو التجاري أو الأسرة أو القانون الدولي العام فكل فروع القانون تتضمن دراسات وصفية خاصة في نطاقها النظري أو الموضوعي أو التفسيري. الفرع الثاني: تقييم المنهج الوصفي يتميز المنهج الوصفي كغيره من مناهج البحث العلمي القانوني بجملة من المزايا والعيوب يمكن ذكر أهمها فيما يلي: أولا :المزايا: تتمثل إيجابيات البحوث الوصفية القانونية في النقاط التالية: • أنه يقدم للمختصين في مجال القانون بيانات ومعلومات وحقائق عن واقع الظاهرة المدروسة حاليا. يبين الروابط والعلاقات بين مختلف الظواهر أو الظاهرة نفسها كتوضيح العلاقة بين الأساليب والنتائج.