هو المطلب لكل أحد وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج ؛ ولذلك أسباب دينية وأسباب طبيعية، وأسباب عملية ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين؛ فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالاً ومالاً، أولًا: عظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأخبر تعالى، ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح، المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها. في الحديث الصحيح أنه قال: (عَجَباً لِأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، فأخبر أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب الثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، قال تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاح بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عظيماً، فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فأحلت به الأمراض المتنوعة فصار دواؤه الناجع نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم. رابعًا: مما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي ﷺ من الهم والحزن؛ والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبي ﷺ إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء، فهو يحث مع الاستعانة بالله، والتخلي عما كان يدعو لدفعه، فجمع ﷺ بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، وجعل الأمور قسمين قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها، حتى لو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا يُحصى لها عد ولا حساب، ولم يكن للمكروه إلى النعم نسبة. سادسًا: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردُّها، وأن ذلك حمق وجنون، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله وزال عنه همه وقلقه. ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي ﷺ يدعو به : (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةٌ أَمْرِي، وكذلك قوله : (أَللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، سابعًا إذا حصل على العبد من النكبات، أن يسعى في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع، ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع، فإذا حلت به أسباب الخوف وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل ، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغله عن الحياة الدنيا. ثامنًا من أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية : قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلق الدافعة لقلقه، عاشرًا من الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تصغ لها بالاً لم تضرك شيئاً، ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك، فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه : (إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً) ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوي اتصالك بهم، فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وأن تتخذ من الأمور الكدرة أموراً صافية حلوة، ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، فإذا حسمت كل شيء بوقته، أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.