يعد كتاب البديع لابن المعتز من أهم الكتب في تراثنا البلاغي والنقدي، فقد اهتم فيه بجمع بعض الفنون البلاغية التي رآها تدخل تحت ظلال البديع، يجد أن ابن المعتز قد أثر على هؤلاء جميعًا. ولو لم يكن له من فضل غير تحديد الاصطلاحات لكفاه ذلك ليتمتع في تاريخ النقد العربي بمكانة هامة". أما الدافع لتأليف هذا الكتاب فقد ذكره ابن المعتز في مقدمته فقال: "ليعلم أن بشارًا ومسلمًا وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن؛ ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شُغفَ به حتى غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى نادرًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل فابن المعتز ألف كتابه ليبين أن أساليب البديع المنتشرة في شعر المحدثين بكثرة ليست من ابتكارهم وإنما لها أصول في الأدب القديم شعره ونثره، وقد رأى بعض النقاد أن ابن المعتز في ذلك ينتصر للقديم أو على حد تعبير الدكتور إحسان عباس "ذهب ابن المعتز ينصف القديم، والإفراط مذموم في كل الأمور بل إن بعض النقاد نظر إلى أن الدافع إلى تأليف البديع ليس فقط تأكيدًا لانتصار الأدب القديم على المحدث ولكن توثيقاً لانتصار العرب على العجم، فأول من اهتموا في شعرهم بالبديع هم من الشعوبيين مثل أبي نواس وبشار ومسلم، ولعل البعض ظن أنهم أول من جاءت قصائدهم مشتملة على تلك الفنون أو لعلهم ادعوا بالفعل أنهم ابتكروا هذا الفنون وأن العرب لا علم لهم بها، " وهكذا يقضي ابن المعتز على آمال المدعين والشعوبيين حتى لا يفتخر أحد منهم بابتكار فن عربي جديد، أو يفاخر أحدهم العرب باختراع فن في كلامهم لم يكونوا هم السباقين إليه. يقول ابن المعتز بصراحة ووضوح: "وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع". بينما رأى آخرون ما يناقض هذا القول تمامًا، وقد أتى بهذا الكتاب من ناحية تمكنه من إحراج المتعصبين للقديم، وكان يمكن أن يكون لهذا الرأي وجاهته لو لم يبين ابن المعتز رأيه في كثرة استخدام البديع في الشعر المحدث ولو لم ينع على شعرائه الإفراط في استخدامه، ويشيد بالطريقة التي انتهجها القدامى الذين لم يسرفوا في استخدام البديع فكانت ندرته سببًا في ازدياد تميزه وبقاء رونقه أو حظوته بين الكلام المرسل، وقد وجه سهام نقده إلى أبي تمام إمام الصنعة الذي حمل لواءها، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى نادرًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، ويقول: لو أن صالحًا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولاً من كلامه لسبق أهل زمانه، وفي كتابه يأتي بالأمثلة من القديم ومن المحدث، وهذا ما لاحظه الدكتور شوقي ضيف حين وصفه بأنه "يسوي بين المحدثين والقدماء في الإحسان مع شيء من الاحتياط إزاءهم جميعًا، وهو احتياط جعله يعقب على شواهدهم الرائعة في فنون البديع بما يعاب من كلامهم وأشعارهم جميعًا. يقول الدكتور طه حسين في مقدمة كتاب نقد النثر "لقد ترجم حنين بن إسحاق "كتاب الخطابة" ومن المحتمل أن تكون هذه الترجمة قد ظهرت بعد وفاة الجاحظ، لأن حنين بن إسحاق توفي سنة 298هـ. فهو عبارة عن تعداد لأنواع البديع مع الاستشهاد لكل نوع بشواهد من كلام القدماء والمعاصرين لابن المعتز، ومع الموازنة بين هذه الشواهد بعضها وبعض. وهم يقولون إن ابن المعتز أحصى في كتابه ثمانية عشر نوعًا من أنواع البديع من يدرسها في كتاب معاصره قدامة بن جعفر وفي كتب الذين جاءوا بعده يلحظ فيها لا محالة أثرًا بينا للفصل الثالث من كتاب "الخطابة" وبعبارة أدق، فالدكتور طه حسين الذي لم يكن قد قرأ الكتاب بعد، وقد جاء بعد ذلك الدكتور محمد مندور تلميذ الدكتور طه حسين الذي قرأ كتاب ابن المعتز بعناية وقرأ كتاب الخطابة لأرسطو وقرأ بعد ذلك كتب قدامة وغيره ليوافق أستاذه في هذا الطرح، وليحاول جاهدًا أن يثبت صحة هذا الكلام في كتاب البديع؛ وهذه الأربعة من الخمسة التي ميز بها ابن المعتز مذهب المحدثين"[8]، وابن المعتز يعرف الاستعارة بأنها "استعارة الكلمة لشيء يعرف بها من شيء قد عرف بها وهذا التعريف يكاد يكون تعريف أرسطو"[9]. ونعرف أن السبب الذي لام فيه الآمدي قدامة بن جعفر على هذه التسمية لم يكن في محله حيث يقول: " وما علمت أن أحد فعل هذا غير أبي الفرج، فإني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه، مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألف فيها؛ وكفوه المؤونة"[14] فقدامة هنا لم يخالف من تقدمه فقد سبقه ثعلب إلى هذه التسمية، وهناك بعض الأمثلة التي ذكرها ابن المعتز قد وجدت في كتاب أستاذه، والقارئ لكتاب " قواعد الشعر " سيكتشف عمق تأثر ابن المعتز به في كتاب " البديع "، وقبل أن نترك مسألة الأسماء تلك نذكر قول الدكتور إحسان عباس عن وجود اسم المطابقة بمعناه الذي ذكره ابن المعتز حيث يقول: "يفهم من خبر مروي عن أبي الحسن علي بن الحسن الأخفش أن الخليل والأصمعي كانا يعرفان " الطباق " منهج ابن المعتز في كتابه: ذكر ابن المعتز في كتابه خمسة أنواع من البديع هي: الاستعارة والتجنيس والمطابقة ورد الأعجاز على ما تقدمها والمذهب الكلامي وبعد أن أنهى هذه الأبواب الخمسة نراه يقول:" انتهت أبواب البديع الخمسة: قد قدمنا أبواب البديع الخمسة وكمل عندنا، وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين، وأول من نسخه مني علي بن هارون بن يحيى بن أبي المنصور المنجم. ثم بعد ذلك نراه يبدأ في ذكر أساليب بلاغية جديدة يضعها تحت عنوان محاسن الكلام، ويقول قبل أن يشرع في تفصيل تلك الأنواع " ونحن الآن نذكر بعض محاسن الكلام والشعر، ولا ضيق في المعرفة، فله اختياره . حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذم وتجاهل العارف، وأخيراً حسن الابتداء. والجزء الثاني الذي وضعه تحت عنوان محاسن الكلام، ثم ليفتح الباب أمام من يضيف إلى هذه المحاسن شيئًا ويعدها من البديع. ثم جاء من قرأه وذكر هذه الملاحظة؛ فأتبعه ابن المعتز بذكر ما رآه من محاسن الكلام. ومن أكثرها ورودًا عند المحدثين أيضًا. ومن الملاحظ أن ابن المعتز لم يجعل كل استعارة من البديع، ويجعل العبارة الأولى من البديع، ولكنها استعارة غير بديعة. ويعد النوع الثاني من البديع ويخرج النوع الأول منه. وبذلك يكون ابن المعتز قد أدخل فارقًا فنيًّا دقيقا في فوارق ما بين البديع وغير البديع . فقال: أطعمك الله لحمك. فمن الواضح أن الاستعارة الأولى معيبة لمجافاتها الذوق والثانية لعدم وجود العلاقة أصلاً، وهكذا يأتي ابن المعتز بعد كل فن من فنون البديع بأمثلة للمعيب والذي غالبًا ما يكون التكلف واضحًا فيه. أما عن المذهب الكلامي وهو النوع الخامس من أنواع البديع فقد نسبه ابن المعتز إلى الجاحظ، وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً، ويعرف صاحب تحرير التحبير المذهب الكلامي بأنه:" عبارة عن احتجاج المتكلم على المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له فيه، لأنه مأخوذ من علم الكلام الذي هو عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين العقلية وهو الذي نسبت تسميته إلى الجاحظ ورغم أن ابن المعتز قال إنه لم يجد منه شيئًا في كتاب الله، ومستشهدًا لذلك بمجموعة من الأمثلة القرآنية، وليس عدم علمه مانعًا علم غيره، وتمام الدليل أن تقول: لكنهما لم تفسدا فليس فيهما آلهة غير الله. فلم تعلموا ما أعلم، فهذان قياسان شرطيان من كلام الله وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام لكن السؤال: لماذا غابت عن ابن المعتز تلك الأمثلة الكثيرة الموجودة في كتاب الله للمذهب الكلامي، وحوار، " الشاعر هنا يَقِيسُ حالَتَهُ على حالة شعراء آخرين، فعلوا مثله، وهذا الاستدلال المنطقي في الشعر وارد على مذهب علماء الكلام في تقديم الحجج العقلية، على أنّ النابغة جاهلي جاء قبل علماء الكلام بقرون، ولعل فكرة التكلف تلك أتت من تلك الأمثلة الدقيقة والغامضة التي كان يستخدمها المتكلمون في أساليبهم المنطقية بينما نرى القرآن الكريم واضحًا جليًّا مشرقًا "قال العلماء: قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة. لكن أورده على عادة العرب دون دقائق طرق المتكلمين، والثاني، أن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجلي من الكلام، لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأقلون ولم يكن ملغزا، فاخرج - تعالى - مخاطباته في محاجة خلقه في أجلى صورة لتفهم العامة من جليها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة، ويفهم الخواص من أثنائها ما يربي على ما أدركه فهم الخطباء إلا أننا لا نستطيع أن نقول إن غموض الأمثلة التي كان يستخدمها المتكلمون في المذهب الكلامي ووضوح القرآن وإشراقه حال دون أن يرى ابن المعتز ما في القرآن من أمثلة لهذا النوع لأن هناك أمثلة ذكرها ابن المعتز كانت بعيدة عن الغموض،