لولا القرآن ما كانت المعاجم العربية بات يقينا لا مجال للطعن فيه أو لتسرب الريب نحوه - أمر أثر القرآن الكريم في قيام العلوم ونهضتها في المحيط الحضاري لأمة العرب؛ وارتفاعه عما عانوا وتعاطوا من فنون القول كلها عندهم، أي ينقرون عما فيه ويبحثون عن معانيه)؛ أدرك هذه الحقيقة الخطيرة كل من عالج شيئا من الدراسات العربية واللغوية على وجه التحديد، سواء أكان هذا الدارس عربيا مسلما أو غير مسلم أو كان أعجميا غير عربي وهو الأمر الذي ألمح إليه المستشرق الألماني أوجست فيشر في مقدمة القطعة التي طبعها مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام ١٣٨٧ هـ / ١٩٦٧م من معجمه (المعجم اللغوي التاريخي)، عندما أرجع السر وراء النهوض بالدراسات اللغوية في الحضارة العربية والإسلامية إلى تفسير كتاب الله الكريم. ويرسم صورة واضحة لهذه العلاقة بين نشأة المعجم العربي وبداية التأليف فيه، يقول ابن خلدون: "وأصل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنةالتي هي مشروعة لنا من الله ورسوله، وهذا نص على وجازته قاطع في الدلالة على أن اللسان وعلومه (واللسان اسم آخر للغة) هو الأساس لأي علم شرعي يبغي التعامل مع كتاب الله وسنة نبيه. وقد انضاف مع مرور الوقت عوامل أخرى، لكنها لم ترق إلى هذا الذي أخبرتك به من أن المعجم العربي وغيره إنما أنشأ لحفظ دلالات ألفاظ كتاب الله والاستشهاد على صحة هذه المعاني من لغة العرب؛ يقول ابن خلدون مرة أخرى عند حديثه عن اللغة : "هذا العلم هو بيان الموضوعات اللغوية، وذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب واستنبطت القوانين لحفظها . ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم، فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريحالعربية، ولا يغرنك ما قدمه ابن خلدون بين يدي حديثه من أمر الخلطة بالأعاجم وفشو العجمة من جراء هذه الخلطة؛ فهذه وأمثالها أمور أسهمت ولا شك في تطور العمل المعجمي العربي، بدليل أن كثيرًا من المحاولات الأولى في ميدان التأليف المعجمي كان دائرا حول الألفاظ القرآنية، وأن أولية المعجم العربي بالمعنى العام كانت قبل فشو العجمة،