أما في اصطلاح الأدباء فيقول أحمد الشايب عن الغزل : " ولعل المعروف الشائع أن الغزل هو الحديث عن المرأة ، فيها الحرقة والجوي (1) . ويعرفه بعض الدارسين بقوله : " إن الغزل تعبير عن صبوة الجنس إلي نحو الجنس الآخر ، التحفظ ويصاربه إلى التعبير الشهوي فيكون مجوناً (٢) . فيتوسل إلى قلوب سامعيه بما يجب ويحبون من نسيب بمحبوته وتعداد لمفاتنها ، ولا يتأذي أحد بما يسمع ولا يجدون فيه مساءة أو خروجا على الأعراف (۳) . ولم يشجب الإسلام هذا الطراز من الغزل باعتباره تقليداً جاريا لا يتوجه بالإيذاء إلي أحد مقصود ، بالبردة وكان كعب استهلها بغزل عف بامرأة وهمية أسماها سعاد (4) يقول أنور الجندي : " أقر الإسلام حق النفس الإنسانية في المجال الحسى وفق نظام كريم وقد صور الدكتور شكري فيصل هذا المفهوم في براعة حين قال : "لم تكن الحركة ولم يكن من شانها أن تحمل هذه الحياة العاطفية وأن تجعل منها قوة دافعة نحو الخير والصلاح المشترك (٢) . من النجون والحديث الفاضح من الشهوات ، وكان الدكتور طه حسين - أول من أطلق عليه الغزل الهجائي عند حديثه عن الشاعر عبيد الله بن قيس الرقيات فيقول : " وكان يتغزل حينا آخر لا للهو ولا لوصف حب صادق ، فكان يحرص الحرص كله علي ألا يؤذيهن أو يذيع بينهن الفاحشة كذباً وزوراً ، ويقول أيضاً : " وقد وصل ابن قيس الرقيات من هذا الغزل إلي كل ما يريد فأحفظ بني نفسه وبلغ مبلغاً حسنا حتي شفعت له وكسبت له أمان عبد الملك (٢) ووافقه علي هذه التسمية الدكتور / مصطفي هدارة بقوله : " ويتميز الشعر السياسي الزبيري بوجود العاطفة المتحمسة سواء في الانتصار لقريش أم التهجم علي بني أمية . ويلتقي الدكتور / يوسف خليف مع الدكتور / شوقي ضيف في تسمية هذا الغزل بالغزل السياسي فيقول : " ولم يكتف ابن قيس الرقيات . انتصاراً لقضيته السياسية بهذا اللون من الشعر السياسي الخالص ، وهو اتجاه كان قد سبقه إليه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت حين لجت الخصومة بينه وبين يزيد بن معاوية ، ويسمية الدكتور / أحمد الحوفي بالغزل الكيدي فيقول : " كان في أخريات العصر الجاهلي ضرب من الغزل تقدم بعض قصائد الفخر والهجاء وهو غزل تمهيدي يصطنعه الشاعر في شريفة أو شريفات خصومه ، (۳) وهناك من الباحثين من يتردد في تسميته فتارة يسمية بالغزل السياسي فيقول : " أما أن الغزل اتخذ طابعا سياسيا فقد حدث أول ما حدث في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وكان غرض الشاعر أن يشيب بنساء السلطان أو الأشراف ليفتضحهم وتلوك ألسنه المنشدين والمفنيين أغراضهم ، الأمر على معاقبة الشعراء الخصوم من العقاب ولاشك أن لم يكن للحب أو الجد أدني حظ في هذا الغزل ، وتارة أخري يسمية بالغزل المستعار فيقول : " وفي نعت بعض الغزل بالمستعار بعض الغرابة ، يفضحهم بها " (٥) . ومن المعلوم أن طبيعة الرجل العربي تكمن غيرته علي حريمه وعرضه ب ـ شدة وقع هذا اللون من الغزل علي الرجل لما فيه من التشهير وكشف الستر عن المحصنات د - إن هذه التسمية أعم وأشمل فلم يكن في الغالب الباعث علي الغزل الكيدي ثمه خصومات وعداوات سياسية سابقة يصدر عنها ، المسور زيادة بن زيد وغيرهم العربي وهي تتمثل في : ثانيا :- بوادر الغزل الكيدي وبواعثه : ولذا فقد تضافرت بواعث عدة وراء هذا اللون من الغزل منذ عرف طريقه إلى الشعر يقول الدكتور / أحمد شوقي - : " كان في أخريات العصر الجاهلي ضرب من الغزل وهو غزل تمهيدي يصطنعه الشاعر في شريفة من شريفات خصومه وخصوم قومه ، بل عن تصنع وتكلف وادعاء يريد أن يغيظهم ويشهر بهم ، أما الدكتور / شوقي ضيف - فيقول : " فإن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كان يهاجي وكان ممن تعرض لهن رملة بنت معاوية ، والذي نميل إليه أن هذا الضرب من الغزل عرف طريقه إلي الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وهناك العديد من الشعراء الجاهليين الذين بادروا إلي هذا الضرب من الغزل في شعرهم وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن الغزل الكيدي قبل العصر الأموي . بواعث الغزل الكيدي : وتكشف بوادر هذا الضرب من الغزل أن وراءه كانت دواعي أ- الحروب والأيام : " لعل أهم ما يميز حياة العرب في الجاهلية ، فهم دائما قاتلون مقتولون (1) وأيام العرب وحروبهم كثيرة ، ومن القبائل العربية التي دارت بينها حروب كثيرة وتعرض فيها شعراؤها للتشهير بالنساء لتولك الألسن أعراضهم ، وما جاء من أحاديث الغزل في المقدمات الشعرية عند حسان بن ثابت لا تخرج في جملتها عن مجال الغزل التمهيدي ، فقد هاج نفسك أشجانها وعاودها اليــــوم أديانهـــــــا تذكرت ليلي وأني بها إذا قطعت منك أقرانها ومن ذلك الضرب من الغزل ما قاله قيس بن الخطيم في يوم بعاث ، بالغزل في أخته " عمرة بقصيدة جاء فيها "(۳) أتعرف رسما كاطراد المذاهب تعمرة قفرا غير موقف راكب فأجابه عبد الله بن رواحه بالرد عليه ومعاملته بالمثل – يتغزل في أخت قيس بن الخطيم – ليلي فيقول (٤) أشاقتك ليلي في الخليط المجانب نعم فرشاش الدمع في الصدر غالبي ومن ذلك قول بشر بن أبي خازم الأسدي في يوم النسار بين بني أسد وبني تميم (٥) عفت من سليمي راحة فكثيبها وشطت بها عنك النوي وشعوبها . وفيها يقول :- فلما رأونا بالنسار كأننا نشاص اليزيا ، ثم يقول : بني عامر إنا تركنا نســاءكم من الشل والإيجاف تدفي عجوبها عضار بطنا مستبطنو البيض كالدمي مضربة بالزعفران جيوبها تبيت النساء المرضعات برهوة تفزع من خوف الجنان قلوبها (1) " وكان هذا الغزل سببا في هلاك الشاعر أحيانا ، فأنه بكي قتلي بدر وشبب بنساء الرسول ﷺ ونساء المسلمين ، الأنصار بقتله فقتلوه (۲). 1- الخصومة السياسية والعصبية القبلية : عندما اتخذ الغزل طابعا سياسيا في خلافة معاوية بن أبي سفيان استغله بعض الشعراء في معظم العصر الأموي ، والعصبية القبلية من وراء ذلك وكان غرض الشاعر أن يشبب بنساء السلطان أو الأشراف ليفتضحهم وتلوك ألسنه المنشدين والمفنين أعراضهم . " فإن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كان يهاجي عبد الرحمن بن الحكم الأموي ، وبذلك فقد دعت الخصومة السياسية بين الأنصار الأمويين عندما آلت الخلافة إلي الأمويين إلى مثل هذا الموقف ، أخاها يزيد في عهد أبيه " ويروي أن يزيد بن معاوية قال معاوية : أما سمعت قول عبد الرحمن بن حسان في ابنتك قال : وما الذي قال : قال (٤) : وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهر مكنون . قال معاوية : صدق : فقال يزيد : قال : وإذا نسبنها لم تجدها في سناء من المكارم دون. قال معاوية : صدق : فقال يزيد قال : ثم خاصرتها إلي القبة الخضراء تمشي في مرمر مسنون (٥) قال معاوية : كذب وكان معاوية واسع الحلم أغضي عن شاعر الأنصار لمكانتهم وحرمتهم ، من بعده من دخول الشام وصرف إلي أقاصي اليمن (۲) ولعل الشفاعة تذرعت بأنه ذكر في قصته الغزلية أنها رؤيا حالم : من هذه القصيدة قولة "(۳) ألا هزأت بنا قرشية يتهز موكبها . يقربها مقربها أتتني في المنام فقلت هذا حين أعتبها ويقول الدكتور / طه حسين :" أنه لم يكن يريد أن يسوء أم البنين ولا أن يؤذيها ولا أن يعرضها لمكروه تسمعه أو تلقاه ، بل كان يريد أن يتلطف لها ويتجبب إليها وأن ينزل شعره من نفسها منزلة الرضا والإعجاب . وخصومه ابن قيس الرقيات السياسية لبني امية ونضاله السياسي وفعالاته في نصرة الزبيريين سلبت عقله ، السياسيين إذ يذكر نساءهم بما يحسن مالا . ويؤكد علي هذا الدكتور / طه حسين – بقوله : " وقد وصل ابن قيس الرقيات من هذا الغزل الهجائي إلي كل ما يريد : فأحفظ بن أمية عليه أشد إحفاظ حتي هدروا دمه ، له أمان عبد الملك (0) وأيضا تغزل في عاتكة بنت يزيد بن معاوية أمرأة عبد الملك بن مروان في مقدمة قصائدة التي كان يمدح فيها مصعب بن الزبير كقوله في عاتكة "(1) أعاتك بنت العبشمية عاتكا أثيبي امراً أمسي بحبك عالكا بدت بي في أترابها فقتلنني كذلك يقتلن الرجال كذلك ومن هؤلاء الشعراء أيضا : أبي نمير الثقفي ، الأحوص (۲) يقول أبو الفرج عن الأحوص وغزله الكيدي : " أنه كا ييشيب بنساء ذوات أخطار من ويتغني في شعره معبد ومالك ويشيع ذلك في الناس ونهي عنه فلم ينته ويقول عنه الدكتور / طه حسين - فقد كان أمره كأمر العرجي سواء بسواء ، وفي ظل هذه اللواعج الذاتية لقي مصرعه ،