قَامَتْ عَلَى رُبْوَةٍ عَالِيَةٍ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ وَالْمُحِيطِ الْأَطْلَسِي، فَكَانَتْ لِذَلِكَ بَابَ الْمَغْرِبِ وَتَفْرَهُ الْجَمِيلَ وَمَثَلَتْ أَمَامَ أُورُبًا عَلَى غَلْوَةِ أَوْ غَلْوَتَيْنِ، وَمُتَرَبِّعًا لِلْمَغَارِبَةِ لَا يَتَخَلَّفَانِ عَنْهُ طَوَالَ الْعَامِ. إِلَى عَهْدِ الرُّومَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَاصِمَةَ وِلَآيَةِ مُورِيتَانِيَا، فِي هَذِهِ الْعُهُودِ كُلِّهَا كَانَتْ طَنْجَةُ تُمَثَلُ دَوْرَهَا بِاعْتِبَارِهَا عَاصِمَةً سِيَاسِيَّةً وَتِجَارِيَّةً لَهَا شَأْنُهَا بَيْنَ سَائِرِ الْعَوَاصِمِ مِنْ شَرْقِيَّةٍ وَغَرْبِيَّةِ ، إِلَى أَنْ أَسْسَ الْمَوْلَى إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ دَوْلَتَهُ وَجَعَلَ مَدِينَةَ وَلِيلِي كُرْسِيُّهَا، ثُمَّ نَقَلَهُ ابْنُهُ الْمَوْلَى إِدْرِيسُ الثَّانِي إِلَى مَدِينَةِ فَاسَ بَعْدَ بَنَائِهِ لَهَا سَنَةَ 192 لِلْهِجْرَةِ، فَلَمْ تَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ تَابِعَةً لِكُرْسِيِّ الْمَمْلَكَةِ الْمَغْرِبِيَّةِ أَيْنَمَا كَانَ، وَعَادَتْ لِطَنْجَةَ أَيَّامَ الدَّوْلَةِ الْعَلَوِيَّةِ صِفَةُ الْعَاصِمَةِ السَّيَاسِيَّةِ لِلْمَغْرِبِ، فَأَصْبَحَتْ مَهْبِطَ سُفَرَاءِ الدُّوَلِ، ثُمَّ بَعْدَ اسْتِقْلَالِ الْمَغْرِبِ انْتَقَلَ السُّفَرَاءُ إِلَى العَاصِمَةِ الرِّبَاطِ، وَلِطَنْجَةَ مَاضٍ عِلْمِي زَاهِرٌ كَانَتْ فِيهِ عَدِيلَةَ غَيْرِهَا مِنْ مُدُنِ الْمَغْرِبِ الْعِلْمِيَّةِ كَسَبْتَةَ وَفَاسَ وَمَرَّاكُشَ، وَاشْتَهَرَ مِنْ أَعْلَامِهَا الرَّحَالَةُ الْكَبِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَطُوطَةَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَطَافَ بِأَنْحَاءِ الْعَالَمِ الْمَعْرُوفِ إِذْ ذَاكَ، وَتَوَكَّلَ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ الْأَقْصَى وَمَجَاهِلِ إِفْرِيقِيَا، وَعَادَ إِلَى مَوْطِنِهِ بَعْدَ غِيَابِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهِيَ رِحْلَةً مَشْهُورَةٌ تُرْجِمَتْ إِلَى أَكْثَرِ لُغَاتِ الْعَالَمِ الْمُتَمَدِّنِ. وَلَهُمْ تَمَرُّسٌ بِاللُّغَاتِ الْأَجْنِيَّةِ الْعَدِيدَةِ، وَمِنْ لَمْ كَانَتْ طَنْجَةُ مِنْطَقَةً مُخْتَارَةً لِلنَّعَائِشِ السَّلْمِيِّ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَجْنَاسِ لِرُوحِ التَّفَاهُمُ الَّتِي تَسُودُ سُكَّانَهَا كَافَّةً.